في عام 2014، عندما بيع عقد من دار «كارتييه» بـ27.44 مليون دولار في مزاد «سوذبيز» بهونغ كونغ، أثار السعر انتباه العالم. فالعقد الذي كان مرصوفاً بحجر اليشم الأخضر، كان يبدو بسيطاً للعين غير المدربة؛ لكن ما يعرفه العارفون أن هذه البساطة خادعة؛ لأن هذا الحجر الأخضر الزمردي النابض بالحياة، يحظى بالتبجيل والاحترام لنُدرته، وفي الصين لما يتضمنه من إرث ثقافي يعود إلى آلاف السنوات. فقيمته لديهم رسخها أباطرة أسرة تشينغ، الذين كانوا يقدرون صفاءه ويتفاءلون به. ومع زيادة الثروة في الصين مؤخراً، ازداد الطلب على أحجار اليشم؛ خصوصاً أن المعروض من ميانمار تراجع بشكل كبير، مما أدى إلى ارتفاع أسعاره بشكل صاروخي.
واللافت في آسيا مؤخراً، وتحديداً الصين، أن انفتاحها في العقد الماضي ترافق مع ظهور عدد من جامعي الأحجار، واتساع سوق مزادات اليشم بشكل هائل، إلى حد أن سعرها قد يصل إلى المليون دولار؛ خصوصاً إذا كانت بلون مميز وجودة عالية.
وليس أدل على هذا من القطعة المرصعة باليشم والياقوت والألماس، التي طُرحت للبيع في المزاد عام 2014، وصنعتها «كارتييه» خصيصاً للوريثة الأميركية باربرا هاتون. والثابت أن الأمر لم يتغير إلى الآن، فالبحث عن قطع مصنوعة من هذا الحجر لا يزال يحظى بإقبال كبير.
حسب الخبراء الآسيويين، فإن جنون الأسعار أمر عادي، إذا أخذنا بعين الاعتبار القول الصيني المأثور بأن «للذهب قيمة؛ لكن اليشم لا يقدَّر بثمن».
مع ذلك، ليست كل أحجار اليشم متساوية القيمة، فهي أنواع ودرجات. الأجود هو الذي يكون صافياً وشفافاً تتخلله ألوان كثيرة، تتباين من درجات الأخضر الداكن حتى الأرجواني والأبيض والأسود. فهذا يكون الأكثر صلابة، والأعلى قيمة بين الأحجار.
أما النفريت، وهو من درجة أقل جودة، فيتسم بأنه أكثر نعومة مع قدر من الضبابية. كما له ألوان أكثر، ويتم تصنيفه أيضاً كحجر يشم؛ لكنه يستخدم كثيراً عند عمل النقوش.
هناك أيضاً اليشم الصناعي، وهو أقل جودة، ويمكن معالجة المنتجات المصنوعة من النوع الرخيص من ذلك الحجر بإضافة لون أو مركب كيميائي، لتعزيز شكله وجعله يبدو حقيقياً وأصلياً.
رغم قدرة الخبراء على التمييز بين كل تلك المنتجات بالعين المجردة، فلا تعد تلك الطريقة مضمونة، ودون وجود معيار دولي إرشادي، لهذا فإن للتأكد تماماً من أصالة قطعة ما من اليشم أو أي مادة أخرى، فلا بد من إرسالها إلى المعمل لإخضاعها للفحص بشكل علمي. ففي سوق المجوهرات يكون أي حجر طبيعي هو المرغوب فيه، لتمتعه بالجمال الطبيعي. بينما يقلل أي شيء اصطناعي يتدخل به الناس لتحسين لونه مثلاً من قيمته.
وعندما يتعلق الأمر باليشم عالي الجودة، عموماً، فإن تنامي الطلب عليه بين الأثرياء وأفراد الطبقة المتوسطة في الصين كان له تأثير رئيسي على ارتفاع الأسعار. كذلك أدى تراجع وانخفاض المخزون من اليشم الخام في ميانمار، التي تساهم بأكبر حصة من إنتاجه في العالم؛ بل تعد المصدر الوحيد للنوع عالي الجودة، إلى تعقيد الأمر.
وتشير دور المزادات في آسيا، التي يتم من خلالها بيع الجزء الأكبر من المعروض من أحجار اليشم، إلى أن هذا الوضع يؤدي إلى تغير الأنماط والطرق التي يسعى من خلالها جامعو المجوهرات والأحجار إلى الحصول على اليشم، مع ازدياد التركيز على جودة اللون وشفافيته. وقد صرحت دار «سوذبيز» في الصين: «في الوقت الذي شهدنا فيه أرقاماً قياسية متتابعة خلال عامي 2013 و2014، أصبح الجامعون الصينيون هذه الأيام أكثر انتقائية، ويسعون وراء قطع متميزة ونادرة».
في سوق التجزئة النهائية، أدى ارتفاع السعر وزيادة الوعي والمعرفة بالحجر، إلى جانب جماله، إلى اتساع خريطة المعجبين به، لتشمل نجمات، مثل نيكول كيدمان، وجيسيكا تشاستاين، وغيرهما؛ لكن لا يختلف اثنان على أن أذواق العملاء الآسيويين التقليديين تختلف عن أذواق العملاء الغربيين، إذ كثيراً ما يكون هناك سبب عاطفي وراء شراء الحلي المصنوعة من اليشم، إضافة إلى اللون والصفاء بالنسبة إلى الصينيين بوجه عام، أما العملاء الغربيون فيهتمون أكثر بالتصميم والحرفية والتفاصيل الفنية، من نقش وغيره.
> الاختيار بحكمة
أياً كانت ميزانيتك، فمن المهم اختيار القطعة بحكمة. وأهم النقاط التي يركز عليها الخبراء هي:
- ملمس الحجر، الذي يجب أن يكون أملس، وهو ما يعزز شفافيته الطبيعية، والتي تعد هي الأخرى عاملاً مهماً في رفع قيمته، فكلما كان الضوء قادراً على النفاذ عبر الحجر، كان أكثر لمعاناً وأعلى قيمة.
- قد يؤثر لون الحجر أيضاً على قيمته بشكل كبير. فسواء كان أخضر أو أرجوانياً أو أبيض، فينبغي أن يكون نقياً قدر الإمكان، ومُشعاً يتسم بالصفاء. إذا أخذنا الأخضر على سبيل المثال، فلا بد من البحث عن الأخضر الصريح النقي، ويجب تجاهله تماماً إذا كان مائلاً إلى الزرقة.
- الحجم ليس مهماً؛ لأنه لا يحدد جودته. إذا كان لا بد من الاختيار بين حجر كبير ذي جودة تجارية، وحجر صغير ذي جودة أعلى، فإن الأصغر أعلى قيمة.
لكن رغم كل هذه المحاذير والنصائح، يبقى اقتناء قطعة مجوهرات أياً كانت مسألة شخصية، تحكمها العاطفة أولاً والاستثمار ثانياً. فاليشم مثله مثل غيره من الأحجار، يمكن أن يتحول إلى تحفة على يد مصمم ماهر، الأمر الذي يجعل الناظر يقع في حبه من النظرة الأولى، أو أن يبقى مجرد حجر ثمين يفتقد إلى روح وإحساس. ومن البديهي حالياً أن أغلب بيوت المجوهرات تستثمر فيه، تودداً للسوق الصينية وتقرباً لها.
5:57 دقيقة
للذهب قيمة... لكن اليشم لا يقدَّر بثمن لدى الصينيين
https://aawsat.com/home/article/1643201/%D9%84%D9%84%D8%B0%D9%87%D8%A8-%D9%82%D9%8A%D9%85%D8%A9-%D9%84%D9%83%D9%86-%D8%A7%D9%84%D9%8A%D8%B4%D9%85-%D9%84%D8%A7-%D9%8A%D9%82%D8%AF%D9%91%D9%8E%D8%B1-%D8%A8%D8%AB%D9%85%D9%86-%D9%84%D8%AF%D9%89-%D8%A7%D9%84%D8%B5%D9%8A%D9%86%D9%8A%D9%8A%D9%86
للذهب قيمة... لكن اليشم لا يقدَّر بثمن لدى الصينيين
للذهب قيمة... لكن اليشم لا يقدَّر بثمن لدى الصينيين
مواضيع
مقالات ذات صلة
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة