«صراع طبقات» غير معهود في فيلم فرنسي جديد

حين ترسل ليلى بختي ابنها إلى مدرسة كاثوليكية

لقطة من فيلم «صراع الطبقات»
لقطة من فيلم «صراع الطبقات»
TT

«صراع طبقات» غير معهود في فيلم فرنسي جديد

لقطة من فيلم «صراع الطبقات»
لقطة من فيلم «صراع الطبقات»

«صافية» محامية شابة لامعة، وزوجها «بول» عازف في فرقة موسيقية. إن نشأة كل منهما تختلف عن الآخر وطباعهما كذلك. هي منضبطة ومنظمة وحسنة التدبير وتعرف ما تريد من الحياة، وهو حالم وفوضوي ويعيش يومه كيفما اتفق. لكن عقدة الحكاية ليست في نقاط التضاد بينهما فهما متحابان ويؤمنان بالأفكار الإنسانية ذاتها، بل تنشأ المشكلة بسبب ابنهما «كورنتان». لقد أنهى المدرسة الابتدائية وانتقل كل رفاقه إلى ثانوية كاثوليكية. إن الولد يريد أن يلحق برفاقه. وصار على الوالدين العلمانيين أن يواجها القناعات التي ناضلا من أجلها: هل يديران الظهر للمدرسة الحكومية، ويسجلان ابنهما في مدرسة خاصة بحجة أنها أفضل تعليماً؟
«صراع الطبقات»، الذي يبدأ عرضه الأسبوع الحالي في فرنسا، هو فيلم إضافي عن جانب من الجوانب الكثيرة التي تواجه الشباب. لكنه يتناولها من زاوية جديدة. فالمخرج ميشيل لوكلير لم يأت بالممثلة الجزائرية الأصل ليلى بختي لكي يمنحها دور المرأة المهاجرة التي تصطدم بثقافة أوروبية مخالفة لما نشأت عليه في بيت العائلة. لقد أعطاها دور «صوفي»، المحامية التي حققت طموحاتها وتعيش متصالحة مع مجتمعها ومع زوجها «بول»، الفنان الذي يعزف في فرقة لموسيقى «الهارد روك». اعتاد المشاهد الفرنسي على منح الممثلات والممثلين المتحدرين من الهجرة أدواراً تحصرهم في شخصيات اللص أو تاجر المخدرات أو الخادمة أو الشباب العاطل في الضواحي الفقيرة. وكان ذلك يعيق المسيرة الفنية لمواهب كثيرة. لكن أبناء الجيل الثاني والثالث من المهاجرين تمردوا على تلك النظرة. فهم مثل ليلى بختي، ولدوا في فرنسا ونشأوا فيها وحملوا جنسيتها. وبالتالي فإن البشرة السمراء والشعر الفاحم والعيون السود ليست أسباباً حديدية للقيام بدور المهاجر أو اللاجئ.
فيلم «صراع الطبقات» مكتوب بأسلوب درامي لا يخلو من فكاهة. وهو أيضاً قصيدة حب لضاحية بانيوليه، أحد أشهر الأحياء الشعبية القديمة الملاصقة لباريس، حيث يتعايش الفرنسيون بسلام مع العرب والأفارقة والأتراك ومهاجري أوروبا الشرقية. فبطلة الفيلم «صوفيا» قضت طفولتها في مساكن ذوي الدخل المحدود، تتطلع من نافذة البرج السكني إلى البيوت الجميلة في الجهة المقابلة من الضاحية، وتتخيل شكل الحياة وراء أشجار الحدائق والنوافذ المغطاة بستائر الدانتيلا. لذلك فإنها كانت سعيدة بعد أن كبرت وتزوجت وصارت محامية لامعة أتاحت لها ظروفها أن تحقق حلمها، وأن تنتقل مع زوجها للإقامة في واحد من تلك البيوت. أما الزوج الفرنسي «بول»، الذي تربى في وسط مختلف، فإنه وجد في البيت الجديد مناسبة لاختبار قناعاته عن العيش المشترك في ضاحية تختلط فيها الأعراق وألوان البشرة.
ثم هناك الولد «كورنتان». إنه غير راضٍ عن مدرسته، ويريد أن يتبع رفاقه إلى مدرستهم الجديدة التي تحمل اسم أحد القديسين. إن «سان بنوا» مدرسة خاصة تديرها الكنيسة. وهناك اعتقاد بأن هذا النوع من المؤسسات يوفر للطلاب أجواء تربوية ويقدم لهم خدمة تعليمية أفضل من تلك التي في المدارس المجانية، أي مدارس الدولة. إن «صوفيا» و«بول» لا يؤمنان بهذه الفكرة، لكنهما في الوقت نفسه حريصان على ابنهما الوحيد، ويجدان نفسيهما ينساقان إلى خيانة المبادئ الاشتراكية التي تشبعا بها في سنوات المراهقة والدراسة الجامعية. فالقانون يقضي بأن ينتسب الطلاب إلى المدرسة الرسمية الأقرب إلى موقع السكن. لكن لا أحد من أصدقاء «كورنتان» قد تسجل في المدرسة القريبة، وهو لا يريد أن يبقى بعيداً عن رفاق الطفولة. لهذا يمكن القول إن «صراع الطبقات» هو أيضاً فيلم سياسي من النوع الخفيف. وهو يطرح سؤالاً مهماً: هل يمكن أن يعيش الفرد ملتحماً بمحيطه، أم ينساق وراء مصلحته ويعيش لذاته؟ كما يطرح الفيلم السؤال حول حقيقة التعليم في المدارس الحكومية، وهل تؤهل من يتخرج فيها لأن يواصل الدراسة في المعاهد الراقية، أو ما يسمى كليات النخبة، مثل الطب وإدارة الأعمال والإعلام والعلوم السياسية؟ هل يكون تدريس اللغة الأجنبية، كالإنجليزية مثلاً، بالمستوى المنشود الذي يضع في يد الطالب مفاتيح العصر الإلكتروني؟ هذه القصة هي نتيجة جهد مشترك بين المخرج ميشيل لوكلير وزوجته الجزائرية الأصل بيّة قاسمي. وهما من قدامى سكنة ضاحية بانيوليه، وسبق لهما وقدما فيلماً مؤثراً بعنوان «اسم الناس».
يقوم بدور الزوج الممثل إدوار باير، أمام ليلى بختي التي تؤدي دور الزوجة «صوفيا» بكثير من الجدارة. وهي من المرات القلائل التي نرى فيها على الشاشة الفرنسية ممثلة من أصل عربي تؤدي دوراً من ذاك المحجوز للشقراوات الخاليات من شبهة اللكنة في الحديث. وهي قد ولدت في ضاحية باريس الغربية لعائلة مهاجرة من سيدي بلعباس في الجزائر، وحفرت في الصخر حتى تبلغ اليوم من شهرة. ففي مراهقتها، كانت ليلى تشتري المجلات الفنية وتبحث عن الإعلانات التي تطلب ممثلات مبتدئات، وتحلم في قرارة نفسها بأن تظهر في فيلم ما.
لما أنهت الثانوية، سعت لتلقي دروس في العلاج عن طريق الفن، ودروس موازية في التمثيل، وكانت في الوقت ذاته تمارس مختلف الأعمال البسيطة للإنفاق على تعليمها. ثم جاءتها الفرصة الذهبية يوم قرأت إعلاناً يطلب ممثلة لتأدية دور مهاجرة شابة في فيلم للمخرج كيم شابيرون، أمام النجم فنسان كاسيل. ومن بين عشرات المتقدمات وقع عليها الاختيار لدور «ياسمين». ثم توالت الأدوار... بدأت ليلى بختي مغامرتها السينمائية معتمدة على الحظ. ولعلها ما زالت تراهن عليه وعلى موهبتها. ورغم استمرارها في التمثيل، وتعدد أدوارها، فإنها كانت تشعر بأن مهنتها قد تنقلب عليها، وأن عملها قد يتوقف في اليوم التالي. متى يأتي ذلك اليوم؟ مهما حدث فإن ليلى بختي سجلت اسمها في تاريخ السينما الفرنسية يوم فازت بجائزة «سيزار» لأفضل ممثلة واعدة، عام 2011 عن دورها في فيلم «كل شيء يلمع». وفي العام التالي نالت «سيزارَ» أفضل ممثلة عن دورها في «ينابيع النساء». وفي هذا العام عادت لتنال «سيزارَ» أفضل ممثلة في دور ثانوي عن فيلم «الحمام الكبير».
في بداياتها، توقع الكثيرون أنها فقاعة في فنجان. أو أنها، في أحسن الأحوال، ستبقى أسيرة أدوار البنت المتحدرة من أوساط الهجرة المغاربية، وبالتالي لن يطلبها أحدٌ خارج هذا الإطار. لكن اسم ليلى بختي لم يختف من المشهد السينمائي بل قدمت أدواراً مهمة، ونالت جوائز كثيرة، وفرضت سحنتها السمراء على شركات فرنسية كبرى للتجميل اختارتها سفيرة للدعاية لمنتجاتها. إن صورها تظهر اليوم على غلاف أكثر المجلات انتشاراً. ورغم ملامحها العربية، فإن أحد المخرجين راهن عليها في دور «جولييت»، المرأة الباريسية التي تسطو على مصرف. لم يعد المتفرج أن ينظر إلى ليلى باعتبارها واحدة من «البوريت»، وهو اللقب الذي يطلق على بنات المهاجرين المغاربيين، بل صارت ممثلة من دون «بطاقة» مسبقة. ثم جاء اقترانها بزميلها طاهر رحيم، الممثل الجزائري الأصل، أيضاً، لكي يعزز استقرارها النفسي. لقد تمكن، مثلها، من فرض نفسه بين نجوم الصف الأول في فرنسا، ونال عدة جوائز تقديرية. وفي واحدة من المرات النادرة، تطرقت ليلى إلى حياتها الزوجية التي تدور بهدوء منذ سنوات، بعيداً عن فضول الصحافة، وروت أنها تعرفت على طاهر أثناء اشتراكهما في فيلم «النبي» للمخرج جاك أوديار. وقالت إنها أحبت فيه عيوبه ومزاياه. فهو قد ناضل من أجل أن يصبح ممثلاً دون أن يسحق أحداً من رفاقه.


مقالات ذات صلة

بطلة «سنو وايت»: الفيلم يُنصف قِصار القامة ويواجه التنمر

يوميات الشرق مريم شريف في لقطة من فيلم «سنو وايت» (الشركة المنتجة)

بطلة «سنو وايت»: الفيلم يُنصف قِصار القامة ويواجه التنمر

رغم وقوفها أمام عدسات السينما ممثلة للمرة الأولى؛ فإن المصرية مريم شريف تفوّقت على ممثلات محترفات شاركن في مسابقة الأفلام الطويلة بـ«مهرجان البحر الأحمر».

انتصار دردير (القاهرة )
يوميات الشرق وجوه من فيلم «السادسة صباحاً» (غيتي)

من طهران إلى كابل... حكايات نساء يتحدّيْن الظلم في «البحر الأحمر»

«السادسة صباحاً» و«أغنية سيما» أكثر من مجرّد فيلمين تنافسيَّيْن؛ هما دعوة إلى التأمُّل في الكفاح المستمرّ للنساء من أجل الحرّية والمساواة.

أسماء الغابري (جدة)
يوميات الشرق جوني ديب لفت الأنظار بحضوره في المهرجان (تصوير: بشير صالح)

اختتام «البحر الأحمر السينمائي» بحفل استثنائي

بحفل استثنائي في قلب جدة التاريخية ، اختم مهرجان «البحر الأحمر السينمائي الدولي» فعاليات دورته الرابعة، حيث أُعلن عن الفائزين بجوائز «اليُسر». وشهد الحفل تكريمَ

أسماء الغابري (جدة)
يوميات الشرق ياسمين عبد العزيز في كواليس أحدث أفلامها «زوجة رجل مش مهم» (إنستغرام)

«زوجة رجل مش مهم» يُعيد ياسمين عبد العزيز إلى السينما

تعود الفنانة المصرية ياسمين عبد العزيز للسينما بعد غياب 6 سنوات عبر الفيلم الكوميدي «زوجة رجل مش مهم».

داليا ماهر (القاهرة )
يوميات الشرق رئيسة «مؤسّسة البحر الأحمر السينمائي» جمانا الراشد فخورة بما يتحقّق (غيتي)

ختام استثنائي لـ«البحر الأحمر»... وفيولا ديفيس وبريانكا شوبرا مُكرَّمتان

يتطلّع مهرجان «البحر الأحمر السينمائي» لمواصلة رحلته في دعم الأصوات الإبداعية وإبراز المملكة وجهةً سينمائيةً عالميةً. بهذا الإصرار، ختم فعالياته.

أسماء الغابري (جدة)

«البحر الأحمر السينمائي» يشارك في إطلاق «صنّاع كان»

يتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما
يتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما
TT

«البحر الأحمر السينمائي» يشارك في إطلاق «صنّاع كان»

يتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما
يتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما

في مسعى لتمكين جيل جديد من المحترفين، وإتاحة الفرصة لرسم مسارهم المهني ببراعة واحترافية؛ وعبر إحدى أكبر وأبرز أسواق ومنصات السينما في العالم، عقدت «معامل البحر الأحمر» التابعة لـ«مؤسسة مهرجان البحر الأحمر السينمائي» شراكة مع سوق الأفلام بـ«مهرجان كان»، للمشاركة في إطلاق الدورة الافتتاحية لبرنامج «صنّاع كان»، وتمكين عدد من المواهب السعودية في قطاع السينما، للاستفادة من فرصة ذهبية تتيحها المدينة الفرنسية ضمن مهرجانها الممتد من 16 إلى 27 مايو (أيار) الحالي.
في هذا السياق، اعتبر الرئيس التنفيذي لـ«مؤسسة مهرجان البحر الأحمر السينمائي» محمد التركي، أنّ الشراكة الثنائية تدخل في إطار «مواصلة دعم جيل من رواة القصص وتدريب المواهب السعودية في قطاع الفن السابع، ومدّ جسور للعلاقة المتينة بينهم وبين مجتمع الخبراء والكفاءات النوعية حول العالم»، معبّراً عن بهجته بتدشين هذه الشراكة مع سوق الأفلام بـ«مهرجان كان»؛ التي تعد من أكبر وأبرز أسواق السينما العالمية.
وأكّد التركي أنّ برنامج «صنّاع كان» يساهم في تحقيق أهداف «مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي» ودعم جيل جديد من المواهب السعودية والاحتفاء بقدراتها وتسويقها خارجياً، وتعزيز وجود القطاع السينمائي السعودي ومساعيه في تسريع وإنضاج عملية التطوّر التي يضطلع بها صنّاع الأفلام في المملكة، مضيفاً: «فخور بحضور ثلاثة من صنّاع الأفلام السعوديين ضمن قائمة الاختيار في هذا البرنامج الذي يمثّل فرصة مثالية لهم للنمو والتعاون مع صانعي الأفلام وخبراء الصناعة من أنحاء العالم».
وفي البرنامج الذي يقام طوال ثلاثة أيام ضمن «سوق الأفلام»، وقع اختيار «صنّاع كان» على ثمانية مشاركين من العالم من بين أكثر من 250 طلباً من 65 دولة، فيما حصل ثلاثة مشاركين من صنّاع الأفلام في السعودية على فرصة الانخراط بهذا التجمّع الدولي، وجرى اختيارهم من بين محترفين شباب في صناعة السينما؛ بالإضافة إلى طلاب أو متدرّبين تقلّ أعمارهم عن 30 عاماً.
ووقع اختيار «معامل البحر الأحمر»، بوصفها منصة تستهدف دعم صانعي الأفلام في تحقيق رؤاهم وإتمام مشروعاتهم من المراحل الأولية وصولاً للإنتاج.
علي رغد باجبع وشهد أبو نامي ومروان الشافعي، من المواهب السعودية والعربية المقيمة في المملكة، لتحقيق الهدف من الشراكة وتمكين جيل جديد من المحترفين الباحثين عن تدريب شخصي يساعد في تنظيم مسارهم المهني، بدءاً من مرحلة مبكرة، مع تعزيز فرصهم في التواصل وتطوير مهاراتهم المهنية والتركيز خصوصاً على مرحلة البيع الدولي.
ويتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما عبر تعزيز التعاون الدولي وربط المشاركين بخبراء الصناعة المخضرمين ودفعهم إلى تحقيق الازدهار في عالم الصناعة السينمائية. وسيُتاح للمشاركين التفاعل الحي مع أصحاب التخصصّات المختلفة، من بيع الأفلام وإطلاقها وتوزيعها، علما بأن ذلك يشمل كل مراحل صناعة الفيلم، من الكتابة والتطوير إلى الإنتاج فالعرض النهائي للجمهور. كما يتناول البرنامج مختلف القضايا المؤثرة في الصناعة، بينها التنوع وصناعة الرأي العام والدعاية والاستدامة.
وبالتزامن مع «مهرجان كان»، يلتئم جميع المشاركين ضمن جلسة ثانية من «صنّاع كان» كجزء من برنامج «معامل البحر الأحمر» عبر الدورة الثالثة من «مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي» في جدة، ضمن الفترة من 30 نوفمبر (تشرين الثاني) حتى 9 ديسمبر (كانون الأول) المقبلين في المدينة المذكورة، وستركز الدورة المنتظرة على مرحلة البيع الدولي، مع الاهتمام بشكل خاص بمنطقة الشرق الأوسط.