بيروت تستضيف «يوم التصميم الإيطالي»

يرتبط توقيته بالمعرض الدولي للأثاث في ميلانو

المهندس الإيطالي داريو كوراتولو خلال انعقاد «يوم التصميم الإيطالي» في بيروت (الشرق الأوسط)
المهندس الإيطالي داريو كوراتولو خلال انعقاد «يوم التصميم الإيطالي» في بيروت (الشرق الأوسط)
TT

بيروت تستضيف «يوم التصميم الإيطالي»

المهندس الإيطالي داريو كوراتولو خلال انعقاد «يوم التصميم الإيطالي» في بيروت (الشرق الأوسط)
المهندس الإيطالي داريو كوراتولو خلال انعقاد «يوم التصميم الإيطالي» في بيروت (الشرق الأوسط)

«لقد أُعجبت كثيراً بالهندسة المعمارية المعاصرة التي تعمّ العاصمة بيروت، فهي تجمع ما بين هويتها التراثية وفن العمارة الحديث». بهذه الكلمات وصف المهندس المعماري الإيطالي داريو كوراتولو في حديث لـ«الشرق الأوسط» انطباعه الأول حول العاصمة اللبنانية، إثر استضافته من قبل السفارة الإيطالية في لبنان في «يوم التصميم الإيطالي العالمي».
فبحضور السفير الإيطالي لدى لبنان ماسيمو ماروتي تمّ افتتاح هذا الحدث الذي تشهده بيروت للسنة الرابعة على التوالي، وذلك في «فيلا ليندا سرسق» بالأشرفية. ويُحتفل بهذا الحدث الذي يرتبط توقيته بالمعرض الدولي للأثاث في مدينة ميلانو الإيطالية، ويُعتبر الأكثر شهرة في العالم تحت عنوان «ترينالي دي ميلانو»، في نحو 100 مدينة في العالم، حيث يقيم سفراء إيطاليا فيها مناقشات حول الموضوع الرئيسي الذي تحمله كل نسخة منه.
«عنوان موضوعنا هذه السنة يتمحور حول التفاعل بين التصميم ومدينة المستقبل، وهو يهدف إلى تعزيز التحقيق حول كيفية تدخل التصميم في واقع معقّد»، حسبما يقول السفير الإيطالي لدى لبنان ماسيمو ماروتي في حديث لـ«الشرق الأوسط». وعن رأيه في العلاقة التي تربط ما بين لبنان وإيطاليا في هذا الصدد يقول: «هناك بالطبع علاقة وطيدة بين البلدين فيما يخص فن التصميم بشكل عام، وتُعدّ إيطاليا أول مورّد للأثاث في لبنان بحيث بلغت 58 مليون دولار في عام 2018. وهو ما يجعلنا على علاقة مميزة به. ولبنان شارك ولأول مرة العام الماضي في معرض (بينالي للهندسة المعمارية) في فينيسيا مع مهندسين لبنانيين. فنحن نتشارك مع اللبنانيين هذه الثقافة في الإبداع، كما أن المصمم بشكل عام يُسهِم في عملية تطوير عالم الصناعة فيساعد في تطوير الإنتاج والنشطات والأعمال التي تنبثق عن هذا الفن».
ويتابع في سياق حديثه لـ«الشرق الأوسط»: «إننا من خلال تنظيم معارض كهذه التي نحتفل بها اليوم في بيروت نكون بصدد استحداث جسر من المعرفة والصداقة بين البلدين، وهو ما نترجمه أيضاً على الأرض مباشرة، وضمن حلقات حوارية، وقد قمنا بإحداها في جامعة الروح القدس في الكسليك».
وترعى هذه المبادرة وزارة الخارجية والتعاون الدولي الإيطالية بالتعاون مع وزارة الثقافة الإيطالية و«جمعية ترينالي دي ميلانو»، ووكالة التجارة الإيطالية، إضافة إلى شركاء إيطاليين آخرين.
وهذه السنة سُمّي المهندس الإيطالي داريو كوراتولو سفيراً للتصميم الإيطالي لدى لبنان لعام 2019. وهو خرّيج جامعة لا سابينا في روما، ومتخصص في نظريات الهندسة المعمارية وخبير التصميم والاتصال البصري، ويشغل منصب المدير الفني لسجلّ المهندسين المعماريين وبيت الهندسة المعمارية في روما.
وتم خلال الحفل مشاهدة عرض بصري لإنجازات المهندس المذكور في عالم الهندسة المعمارية، التي تشمل مجسّم الجناح الإيطالي في دبي لعام 2020، والمكتبة المتحركة في مدينة أبوليا الإيطالية، ومركز «باديليوني إيطاليا» في هونغ كونغ، وصالون الأثاث في ميلانو وغيرها.
وعما إذا عينه الثاقبة التقطت مشهدية معمارية لعمارة بيروت الغد، يقول داريو كوراتولو لـ«الشرق الأوسط»: «في إمكاني القول إن هناك اتصالاً مباشراً التقطه نظري أثناء مروري في شوارع لبنان وولّد لدي ذلك الشعور بضرورة عدم الاكتفاء ببناء العمارات المرتفعة، أي ما نسميها بناطحات السحاب، دون الأخذ بعين الاعتبار استحداث مساحة تكون بمثابة رواق طويل ثلاثي الأبعاد يشق طريقه بين شاطئ بيروت وعماراتها الشاهقة، ليؤلّف مشهدية معمارية جميلة ويحافظ على هوية بيروت التراثية معاً، فلقد لاحظت مبالغة في استخدام الإسمنت وغزوه المدينة، مما قد يشوّه معالمها الأصلية وطبيعتها في المستقبل، ولذلك عليكم التنبه لهذا الأمر». وعن الفرق بين المصمم والمهندس المعماري يوضح: «إنهما يكملان بعضهما فالرؤيا والإلهام يتوزعان بالتساوي بينهما، وعلى الرغم من مهمتيهما المختلفتين، فإن هناك رابطاً أساسياً بينهما، وهو الإبداع الفني».



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».