«أبل» تدرب موظفيها على طريقة بيكاسو

برامج سرية تهدف إلى التبسيط والابتكار

البساطة والابنكار في تصميم فأرة الكومبيوتر   -   مقر شركة «أبل» في كاليفورنيا (أ ب)
البساطة والابنكار في تصميم فأرة الكومبيوتر - مقر شركة «أبل» في كاليفورنيا (أ ب)
TT

«أبل» تدرب موظفيها على طريقة بيكاسو

البساطة والابنكار في تصميم فأرة الكومبيوتر   -   مقر شركة «أبل» في كاليفورنيا (أ ب)
البساطة والابنكار في تصميم فأرة الكومبيوتر - مقر شركة «أبل» في كاليفورنيا (أ ب)

ربما كانت شركة «أبل» هي الشركة الوحيدة في العالم التي جرؤت على مقارنة نفسها ببيكاسو.
في أحد فصول برنامج التدريب الداخلي للشركة والذي يطلق عليه «جامعة أبل» ربط المحاضر بين الأسلوب الذي استخدمه الفنان العالمي بابلو بيكاسو في مجموعة رسومات عرفت باسم «الثور» والطريقة التي تصنع بها «أبل» الهواتف الذكية وغيرها من الأجهزة. والفكرة هي أن مهندسي «أبل» يلجأون إلى البساطة مثلما استبعد بيكاسو التفاصيل لخلق عمل فني عظيم.
ستيف جوبس أسس «جامعة أبل» في محاولة لدمج موظفي الشركة في ثقافة «أبل» وتعليمهم تاريخ الشركة لا سيما مع نمو الشركة وتغير أسلوبها الفني. والدورات التدريبية غير إلزامية ولكن يوصى بها، ومن النادر أن تجد موظفا جديدا في الشركة لا يلتحق بها.
البرنامج عالي السرية، ونادرا ما يكتب عنه ويشار إليه بإيجاز ضمن السيرة الذاتية لجوبس بواسطة وولتر ايزاكسون. وليس هناك صور متداولة للفصل الدراسي، ورفض متحدث باسم شركة «أبل» السماح لنا بإجراء مقابلة مع الأساتذة من أجل هذا المقال. لكن ثلاثة من الموظفين الذين درسوا بالبرنامج وافقوا على الحديث إلى صحيفة «نيويورك تايمز» بشرط عدم ذكر أسمائهم. ووصفوا البرنامج باعتباره انعكاسا حيا لشركة «أبل» وصورتها في العالم. وشأنه شأن منتجات «أبل» فهو مخطط بدقة مع عروض منمقة ومظهر براق.
وخلافا للكثير من الشركات يستمر برنامج «أبل» التدريبي طوال العام. وبعض الأساتذة كانوا يدرسون بجامعات مثل جامعة ييل وهارفارد وكاليفورنيا وبيركلي وستانفورد، ولا يزال بعضهم يحتفظ بوظيفته في الجامعة مع العمل مع «أبل».
والبرنامج من تصميم جويل بودولني الذي كان عميدا لمدرسة ييل للإدارة، واختاره جوبس عند تأسيس البرنامج التدريبي عام 2008 وظل مديرا للبرنامج.
ويمكن لموظفي الشركة الدخول في البرنامج التدريبي عبر الشبكة الخاصة بالشركة وتصميم الدورات حسب الوظائف والخلفيات. وبعض البرامج مصممة لدمج موظفي الشركات التي انضمت حديثا إلى «أبل» والبعض مصمم لموظفي شركة «بيتس» مثلا وبما يشمل ذلك مؤسسيها د.دري وجيمي لوفين. ولم يعلق أحد من شركة «أبل» ولا «بيتس». وقال احد الموظفين إن بعض الدورات تدرس القرارات المهمة التي اتخذتها الشركة مثل قرار صنع «الآيبود» وبرنامج «آي تيونز» المتوافق مع نظام «مايكروسوفت ويندوز». وكان هذه الموضوع مثار نقاش حاد بين المسؤولين. وكره جوبس فكرة مشاركة «الآيبود» مع «ويندوز» لكنه أذعن أخيرا لزملائه. ثم اتضح أن فتح «الآيبود» لمستخدمي «ويندوز» حقق نموا مذهلا في مخزون الموسيقى وبرنامج الـ«آي تيونز»، مما أسهم لاحقا في نجاح الـ«آيفون». وتدرس الدورات في مقر شركة «أبل» في فصول جيدة التهيئة والإنارة، لكن تدرس أحيانا في مكاتب «أبل» بالخارج مثل الصين، ويسافر الأساتذة للتدريس هناك.
أحد أساتذة الاتصالات في «أبل» هو راندي نيلسون، وكان يعمل في استوديو بيكسار الذي شارك جوبس في تأسيسه. هذه الدورة مفتوحة لمستويات متنوعة من الموظفين وتركز على الاتصالات الواضحة، وهي أيضا للتشارك في الأفكار مع الزملاء وتسويق المنتجات.
وعرض نيلسون العام الماضي نسخة من «الثور» وهي سلسلة من 11 لوحة للثور من أعمال الفنان بيكاسو أنتجها في أواخر عام 1945. وفي البداية كان للثور وجه وأكتاف وحوافر، ولكن اختفت تلك التفاصيل مع تكرار العمل في اللوحة، وأصبح الشكل الأخير بلا تفاصيل إلا أن العين لا تخطئ أنه ثور.
ويقول أحد من درسوا بالدورة «تمر بالكثير من التكرار حتى تستطيع توصيل رسالتك ببساطة بشكل موجز للغاية، وذلك صحيح بالنسبة لعلامة (أبل) التجارية وكل شيء نفعله».
وقال موظف آخر ممن درسوا دورة «ما الذي يجعل من (أبل) ما هي عليه؟» التي يُدرسها أحيانا نيلسون، إن نيلسون يعرض شريحة لجهاز التحكم عن بعد الخاص بـ«تلفزيون غوغل». ويحتوي جهاز التحكم عن بعد على 78 زرا، ثم عرض نيلسون صورة لجهاز التحكم عن بعد الخاص بتلفزيون «أبل» وهو عبارة عن شريحة معدنية رفيعة تحتوي على ثلاثة أزرار فقط.
فكيف قرر مهندسو «أبل» اختيار الثلاثة أزرار؟ يشرح نيلسون أن المهندسين بدأوا بفكرة وناقشوها حتى توصلوا إلى ما أرادوه: زر لتشغيل وإيقاف الفيديو وزر لاختيار ما تشاهده وزر آخر للعودة إلى القائمة الرئيسة. وهناك دورة «أفضل الأشياء» والجملة مقتبسة من أقوال جوبس، وغرض الدورة تذكير الموظفين بإحاطة أنفسهم بأفضل الأشياء مثل الزملاء الموهوبين والمواد عالية الجودة حتى يتمكنوا من أداء أفضل عمل. ويقول بن باجارين محلل تقنية المستهلك للاستراتيجيات الإبداعية إن جامعة أبل ستكتسب المزيد من الأهمية كلما ازدادت «أبل» نموا.

* خدمة «نيويورك تايمز»



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».