السعودية ترسم خطط تعليم اللغة الصينية ببرامج الابتعاث بدءاً من العام المقبل

وزير التعليم: خطة لإنشاء مراكز ومعاهد كونفوشيوس في الجامعات

جانب من ورشة العمل في الرياض أمس
جانب من ورشة العمل في الرياض أمس
TT

السعودية ترسم خطط تعليم اللغة الصينية ببرامج الابتعاث بدءاً من العام المقبل

جانب من ورشة العمل في الرياض أمس
جانب من ورشة العمل في الرياض أمس

بدأت السعودية خطوات حثيثة نحو إدراج اللغة الصينية ضمن المناهج الدراسية، حيث أعلنت وزارة التعليم زيادة عدد مبتعثيها للجامعات الصينية بدءاً من العام المقبل، وذلك بعد اتفاقية أبرمت بين الرياض وبكين في فبراير (شباط) الماضي، خلال زيارة ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان للصين.
ووفقاً لحمد آل الشيخ وزير التعليم السعودي، فإن المملكة تخطط لأن تكون هنالك زيادة كبيرة جداً في عدد البعثات إلى الصين، سواء برامج البكالوريوس أو التعليم العالي.
وقال الوزير، على هامش ورشة عمل لإدراج اللغة الصينية في التعليم عقدت أمس (السبت) في الرياض: «المخطط العام المقبل أن يكون هناك توسع في إرسال طلاب وطالبات على مستوى التعليم العالي للدراسة في تخصصات مختلفة في الجامعات الصينية الرائدة، وفقاً للتخصص، وهذا يعني توسيع برنامج الابتعاث، عددياً ونوعياً، بالتعاون مع الجانب الصيني فيما يخص الجامعات».
وتابع: «هناك مقترحات قدمها الجانب الصيني لعملية التعاون المشتركة، وسيكون هناك وضع للنقاط على الحروف حول ما هو دور الجانب الصيني والسعودي؛ نحن نعمل على ذلك الآن، ونتمنى أن نضع ماهية الجامعات التي ستفتح فيها هذه المراكز التي ستدرج تخصص اللغة الصينية في برنامج كليات اللغات والترجمة، وماهية الخطة اللاحقة».
ولفت وزير التعليم إلى أن قمة ولي العهد السعودي مع الرئيس الصيني الأخيرة في بكين ومخرجاتها وضعت علاقة استراتيجية بين السعودية والصين، وتقوم وزارة التعليم بتنفيذ الجزء المكمل لها، قائلاً: «تطلعاتنا مثل تطلعاتهم وأكبر».
وتابع: «التوجه لتعليم الصينية يأتي من الرغبة في تنويع أدوات اللغة للتعليم بناء على الأهمية الاستراتيجية والاقتصادية للغة الصينية، والأهمية الاستراتيجية والاقتصادية للصين، حالياً أو مستقبلاً، فالمتوقع أن يكون الاقتصاد الصيني هو الأول خلال ثماني سنوات من الآن، وهذا يعني تأسيس علاقة قوية مع هذا الاقتصاد بناء على المصالح المشتركة بين الدولتين. ومن هنا، جاءت رؤية القيادة السعودية والصينية بأن يكون هنالك تعاون في مستوى الأهمية الاستراتيجية للسعودية واقتصادها ودورها في العالم العربي والإسلامي، والأهمية للصين ودورها في الاقتصاد العالمي واتخاذ القرار الاستراتيجي في الأمم المتحدة».
وشدد حمد آل الشيخ على «أهمية التخطيط بشكل صحيح، بالتعاون مع الصين، (...) ووضع خطة متكاملة لإدراج وانتشار تعليم اللغة الصينية في السعودية، وفق معالم ومحكات وبرامج محددة، سواء في الجامعات أو التعليم العام، والتدرج في المراحل.
ولدينا الآن بعض البرامج في الجامعات، وهي محدودة، فيجب أن نضع الخطة الزمنية لإنشاء مراكز أو معاهد كونفوشيوس للغة في الجامعات، وما هو نمط هذه المراكز: هل هي مراكز فقط لتعليم اللغة أم فيها أيضاً تبادل ثقافي وأوجه تعليم أخرى، سواء رياضية أو ثقافية أو غيرها؟ وما هي الخطة الزمنية لهذا التوسع الأفقي في داخل هذه المراكز، أو في إدراج اللغة الصينية في كليات اللغة والترجمة، أو أعداد الذين سيتم قبولهم في هذه البرامج».
وأضاف وزير التعليم: «على مستوى آخر، لا بد أن يكون هنالك برنامج واضح لتأهيل عدد من المعلمين في برامج مكثفة، قد تصل إلى سنة، ليكونوا معلمي ومعلمات لغة صينية للمراحل المستهدفة، فقد يكون المستهدف في أول 3 سنوات مثلاً مدارس في الثانوية، مختارة في مختلف المناطق، وهناك خطة للتوسع العددي فيها، بناء على تأهيل المتطلبات، ثم التوسع للمرحلة المتوسطة؛ ومعنى ذلك أنه يجب أن يصاحب هذا التوسع إرسال عدد من المعلمين في برامج يتم تطويرها مع الجانب الصيني ووكالة البعثات لمدة سنة لتأهيلهم للغة الصينية».
وتحدث آل الشيخ عن وجود عدد من الخريجين من الصين الذين يعتبرون أصولاً قابلة للاستخدام، وأدوات في تنفيذ البرامج المقبلة، وقال: «بعد عشر سنوات، يجب أن تكون لدينا القدرة على تخيل حجم انتشار اللغة الصينية، وحجم التعاون مع الصين، فمثلاً هل نرى أن تكون اللغة الصينية بعد عشر سنوات تدرس من سنة رابعة ابتدائي كمادة إلزامية إلى المرحلة الثانوية، وتصبح مثل اللغة الإنجليزية، ونبدأ بعملية التخطيط العكسي للوصول إلى هذا المستهدف؟».
من جانبه، أكد شي هون، القائم بأعمال السفارة الصينية في الرياض، أن الحكومة الصينية مهتمة جداً بتعليم اللغة الصينية في السعودية، وقال: «نحن سعداء لتقديم كل الدعم والتسهيلات والمساعدة في هذا المجال؛ ناقشنا قبل قليل مع الوزير هذا الأمر، ونؤكد أن اللغة الصينية ليست صعبة».



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».