الجزائر: يوم «عادي» يخفي قلقاً على المستقبل

بوتفليقة مع قايد صالح خلال مناسبة في الكلية العسكرية عام 2012 (رويترز)
بوتفليقة مع قايد صالح خلال مناسبة في الكلية العسكرية عام 2012 (رويترز)
TT

الجزائر: يوم «عادي» يخفي قلقاً على المستقبل

بوتفليقة مع قايد صالح خلال مناسبة في الكلية العسكرية عام 2012 (رويترز)
بوتفليقة مع قايد صالح خلال مناسبة في الكلية العسكرية عام 2012 (رويترز)

زحمة السير الخانقة على الطرقات الرئيسية لم تكن توحي بأن هناك أي شيء غير طبيعي يحدث في العاصمة الجزائرية. يوم عادي كبقية أيام الأسبوع. الموظفون يهرعون إلى مراكز أعمالهم. التلاميذ والطلاب إلى مدارسهم وجامعاتهم. عمال النظافة يقومون بأعمالهم. شرطيون يقفون عند حواجزهم، المنتشرة في أنحاء العاصمة منذ سنوات، وهم ينظمون حركة السير ويحررون أحياناً محاضر في حق المخالفين.
لكن هذا اليوم العادي في حياة الجزائريين يخفي في الواقع قلقاً لدى كثيرين منهم حول مستقبل بلدهم، في ظل أزمة سياسية مستفحلة مرتبطة بمطالب الحراك الشعبي، الذي تشهده الجزائر منذ فبراير (شباط) الماضي. ورغم أن هذا الحراك بدأ بالمطالبة بعدم ترشح الرئيس عبد العزيز بوتفليقة لعهدة (ولاية) خامسة، إلا أنه بات يصر اليوم، ليس فقط على تنحيه عن السلطة، بل على «رحيل» نظامه، وهو مطلب «مطاط» لا يبدو أن الحراك الشعبي نفسه يتفق على رأي حول من يجب أن يشمله تحديداً من أركان السلطة.
وسيكون يوم الجمعة محطة أساسية بلا شك في قياس طريقة التعاطي الشعبي مع القرارات الأخيرة، الصادرة عن الرئاسة، بما في ذلك التعهد بأن بوتفليقة سيتنحى قبل انتهاء العهدة الرابعة في 28 من أبريل (نيسان) الجاري. ويلبي هذا التعهد، إلى حد كبير، جزءاً أساسياً من مطلب الشارع، الذي أرغم بوتفليقة في البداية على عدم الترشح للعهدة الخامسة، قبل أن يعلن الموافقة على التنحي قبل نهاية هذا الشهر. وكان جزء من الحراك يخشى أنه يريد تمديد العهدة الرابعة على أساس أنه لم يحدد موعداً لمغادرة قصر المرادية، عقب إعلانه عدم الترشح للخامسة، وإلغاء الانتخابات الرئاسية، التي كانت مقررة هذا الشهر. وليس واضحاً حتى الآن هل سيتراجع حجم الحراك يوم الجمعة، وهو يوم اعتاد المحتجون، بطريقة سلمية، على «استعراض عضلاتهم» فيه من كل أسبوع منذ فبراير الماضي. وإذا ما تراجعت الحشود فإن ذلك سيعني أن خطوات الرئاسة لبت مطالب شريحة من المحتجين على الأقل. لكن تعيين الرئاسة وزير الداخلية السابق نور الدين بدوي على رأس الحكومة الجديدة لن يرضي بلا شك شريحة من المحتجين، الذين يعتبرونه جزءاً من نظام يريدون رحيله.
وبرز في الأيام الأخيرة اختلاف داخل أطراف الحكم في شأن طريقة التعاطي مع مطالب الشارع. وتجسد ذلك من خلال الدور المتعاظم للجيش، ودفعه الرئاسة إلى القبول بتنحي بوتفليقة، أو اللجوء إلى تفعيل المادة 102 من الدستور، التي تتحدث عن شغور منصب الرئيس بسبب العجز عن أداء مهامه. لكن المجلس الدستوري، المنوط به دستورياً دعوة مجلسي البرلمان إلى التصويت على «الشغور»، لم يجتمع حتى الآن للبت في طلب الجيش، ما يرجّح أن الخيار استقر على تنحي الرئيس، وإطلاق مرحلة انتقالية، ليس واضحاً كم ستدوم، ولا من سيديرها.
والظاهر أن ضغوط الجيش، ممثلاً بقائد الأركان نائب وزير الدفاع الفريق أحمد قائد صالح، أدت إلى فتور في العلاقة القوية سابقاً مع الرئاسة. وما زاد الطن بلة أن الطاقم المحيط ببوتفليقة، وتحديداً شقيقه السعيد، بات يشعر بأنه مستهدف من خلال ملاحقة مجموعة من كبار رجال الأعمال النافذين المرتبطين به، والذين يشتبه في أنهم راكموا ثروات ضخمة بسبب قربهم من الرئاسة. وجاء استهداف هؤلاء الأثرياء بأمر من قيادة أركان الجيش، التي قالت إن ملاحقتهم تلبي مطالب المحتجين، الذين يشتكون من وجود فساد في السلطة. لكن هذه الملاحقات تزامنت مع نشر وسائل إعلام محلية تقارير عن لقاءات جمعت السعيد بوتفليقة مع مسؤولين كبار حاليين وسابقين في جهاز المخابرات، الأمر الذي أطلق تكهنات بأن الرئاسة ربما تكون تحاول الاستعانة بالمخابرات في مواجهة قيادة الأركان.
وأمس أصدر الرئيس السابق اليمين زورال بياناً أكد فيه أنه اجتمع بالرئيس السابق لجهاز المخابرات اللواء محمد مدين (توفيق)، بناء على طلب الأخير لمناقشة «اقتراحات»، نقلها إليه لقيادة مرحلة انتقالية، بناء على اتفاق مع السعيد بوتفليقة، مضيفاً أنه رفض العرض. وأصدر «توفيق» بدوره بياناً رد فيه على مزاعم بخصوص لقاءاته، نافياً تحديداً أن يكون قد اجتمع بمسؤولين أمنين فرنسيين، تردد أنهم شاركوا في تلك اللقاءات.
وقاد «توفيق» لسنوات طويلة جهازاً استخباراتياً، مثّل أحد «أضلاع» السلطة في الجزائر، إلى جانب الرئاسة وقيادة أركان الجيش. وكان لافتاً في هذا الإطار أن بياناً وزّع باسم مسؤول في الرئاسة أعلن عن تنحية قائد صالح من منصبه، وهو أمر نفته قيادة الجيش ومسؤول الرئاسة نفسه. لكن اللغط الذي أثاره البيان المزور أشار بوضوح إلى أن هناك من يحاول اللعب على وتر خلافات متوهمة أو حقيقية، بين أركان الحكم الجزائري.



الحوثيون يواجهون مخاوفهم من مصير الأسد بالقمع والتحشيد

طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)
طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)
TT

الحوثيون يواجهون مخاوفهم من مصير الأسد بالقمع والتحشيد

طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)
طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)

ضمن مخاوف الجماعة الحوثية من ارتدادات تطورات الأوضاع في سوريا على قوتها وتراجع نفوذ محور إيران في منطقة الشرق الأوسط؛ صعّدت الجماعة من ممارساتها بغرض تطييف المجتمع واستقطاب أتباع جدد ومنع اليمنيين من الاحتفال بسقوط نظام بشار الأسد.

واستهدفت الجماعة، حديثاً، موظفي مؤسسات عمومية وأخرى خاصة وأولياء أمور الطلاب بالأنشطة والفعاليات ضمن حملات التعبئة التي تنفذها لاستقطاب أتباع جدد، واختبار ولاء منتسبي مختلف القطاعات الخاضعة لها، كما أجبرت أعياناً قبليين على الالتزام برفد جبهاتها بالمقاتلين، ولجأت إلى تصعيد عسكري في محافظة تعز.

وكانت قوات الحكومة اليمنية أكدت، الخميس، إحباطها ثلاث محاولات تسلل لمقاتلي الجماعة الحوثية في جبهات محافظة تعز (جنوب غربي)، قتل خلالها اثنان من مسلحي الجماعة، وتزامنت مع قصف مواقع للجيش ومناطق سكنية بالطيران المسير، ورد الجيش على تلك الهجمات باستهداف مواقع مدفعية الجماعة في مختلف الجبهات، وفق ما نقله الإعلام الرسمي.

الجيش اليمني في تعز يتصدى لأعمال تصعيد حوثية متكررة خلال الأسابيع الماضية (الجيش اليمني)

وخلال الأيام الماضية اختطفت الجماعة الحوثية في عدد من المحافظات الخاضعة لسيطرتها ناشطين وشباناً على خلفية احتفالهم بسقوط نظام الأسد في سوريا، وبلغ عدد المختطفين في صنعاء 17 شخصاً، قالت شبكة حقوقية يمنية إنهم اقتيدوا إلى سجون سرية، في حين تم اختطاف آخرين في محافظتي إب وتعز للأسباب نفسها.

وأدانت الشبكة اليمنية للحقوق والحريات حملة الاختطافات التي رصدتها في العاصمة المختطفة صنعاء، مشيرة إلى أنها تعكس قلق الجماعة الحوثية من انعكاسات الوضع في سوريا على سيطرتها في صنعاء، وخوفها من اندلاع انتفاضة شعبية مماثلة تنهي وجودها، ما اضطرها إلى تكثيف انتشار عناصرها الأمنية والعسكرية في شوارع وأحياء المدينة خلال الأيام الماضية.

وطالبت الشبكة في بيان لها المجتمع الدولي والأمم المتحدة والمنظمات الحقوقية بإدانة هذه الممارسات بشكل واضح، بوصفها خطوة أساسية نحو محاسبة مرتكبيها، والضغط على الجماعة الحوثية للإفراج عن جميع المختطفين والمخفيين قسراً في معتقلاتها، والتحرك الفوري لتصنيفها منظمة إرهابية بسبب تهديدها للأمن والسلم الإقليميين والدوليين.

تطييف القطاع الطبي

في محافظة تعز، كشفت مصادر محلية لـ«الشرق الأوسط» عن أن الجماعة الحوثية اختطفت عدداً من الشبان في منطقة الحوبان على خلفية إبداء آرائهم بسقوط نظام الأسد، ولم يعرف عدد من جرى اختطافهم.

تكدس في نقطة تفتيش حوثية في تعز حيث اختطفت الجماعة ناشطين بتهمة الاحتفال بسقوط الأسد (إكس)

وأوقفت الجماعة، بحسب المصادر، عدداً كبيراً من الشبان والناشطين القادمين من مناطق سيطرة الحكومة اليمنية، وأخضعتهم للاستجواب وتفتيش متعلقاتهم الشخصية وجوالاتهم بحثاً عمّا يدل على احتفالهم بتطورات الأحداث في سوريا، أو ربط ما يجري هناك بالوضع في اليمن.

وشهدت محافظة إب (193 كيلومتراً جنوب صنعاء) اختطاف عدد من السكان للأسباب نفسها في عدد من المديريات، مترافقاً مع إجراءات أمنية مشددة في مركز المحافظة ومدنها الأخرى، وتكثيف أعمال التحري في الطرقات ونقاط التفتيش.

إلى ذلك، أجبرت الجماعة عاملين في القطاع الطبي، بشقيه العام والخاص، على حضور فعاليات تعبوية تتضمن محاضرات واستماع لخطابات زعيمها عبد الملك الحوثي، وشروحات لملازم المؤسس حسين الحوثي، وأتبعت ذلك بإجبارهم على المشاركة في تدريبات عسكرية على استخدام مختلف الأسلحة الخفيفة والمتوسطة والقنابل اليدوية وزراعة الألغام والتعامل مع المتفجرات.

وذكرت مصادر طبية في صنعاء أن هذه الإجراءات استهدفت العاملين في المستشفيات الخاصعة لسيطرة الجماعة بشكل مباشر، سواء العمومية منها، أو المستشفيات الخاصة التي استولت عليها الجماعة بواسطة ما يعرف بالحارس القضائي المكلف بالاستحواذ على أموال وممتلكات معارضيها ومناهضي نفوذها من الأحزاب والأفراد.

زيارات إجبارية للموظفين العموميين إلى معارض صور قتلى الجماعة الحوثية ومقابرهم (إعلام حوثي)

وتتزامن هذه الأنشطة مع أنشطة أخرى شبيهة تستهدف منتسبي الجامعات الخاصة من المدرسين والأكاديميين والموظفين، يضاف إليها إجبارهم على زيارة مقابر قتلى الجماعة في الحرب، وأضرحة عدد من قادتها، بما فيها ضريح حسين الحوثي في محافظة صعدة (233 كيلومتراً شمال صنعاء)، وفق ما كانت أوردته «الشرق الأوسط» في وقت سابق.

وكانت الجماعة أخضعت أكثر من 250 من العاملين في الهيئة العليا للأدوية خلال سبتمبر (أيلول) الماضي، وأخضعت قبلهم مدرسي وأكاديميي جامعة صنعاء (أغلبهم تجاوزوا الستين من العمر) في مايو (أيار) الماضي، لتدريبات عسكرية مكثفة، ضمن ما تعلن الجماعة أنه استعداد لمواجهة الغرب وإسرائيل.

استهداف أولياء الأمور

في ضوء المخاوف الحوثية، ألزمت الجماعة المدعومة من إيران أعياناً قبليين في محافظة الضالع (243 كيلومتراً جنوب صنعاء) بتوقيع اتفاقية لجمع الأموال وحشد المقاتلين إلى الجبهات.

موظفون في القطاع الطبي يخضعون لدورات قتالية إجبارية في صنعاء (إعلام حوثي)

وبينما أعلنت الجماعة ما وصفته بالنفير العام في المناطق الخاضعة لسيطرتها من المحافظة، برعاية أسماء «السلطة المحلية» و«جهاز التعبئة العامة» و«مكتب هيئة شؤون القبائل» التابعة لها، أبدت أوساط اجتماعية استياءها من إجبار الأعيان والمشايخ في تلك المناطق على التوقيع على وثيقة لإلزام السكان بدفع إتاوات مالية لصالح المجهود الحربي وتجنيد أبنائهم للقتال خلال الأشهر المقبلة.

في السياق نفسه، أقدمت الجماعة الانقلابية على خصم 10 درجات من طلاب المرحلة الأساسية في عدد من مدارس صنعاء، بحة عدم حضور أولياء الأمور محاضرات زعيمها المسجلة داخل المدارس.

ونقلت المصادر عن عدد من الطلاب وأولياء أمورهم أن المشرفين الحوثيين على تلك المدارس هددوا الطلاب بعواقب مضاعفة في حال استمرار تغيب آبائهم عن حضور تلك المحاضرات، ومن ذلك طردهم من المدارس أو إسقاطهم في عدد من المواد الدراسية.

وأوضح مصدر تربوي في صنعاء لـ«الشرق الأوسط» أن تعميماً صدر من قيادات عليا في الجماعة إلى القادة الحوثيين المشرفين على قطاع التربية والتعليم باتباع جميع الوسائل للتعبئة العامة في أوساط أولياء الأمور.

مقاتلون حوثيون جدد جرى تدريبهم وإعدادهم أخيراً بمزاعم مناصرة قطاع غزة (إعلام حوثي)

ونبه المصدر إلى أن طلب أولياء الأمور للحضور إلى المدارس بشكل أسبوعي للاستماع إلى محاضرات مسجلة لزعيم الجماعة هو أول إجراء لتنفيذ هذه التعبئة، متوقعاً إجراءات أخرى قد تصل إلى إلزامهم بحضور فعاليات تعبوية أخرى تستمر لأيام، وزيارة المقابر والأضرحة والمشاركة في تدريبات قتالية.

وبحسب المصدر؛ فإن الجماعة لا تقبل أي أعذار لتغيب أولياء الأمور، كالسفر أو الانشغال بالعمل، بل إنها تأمر كل طالب يتحجج بعدم قدرة والده على حضور المحاضرات بإقناع أي فرد آخر في العائلة بالحضور نيابة عن ولي الأمر المتغيب.