جاءنا اسم سميح القاسم مباشرة بعد هزيمة يونيو (حزيران) 1967 مقرونا باسم محمود درويش وتوفيق زياد حين كتب غسان كنفاني مقاله الشهير عن شعراء الأرض المحتلة، الذي ضمنه فيما بعد في كتابه «أدب المقاومة في فلسطين المحتلة». جاءوا حزمة واحدة من تلك الأرض المعذبة فلسطين. لكنهم جاءوا بشكل مختلف. شعراء يغنون الأرض والمقاومة وفتح، في وقت كانت الأرض العربية كلها غارقة في اليأس والضياع بعد هزيمة حزيران ذلك العام. وسرعان ما أصابونا بعدوى الأمل. من أين كانت تأتي قوة الأمل العجيبة تلك؟ كيف انبثقت من تحت الرماد العربي والفلسطيني؟ مع هؤلاء الشعراء، اكتشفنا، كم نحن كنا واهمين، وأن المقاومة الحقيقية لا يمكن أن تأتي إلا من رحم الأرض نفسها، وليس من تلك المذياعات من وراء الحدود التي لم تملأ آذاننا بالصراخ فقط، وإنما كانت تكذب علينا ليل نهار. كانت ظاهرة جديدة علينا، وكان سلاح هذا الثلاثي سلاحا قاطعا، أكثر لمعانا من أسلحتنا الصدئة. إنه سلاح الغناء. غنى هذا الثلاثي، وهم في قلب الحوت، أغنية واحدة بتنويعات وإيقاعات مختلفة، كل شاعر على طريقته.. غناء جديدا علينا، غناء مباشرا، بسيطا بساطة الناس والأرض، من قصيدة «سجل أنا عربي»، لمحمود درويش، إلى «أناديكم»، لتوفيق زياد، و«منتصب القامة أمشي»، لسميح القاسم. كانت أغنية واحدة على ألسنة ثلاثة شعراء.
وسرعان ما أصبحت هذه الأغنية، أغنية المقاومة والأمل، على لسان آلاف الناس في البقاع العربية، تتردد في المقاهي والبيوت والساحات. صارت أغنية جماعية للناس لأنها كتبت عنهم، أو كأنهم كتبوها هم بأنفسهم. كانت ظاهرة جديدة علينا تماما، وعلى المشهد الشعري العربي. قلما خرج الشعر من قبل بهذا الشكل من الورق إلى الشارع.
من ذلك الوقت صار عندنا شعر مقاومة، كما صار عند الفرنسيين شعر وشعراء مقاومة أثناء الاحتلال النازي لفرنسا، انتشرت قصائدهم في أنحاء المعمورة. إنها ظاهرة جديدة تماما علينا. وزاد من دهشتنا، أن هذا الثلاثي الشعري والسياسي أيضا تخرجوا من السجون الإسرائيلية. ومن أعماق هذه السجون انتموا إلى حزب راكاح، الحزب الشيوعي الإسرائيلي، وكان علينا أن نستوعب كل هذه المعادلة الغريبة. لقد قلبوا الطاولة علينا حقا، شعريا وسياسيا، واحتلوا وجداننا لسنوات طويلة، وأحببناهم «حبا قاسيا»، كما عبر محمود درويش مرة.
ورغم أن الدروب تقطعت بهذا الثلاثي النادر شعريا وحياتيا، فدرويش رحل إلى المنفى ثم الموت، وبقي القاسم في بطن الحوت ورحل الآن، وزياد سبقهم إلى الموت، إلا أن أغنيتهم المشتركة ستبقى في أذهان ووجدان الناس طويلا، طالما بقي هناك شعب مسحوق، وأرض مستباحة، وإنسان يغني للحرية أغنية واحدة غسلت أدران تلك المرحلة الكالحة بالشعر والأمل.
وما تبع ذلك، يبقى تفصيلا شعريا قد يتفق عليه النقاد وقد يختلفون.
8:6 دقيقة
حين خرج الشعر من الورق إلى الشارع
https://aawsat.com/home/article/164126
حين خرج الشعر من الورق إلى الشارع
- لندن: فاضل السلطاني
- لندن: فاضل السلطاني
حين خرج الشعر من الورق إلى الشارع
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة