الخلافات بين {المركزي اللبناني} والمصارف الخاصة تجمّد دفع القروض السكنية وقطاع البناء

TT

الخلافات بين {المركزي اللبناني} والمصارف الخاصة تجمّد دفع القروض السكنية وقطاع البناء

لم يبدأ تنفيذ التعميم الصادر عن مصرف لبنان بخصوص دعم الوحدات السكنية، رغم مرور شهرين على إصداره، وهو ما ترجعه مصادر معنية إلى تباينات بين المصرف المركزي والمصارف الخاصة الموكلة بالتنفيذ بسبب خلافات على سعر الفائدة، ووضع قيمة موازية للمبالغ المدفوعة بالعملة الأجنبية في مصرف لبنان، فضلاً عن أن المصارف تعتبر المبلغ غير كافٍ للعمل به في السوق.
وكان حاكم مصرف لبنان رياض سلامة أصدر في 30 يناير (كانون الثاني) الماضي تعميماً يتعلق بالتسهيلات التي يمكن أن يمنحها مصرف لبنان للمصارف والمؤسسات المالية، تتضمن حزمة دعم للقروض السكنية تبلغ 300 مليار ليرة (نحو 200 مليون دولار)، وذلك بعد عشرة أشهر على توقف حزمات الدعم من المصرف المركزي لقطاع الإسكان، في وقت تحتاج الحكومة لتفعيل قطاعاتها الإنتاجية لتحريك عجلة الاقتصاد وتقليص عجز الموازنة.
ورغم أن تعميم مصرف لبنان صدر بعد مطالب سياسية واقتصادية على مستويات رفيعة لتثبيت الأمن الاجتماعي، فإن التنفيذ لم يبدأ، وسط صمت رسمي حيال الملف الذي لم تتطرق له الحكومة منذ تشكيلها في 31 يناير الماضي.
ويوفر المصرف المركزي حزمة الدعم ويضعها بعهدة المصارف الخاصة التي تدرس طلبات الراغبين بالاستفادة من القروض المدعومة وتمنحها لمن يستوفون الشروط، ذلك أنه وفق القانون لا يستطيع المصرف المركزي التعامل مباشرة مع تلك الملفات لكونه يتعامل مع الدولة والمؤسسات العالمية والمصارف التجارية، ولا يلزم التعميم الصادر من المصرف المركزي المصارف الخاصة بصرف تلك القروض إذا كانت لا ترغب في ذلك.
من هنا، تحمّل مصادر معنية المصارف الخاصة مسؤولية عدم صرف الحزمة الأخيرة، التي تعادل ثلث ما كان يخصصه المصرف المركزي سنوياً للقروض السكنية المدعومة منذ 2011؛ إذ يخصص 600 مليون دولار لقروض الإسكان من أصل حزمة الدعم السنوية البالغة مليار دولار لتنشيط الاقتصاد اللبناني.
ويتّفق المعنيّون بالملف على أن العقبة تتمثل في عدم استجابة المصارف اللبنانية لتعميم المصرف المركزي، على ضوء اعتراضها على ثلاثة أمور متصلة بالملف. ويشرح مدير عام المؤسسة العامة للإسكان روني لحود لـ«الشرق الأوسط» أن التباينات بين المصرف المركزي والمصارف الخاصة، تتعلق بشرط وضعه المصرف المركزي على المصارف يلزمها بوضع مبلغ بالعملة الأجنبية مقابل ما تصرفه على القروض السكنية في مصرف لبنان، وهو ما تعتبره المصارف عملية غير مربحة، وتترتب عليها خسائر لكونها تحجز قيمة معينة من العملة الصعبة تعادل ما تدفعه.
أما الأمر الثاني، فيتمثل في أن الفائدة التي يفرضها المصرف المركزي على المستفيد من القروض المدعومة، هي 5.5 في المائة، وتتكفل الحكومة اللبنانية بدفع 4 في المائة فوائد، استناداً إلى التزامها بدعم الفوائد على القروض السكنية، ما يعني أن المصارف مجبرة على تقاضي 9.5 في المائة فوائد، وهي أقل من الفائدة المتداولة على العملة اللبنانية، وتعتبر أنه إذا كانت الفائدة أقل من 11.9 في المائة، فستترتب على القروض خسائر مالية، لأن هذا المعدل هو الكلفة الإجمالية للديون بالليرة اللبنانية.
أما السبب الثالث، فيتعلق بالقيمة المرصودة للقروض المدعومة (200 مليون دولار)، وهي بحسب لحود، تبلغ 10 في المائة من حجم السوق العقارية، وتنظر المصارف إلى هذه الحزمة على أنها غير كافية لتحريك العمليات المالية وهي غير مربحة، لذلك لا تنظر إليها باهتمام.
ويؤكد الخبير الاقتصادي البروفسور جاسم عجاقة على تلك النقاط، قائلا إن غياب الاتفاق بين المصارف الخاصة والجهات الرسمية المعنية، ساهم في تفاقم الأزمة. ولفت في تصريح لـ«الشرق الأوسط» إلى أن المصارف لا ترغب في ذلك لأنها تنظر إلى الموضوع من زاوية تجارية، وهي في هذه الحال غير مربحة بالنسبة لها استناداً إلى سعر الفوائد، ووضع قيمة موازية للقروض المصروفة بالعملة الأجنبية في المصرف المركزي.
ويرى عجاقة أن المشكلة الأساسية لرفع قيمة القروض المدعومة، أو دفع مساهمة إضافية في الفوائد، تعود إلى عجز الدولة اللبنانية مالياً، إذ بلغ عجز الميزان التجاري في الشهر الأول من العام الحالي 1.3 مليار دولار، فضلاً عن الحاجة إلى العملة الصعبة لتثبيت سعر صرف الليرة اللبنانية، وهي إجراءات يتخذها مصرف لبنان لتوفير استقرار للعملة المحلية.
وتسعى الدولة اللبنانية، منذ العام الماضي، لإعادة تفعيل القروض السكنية المدعومة بلا جدوى، بسبب عدم قدرتها المباشرة على توفير هذا الدعم، ولو أنها لحظت في موازنة المالية العامة للعام 2018 دعم الفوائد على القروض السكنية بنحو 66 مليون دولار. لكن العجز في الميزان التجاري يمنع أي تدخل إضافي لإعادة تشغيل القطاع.
وبينما يقدر حجم الاستثمار في القطاع العقاري 20 مليار دولار، يقول لحود إن تراجع العمل فيه تسبب في توقيف 60 قطاعا متصلة به، تبدأ من قطاع البناء وملحقاته الذي يضم 38 قطاعاً، ويصل إلى قطاعات أخرى بعد توقف حفلات الزفاف نتيجة عدم توفر مسكن للمتزوجين. ويرى لحود أن القروض المدعومة يجب أن تُصرف للطبقات الفقيرة والمتوسطة التي تتقدم بطلباتها للقروض المدعومة عبر المؤسسة العامة للإسكان، في حين توزع حزمات الدعم السنوية لمقدمي الطلبات من المغتربين أيضا والعاملين في القطاعات العسكرية والأمنية. وتشير التقديرات إلى أن هناك 1200 طلب لعسكريين للاستفادة من القروض السكنية المدعومة لشراء وحدات سكنية.



اللاجئون الفلسطينيون يعودون إلى مخيم «اليرموك» في سوريا

اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)
اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)
TT

اللاجئون الفلسطينيون يعودون إلى مخيم «اليرموك» في سوريا

اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)
اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)

كان مخيم اليرموك للاجئين في سوريا، الذي يقع خارج دمشق، يُعدّ عاصمة الشتات الفلسطيني قبل أن تؤدي الحرب إلى تقليصه لمجموعة من المباني المدمرة.

سيطر على المخيم، وفقاً لوكالة «أسوشييتد برس»، مجموعة من الجماعات المسلحة ثم تعرض للقصف من الجو، وأصبح خالياً تقريباً منذ عام 2018، والمباني التي لم تدمرها القنابل هدمت أو نهبها اللصوص.

رويداً رويداً، بدأ سكان المخيم في العودة إليه، وبعد سقوط الرئيس السوري السابق بشار الأسد في 8 ديسمبر (كانون الأول)، يأمل الكثيرون في أن يتمكنوا من العودة.

في الوقت نفسه، لا يزال اللاجئون الفلسطينيون في سوريا، الذين يبلغ عددهم نحو 450 ألف شخص، غير متأكدين من وضعهم في النظام الجديد.

أطفال يلعبون أمام منازل مدمرة بمخيم اليرموك للاجئين في سوريا (أ.ف.ب)

وتساءل السفير الفلسطيني لدى سوريا، سمير الرفاعي: «كيف ستتعامل القيادة السورية الجديدة مع القضية الفلسطينية؟»، وتابع: «ليس لدينا أي فكرة لأننا لم نتواصل مع بعضنا بعضاً حتى الآن».

بعد أيام من انهيار حكومة الأسد، مشت النساء في مجموعات عبر شوارع اليرموك، بينما كان الأطفال يلعبون بين الأنقاض. مرت الدراجات النارية والدراجات الهوائية والسيارات أحياناً بين المباني المدمرة. في إحدى المناطق الأقل تضرراً، كان سوق الفواكه والخضراوات يعمل بكثافة.

عاد بعض الأشخاص لأول مرة منذ سنوات للتحقق من منازلهم. آخرون كانوا قد عادوا سابقاً ولكنهم يفكرون الآن فقط في إعادة البناء والعودة بشكل دائم.

غادر أحمد الحسين المخيم في عام 2011، بعد فترة وجيزة من بداية الانتفاضة ضد الحكومة التي تحولت إلى حرب أهلية، وقبل بضعة أشهر، عاد للإقامة مع أقاربه في جزء غير مدمر من المخيم بسبب ارتفاع الإيجارات في أماكن أخرى، والآن يأمل في إعادة بناء منزله.

هيكل إحدى ألعاب الملاهي في مخيم اليرموك بسوريا (أ.ف.ب)

قال الحسين: «تحت حكم الأسد، لم يكن من السهل الحصول على إذن من الأجهزة الأمنية لدخول المخيم. كان عليك الجلوس على طاولة والإجابة عن أسئلة مثل: مَن هي والدتك؟ مَن هو والدك؟ مَن في عائلتك تم اعتقاله؟ عشرون ألف سؤال للحصول على الموافقة».

وأشار إلى إن الناس الذين كانوا مترددين يرغبون في العودة الآن، ومن بينهم ابنه الذي هرب إلى ألمانيا.

جاءت تغريد حلاوي مع امرأتين أخريين، يوم الخميس، للتحقق من منازلهن. وتحدثن بحسرة عن الأيام التي كانت فيها شوارع المخيم تعج بالحياة حتى الساعة الثالثة أو الرابعة صباحاً.

قالت تغريد: «أشعر بأن فلسطين هنا، حتى لو كنت بعيدة عنها»، مضيفة: «حتى مع كل هذا الدمار، أشعر وكأنها الجنة. آمل أن يعود الجميع، جميع الذين غادروا البلاد أو يعيشون في مناطق أخرى».

بني مخيم اليرموك في عام 1957 للاجئين الفلسطينيين، لكنه تطور ليصبح ضاحية نابضة بالحياة حيث استقر العديد من السوريين من الطبقة العاملة به. قبل الحرب، كان يعيش فيه نحو 1.2 مليون شخص، بما في ذلك 160 ألف فلسطيني، وفقاً لوكالة الأمم المتحدة للاجئين الفلسطينيين (الأونروا). اليوم، يضم المخيم نحو 8 آلاف لاجئ فلسطيني ممن بقوا أو عادوا.

لا يحصل اللاجئون الفلسطينيون في سوريا على الجنسية، للحفاظ على حقهم في العودة إلى مدنهم وقراهم التي أُجبروا على مغادرتها في فلسطين عام 1948.

لكن، على عكس لبنان المجاورة، حيث يُمنع الفلسطينيون من التملك أو العمل في العديد من المهن، كان للفلسطينيين في سوريا تاريخياً جميع حقوق المواطنين باستثناء حق التصويت والترشح للمناصب.

في الوقت نفسه، كانت للفصائل الفلسطينية علاقة معقدة مع السلطات السورية. كان الرئيس السوري الأسبق حافظ الأسد وزعيم «منظمة التحرير الفلسطينية»، ياسر عرفات، خصمين. وسُجن العديد من الفلسطينيين بسبب انتمائهم لحركة «فتح» التابعة لعرفات.

قال محمود دخنوس، معلم متقاعد عاد إلى «اليرموك» للتحقق من منزله، إنه كان يُستدعى كثيراً للاستجواب من قبل أجهزة الاستخبارات السورية.

وأضاف متحدثاً عن عائلة الأسد: «على الرغم من ادعاءاتهم بأنهم مع (المقاومة) الفلسطينية، في الإعلام كانوا كذلك، لكن على الأرض كانت الحقيقة شيئاً آخر».

وبالنسبة لحكام البلاد الجدد، قال: «نحتاج إلى مزيد من الوقت للحكم على موقفهم تجاه الفلسطينيين في سوريا. لكن العلامات حتى الآن خلال هذا الأسبوع، المواقف والمقترحات التي يتم طرحها من قبل الحكومة الجديدة جيدة للشعب والمواطنين».

حاولت الفصائل الفلسطينية في اليرموك البقاء محايدة عندما اندلع الصراع في سوريا، ولكن بحلول أواخر 2012، انجر المخيم إلى الصراع ووقفت فصائل مختلفة على جوانب متعارضة.

عرفات في حديث مع حافظ الأسد خلال احتفالات ذكرى الثورة الليبية في طرابلس عام 1989 (أ.ف.ب)

منذ سقوط الأسد، كانت الفصائل تسعى لتوطيد علاقتها مع الحكومة الجديدة. قالت مجموعة من الفصائل الفلسطينية، في بيان يوم الأربعاء، إنها شكلت هيئة برئاسة السفير الفلسطيني لإدارة العلاقات مع السلطات الجديدة في سوريا.

ولم تعلق القيادة الجديدة، التي ترأسها «هيئة تحرير الشام»، رسمياً على وضع اللاجئين الفلسطينيين.

قدمت الحكومة السورية المؤقتة، الجمعة، شكوى إلى مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة تدين دخول القوات الإسرائيلية للأراضي السورية في مرتفعات الجولان وقصفها لعدة مناطق في سوريا.

لكن زعيم «هيئة تحرير الشام»، أحمد الشرع، المعروف سابقاً باسم «أبو محمد الجولاني»، قال إن الإدارة الجديدة لا تسعى إلى صراع مع إسرائيل.

وقال الرفاعي إن قوات الأمن الحكومية الجديدة دخلت مكاتب ثلاث فصائل فلسطينية وأزالت الأسلحة الموجودة هناك، لكن لم يتضح ما إذا كان هناك قرار رسمي لنزع سلاح الجماعات الفلسطينية.