كُتاب مصريون: القصة القصيرة ضحية الإعلام الثقافي ودور النشر التجارية

أرجعوا انحسارها لاضطراب سوق النشر وغياب النقد الجاد

أحمد الخميسي  -  عزة رشاد -  محمد الفخراني  -  رباب كساب
أحمد الخميسي - عزة رشاد - محمد الفخراني - رباب كساب
TT

كُتاب مصريون: القصة القصيرة ضحية الإعلام الثقافي ودور النشر التجارية

أحمد الخميسي  -  عزة رشاد -  محمد الفخراني  -  رباب كساب
أحمد الخميسي - عزة رشاد - محمد الفخراني - رباب كساب

يرى البعض أن القصة القصيرة قد تراجعت في ظل هيمنة الرواية وفنون أخرى على المشهد الأدبي، ويرى آخرون أن هذه أحكام سريعة، أو أن ذلك أمر مؤقت، فكل الأشكال الفنية قد تتراجع في فترات، وتتقدم في فترات أخرى نتيجة عوامل مختلفة، منها المزاج العام في لحظة تاريخية محددة، واعتبارات السوق، والدليل كما يذهب هؤلاء أن القصة القصيرة عادت بقوة، وأصبحت تحقق رواجاً لافتاً في «سوق النشر». فما حقيقة الأمر؟
هنا آراء عدد من كتاب القصة القصيرة المصريين:
- أحمد الخميسي: تقصير الإعلام الثقافي
علينا أن نلاحظ أولاً أن القصة القصيرة شكل فني نشأ وتبلور بعد ظهور الرواية بنحو مائة وخمسين عاماً، ولو كانت الرواية تسد الحاجة التي تسدها القصة القصيرة ما ظهرت القصة القصيرة، إذن نحن إزاء شكل فني يستمد مبررات ظهوره واستمراره من احتياج حقيقي لم تستطع الرواية أن تشبعه. أما عن تراجع الأشكال الفنية في فترات وتقدمها في فترات أخرى، فهذا أمر يرتبط بعوامل كثيرة؛ منها المزاج العام في لحظة تاريخية محددة، واعتبارات السوق التي تحكم حركة الكتب، وغير ذلك؛ في فتراتٍ تراجع المسرح الشعري، ثم عاد، وفي أربعينيات القرن الماضي تراجعت الرواية وبرزت القصة، أما تراجع القصة القصيرة فإنه أمر مؤقت، ولنلحظ أنه في هذا العام تم الاحتفال باليوم العالمي للقصة القصيرة في 14 فبراير (شباط)، ومنذ 6 سنوات فازت آليس مونرو بجائزة نوبل عن القصص القصيرة لأول مرة، كما أن هناك عدة جوائز كبيرة قد ظهرت تحديداً في مجال القصة القصيرة.
إن غياب النقد الجاد عامل من عوامل توسيع الفجوة بين القراء والقصة القصيرة، لكن هناك عوامل أخرى ذات تأثير أقوى، في مقدمتها الصحف التي لم تكن تفسح المجال لذلك النوع الأدبي، كما كان الأمر فيما مضى، ثم اعتبارات سوق الكتب التي اتسعت وصارت تملي على الناشرين الاتجاه إلى الرائج والمطلوب، والأكثر مبيعاً من الأعمال التي تراوح بين الصحافة والأدب، وتغترف من الخرافات والغرائبيات، هناك أيضاً عامل آخر في اعتقادي هو طبيعة المرحلة التاريخية التي تمر بها المنطقة من حيث غموض المستقبل، والضباب الذي يحيط بتصورنا عن مستقبل بلادنا، هذا الضباب يخلق الحاجة إلى الرواية، لأنها كما قد يتصور القارئ قد توفر مساحة أكبر لإجابة أعمق، كما أن للإعلام الثقافي تأثيره الكبير في ترويج أو نبذ القصة القصيرة.
أذكر على سبيل المثال أنه كانت لدينا في مصر مجلة «القصة القصيرة»، وكان يرأس تحريرها محمود تيمور ويديرها فعلياً الكاتب ثروت أباظة، وقد نشرنا فيها قصصنا لأول مرة معا أنا وجمال الغيطاني، الآن ليست لدينا مجلة واحدة في ذلك المجال. إلا أن الجوائز الأدبية التي ظهرت في مجال القصة القصيرة قد بعثت روح التقدير لذلك الشكل السردي، وهذه الجوائز في تقديري في غاية الأهمية، ليس فقط من الناحية المالية، لكن أساساً من ناحية إظهار أن القصة القصيرة جديرة بالاهتمام والرعاية والاحتفاء. وعلى مستوى الإعلام الثقافي هناك تقصير شديد في الانتباه للقصة القصيرة، والصفحات التي تنشر القصة قليلة في وسائل الإعلام المصرية، لكن ذلك لن يمنع أبداً غبار المناقشات والجدل حول الجوائز، لكنها ستظل في غاية الأهمية بالنسبة للكاتب، خصوصاً للقاص الذي يعكف على كتابة القصة القصيرة.
- عزة رشاد: لا أخشى على مستقبل القصة
عندما يُقال تتراجع القصة، يبدأ التساؤل يشاغلني: هل المقصود هو هبوط مستوى القصة كعمل إبداعي؟ أم انكماش جمهور قرائها؟ أم أن تراجع بعض دور النشر عن نشر الكتب القصصية هو القابع وراء هذا التصور؟ والشيء نفسه ينطبق على عودتها لصدارة المشهد، فهناك بشكل عام رواج في سوق صناعة الكتاب، وبالتالي في القراءة، كما كُرست جوائز مهمة للقصة، أي: مال وشهرة وترجمة، وهي تساوي النهوض.
ما أقصده هو أن الرواج لا يعني بالضرورة تطوراً فنياً، فالقصة عالم شديد التنوع، يصعب تصور معايير دقيقة لرواجها أو تراجعها، لأن مريديها يتابعونها على صفحات الجرائد والمجلات قبل أن يذهبوا لاقتناء كتاب قصصي، ويكفي أن تضع اسم كاتبك المفضل على «غوغل» تسبقه كلمة «قصة» حتى تأتيك القصة دون مشقة أو نفقات.
بالطبع يؤثر غلاء الكتب على فرصة الكتاب القصصي في الرواج، وكذلك تؤثر مقولات من قبل «زمن الرواية»، وأيضاً، وهو الأهم سيلان الجوائز ضخمة القيمة المادية الذي يحرض لصالح الرواية وضد القصة، لكن المتميز منها ليس كثيراً جداً، خصوصاً مع التركيز الشديد على تشجيع أحد أنماطها، كالقصة القصيرة جداً على حساب الأنماط الأخرى، بل تنال مثلاً القصة القصيرة الطويلة هجوماً غير مبرر، يبلغ حد انتزاع طابعها القصصي وإلقائها على قارعة الطريق، رغم أن المسافة بين القصة والرواية، أو على الأقل «النوفيلا»، يمكن أن تكون مليئة بالإبداع، فقط لو تحررنا ولو قليلاً من القوالب الجامدة، وهذا الإجحاف مستمر حتى بعد فوز أليس مونرو بجائزة نوبل للآداب (وهي الكاتبة المعروفة بقصصها الطويلة).
لا أخشى قط على مستقبل القصة، ولا حتى من التطور التكنولوجي الخطير الذي نعيشه، فهو استفاد أيما استفادة من القصة، ولا يمكنه التنكر لها، أو سحب البساط من تحت قدميها، فبتأمل البرامج التثقيفية على «يوتيوب» مثلاً تجد سر رواجها هو القصة، فضلاً عن الألعاب الإلكترونية هي أيضاً تُبنى على قصة، فالقالب القصصي هو الأكثر سحراً وقدرة على جذب الانتباه والتركيز. وما أقصده هو أن مساهمة فن القصة تتطور مع متطلبات العصر، وتأخذ أشكالاً جديدة، والتكنولوجيات التي تتفوق على الكتاب الورقي بجاذبية الصورة، تدعم هي نفسها الكتاب بطرق جديدة؛ أحدها مثلاً الكتاب المسموع. وبالنسبة للمؤسسات الرسمية فكل المطلوب منها هو أن تفسح المجال لحرية الإبداع، وإتاحة الفرصة لتطوير الذائقة بمنح الأعمال الأدبية المميزة فرصة للتلقي.
- محمد الفخراني: القصة تتطور
سأنظر إلى فكرة «التراجع» هنا، برؤية فنية بالدرجة الأولى، وبرأيي القصة لم تتراجع فنيّاً في الفترة الأخيرة، كانت تتقدَّم وتتطوَّر، ربما من خلال إصدارات ليست بالكثيرة، لكنها قدَّمَتْ أفكاراً فنية وأسئلة جديدة عن فن القصة، ربما تراجعَتْ القصة في المشهد الإعلامي، والقرائي، في المقابل كانت الرواية، ولا تزال (بدرجة أقل) تتصدر المشهد، لكن، الرواية لم تتقدَّم فنيّاً بما يناسب الأعمال الكثيرة التي تصدر سنويّاً، والمساحة الإعلامية التي تشغلها.
ما بدا أنه تراجع للقصة لم يكن في حقيقته إلا عدداً أقل من الإصدارات القصصية، وعدم اهتمام الكثير من دور النشر، في مقابل الاهتمام بالرواية بعد رصد الكثير من الجوائز لها. لكن ما يهمني بشكل شخصي هنا، أن التراجع الإعلامي للقصة يوازيه تطور فني لها، وطرح لأسئلة جديدة حول هذا الفن ربما يُعاد النظر إلى هذه الأعمال، ورؤية أكثر تمهلاً وتفصيلاً لها بعد أن تحصل القصة على مساحة أكثر تستحقها. فأنْ تعود القصة لتحتل مساحة أكبر، هذا شيء لا يُفاجئني وطبيعي جداً لهذا الفن الرائع أن يصعد، برأيي الأمر لا يتعلق بالدرجة الأولى برصد جائزة له، وإنما كان من الطبيعي بعد أن حصلت الرواية على هذه المساحة على حساب القصة، لكنها في الوقت نفسه تُكرِّر موضوعات الكتابة نفسها، حتى ربما يمكن حصرها في خمس أو ست أفكار (رغم وجود بعض أعمال روائية تحمل موضوعات وأفكاراً خارج السياق التقليدي العام)، هنا كانت فرصة للقصة أن تُقدِّم أفكارها الجديدة، أو حتى أن يبدأ القارئ في البحث عن أفكار وموضوعات جديدة، وابتكارات فنية غير مُكرَّرَة، ثم يأتي دور جائزة تزيد من فرص اهتمام دور النشر بالقصة، وتجعل بعض الكُتَّاب يُفسحون مجالاً أكبر لها ضمن مشروعهم الأدبي، ربما يحدث أن يقوم كاتب بالعمل على فكرة مجموعة قصصية في وقت أقرب، بدلاً من تأجيلها لصالح رواية.
وحتى الآن، وبسبب قلة الجوائز المخصصة للقصة، لا أتوقع أن يظهر تأثير سلبي عليها خلال فترة قريبة، في الوقت نفسه هناك تأثير سلبي واضح للجوائز على الرواية، رغم أن العكس من المُفْترَض أن يحدث، برأيي المسؤول عن هذا في النهاية هم الكُتّاب، لا الجوائز (الجائزة لا تكتب، الكاتب هو مَنْ يفعل).
ومن المهم أن تلتفت الجوائز الأدبية أكثر إلى الأعمال التي تُقدِّم أسئلة وأفكاراً جديدة عن الكتابة، وهنا أتساءل عن جدوى تكرار أفكار عَمَّا يسمى انهزام المواطن العربي وانكساره، وكأن لا شيء نُقدِّمه لتراث الكتابة وطموحها الفني والفكري غير حكايات عن ماضٍ وحاضر ومستقبل مهزوم، وإنسان منكسر، حتى الانتصارات الإنسانية الصغيرة يتم تقديمها في صورة هزائم، هل هذا ما تحتاج إليه الكتابة؟ هل يضيف إليها شيئاً؟
- رباب كساب: دور النشر التجارية
في السنوات الماضية تصدرت الرواية بشكل كبير المشهد بعد الإعلان أنه زمن الرواية، وكأن تلك الجملة كانت السبب الأقوى في أن تتراجع القصة، ويغلق الناشرون الأبواب في وجه كتابها، وأصبح من النادر أن تجد ناشراً مغامراً ينشر مجموعة قصصية في زمن الرواية، فبات الأمر تجارياً أكثر من أي شيء آخر، لكن الذي أعرفه جيداً أنه لم يكف كتاب القصة عن كتابتها. وأعتقد أن العودة للقصة ليس لتراجع الرواية، وإنما لليقين بأن المساحة تسمح لكل الفنون، وأن القصة ابنة احتياج واقعي وفني معاً.
بالنسبة لي لم أكف عن كتابة القصة، حتى وأنا متعلقة بأطراف شخوص رواياتي، كانت تأتي حالتها وتسيطر وتأخذني حتى من عالم الرواية الذي أحبه وأعشقه، ولا أعتقد أن أحداً يكتب القصة كفّ عن كتابتها، أما عن القراء، فيصعب تحديد ذلك، فللقصص القصيرة ميزة نشرها على مواقع الإنترنت المختلفة، ومواقع التواصل، فتصل لأكبر عدد من القراء قد نعجز عن إحصائهم، عكس الرواية التي تؤخذ كعمل كامل، أما المجموعات فقصصها يمكن فصلها، فتنشر قصة هنا، وأخرى هناك، وأظن أنها تلائم كثيراً مواقع الإنترنت المختلفة بمختلف توجهاتها، كما أن القصة القصيرة على الرغم من قصرها وتكثيفها إلا أنها تقترب من الشباب ومن معطيات عصرهم السريع.



3 سيّدات يروين لـ«الشرق الأوسط» رحلة الهروب من عنف أزواجهنّ

في عام 2023 قُتلت امرأة كل 10 دقائق على يد شريكها أو فرد من عائلتها (أ.ف.ب)
في عام 2023 قُتلت امرأة كل 10 دقائق على يد شريكها أو فرد من عائلتها (أ.ف.ب)
TT

3 سيّدات يروين لـ«الشرق الأوسط» رحلة الهروب من عنف أزواجهنّ

في عام 2023 قُتلت امرأة كل 10 دقائق على يد شريكها أو فرد من عائلتها (أ.ف.ب)
في عام 2023 قُتلت امرأة كل 10 دقائق على يد شريكها أو فرد من عائلتها (أ.ف.ب)

كل 10 دقائق تُقتل امرأةٌ عمداً في هذا العالم، على يد شريكها أو أحد أفراد عائلتها. هذا ليس عنواناً جذّاباً لمسلسل جريمة على «نتفليكس»، بل هي أرقام عام 2023، التي نشرتها «هيئة الأمم المتحدة للمساواة بين الجنسين وتمكين المرأة» عشيّة اليوم الدولي لمناهضة العنف ضد المرأة، الذي يحلّ في 25 نوفمبر (تشرين الثاني) من كل عام.

ليس هذا تاريخاً للاحتفال، إنما للتذكير بأنّ ثلثَ نساء العالم يتعرّضن للعنف الجسدي، على الأقل مرة واحدة خلال حياتهنّ، وذلك دائماً وفق أرقام الهيئة الأمميّة. وفي 2023، قضت 51100 امرأة جرّاء التعنيف من قبل زوجٍ أو أبٍ أو شقيق.

كل 10 دقائق تُقتَل امرأة على يد شريكها أو فرد من عائلتها (الأمم المتحدة)

«نانسي» تخلّت عن كل شيء واختارت نفسها

من بين المعنَّفات مَن نجونَ ليشهدن الحياة وليروين الحكاية. من داخل الملجأ الخاص بمنظّمة «أبعاد» اللبنانية والحاملة لواء حماية النساء من العنف، تفتح كلٌ من «نانسي» و«سهى» و«هناء» قلوبهنّ المجروحة لـ«الشرق الأوسط». يُخفين وجوههنّ وأسماءهنّ الحقيقية، خوفاً من أن يسهل على أزواجهنّ المعنّفين العثور عليهنّ.

جسدُ «نانسي» الذي اعتادَ الضرب منذ الطفولة على يد الوالد، لم يُشفَ من الكدمات بعد الانتقال إلى البيت الزوجيّ في سن الـ17. «هذا التعنيف المزدوج من أبي ثم من زوجي سرق طفولتي وعُمري وصحّتي»، تقول الشابة التي أمضت 4 سنوات في علاقةٍ لم تَذُق منها أي عسل. «حصل الاعتداء الأول بعد أسبوع من الزواج، واستمرّ بشكلٍ شبه يوميّ ولأي سببٍ تافه»، تتابع «نانسي» التي أوت إلى «أبعاد» قبل سنتَين تقريباً.

تخبر أنّ ضرب زوجها لها تَركّزَ على رأسها ورجلَيها، وهي أُدخلت مرّتَين إلى المستشفى بسبب كثافة التعنيف. كما أنها أجهضت مراتٍ عدة جرّاء الضرب والتعب النفسي والحزن. إلا أن ذلك لم يردعه، بل واصل الاعتداء عليها جسدياً ولفظياً.

غالباً ما يبدأ التعنيف بعد فترة قصيرة من الزواج (أ.ف.ب)

«أريد أن أنجوَ بروحي... أريد أن أعيش»، تلك كانت العبارة التي همست بها «نانسي» لنفسها يوم قررت أن تخرج من البيت إلى غير رجعة. كانا قد تعاركا بشدّة وأعاد الكرّة بضربها وإيلامها، أما هي فكان فقد اختمر في ذهنها وجسدها رفضُ هذا العنف.

تروي كيف أنها في الليلة ذاتها، نظرت حولها إلى الأغراض التي ستتركها خلفها، وقررت أن تتخلّى عن كل شيء وتختار نفسها. «خرجتُ ليلاً هاربةً... ركضت بسرعة جنونيّة من دون أن آخذ معي حتى قطعة ملابس». لم تكن على لائحة مَعارفها في بيروت سوى سيدة مسنّة. اتّصلت بها وأخبرتها أنها هاربة في الشوارع، فوضعتها على اتصالٍ بالمؤسسة التي أوتها.

في ملجأ «أبعاد»، لم تعثر «نانسي» على الأمان فحسب، بل تعلّمت أن تتعامل مع الحياة وأن تضع خطة للمستقبل. هي تمضي أيامها في دراسة اللغة الإنجليزية والكومبيوتر وغير ذلك من مهارات، إلى جانب جلسات العلاج النفسي. أما الأهم، وفق ما تقول، فهو «أنني أحمي نفسي منه حتى وإن حاول العثور عليّ».

تقدّم «أبعاد» المأوى والعلاج النفسي ومجموعة من المهارات للنساء المعنّفات (منظمة أبعاد)

«سهى»... من عنف الأب إلى اعتداءات الزوج

تزوّجت «سهى» في سن الـ15. مثل «نانسي»، ظنّت أنها بذلك ستجد الخلاص من والدٍ معنّف، إلا أنها لاقت المصير ذاته في المنزل الزوجيّ. لم يكَدْ ينقضي بعض شهورٍ على ارتباطها به، حتى انهال زوجها عليها ضرباً. أما السبب فكان اكتشافها أنه يخونها واعتراضها على الأمر.

انضمّ إلى الزوج والدُه وشقيقه، فتناوبَ رجال العائلة على ضرب «سهى» وأولادها. نالت هي النصيب الأكبر من الاعتداءات وأُدخلت المستشفى مراتٍ عدة.

أصعبُ من الضرب والألم، كانت تلك اللحظة التي قررت فيها مغادرة البيت بعد 10 سنوات على زواجها. «كان من الصعب جداً أن أخرج وأترك أولادي خلفي وقد شعرت بالذنب تجاههم، لكنّي وصلت إلى مرحلةٍ لم أعد قادرة فيها على الاحتمال، لا جسدياً ولا نفسياً»، تبوح السيّدة العشرينيّة.

منذ شهرَين، وفي ليلةٍ كان قد خرج فيها الزوج من البيت، هربت «سهى» والدموع تنهمر من عينَيها على أطفالها الثلاثة، الذين تركتهم لمصيرٍ مجهول ولم تعرف عنهم شيئاً منذ ذلك الحين. اليوم، هي تحاول أن تجد طريقاً إليهم بمساعدة «أبعاد»، «الجمعيّة التي تمنحني الأمان والجهوزيّة النفسية كي أكون قوية عندما أخرج من هنا»، على ما تقول.

في اليوم الدولي لمناهضة العنف ضد المرأة تحث الأمم المتحدة على التضامن النسائي لفضح المعنّفين (الأمم المتحدة)

«هناء» هربت مع طفلَيها

بين «هناء» ورفيقتَيها في الملجأ، «نانسي» و«سهى»، فرقٌ كبير؛ أولاً هي لم تتعرّض للعنف في بيت أبيها، ثم إنها تزوّجت في الـ26 وليس في سنٍ مبكرة. لكنّ المشترك بينهنّ، الزوج المعنّف الذي خانها وضربها على مدى 15 سنة. كما شاركت في الضرب ابنتاه من زواجه الأول، واللتان كانتا تعتديان على هناء وطفلَيها حتى في الأماكن العامة.

«اشتدّ عنفه في الفترة الأخيرة وهو كان يتركنا من دون طعام ويغادر البيت»، تروي «هناء». في تلك الآونة، كانت تتلقّى استشاراتٍ نفسية في أحد المستوصفات، وقد أرشدتها المعالجة إلى مؤسسة «أبعاد».

«بعد ليلة عنيفة تعرّضنا فيها للضرب المبرّح، تركت البيت مع ولديّ. لم أكن أريد أن أنقذ نفسي بقدر ما كنت أريد أن أنقذهما». لجأت السيّدة الأربعينية إلى «أبعاد»، وهي رغم تهديدات زوجها ومحاولاته الحثيثة للوصول إليها والطفلَين، تتماسك لتوجّه نصيحة إلى كل امرأة معنّفة: «امشي ولا تنظري خلفك. كلّما سكتّي عن الضرب، كلّما زاد الضرب».

باستطاعة النساء المعنّفات اللاجئات إلى «أبعاد» أن يجلبن أطفالهنّ معهنّ (منظمة أبعاد)

«حتى السلاح لا يعيدها إلى المعنّف»

لا توفّر «أبعاد» طريقةً لتقديم الحماية للنساء اللاجئات إليها. تؤكّد غيدا عناني، مؤسِسة المنظّمة ومديرتها، أن لا شيء يُرغم المرأة على العودة إلى الرجل المعنّف، بعد أن تكون قد أوت إلى «أبعاد». وتضيف في حديث مع «الشرق الأوسط»: «مهما تكن الضغوط، وحتى تهديد السلاح، لا يجعلنا نعيد السيّدة المعنّفة إلى بيتها رغم إرادتها. أما النزاعات الزوجيّة فتُحلّ لدى الجهات القضائية».

توضح عناني أنّ مراكز «أبعاد»، المفتوحة منها والمغلقة (الملاجئ)، تشرّع أبوابها لخدمة النساء المعنّفات وتقدّم حزمة رعاية شاملة لهنّ؛ من الإرشاد الاجتماعي، إلى الدعم النفسي، وتطوير المهارات من أجل تعزيز فرص العمل، وصولاً إلى خدمات الطب الشرعي، وليس انتهاءً بالإيواء.

كما تصبّ المنظمة تركيزها على ابتكار حلول طويلة الأمد، كالعثور على وظيفة، واستئجار منزل، أو تأسيس عملٍ خاص، وذلك بعد الخروج إلى الحياة من جديد، وفق ما تشرح عناني.

النساء المعنّفات بحاجة إلى خطط طويلة الأمد تساعدهنّ في العودة للحياة الطبيعية (رويترز)

أما أبرز التحديات التي تواجهها المنظّمة حالياً، ومن خلالها النساء عموماً، فهي انعكاسات الحرب الدائرة في لبنان. يحلّ اليوم العالمي لمناهضة العنف ضد المرأة في وقتٍ «تتضاعف فيه احتمالات تعرّض النساء للعنف بسبب الاكتظاظ في مراكز إيواء النازحين، وانهيار منظومة المساءلة». وتضيف عناني أنّ «المعتدي يشعر بأنه من الأسهل عليه الاعتداء لأن ما من محاسبة، كما أنه يصعب على النساء الوصول إلى الموارد التي تحميهنّ كالشرطة والجمعيات الأهليّة».

وممّا يزيد من هشاشة أوضاع النساء كذلك، أن الأولويّة لديهنّ تصبح لتخطّي الحرب وليس لتخطّي العنف الذي تتعرّضن له، على غرار ما حصل مع إحدى النازحات من الجنوب اللبناني؛ التي لم تمُت جرّاء غارة إسرائيلية، بل قضت برصاصة في الرأس وجّهها إليها زوجها.