كشف ناقد سينمائي عراقي بارز عن مفارقات كبيرة رافقت الإنتاج السينمائي في العراق عام 2013 في ميدان الأفلام الروائية الطويلة، بعد أن احتل ولأول مرة المرتبة الأولى بعدد الأفلام المنتجة (أنتج 30 فيلما روائيا طويلا) بكلفة زادت على (10 مليارات دينار عراقي) متفوقا على كل من مصر والمغرب ولبنان والجزائر، والتي كانت تتصدر المراتب المتقدمة، لكن أيا من تلك الأفلام لم يرها المشاهد العراقي حتى الآن، وبقيت حبيسة مخازن مديرية السينما لأسباب مجهولة.
الناقد والباحث السينمائي المعروف مهدي عباس (عمل في السينما منذ ثلاثة عقود) قال في حديثه لـ«الشرق الأوسط» إن: «العراقيين لم ينتبهوا إلى أنهم ولأول مرة منذ عقود احتلوا المرتبة الأولى في عدد الأفلام السينمائية المنتجة خلال العام المنصرم ومعظمها أفلام أنتجتها وزارة الثقافة العراقية بمناسبة فعاليات بغداد عاصمة للثقافة العربية 2013 وعددها 30 فيلما روائيا طويلا، 17 فيلما منها أنتجتها وزارة الثقافة دائرة السينما والمسرح بميزانية تراوحت بين 750 و10 مليارات عراقي فيما أنتجت بقية الأفلام في إقليم كردستان وخارج العراق من قبل عراقيين مغتربين».
وسبق أن أعلنت الجهات المعنية في وزارة الثقافة عن تخصيص ميزانية لمشروع بغداد عاصمة للثقافة العربية قدرها 600 مليار دينار وهي الميزانية الأضخم المرصودة للجانب الثقافي والفني في تاريخ البلاد.
الناقد عباس أشار في حديثه إلى أن المشكلة أن المشاهد العراقي لم ير أي فيلم من هذه الأفلام لحد الآن وهي مسألة حيرت الجميع وبقيت بلا إجابة شافية، وهي مسؤولية وزارة الثقافة التي أنتجتها، كما أن هناك مفارقة أخرى وهي عدم تهيئة دار عرض سينمائية واحدة على الأقل في بغداد، وسمعت أخيرا أن هناك نية لإقامة مهرجان دولي في شهر فبراير (شباط) القادم لعرض هذه الأفلام، وهي تشمل إضافة للأفلام الروائية أفلاما قصيرة ووثائقية وبلغت حصيلتها أكثر من 200 فيلم أنتج عام 2013.
وحول رأيه في واقع حال الأفلام والسينما العراقية، قال عباس، وهو يستعد لإصدار كتاب متخصص يتحدث عن ذلك: «بلا شك كان عام 2013 عاما استثنائيا ومميزا بالنسبة للسينما العراقية، وكان اختيار بغداد عاصمة للثقافة العربية عام 2013 حافزا لأن تهتم الدولة لأول مرة بالسينما منذ عام 2003 وترصد ملايين الدنانير لإنتاج أفلام عراقية ولا ننسى النشاط اللافت للنظر في السينما لإقليم كردستان، ففي الوقت الذي توجد فيه مديرية واحدة للسينما في بغداد توجد ثلاث مديريات في إقليم كردستان هي مديريات السينما في أربيل والسليمانية ودهوك وكلها تنتج أفلاما سينمائية بين روائية طويلة وقصيرة وأفلام وثائقية، كما أن هناك إنتاجا مستقلا للسينمائيين العراقيين المغتربين».
وعن غياب دور العرض السينمائي في بغداد، يقول مهدي: «المشكلة الأساسية أن الأموال صرفت على إنتاج الأفلام فقط ولم يفكر أحد في إعمار وبناء دور عرض مناسبة لعرض هذه الأفلام، وقد سمعنا عن مشاريع لإعمار خمسة دور عرض رئيسة وإعادتها للحياة لكن لا يوجد شيء على المستوى الفعلي حتى الآن».
واستدرك يقول: «السينما صناعة وفن والصناعة تحتاج إلى ترويج والترويج في السينما يتم عن طريق دور العرض، هناك اليوم دور سينما متقدمة في بغداد وبالتحديد في مول المنصور حيث يتم عرض أحدث الأفلام في العالم وهناك جمهور غفير من المشاهدين وخصوصا من العائلات، ومن المناسب التنسيق مع صاحب تلك الدار كيما يتم عرض الأفلام العراقية الجديدة فيها لأن الجمهور العراقي بات متعطشا لمشاهدة الأفلام العراقية».
وماذا بشأن المختصين بالسينما العراقية؟ أقصد دوره لأجل النهوض بواقعها؟ أجاب مهدي: «على مستوى المنتجين فلا يوجد منتج عراقي اليوم يجازف بإنتاج فيلم عراقي يكلفه ملايين الدنانير ثم لا توجد دار عرض لعرض فيلمه كما هناك قوانين وضرائب تكبل المنتج الخاص وتمنعه من الدخول في إنتاج فيلم عراقي، أما المخرجون فتحول معظمهم إلى التلفزيون، وجاءت مناسبة بغداد عاصمة الثقافة العربية ليعمل بعضهم وكذلك الممثلون... يبدو أن المسألة (فورة) ارتبطت بهذه المناسبة وستنتهي بانتهائها وتعود البطالة إلى السينمائيين العراقيين».
عن كتابه الجديد يقول مهدي: «احتوى الكتاب على فصول مهمة تناولت كل النشاطات والمهرجانات العراقية عام 2013 مثل مهرجان بغداد، ومهرجان العراق، ومهرجان النزاهة، والمهرجان الجامعي وغيرها، إضافة إلى عرض للمهرجانات السينمائية الدولية التي اشترك فيها العراق والتي بلغت نحو 30 مهرجانا دوليا من برلين إلى بيروت إلى الإسكندرية إلى مالمو إلى دبي وغيرها، وهناك باب للجوائز التي حصلت عليها الأفلام العراقية عام 2013 والتي تجاوزت الـ40 جائزة من مختلف المهرجانات السينمائية في العالم، ولمحة استذكار لكل السينمائيين الذين غادرونا عام 2013 ابتداء من الممثل الراحل وجدي العاني وانتهاء بفناننا الكبير أسعد عبد الرزاق، وأخيرا الإصدارات السينمائية وقد صدرت هذا العام كتب سينمائية مهمة لمحمد شكري جميل وخيرية المنصور وحسين السلمان وفراس الشاروط وضياء البياتي».
وعن البدايات الأولى للسينما العراقية، يقول الباحث والناقد السينمائي مهدي عباس في كتابه الذي سيصدر قريبا: «المحاولات الأولى لإنتاج فيلم عراقي بدأت بالإنتاج المشترك مع مصر من خلال فيلمي ابن الشرق عام 1946 والقاهرة بغداد عام 1947.. عام 1948 تم إنشاء أول أستوديو سينمائي عراقي من قبل عدد من التجار اليهود العراقيين هو أستوديو بغداد الذي أنتج فيلمي علية وعصام وليلى في العراق عام 1949.. بعدها توالى تأسيس الشركات السينمائية والإنتاج السينمائي وفي عام 1959 تم تأسيس أول مؤسسة حكومية سينمائية هي مصلحة السينما والمسرح التي أنتجت فيلمها الطويل الأول عام 1966 وعرض للجمهور عام 1968 وهو فيلم (الجابي) للمخرج جعفر علي وفي عام 1975 تأسست دائرة السينما والمسرح وظهر إنتاجها الأول عام 1977 وهو فيلم (الراس) للمخرج فيصل الياسري.. بعد الحصار الاقتصادي في التسعينات توقف الإنتاج السينمائي».
وختم الناقد السينمائي عباس حديثه قائلا: «السينما العراقية أنتجت بين عام 1946 و2012 ما يقرب من 175 فيلما روائيا وطويلا، أي أنها (السينما العراقية) أنتجت خلال 66 عاما 175 فيلما أي بمعدل فلمين ونصف بالسنة بينما أنتج العراق خلال عام 2013 30 فيلما، أليس هذا حدثا غير اعتيادي ولن يتكرر في المستقبل القريب؟».
العراقيون يتصدرون الإنتاج السينمائي العربي لأول مرة بـ30 فيلما روائيا طويلا في 2013
كلفت نحو 10 مليارات دينار ومنعت من العرض محليا لأسباب مجهولة
ملصق فيلم «سائق الإسعاف» للمخرج هادي ماهود لم يعرض في العراق و ملصق فيلم «بغداد حلم وردي» للمخرج فيصل الياسري وبطولة نخبة من نجوم السينما العراقية ولم يعرض ايضا («الشرق الأوسط»)
العراقيون يتصدرون الإنتاج السينمائي العربي لأول مرة بـ30 فيلما روائيا طويلا في 2013
ملصق فيلم «سائق الإسعاف» للمخرج هادي ماهود لم يعرض في العراق و ملصق فيلم «بغداد حلم وردي» للمخرج فيصل الياسري وبطولة نخبة من نجوم السينما العراقية ولم يعرض ايضا («الشرق الأوسط»)
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة

