غلاف مجلة مصرية مملوكة للدولة يثير انتقادات

اتهمت عمرو واكد وخالد أبو النجا بـ«العمالة»

TT

غلاف مجلة مصرية مملوكة للدولة يثير انتقادات

أثار غلاف مجلة «حريتي» المصرية الأسبوعية، التابعة لمؤسسة «دار التحرير» الحكومية، انتقادات واسعة في مصر أمس، بعد نشرها صورة مسيئة للفنانين المصريين عمرو واكد، وخالد أبو النجا، اللذين تم وقف عضويتهما بنقابة المهن التمثيلية في مصر، بداعي الخيانة ونشر صورة سيئة عن البلاد، مؤخراً، تحت عنوان: «عملاء... وأشياء أخرى».
وبينما طالب صحافيون وإعلاميون مصريون بضرورة معاقبة إدارة المجلة، التي صدرت لأول مرة في عام 1990، على هذا «الغلاف المسيء»، من قبل المجلس الأعلى للإعلام، الذي سبق له إصدار قرارات غلق مواقع إخبارية وصحف مصرية في الآونة الأخيرة، رد سعد سليم، رئيس مجلس إدارة دار التحرير على حالة الجدل أمس بقوله، إن «الصحافة في حد ذاتها جدلية، وتحتمل الجدل دائماً حول مواقف قد نتفق أو نختلف معها». وأضاف في تصريحات صحافية أمس أنّ «الغلاف وجهة نظر لرئيس التحرير، وبالتأكيد مثلما واجهت اعتراضا من البعض على مواقع التواصل الاجتماعي، لاقت قبولاً لدى البعض الآخر».
وتابع سليم قائلاً: «منذ أول من أمس، ونحن نتكلم عن هذا الغلاف، ودار جدل واسع بيننا في هذا الشأن، واتفقنا على ألا نكرر الأمر بهذه الصورة منعاً للوقوع في هذه الحالة من اللغط».
وأكد أنّه «لن يصدر أي إجراء عقابي تجاه أي شخص مسؤول عن هذا الغلاف، لأنّه مثل الرأي لكاتب المقال، قد تختلف أو تتفق معه ولكن لا يمكن الجزم بصحته أو بخطئه، فهو في النهاية يعبر عن وجهة نظر صاحبه».
ونشر مستخدمو مواقع التواصل الاجتماعي في مصر، الصورة وانتقدوها على نطاق واسع أمس، وقال الإعلامي المصري، محمد سعيد محفوظ على صفحته على موقع «فيسبوك» أمس: «غلاف مجلة حريتي سقطة، وعدم معاقبة المسؤول عنه جريمة».
بينما كتب المحامي المصري طارق العوضي، على «تويتر»، إنّ «ما فعلته مجلة حريتي إهانة لتاريخ صاحبة الجلالة، وإهانة لمصر الماضي والحاضر والمستقبل».
وقالت الكاتبة الصحافية المصرية، مي عزام، في تغريدة على «تويتر» أعاد عمرو واكد نشرها، إن «جريدة (المصري اليوم) تم حجب موقعها الإلكتروني ودفعت غرامة، وتم التحقيق مع رئيس تحريرها ودفع كفالة بسبب (مانشيت) كل كلمة فيه حقيقية... ورئيس تحرير مجلة (حريتي) حرّ طليق وقد جعل من غلاف مطبوعته فعلاً فاضحاً». فيما اكتفى خالد أبو النجا وعمرو واكد، بإعادة نشر تغريدات النشطاء الرافضة للغلاف.
بدوره، قال جمال شوقي رئيس لجنة الشكاوى في المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام المصري، لـ«الشرق الأوسط»: «رصدنا الجدل المثار حول غلاف مجلة حريتي، ونفحص حالياً، الغلاف والتقرير الموجود بالمجلة الذي تعرض للفنانين المصريين، وبناء على نتيجة الفحص، سنتخذ قرارات في حقيقة وجود مخالفات من عدمه».
وألغت نقابة المهن التمثيلية المصرية عضوية الفنانين عمرو واكد وخالد أبو النجا الأسبوع الماضي، بعد لقائهما أعضاء في الكونغرس الأميركي بواشنطن للحديث عن حقوق الإنسان في مصر.
وقال محمد سعد عبد الحفيظ، عضو مجلس إدارة نقابة الصحافيين المصريين، لـ«الشرق الأوسط»: «بموجب القانون، لا تحقق نقابة الصّحافيين مع أي زميل إلّا بعد تقديم شكوى ضده، من المضارين أو المواطنين العاديين الذين لحق بهم الأذى من نشر المحتوى». وأضاف: «تحقّق النقابة كذلك مع أي زميل عند إحالة الشكوى للنقابة من قبل المجلس الأعلى للإعلام، الجهة الرسمية المخول لها التحقيق في شأن المخالفات بموجب قانون 180 لعام 2018». لافتاً إلى أنّ «الهيئة الوطنية للصّحافة منوط بها أيضا معاقبة رؤساء تحرير الصحف الحكومية المخالفين».
وتابع سعد: «لائحة جزاءات المجلس الأعلى للإعلام، التي ما زلنا نعترض عليها، أثبتت أنها تطبق فقط على بعض المعارضين دون تطبيقها على صحف الحكومة».
وأوضح أن معظم الصحف المصرية دأبت خلال الأيام القليلة الماضية على اتهام الفنانين عمرو واكد وخالد أبو النجا بالخيانة والاستقواء بالخارج.
وذكرت مجلة «حريتي» على موقعها الإلكتروني أمس، خلال تقديمها لموضوع الغلاف المثير للجدل: «ويتساءل تقرير نشرته مجلة حريتي ضمن صفحاتها عن سبب ظهور عمرو واكد وخالد أبو النجا في سينما هوليوود للتخديم على الأجندة الأميركية والبريطانية ضد العرب». ويلقي التقرير الضوء على إشادة صحف تل أبيب بعمرو واكد بعد دعوته لعرض أفلام إسرائيلية في مصر، ورصدت تدوينات خالد أبو النجا عن المثليين. وأضاف موقع جريدة «حريتي»: «رصد تقرير مجلة حريتي أدواراً لكل من عمرو واكد وخالد أبو النجا تسيء للشخصية العربية في السينما الأجنبية، ما يفضح كونهما أدوات في أيدي ممولي صناع السينما العالميين». على حد تعبير موقع المجلة.
في السياق نفسه، تسبب خبر نشره موقع «الهلال اليوم» الحكومي، أمس عن «نية الاتحاد الأفريقي لكرة القدم سحب تنظيم بطولة أمم أفريقيا من مصر»، في حدوث حالة من الجدل على مواقع التواصل الاجتماعي أمس أيضاً، لاحتوائه على لفظ «بذيء» في بداية عنوان الخبر.
وبينما أكد مصدر مسؤول بموقع «الهلال اليوم» لـ«الشرق الأوسط»، صحة نشر الخبر المثير للجدل على الموقع الإلكتروني، لفترة طويلة سمحت للصحافيين والمتابعين التقاط صورة منه، نفى رئيس تحرير الموقع الإلكتروني عمرو سهل نشر الخبر على الموقع، وأكد أنه صورة مفبركة.
من جهته، قال رئيس مجلس إدارة «دار الهلال» الحكومية، التي تصدر الموقع، لـ«الشرق الأوسط»: «أجريت تحقيقا في الأمر، وتأكدنا أنّ الخبر كُتب كنوع من الدعابة على (سيستم) العمل قبل أن يأخذ أحد العاملين في الموقع صورة له، مؤكداً أنّ الخبر لم ينشر، وبالتالي لن تُوقّع أي عقوبة على العاملين بالموقع الإلكتروني للمؤسسة». وأشار إلى «استمرار التحقيق في القضية للوصول إلى نتيجة نهائية». لافتاً إلى أنّ «حالة الجدل صبّت في مصلحة الموقع بتحقيق زيارات مرتفعة».



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».