بعد عملية نيوزيلندا الإرهابية... هل تفرض الرقابة على وسائل التواصل الاجتماعي؟

طرح القضية على طاولة مجموعة العشرين في اليابان هذا الصيف

الاعتداء الإرهابي أسفر عن مقتل 50 مسلماً في مذبحة نفذها متطرف يؤمن بتفوق العرق الأبيض في مسجدين في مدينة كرايست تشيرش (أ.ب)
الاعتداء الإرهابي أسفر عن مقتل 50 مسلماً في مذبحة نفذها متطرف يؤمن بتفوق العرق الأبيض في مسجدين في مدينة كرايست تشيرش (أ.ب)
TT

بعد عملية نيوزيلندا الإرهابية... هل تفرض الرقابة على وسائل التواصل الاجتماعي؟

الاعتداء الإرهابي أسفر عن مقتل 50 مسلماً في مذبحة نفذها متطرف يؤمن بتفوق العرق الأبيض في مسجدين في مدينة كرايست تشيرش (أ.ب)
الاعتداء الإرهابي أسفر عن مقتل 50 مسلماً في مذبحة نفذها متطرف يؤمن بتفوق العرق الأبيض في مسجدين في مدينة كرايست تشيرش (أ.ب)

يمثّل الحادث الإرهابي الذي وقع في مدينة كرايست تشيرش في نيوزيلندا يوم الجمعة 15 مارس (آذار) 2019، الذي راح ضحيته 50 من المصلين المسلمين، نقطة فارقة في نشاط وسائل التواصل الاجتماعي، قد يسفر عنها وضع معايير جديدة لنشاط هذه الوسائل وكيفية انضباطها مستقبلاً. وكانت البداية في هذا التحول طلب أستراليا رسمياً من اليابان طرح موضوع تشديد الرّقابة على وسائل التواصل الاجتماعي في قمة العشرين التي ستعقد في أوساكا خلال شهر يونيو (حزيران) المقبل.
وذكر رئيس الوزراء الأسترالي سكوت موريسون على حسابه في «تويتر» أنّه أرسل رسالة يطلب فيها من رئيس الوزراء الياباني شينزو آبي عقب حادث إطلاق النار على المصلين داخل مسجدين في نيوزيلندا، طرح القضية على زعماء مجموعة العشرين لدى اجتماعهم في اليابان هذا الصيف. وكان الحدث الأليم قد بُثّ حيّاً على «فيسبوك» من الإرهابي، وبقي على الموقع بعض الوقت إلى أن حذفته إدارة الموقع خلال 24 ساعة، ولكن ليس قبل انتشار مليون ونصف المليون نسخة منه.
وذكر موريسون في رسالته، الحاجة الملحة لأن تقوم شركات التكنولوجيا بواجبها الأخلاقي لحماية المجتمعات التي تخدمها، والتي تحصل منها على أرباحها. وأضاف: «على زعماء مجموعة العشرين تأكيد أنّ هناك عواقب ليس فقط لمنفذي هذه العمليات الشنيعة وإنّما أيضا لمن ينشرون لهم هذه الأعمال».
ويعتبر البعض أنّ بقاء مواد تحض على الكراهية لمدة 24 ساعة على موقع «فيسبوك» قبل حذفها، يعني تغافل إدارة الموقع عن مسؤولياتها. وهناك سوابق كثيرة لمثل هذا الاستخفاف، ولا يقتصر الأمر على «فيسبوك» وإنّما ينتشر على مواقع أخرى مثل: «تويتر» و«انستغرام» و«يوتيوب» وغيرها.
في الماضي، قالت إدارات هذه المواقع إنّها تستمع إلى شكاوى المستخدمين وتحذف أي مواد أو صور مسيئة أو تدخل تحت نطاق بث الكراهية العنصرية أو الدينية، ولكن المواقع لا تقوم بهذه المهمة تلقائياً أو فوراً.
وفي حال حادث «كرايست تشيرش» الإرهابي توجهت شرطة نيوزيلندا وحكومتها بطلبات عاجلة إلى «فيسبوك» لكي يحذف المحتوى، ولكن «فيسبوك» استغرق ساعات حتى يستجيب، إلى أن انتشر خلالها المحتوى إلى 1.5 مليون نسخة تعين إزالتها. وكانت النتيجة موجة من الغضب العام الذي دفع شخصيات عامة مثل عمدة لندن ساجد جافيد لتوجيه نداء إلى كل من «يوتيوب» و«غوغل» و«فيسبوك» و«تويتر» لتحمل مسؤولياتها عن المواد المتطرفة التي تنشر عبر مواقعها، مختتماً رسالته على «تويتر» بكتابة عبارة: «لقد فاض الكيل». من ناحية أخرى، أعلن مئات من المستخدمين مقاطعة وسائل التواصل الاجتماعي احتجاجاً على انعدام الرقابة فيها.
وتقول الباحثة سارة برايور إنّ مشكلة المواد المسيئة لازمت مواقع التواصل الاجتماعي منذ بداياتها. وفي حالة «فيسبوك» لم تضع إدارة الموقع معايير واضحة وشفافة أو ضوابط لمنع تسلّل هذه المواد إلى المتابعين، ولكنّها مع ذلك دشنت خدمة البث الحي المباشر التي تمكن بها الإرهابي من بث عمليات القتل على «فيسبوك» مباشرة بلا رقابة.
وتشير برايور إلى أنّ سبب عدم وجود الرقابة الكافية على مواقع التواصل الاجتماعي يرجع إلى أنّ نموذج عمل هذه المواقع قائم على حرية تبادل المعلومات وإضافة المحتوى. وهناك بعض الضوابط المتاحة لمنع كلمات أو صور مسيئة ولكنّها ليست كافية، لأن بعضها متروك للمتابع لكي يطبقها بنفسه، والبعض الآخر ينتظر تلقي شكاوى من محتوى معين قبل النظر في حذفه.
وهناك الكثير من المشاكل الأخرى التي تواجه مواقع التواصل الاجتماعي منها الحسابات المزيفة التي لا يمكن الوصول إلى صاحبها الحقيقي، والتي تبث مواد مسيئة ومتطرفة تحت ستار مستخدم وهمي. أيضا هناك معايير السن القانونية لمشاهدة بعض المواد التي تترك للمستخدم لكي يحددها بنفسه، ولكن من دون رقابة حقيقية عمّا إذا كان المستخدم قد بلغ سن الرشد أم لا.
من المشاكل الأخرى التي تعد عصرية وحديثة، مشكلة الأخبار الكاذبة التي تنتشر على المواقع بلا رقابة ولا محاسبة، بينما تطبق معايير النشر بصرامة مع ناشري الصحف مثلاً.
من ناحية أخرى، يشكو القائمون على مراقبة وحذف المواد المسيئة في «فيسبوك» من الأجور الضعيفة وظروف العمل الصعبة والمشاهد المسيئة التي يتعرضون لها روتينياً بصفة يومية. ولا يزيد أجر العامل في هذه المجالات داخل الولايات المتحدة على 28 ألف دولار سنوياً، قبل الضرائب، وهو مبلغ لا يكفل له حياة مستقرة.
ويقول مدير سابق في «فيسبوك» اسمه ستيفن شيلر إنّه خلال عمله في الشركة قبل عام 2017 اكتشف أنّ الموقع يفقد السيطرة تدريجياً على المواد التي تبث من خلاله. ومع تقدم التكنولوجيا وتسارع وتيرتها كان هناك الكثير من القرارات التي يتعين اتخاذها ولكنّها لم تتخذ.
وأظهر حادث نيوزيلندا الإرهابي انعدام الرقابة على البث الحي. ويطالب مسؤولون حكوميون منهم رئيسة وزراء نيوزيلندا جاسيندا أرديرن، ورئيس وزراء أستراليا سكوت موريسون، ومسؤولون آخرون حول العالم، بتجميد خدمة البث الحي من «فيسبوك» حتى تتمكن الشركة من ضبط ما يبث عليها.
- هل من حلول؟
يجب الاعتراف بأنّ شركات وسائط التواصل الاجتماعي هي شركات تجارية تهدف إلى الربح ولا تضع في أولوياتها المعايير الأخلاقية أو الأدبية. وهي نموذج جديد للميديا التي تجمع المليارات من العوائد ولا تلتزم بالمعايير والمسؤوليات المفروضة على وسائل الإعلام التقليدية مثل الصحف والراديو والتلفزيون. وحتى الآن أثبتت هذه الوسائل أنّها ليست راغبة أو قادرة على ضبط محتوياتها تلقائياً، ولذلك من المتوقع أن تؤدي التطورات الأخيرة إلى حلول من خارج هذه المؤسسات.
من هذه الحلول تطبيق الحكومات للمعايير التي يجب أن تلتزم بها وسائل التواصل الاجتماعي من أجل السّماح بعملها. وتستطيع الحكومات منع هذه المواقع من العمل على أراضيها في حالات عدم الالتزام بالمعايير. ولكن هذا الحل قد تشوبه شبهة التحكم السياسي أو فرض الرقابة على حرية المعلومات. ويعتمد أسلوب الرقابة على تعريف وسائل التواصل على أنّها مجرد ناقلة للمعلومات أو أنّها ناشرة للمحتوى تلتزم بما يلتزم به ناشرو الميديا الآخرون.
حل آخر، هو أنّ تتدخل الشركات المعلنة لدى هذه المواقع وتفرض شروطها لمنع المحتويات المسيئة أو سحب حملات إعلانها. ومثل هذه الخطوة من شأنها أن تلفت انتباه شركات التواصل فوراً لأنه يصيبها في مصادر إيراداتها. وقد بدأت شركات أسترالية ونيوزيلندية بالفعل في تطبيق مقاطعة، في أعقاب بث الحادث الإرهابي، ومنها بنوك وشركات مواد استهلاكية.
وتدرس هيئات حماية المستهلك في الكثير من الدول، منصات البث على الإنترنت وأسلوب عملها وما يتعيّن اتخاذه من قرارات لتنظيم عملها من دون الحد من حريتها. وكان أحد القرارات التي اتخذت أخيراً من مفوضية الاتحاد الأوروبي قد فرض غرامة قياسية قدرها 1.7 مليار دولار على «غوغل» لحجبه معلنين على مواقع بحث أخرى.
وتعتبر هذه الغرامة هي الثالثة التي تفرضها أوروبا على «غوغل» خلال عامين. وبلغت أرباح محرك «غوغل» في عام 2018، 30.7 مليار دولار ارتفاعاً من 12.6 مليار دولار في عام 2017.


مقالات ذات صلة

«حالة من الصمت» يحصد «جائزة الشرق الوثائقية»

يوميات الشرق الفيلم يتناول مخاطرة صحافيين بحياتهم لتغطية «سياسات المخدّرات» في المكسيك (الشرق الأوسط)

«حالة من الصمت» يحصد «جائزة الشرق الوثائقية»

فاز الفيلم الوثائقي «حالة من الصمت» للمخرج سانتياغو مازا بالنسخة الثانية من جائزة «الشرق الوثائقية».

«الشرق الأوسط» (جدة)
رياضة عربية المهندس خالد عبد العزيز رئيس المجلس الأعلى للإعلام في مصر (صفحة المجلس على «فيسبوك»)

مصر: قرارات جديدة لمواجهة «فوضى الإعلام الرياضي»

أصدر المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام في مصر، برئاسة المهندس خالد عبد العزيز مجموعة قرارات، اعتماداً لتوصيات لجنة ضبط أداء الإعلام الرياضي.

محمد الكفراوي (القاهرة)
أوروبا مراسلات يتحدثن أمام الكاميرات خلال تغطية صحافية في البرازيل (رويترز)

ثلثهم على أيدي الجيش الإسرائيلي... مقتل 54 صحافياً في عام 2024

قُتل 54 صحافياً حول العالم أثناء قيامهم بعملهم أو بسبب مهنتهم في عام 2024، ثلثهم على أيدي القوات الإسرائيلية، وفق ما أظهر تقرير سنوي.

«الشرق الأوسط» (باريس)
يوميات الشرق الصحافي سامح اللبودي والزميلة بيسان الشيخ من «الشرق الأوسط»

«الشرق الأوسط» تفوز ببرونزية «أريج» للصحافة الاستقصائية

فازت «الشرق الأوسط» بالجائزة البرونزية للصحافة الاستقصائية العربية التي تمنحها مؤسسة «أريج»، عن تحقيق: قصة الإبحار الأخير لـ«مركب ملح» سيئ السمعة.

«الشرق الأوسط» (لندن)
يوميات الشرق صورة تذكارية لعدد من أعضاء مجلس الإدارة (الشركة المتحدة)

​مصر: هيكلة جديدة لـ«المتحدة للخدمات الإعلامية»

تسود حالة من الترقب في الأوساط الإعلامية بمصر بعد إعلان «الشركة المتحدة للخدمات الإعلامية» إعادة تشكيل مجلس إدارتها بالتزامن مع قرارات دمج جديدة للكيان.

«الشرق الأوسط» (القاهرة )

«حرب الإعلام» التضليلية... الهاجس الجديد للاتحاد الأوروبي

مقر المفوضية الأوروبية في بروكسل (غيتي)
مقر المفوضية الأوروبية في بروكسل (غيتي)
TT

«حرب الإعلام» التضليلية... الهاجس الجديد للاتحاد الأوروبي

مقر المفوضية الأوروبية في بروكسل (غيتي)
مقر المفوضية الأوروبية في بروكسل (غيتي)

«المعارضة الحقيقية هي وسائل الإعلام، ومواجهتها تقتضي إغراقها بالمعلومات المفبركة والمضللة».

هذا ما قاله ستيف بانون، كبير منظّري اليمين المتطرف في الولايات المتحدة عندما كان مشرفاً على استراتيجية البيت الأبيض في بداية ولاية دونالد ترمب الأولى عام 2018.

يومذاك حدّد بانون المسار الذي سلكه ترمب للعودة إلى الرئاسة بعد حملة قادها المشرف الجديد على استراتيجيته، الملياردير إيلون ماسك، صاحب أكبر ثروة في العالم، الذي يقول لأتباعه على منصة «إكس» «X» (تويتر سابقاً): «أنتم اليوم الصحافة».

رصد نشاط بانون

في أوروبا ترصد مؤسسات الاتحاد وأجهزته منذ سنوات نشاط بانون ومراكز «البحوث» التي أنشأها في إيطاليا وبلجيكا والمجر، ودورها في صعود الأحزاب اليمينية المتطرفة في غالبية الدول الأعضاء، والذي بلغ ذروته في انتخابات البرلمان الأوروبي مطلع الصيف الماضي.

وتفيد تقارير متداولة بين المسؤولين الأوروبيين بأن هذه المراكز تنشط بشكل خاص على منصات التواصل الاجتماعي، وأن إيلون ماسك دخل أخيراً على خط تمويلها وتوجيه أنشطتها، وأن ثمة مخاوف من وجود صلات لهذه المراكز مع السلطات الروسية.

درع ضد التضليل

أمام هذه المخاوف تنشط المفوضية الأوروبية منذ أسابيع لوضع اللمسات الأخيرة على ما أسمته «الدرع ضد التضليل الإعلامي» الذي يضمّ حزمة من الأدوات، أبرزها شبكة من أجهزة التدقيق والتحقق الإلكترونية التي تعمل بجميع لغات الدول الأعضاء في الاتحاد، إلى جانب وحدات الإعلام والأجهزة الرقمية الاستراتيجية الموجودة، ومنها منصة «إي يو فس ديسانفو» EUvsDisinfo المتخصّصة التي انطلقت في أعقاب الغزو الروسي لشبه جزيرة القرم وضمّها عام 2014. و«هي باتت عاجزة عن مواجهة الطوفان التضليلي» في أوروبا... على حد قول مسؤول رفيع في المفوضية.

الخبراء، في بروكسل، يقولون إن الاتحاد الأوروبي يواجه اليوم «موجة غير مسبوقة من التضليل الإعلامي» بلغت ذروتها إبان جائحة «كوفيد 19» عام 2020، ثم مع نشوب الحرب الروسية الواسعة النطاق ضد أوكرانيا في فبراير (شباط) 2022.

وإلى جانب الحملات الإعلامية المُضلِّلة، التي تشّنها منذ سنوات بعض الأحزاب والقوى السياسية داخلياً، تعرّضت الساحة الأوروبية لحملة شرسة ومتطورة جداً من أطراف خارجية، في طليعتها روسيا.

ومع أن استخدام التضليل الإعلامي سلاحاً في الحرب الهجينة ليس مُستجدّاً، فإن التطوّر المذهل الذي شهدته المنصّات الرقمية خلال السنوات الأخيرة وسّع دائرة نشاطه، وضاعف تداعياته على الصعيدين: الاجتماعي والسياسي.

الهدف تعميق الاستقطاب

وراهناً، تحذّر تقارير عدة وضعتها مؤسسات أوروبية من ازدياد الأنشطة التضليلية بهدف تعميق الاستقطاب وزعزعة الاستقرار في مجتمعات البلدان الأعضاء. وتركّز هذه الأنشطة، بشكل خاص، على إنكار وجود أزمة مناخية، والتحريض ضد المهاجرين والأقليات العرقية أو الدينية، وتحميلها زوراً العديد من المشاكل الأمنية.

وتلاحظ هذه التقارير أيضاً ارتفاعاً في كمية المعلومات المُضخَّمة بشأن أوكرانيا وعضويتها في حلف شمال الأطلسي «ناتو» أو انضمامها إلى الاتحاد الأوروبي، فضلاً عن معلومات مضخمة حول مولدافيا والاستفتاء الذي أجري فيها حول الانضمام إلى الاتحاد، وشهد تدخلاً واسعاً من جانب روسيا والقوى الموالية لها.

ستيف بانون (آ ب)

التوسّع عالمياً

كذلك، تفيد مصادر الخبراء الأوروبيين بأن المعلومات المُضلِّلة لا تنتشر فحسب عبر وسائط التواصل الاجتماعي داخل الدول الأعضاء، بل باتت تصل إلى دائرة أوسع بكثير، وتشمل أميركا اللاتينية وأفريقيا، حيث تنفق الصين وروسيا موارد ضخمة خدمة لمصالحها وترسيخ نفوذها.

كلام فون دير لاين

وفي الكلمة التي ألقتها أخيراً أورسولا فون در لاين، رئيسة المفوضية الأوروبية، بمناسبة الإعلان عن مشروع «الدرع» الذي ينتظر أن يستلهم نموذج وكالة «فيجينوم» الفرنسية ورديفتها السويدية «وكالة الدفاع النفسي»، قالت فون دير لاين: «إن النظام الديمقراطي الأوروبي ومؤسساته يتعرّضون لهجوم غير مسبوق يقتضي منّا حشد الموارد اللازمة لتحصينه ودرء المخاطر التي تهدّده».

وكانت الوكالتان الفرنسية والسويدية قد رصدتا، في العام الماضي، حملات تضليلية شنتها روسيا بهدف تضخيم ظهور علامات مناهضة للسامية أو حرق نسخ من القرآن الكريم. ويقول مسؤول أوروبي يشرف على قسم مكافحة التضليل الإعلامي إن ثمة وعياً متزايداً حول خطورة هذا التضليل على الاستقرار الاجتماعي والسياسي، «لكنه ليس كافياً توفير أدوات الدفاع السيبراني لمواجهته، بل يجب أن تضمن الأجهزة والمؤسسات وجود إطار موثوق ودقيق لنشر المعلومات والتحقق من صحتها».

إيلون ماسك (رويترز)

حصيلة استطلاعات مقلقة

في هذه الأثناء، تفيد الاستطلاعات بأن ثلث السكان الأوروبيين «غالباً» ما يتعرضون لحملات تضليلية، خاصة في بلدان مثل اليونان والمجر وبلغاريا وإسبانيا وبولندا ورومانيا، عبر وسائل التواصل الاجتماعي والتلفزيون. لكن المفوضية تركّز نشاطها حالياً على الحملات والتهديدات الخارجية، على اعتبار أن أجهزة الدول الأعضاء هي المعنية بمكافحة الأخطار الداخلية والسهر على ضمان استقلالية وسائل الإعلام، والكشف عن الجهات المالكة لها، منعاً لاستخدامها من أجل تحقيق أغراض سياسية.

وللعلم، كانت المفوضية الأوروبية قد نجحت، العام الماضي، في إقرار قانون يلزم المنصات الرقمية بسحب المضامين التي تشكّل تهديداً للأمن الوطني، مثل الإرهاب أو الابتزاز عن طريق نشر معلومات مضلِّلة. لكن المسؤولين في المفوضية الأوروبية يعترفون بأنهم يواجهون صعوبات في هذا المضمار؛ إذ يصعب وضع حدودٍ واضحة بين الرأي والمعلومات وحرية التعبير، وبالتالي، يضطرون للاتجاه نحو تشكيل لجان من الخبراء أو وضع برامج تتيح للجمهور والمستخدمين تبيان المعلومات المزوَّرة أو المضلِّلة.