قرار هدم آثار «فوسفات القصير» يثير انتقادات في مصر

تقديم بلاغ للنائب العام بتهمة الإتلاف

مبنى إدارة شركة فوسفات البحر الأحمر التراثي
مبنى إدارة شركة فوسفات البحر الأحمر التراثي
TT

قرار هدم آثار «فوسفات القصير» يثير انتقادات في مصر

مبنى إدارة شركة فوسفات البحر الأحمر التراثي
مبنى إدارة شركة فوسفات البحر الأحمر التراثي

أثار قرار بيع أرض ومحتويات شركة فوسفات البحر الأحمر، بمدينة القصير المصرية (جنوبي شرق القاهرة)، غضب واستياء أهالي المدينة ونشطاء مهتمين بالحفاظ على التراث والآثار في مصر. وتقدم محامون من المدينة ببلاغ للنائب العام يتهم شركة النصر للتعدين، المالكة لشركة فوسفات البحر الأحمر، بهدم ونزع ملكية مبان تراثية وأثرية بمقر الشركة لصالح إنشاء مشروع «مارينا عالمي لليخوت».
ورفض أهالي المدينة هدم الشركة التي تعد أقدم شركة فوسفات بالشرق الأوسط، إذ أقامها الإيطاليون عام 1910. مطالبين الدكتور مصطفى مدبولي، رئيس مجلس الوزراء، بالتدخل لوقف إجراء المزاد العلني المقرر لبيع محتويات مقر الشركة الأثري، وضمها إلى قائمة الآثار الإسلامية والقبطية بوزارة الآثار، ووضع خطة عاجلة لتأهيلها للحفاظ عليها كتراث صناعي.
من جهته يقول المحامي أحمد صلاح، أحد المتقدمين بالبلاغ إلى لنائب العام، لـ«الشرق الأوسط»: «ما سيتم هدمه له قيمة تاريخية، وصناعية وأثرية لا تقدر بثمن، إنه تراث عظيم، وجزء غال من الثقافتين المصرية والإيطالية، فشركة الفوسفات تُعد من أهم المنشآت الصناعية التي أقامتها إيطاليا في تاريخها كدولة صناعية، والدليل على ذلك الاحتفاء بالشركة والمنشآت الملحقة بها حتى الآن، حيث تأتي إلى القصير الكثير من الوفود السياحية الإيطالية، للتجول في المكان بكل ملحقاته والتقاط الصور التذكارية وزيارة موتاهم في الجبانة».
وأضاف: «لقد قامت إيطاليا بإنشاء هذه الشركة منذ نحو 110 سنوات، لذلك تعد مبانيها أثرية بحسب القانون المصري، ونحن لسنا ضد التطوير، بالعكس إنه من مصلحة المدينة وسكانها، لكن نحن ضد أن يكون التطوير على حساب التاريخ والتراث، ولذلك نُصر على ألا يتم إنشاء المشروع على المساحة الكلية لأراضي الشركة».
وفي السياق ذاته، يقول طه رضا، مرشد سياحي بالقصير لـ«الشرق الأوسط»: «تمثل المنطقة المتنازع عليها نحو 10 في المائة فقط من المساحة المراد الاستثمار عليها، والسؤال هو لماذا الإصرار على تسليمها للمستثمر، لا سيما أنها تهم السكان المحليين للمدينة، والإيطاليين الذين يأتون خصيصاً من بلادهم لزيارتها واستعادة ذكرياتهم فيها، أو استعادة ذكريات آبائهم وأجدادهم الذين عاشوا على هذه الأرض».
وأضاف: «سبق لشركة النصر للتعدين أن هدمت (التلفريك) الخاص بنقل الفوسفات من مواقع الشركة إلى الميناء الخاص بها، والذي كان يُعد من أهم الملامح التاريخية لمدينة القُصير والشاهد على ذروة التقدم والتطور في التعدين المصري، فهل جاء الآن دور سائر المنشآت».
وقال اللواء أحمد عبد الله، محافظ «البحر الأحمر» في تصريحات صحافية سابقة، إن «مجلس الوزراء وافق على نقل ملكية نصف مليون متر من الشركة إلى الوحدة المحلية لمدينة القصير، لإقامة مشروع سياحي ومارينا عالمي لليخوت، وتعويض الشركة بأرض بديلة، إذ تقدر قيمة الأرض بنحو ملياري جنيه، مؤكداً أن الدولة تتجه إلى الاستثمار الفعلي لأصولها غير المستغلة»، وعقد المحافظ اجتماعاً لبحث سبل تنفيذ القرار، وتسليم الأرض للمدينة لتصبح تحت ولايتها.
بينما يقول حسن عايش رئيس جمعية «المحافظة على تراث القصير» لـ«لشرق الأوسط»: «لا بد من إنقاذ آثار القصير، إنه تراث صناعي عظيم، والمنطقة المتنازع عليها من الممكن أن يتم استغلالها في أغراض سياحية، بشرط الإبقاء على طرازها وهيئتها دون هدمها أو المساس بمحتوياتها الأثرية، وهكذا نحقق التطوير ونبقي على تراثنا وتراث أجدادنا». مضيفاً: «نستطيع تحويلها إلى متحف مفتوح، وإنشاء معهد تعديني يقدم كفاءات وكوادر لمنطقة البحر الأحمر كلها الغنية بثرواتها التعدينية، أو إنشاء كلية للعلوم الجيولوجية، كما أن مباني المنطقة تحاكي طرز العمارة الأوروبية لا سيما الطراز الإيطالي».
ولفت عايش إلى أن «المنطقة مقسمة إلى عدة منشآت إدارية وصناعية تمثل منظومة صناعية واجتماعية وثقافية متكاملة، ومنها مبنى يسمى (بيت الإدارة)، يوجد به متحف تحنيط، يتضمن العديد من الطيور والحيوانات البحرية والبرية، التي تم تحنيطها على يد البروفسيور الإيطالي بليجريني».
ويتابع: «يحتوي بيت الإدارة أيضاً على مجموعة من الخرائط القديمة، ومنها خريطة للطرق البرية في الصحراء الشرقية في العصر الروماني، كما يوجد أيضاً معمل كيميائي، ولا تزال هناك بعض الأدوات النادرة بداخله».



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».