حزب بارزاني سيكون «أقلية» في حكومة كردستان العراق المرتقبة

بعد التنازلات التي قدمها رغم أغلبيته في برلمان الإقليم

TT

حزب بارزاني سيكون «أقلية» في حكومة كردستان العراق المرتقبة

رغم التوقيع رسمياً على الاتفاق بين الحزبين الرئيسيين الحاكمين في إقليم كردستان العراق، الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني، في 4 من مارس (آذار) المنصرم بشأن تشكيل حكومة الإقليم المنتخبة في 30 من سبتمبر (أيلول) الماضي، فإن المفاوضات بينهما بخصوص تقاسم المناصب ومواقع المسؤولية في السلطات الثلاث، استغرقت شهراً كاملاً أفضت في نهاية المطاف كالمعتاد إلى تبني مبدأ التوافق السياسي في تقاسم الحقائب الوزارية والمناصب الرفيعة في الحكومة المقبلة.
ويأتي تقاسم الحقائب والمناصب بعيداً عن الاستحقاقات الانتخابية التي ظل الديمقراطي، بزعامة مسعود بارزاني، يؤكد على وجوب الاستناد إليها كمعيار لتقاسم السلطات، واستحالة العودة إلى حالة المناصفة في إدارة شؤون الإقليم، كما حصل في العقود الثلاثة الماضية، باعتبارها تجربة عقيمة لم يحصد الإقليم منها، سوى الكوارث والمشاكل السياسية العصية على الحل حتى الآن، لكن تمسك غريمه الاتحاد الوطني بمواقفه المتصلبة وإصراره على تقاسم كعكة السلطة مع الديمقراطي وحركة التغيير على قدم المساواة، اضطر الديمقراطي الفائز بـ45 مقعداً من أصل 111 مقعداً في برلمان الإقليم، إلى التنازل عن جانب كبير من استحقاقاته الانتخابية، لنزع فتيل الأزمة وإخراج حكومة الإقليم المتعثرة منذ نحو خمسة أشهر من عنق الزجاجة، ما أزعج الكثيرين من ناخبيه ومؤيديه، بحسب عبد السلام برواري القيادي في الديمقراطي، الذي أوضح أن حزبه وطبقاً لاتفاقه مع كل من الاتحاد والتغيير سيغدو الأقلية في الحكومة الجديدة، التي من المقرر أن تضم 18 وزارة، تذهب 6 منها إلى الاتحاد و5 منها إلى التغيير، واثنتان إلى المكونين التركماني والكلدوآشوري، لتبقى 5 وزارات للديمقراطي، هذا في حال لم تشارك بقية الأحزاب في الحكومة.
وأضاف برواري، لـ«الشرق الأوسط» أن «حزبنا تنازل عن جانب كبير من استحقاقاته الانتخابية لسببين الأول تفهمه العميق للواقع المرير القائم في كردستان مع الأسف الشديد، والمتمثل بوجود قوات حزبية وتشكيلات أمنية مسلحة، تفرض رأيها على المشهد السياسي في الإقليم، وقد برهن الديمقراطي عملياً لا سيما خلال مرحلة الاقتتال الداخلي، أنه لن يتردد في إبداء المرونة وتقديم التنازلات من أجل الحفاظ على تماسك ووحدة البيت الكردي من الداخل، والثاني تمسك الاتحاد الوطني بمواقفه المتصلبة ومطالبه الكبيرة، حتى يبرهن لجماهيره أنه لا يزال قوة لا يمكن تجاهلها».
وحول ما إذا كان الديمقراطي قد حصل من نظيره الاتحاد على ضمانات بإعادة تفعيل قانون رئاسة الإقليم بصيغته الراهنة، خلال جلسة البرلمان المقررة نهاية الأسبوع الحالي، مقابل حصوله على حصة أكبر في الحكومة الوليدة، قال برواري: «لا ضمانات في الحياة السياسية بل مصالح آنية، لكن حضور كتلة الاتحاد في الجلسة الأخيرة للبرلمان وملاحظات أعضائها بشأن فحوى القانون، دلائل تشير إلى تأييده للقانون، علماً بأن الديمقراطي لن يكون بحاجة إلى أصوات نواب الاتحاد لتمرير قانون الرئاسة وإعادة تفعيله، لكن من المصلحة طبعاً أن يشعر الجميع بأن القانون مجسدُ لطموحاتهم».
بيد أن طارق جوهر المستشار الإعلامي في رئاسة البرلمان عن حزب الاتحاد الوطني 21 مقعداً، يعلل إصرار حزبه على ضمان حقه كشريك حقيقي وفاعل في الحكومة المقبلة، بأنه نابع من مدى حرصه على ضمان حقوق سكان الإقليم، من خلال تفعيل المؤسسات الرسمية، لا سيما رئاسة الإقليم، والعمل على حلحلة المشاكل المتراكمة التي عصفت بالمواطنين منذ سنوات، التي تتطلب حلولاً ناجعة وعاجلة، خصوصاً حل الأزمة الاقتصادية ومعالجة معضلة البطالة المتفاقمة، إضافة إلى ضمان دور الاتحاد كشريك فاعل في اتخاذ القرارات المصيرية المتعلقة، بمستقبل الإقليم وطبيعة علاقاته مع محيطه الخارجي، خصوصاً مع السلطة الاتحادية في بغداد، الأمر الذي يفرض وجود شراكة حقيقية في إدارة شؤون الإقليم بمعزل عن الحصة الانتخابية.
ويشدد جوهر، على أن تجارب الماضي أثبتت بشكل قاطع، أن الانفراد بإدارة السلطة في الإقليم أمر مستحيل، وقد جرب الحزبان مختلف الأساليب بما فيها الاقتتال الداخلي للانفراد بالحكم، إلا أنهما أخفقا في تحقيق ذلك، ما يعني أن الإدارة يجب أن تكون مشتركة، حفاظاً على المصالح العليا لشعب كردستان.
وفيما يتعلق بمدى تأييد حزبه لمضمون قانون رئاسة الإقليم بصيغته الحالية، قال جوهر: «رئاسة الإقليم مؤسسة هامة جداً، وتمثل جانباً مهماً من السلطة التنفيذية، لذا تجب إعادة النظر في الصلاحيات المخولة لرئيس الإقليم، الذي ينبغي له أن يكون حلقة الوصل الفاعلة بين السلطتين التشريعية والتنفيذية، ومن هذا المنطلق حضرت كتلة الاتحاد الجلسة الأخيرة لإبداء مقترحاتها وملاحظاتها بشأن مضمون ذلك القانون، قبل التصويت عليه وإقراره نهائياً».
أما حركة التغيير (12 مقعداً) التي غادرت خندق المعارضة النيابية، لتنضم إلى الحكومة الجديدة، بموجب اتفاق ثنائي مع الديمقراطي أبرم بينهما في 14 من فبراير (شباط) المنصرم، فتؤكد أنها حققت هي الأخرى أهدافها في تغيير نظام الحكم في الإقليم، من رئاسي إلى برلماني، وأن اتفاقها مع الديمقراطي ينطوي على ضمانات صلبة، تكفل تنفيذ برنامجها الإصلاحي الذي أخفقت في تحقيقه عندما تصدرت قوى المعارضة في السنوات الماضية.
ويعلل جالاك المهندس، القيادي في حركة التغيير، انضمام الحركة إلى الحكومة بقوله: جميع القوى السياسية في العالم تناضل من أجل بلوغ السلطة، وحركتنا ليست بمعزل عن هذه البديهية، لكنها تتبنى أجندة خاصة بها وستعمل على تنفيذها بحذافيرها في الحكومة القادمة، طبقاً للاتفاق المبرم مع الديمقراطي، لا سيما أن حركتنا تجيد التعاطي بحكمة مع الأوضاع السياسية في الإقليم، وتحرص على مصالح كردستان وشعبها، وهو السبب الأساس في انضمامها إلى السلطة، وفي حال وضع العقبات المتعمدة على طريق تنفيذ مشروعنا الإصلاحي، فإن حركة التغيير سيكون لها موقف آخر في حينه.



إرغام تربويين في صنعاء على تلقي برامج تعبئة طائفية

مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)
مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)
TT

إرغام تربويين في صنعاء على تلقي برامج تعبئة طائفية

مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)
مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)

أوقفت الجماعة الحوثية عشرات القادة والمسؤولين التربويين في العاصمة المختطفة صنعاء عن العمل، وأحالتهم إلى المحاسبة تمهيداً لفصلهم من وظائفهم، بعد أن وجّهت إليهم تهماً برفض حضور ما تُسمى «برامج تدريبية» تُقيمها حالياً في صنعاء وتركّز على الاستماع إلى سلسلة محاضرات لزعيمها عبد الملك الحوثي.

وفي سياق سعي الجماعة لتعطيل ما تبقى من مؤسسات الدولة تحت سيطرتها، تحدّثت مصادر تربوية في صنعاء لـ«الشرق الأوسط»، عن إرغام الجماعة أكثر من 50 مسؤولاً وقيادياً تربوياً يشملون وكلاء قطاعات ومديري عموم في وزارة التعليم الحوثية على الخضوع لبرامج تعبوية تستمر 12 يوماً.

ملايين الأطفال في مناطق سيطرة الحوثيين عُرضة لغسل الأدمغة (رويترز)

وبموجب التعليمات، ألزمت الجماعة القادة التربويين بحضور البرنامج، في حين اتخذت إجراءات عقابية ضد المتغيبين، وكذا المنسحبون من البرنامج بعد انتهاء يومه الأول، لعدم قناعتهم بما يتمّ بثّه من برامج وأفكار طائفية.

وكشفت المصادر عن إحالة الجماعة 12 مديراً عاماً ووكيل قطاع تربوي في صنعاء ومدن أخرى إلى التحقيق، قبل أن تتخذ قراراً بإيقافهم عن العمل، بحجة تخلفهم عن المشاركة في برنامجها التعبوي.

وجاء هذا الاستهداف تنفيذاً لتعليمات صادرة من زعيم الجماعة وبناء على مخرجات اجتماع ترأسه حسن الصعدي المعيّن وزيراً للتربية والتعليم والبحث العلمي بحكومة الانقلاب، وخرج بتوصيات تحض على إخضاع التربويين لبرامج تحت اسم «تدريبية» على ثلاث مراحل، تبدأ بالتعبئة الفكرية وتنتهي بالالتحاق بدورات عسكرية.

توسيع التطييف

تبرّر الجماعة الحوثية إجراءاتها بأنها رد على عدم استجابة التربويين للتعليمات، ومخالفتهم الصريحة لما تُسمّى مدونة «السلوك الوظيفي» التي فرضتها سابقاً على جميع المؤسسات تحت سيطرتها، وأرغمت الموظفين تحت الضغط والتهديد على التوقيع عليها.

وأثار السلوك الحوثي موجة غضب في أوساط القادة والعاملين التربويين في صنعاء، ووصف عدد منهم في حديثهم لـ«الشرق الأوسط»، ذلك التوجه بأنه «يندرج في إطار توسيع الجماعة من نشاطاتها الطائفية بصورة غير مسبوقة، ضمن مساعيها الرامية إلى تطييف ما تبقى من فئات المجتمع بمن فيهم العاملون في قطاع التعليم».

عناصر حوثيون يرددون هتافات الجماعة خلال تجمع في صنعاء (إ.ب.أ)

واشتكى تربويون في صنعاء، شاركوا مكرهين في البرامج الحوثية، من إلزامهم يومياً منذ انطلاق البرنامج بمرحلته الأولى، بالحضور للاستماع إلى محاضرات مسجلة لزعيم الجماعة، وتلقي دروس طائفية تحت إشراف معممين جرى استقدام بعضهم من صعدة حيث المعقل الرئيس للجماعة.

ويأتي تحرك الجماعة الحوثية لتعبئة ما تبقى من منتسبي قطاع التعليم فكرياً وعسكرياً، في وقت يتواصل فيه منذ سنوات حرمان عشرات الآلاف من المعلمين من الحصول على مرتباتهم، بحجة عدم توفر الإيرادات.

ويتحدث ماجد -وهو اسم مستعار لمسؤول تعليمي في صنعاء- لـ«الشرق الأوسط»، عن تعرضه وزملائه لضغوط كبيرة من قبل مشرفين حوثيين لإجبارهم بالقوة على المشاركة ضمن ما يسمونه «برنامجاً تدريبياً لمحاضرات زعيم الجماعة من دروس عهد الإمام علي عليه السلام لمالك الأشتر».

وأوضح المسؤول أن مصير الرافضين الانخراط في ذلك البرنامج هو التوقيف عن العمل والإحالة إلى التحقيق وربما الفصل الوظيفي والإيداع في السجون.

يُشار إلى أن الجماعة الانقلابية تركز جُل اهتمامها على الجانب التعبوي، عوضاً الجانب التعليمي وسط ما يعانيه قطاع التعليم العمومي من حالة انهيار وتدهور غير مسبوقة.