Mother India (1957)
السينما الهندية في واقعيتها العظيمة
نبع المخرج الهندي محبوب خان (1907 - 1964)، أو كما كان يوقّـع أفلامه مكتفياً باسمه الأول «محبوب» من أرض السينما الواقعية. ومن المثير اليوم ملاحظة كيف أن أدواته الرئيسية في تصوير الريف الهندي هي ذاتها التي شوهدت في أفلام صلاح أبو سيف وبركات وخليل شوقي وبعض أفلام حسين كمال الأول في خمسينات وستينات السينما المصرية.
هذه الأدوات لا تطالعنا فقط مع بداية «الأم الهند» بل تسري على كل تلك المشاهد العديدة التي يحويها الفيلم في سياقه.
هنا نتعرّف على رادا (الممثلة التي اكتفت باسمها الأول نرجس)، تفترش الأرض وتشم الطمـي في حسرة بينما تجرف الجرارات الأرض وتغيّر المعالم من حولها. إنها لا ترى ما يحاول أهل القرية إقناعها به من أن التغيير سيجلب الخير للجميع. تتمنع في قيام الجرافات بالبدء بتدشين ممر مائي جديد لأنها لا تريد التضحية بالأرض التي - ندرك لاحقاً - روتها بعرقها ودموعها. وراء معارضتها حكاية أخرى يعرضها المخرج في «فلاشباك» طويل.
نلتقي بها في سنوات شبابها وهي تُـزف إلى زوجها الشاب شيامو (راج كومار). الزواج تم من دون خاطر رادا أو أمها لكن الأم اضطرت إلى ذلك لتتخلص من دين جاثم عليها ولا تستطيع رده فهما كانا بحاجة لرجل يحرث الأرض بعدما استغل المرابي صاحب الدين جهل الأم بالقراءة والكتابة ونال إمضاءها على عقد ينص بأن يستولي على ثلاثة أرباح المحصول. بذلك أصبحت رادا وزوجها يعملان أجيرين في أرض أمها لتفي بشروط العقد. بعد إنجاب رادا لثلاثة أولاد تفاجأ بهروب زوجها ولجوئه إلى المدينة حيث تحوّل إلى شحاذ.
تمضي الأمور إلى الأسوأ عندما يموت أحد أولادها في فيضان كبير (يحسن محبوب تصويره بأدوات ذلك الحين). أما الولدان الآخران فيختلفان كل عن الآخر. الأول طيع وطيّـب والآخر غاضب على وضع معيشي بائس لا يرى أن هناك خلاصاً منه إلا بالانضمام على عصابة تتمرد على السائد. يهدد الابن بقتل ابنة المرابي التي تتحلى الآن بأساور ذهب اضطرت رادا لبيعها للمرابي بسعر بخس. تحاول رادا منع ابنها من تنفيذ تهديده لكنه يرفض ويقتل المرابي ما يضع المشاهد أمام اختيار صعب: الموافقة على العنف كحل أو معارضته على الأساس نفسه.
يفصح العنوان عن أن واحداً من مفادات الفيلم هي أن رادا هي الأم كشخصية كما هي الهند برمزها، وإن حكايتها مع الأرض والأولاد والإقطاعي هي حكاية الهند مع أرضها وشعبها والمستعمر البريطاني الذي حكمها. كما أن اختيار سبيل مسالم يتبع غاندي أو سبيل عنيف يؤدي إلى الثورة ضد الاستبداد هو محور الأزمة التي تواجهها الأم والهند على حد سواء.
الفيلم كلاسيكي اليوم ولو أنه ليس فنّـاً كبيراً بل ميلودراما جيدة الصنع. فيلم عاطفي ومباشر وفيه لوازم الترفيه كالغناء والرقص. لكنه جاد في منحاه كعمل يبحث في أبعاد موضوعه. القيمة الفعلية لهذا الفيلم هي واقعيته ومزجه عناصر الفيلم التجاري السائد بالحكاية ذات الدلالات الاجتماعية الكبيرة.
العناصر المؤلفة له من سيناريو إلى تمثيل وغناء وتصميم وإخراج موظفة لتقديم فيلم كبير بوقعه وملحمي في حكايته وإيقاعه. محبوب لم يكن ساتياجت راي، بل مجرد سينمائي رفض سينما الذات الفرنسية وأم السينما الواقعية بمثالها الإيطالي محلاة بالنكهة الهندية كاملة. وهو تعامل مع ممثليه بما يناسب الفيلم والطبيعة المحتملة وليس برفع مستوى فن التشخيص. على ذلك تتفوق نرجس على الجميع في أدائها المتقن لأي تعبير مرغوب. نعم ما زال «الأم الهند» دراما توظف العاطفة لاستدرار الدموع، لكن المضمون يبرز في طروحاته الاجتماعية أولاً.
محبوب خان جاء من البيئة الفقيرة ذاتها. وُلد في قرية صغيرة من والدين معوزين فنشأ فقيراً ثم أصبح ممثلا كومبارس (وغالباً من دون أجر) ونام في الأزقة قبل أن ينقلب مخرجاً ناجحاً وينتهي كأحد أهم كلاسيكيي السينما الهندية.
قيمة تاريخية:
قيمة فنية: