بروفايل: أيمن عودة... أمل الشباب لفلسطينيي 48

رغم المشاكل التي تهدد حجم «القائمة المشتركة» في الكنيست

عودة يعتبر من أفقر القادة السياسيين في إسرائيل مالياً
عودة يعتبر من أفقر القادة السياسيين في إسرائيل مالياً
TT

بروفايل: أيمن عودة... أمل الشباب لفلسطينيي 48

عودة يعتبر من أفقر القادة السياسيين في إسرائيل مالياً
عودة يعتبر من أفقر القادة السياسيين في إسرائيل مالياً

قبل شهر من انتخاب أيمن عودة لعضوية الكنيست (البرلمان الإسرائيلي)، عام 2015، سار هو ومجموعة من سكان عرب النقب، مشياً على الأقدام من منطقة بئر السبع إلى القدس، لمسافة 100 كلم، في مسيرة احتجاج سلمي على أوضاع هذه الفئة السكانية المظلومة بأقصى جنوب فلسطين.
انطلقوا من قرية وادي النعم، التي تعتبر واحدة من 38 قرية عربية هناك لا تعترف بها الحكومات الإسرائيلية، ويعيش فيها أهلها من دون كهرباء أو خطوط أنابيب مياه أو مجار. وكانت هذه رسالة منه إلى المجتمع الإسرائيلي كله أن قائدا من طراز جديد يدخل الحلبة السياسية. شاب يلجأ إلى أساليب نضال سلمية مؤثرة على المجتمع اليهودي. فكان كثير من سائقي السيارات يتوقفون إلى جانب المسيرة ويحيونها وبعضهم يشتمها لكن الغالبية تتعاطف معها.
ولكن، لا أقل أهمية من هذا، أن العرب رأوا فيه أملاً جديداً. فقد ملوا من القيادات التي تعتمد في كفاحها أسلوب الشعارات الطنانة التي لا تجدي نفعاً، بل تتحول إلى سلاح يستخدمه اليمين الإسرائيلي لضرب قضية السلام وتبرير سياسة التمييز العنصري ضدهم. يريدون قيادة شابة تطرح أساليب نضال أخرى مجدية. وجاء أيمن عودة بهذه المسيرة، ليبرز قضية جمهور كبير يعيش على هامش المجتمع. ذلك الشاب الذي تربّى في حيفا «مدينة العز» التي تعتبر ثالث أكبر مدينة في إسرائيل، بعد تل أبيب والقدس الغربية، يصل إلى النقب ويمضي فيه أياماً طويلة.

يعتبر أيمن عودة تفاعله مع منطقة النقب وأهلها نقطة الأوج في العمل السياسي والنضالي.
الحياة البائسة التي يعيشها السكان هناك كانت تقض مضاجعه. فيذهب إليهم في الأيام العصيبة، يقف إلى جانبهم ويتصدى للاعتداءات عليهم. وفي ذلك اليوم الذي كان فيه السياسيون في أوج دعايتهم الانتخابية، اختار عودة أن يكون مع هذه الشريحة من شعبه، الضعيفة والمستضعفة، كحامل رسالة «النضال الشعبي السلمي ضد الظلم والتمييز العنصري». وبالطريقة نفسها تعامل مع بقية القضايا، بدءاً بقضية النضال ضد الاحتلال ومن أجل السلام وحتى أبسط قضايا التمييز العنصري. حمل راية «اتباع وسائل نضالية تؤثر على المجتمع اليهودي وتجند العقلاء فيه إلى جانب نضالنا الشرعي لأجل السلام والمساواة والديمقراطية».
والجمهور العربي التقط الرسالة جيداً، فهو يؤمن بأن النضال حكمة والسياسة فن الممكن ويريد قادة يفهمون ذلك ويتبنونه. فتدفقت الجماهير العربية إلى صناديق الاقتراع بمئات الألوف وارتفعت نسبة التصويت من 54 في المائة في انتخابات 2013 إلى 62 في المائة في 2015، ومنح 86 في المائة منهم أصواتهم إلى «القائمة المشتركة» التي وقف أيمن عودة على رأسها. ففازت بثلاثة عشر مقعداً، وهو رقم قياسي في تاريخ فلسطينيي 48. والجمهور اليهودي أيضاً رأى فيه «قائداً عربياً من نوع جديد في إسرائيل»، وفي اليسار راحوا يتحدثون عن «أمل في تعاون وشراكة يهودية عربية» في العمل السياسي. وليس صدفة أن بيني غانتس، رئيس «حزب الجنرالات»، الذي يسعى لإسقاط حكم بنيامين نتنياهو، يعلن اليوم أنه لا توجد عنده مشكلة لإقامة ائتلاف حكومي يستند إلى أصوات العرب.
كان أيمن عودة يومها شاباً في الأربعين من العمر، أصغر النواب العرب عمراً. وبقدر ما حملته هذه الحقيقة من تفاؤل وأمل، استقدمت له أعداء في الساحة السياسية الإسرائيلية، خصوصاً، من جهة اليمين المتطرف الذي رأى فيه خطراً استراتيجياً على سياسته، وخصوماً وحساداً حتى من داخل تحالف الأحزاب الوطنية الأربعة في «القائمة المشتركة»، بل حتى من داخل حزبه. فتعرّض للأذى من الطرفين. بلغ الأذى أوجه في مطلع عام 2017، عندما تعرّض لمحاولة اغتيال من رجال الشرطة الإسرائيلية في معركة أم الحيران. ففي الوقت الذي حضرت قوات لهدم القرية بحجة أنها بنيت (قبل 60 سنة)، بلا ترخيص، أطلق عليه الجنود الرصاص من مسافة قريبة وأصيب بثلاث رصاصات إحداها مزقت جبينه وبأعجوبة لم تستقر في رأسه.
تلك الجريمة أثارت موجة استنكار واسعة في البلاد، لكن بيانات الاحتجاج والاستنكار من رفاقه العرب تأخرت. وكانت إشارة أولى على المعارك الداخلية التي سيفرضونها عليه في تلك المرحلة. ولم تكن معركة الحسد أقل قسوة من معركة المتطرفين اليهود ضده. ولكن أيمن عودة لم يرضخ، بل سار في طريقه بقوة، على مختلف الصعد. لم ينجح في كل المعارك التي أرادها إلا أنه نجح في فرض نقاش عميق حول طريقه، واستقطب فيه غالبية الناس. وإن كان من انتقادات له في الشارع العربي، فليست بسبب خطه السياسي، بل لأنه لا يصرّ على التقدم بخطوات كبيرة فيه. إذ كان يأخذ بالاعتبار استمرار وجود تيار فكري قديم يعتمد الشعارات أكثر من السياسات المُجدية للقضية الوطنية، مع أنه كان يعلم أن الخضوع لهؤلاء يلحق ضرراً بالقضية الوطنية.
على سبيل المثال، قام النائب باسل غطاس، من حزب «التجمّع» في «القائمة المشتركة»، بمحاولة إدخال 15 هاتفا جوالا إلى الأسرى الفلسطينيين في أحد السجون. وتبين فيما بعد أن المخابرات الإسرائيلية علمت بأمر هذه العملية قبل تنفيذها، فنصبت له كميناً. وحسب وقائع المحكمة، ضباط المخابرات صعقوا من الموضوع ولم يكادوا يصدقون أن شخصية سياسية بارزة مثل غطاس يحمل شهادة الدكتوراه، يمكنه أن يتخيل أنه سينجح في إدخال كمية كهذه من الهواتف. فقرّروا الانتظار لرؤية المشهد كاملاً. وصوّروه خطوة خطوة، وضبطوه متلبساً.
هذه العملية ألحقت ضرراً كبيراً، ليس فقط بأعضاء الكنيست العرب، بل أيضا بالأسرى، الذين كانوا ينتظرون زيارات النواب العرب على أحرّ من الجمر، ليبثوا أمامهم مشاعرهم ويطرحوا مشاكلهم حتى يعالجها هؤلاء النواب من خلال مواقعهم البرلمانية. حصيلة ما حدث أن الحكومة قرّرت منع هذه اللقاءات تماما. ومنذ ذلك الوقت مرّت نحو السنتين، لم يلتق خلالها أي نائب عربي مع أي أسير. ومع ذلك، لم نسمع انتقادا من النائب عودة أو غيره على هذا التصرف، مع أن جميع النواب يتحدثون عنه في الغرف المغلقة، كتصرف غير مسؤول.والمعروف أن هذه الحادثة، أدت إلى إبرام صفقة بين النائب غطاس والنيابة الإسرائيلية، اعترف بموجبها بالتهمة ووافق على أن يفرض عليه حكم بالسجن الفعلي لسنتين. وعندما دخل السجن، نشبت مشكلة في «القائمة المشتركة»، إذ أصر حزب غطاس، «التجمّع»، على أن يحل محله في الكنيست شخصية سياسية من الحزب ذاته، ولكي يحصل هذا كان يجب على ثلاثة مرشحين في القائمة من الأحزاب الأخرى أن يستقيلوا. فراح بعضهم يتمنعون. وبدت القائمة المشتركة جسماً مترهلاً، يتصارع قادته على الكراسي، بشكل شائن. وهبطت قيمتها لدى الجمهور.
رغم ذلك، سجل أيمن عودة على اسمه، إنجازا ضخما، إذ تمكن من تحصيل «خطة خمسية» قيمتها 15 مليار شيقل (4.3 مليار دولار) من حكومة بنيامين نتنياهو، الأشد يمينية وعداءً للعرب في السنوات السبعين الماضية، وذلك بهدف سد قسم من الهوة الناشئة بين اليهود والعرب في إسرائيل الناشئة بسبب سياسة التمييز العنصري ضدهم. وهذه ليست مهمة سهلة.
الطريقة التي عمل بموجبها، تدل كثيراً على شخصيته ورسالته وأسلوب عمله المميز. إذ جمع طاقماً إلى جانبه من المهنيين، بقيادة علاء غنطوس، وهو موظف كبير سابق في قسم الميزانيات في وزارة الداخلية ومحاسب بلدية الناصرة، ومازن غنايم رئيس اللجنة القطرية لرؤساء السلطات المحلية العربية. وعقدوا 70 جلسة مع رئيس قسم الميزانيات في وزارة المالية أمير ليفي، و20 جلسة مع وزير المالية موشيه كحلون، وخمس جلسات مع رئيس الوزراء، بنيامين نتنياهو، وخمس جلسات أخرى مع رئيس الدولة، رؤوبين رفلين، وأقنعهم جميعا بضرورة العمل على سد هوة التمييز.
ومع أن الحكومة أقرت هذه الميزانية رسمياً في قرارها رقم 922 في أواخر عام 2015، وأقيم طاقم خارجي لمراقبة تنفيذ القرار في معهد أبحاث الأمن القومي في تل أبيب، وبدأ ينشر التقارير التي تبيّن أن القرار ينفذ بنسبة 90 في المائة، ومع أن عودة نسب هذا الإنجاز لـ«القائمة المشتركة» كلها، ولم يتحدث عنها كإنجاز شخصي، ظل رفاقه في «القائمة» يشككون. ادعوا بداية أنه لا يوجد قرار. ثم ادعوا أنه لا ينفذ. ثم قرروا أن الزيادة ليست حقيقية وأنها مجرد تغيير ترتيب للبنود في الميزانية العادية. بل لوحظ أن الصراعات الشخصية لم تقتصر على هذا الموضوع، بل تفاقمت في اتجاهات أخرى أيضاً. ووصلت إلى حد تفكيك وتمزيق «القائمة المشتركة»، لتخوض الانتخابات هذه المرة في قائمتين منفصلتين، كل حزبين يشكلان قائمة منها. ولم يستطع أيمن عودة السيطرة على هذا الصراع. وبدأ الجمهور العربي ينفضّ عن القائمة. وحسب الاستطلاعات الأخيرة هناك احتمال أن يخسر العرب مقعدين.

- بطاقة هوية
ولد أيمن عودة في اليوم الأول من عام 1975، في حي الكبابير الجميل في مدينة حيفا، لأسرة وطنية كادحة. في بيت يطل على البحر الأبيض المتوسط، في أفق لا يعرف النهاية، يشبه كثيرا هذا الشاب القائد. تلقّى تعليمه في مدرسة تابعة للكنيسة الأرثوذكسية، التي نهل منها سمات التآخي الوطني المترفع عن التقاسمات الطائفية. لكن ثقافته الوطنية تبلورت من خلال العمل السياسي والوطني في صفوف «الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة»، التي تحالف في إطارها الحزب الشيوعي «راكح» وقوى وطنية عدة. وانخرط عودة في العمل السياسي كفتى وشاب مع اندلاع «حرب لبنان الثانية» ثم «الانتفاضة الفلسطينية الأولى»، التي شهدت بلدات فلسطينيي 48 خلالهما مظاهرات ومسيرات تضامنية كثيرة تخللتها صدامات مع الشرطة القمعية. فدخل السجن عدة مرات، متعمدا بسمات الصمود والتحدي.
الاستراحة من النضال حلت، عندما سافر إلى رومانيا لدراسة الحقوق، وعودته منها محامياً. إلا أنه لم يعمل في المحاماة، بل عاد إلى غمار السياسة على الفور. وتزوّج من رفيقة دربه منذ الدراسة، نردين عاصلة، ولهما ثلاثة أولاد: الطيّب، وأسيل، وشام. الطيّب سمياه تيمنا بـ«معشوقه» الشاعر أبي الطيب المتنبي. وشام نسبة إلى هواه التاريخي العريق وبُعده الثقافي والوطني العروبي، الشام. وأسيل، اسم شقيق زوجته الذي استشهد عام 2000 برصاص الشرطة الإسرائيلية.
انتخب أيمن عودة باسم «الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة» عضواً في بلدية حيفا عام 1998، وظل فيها حتى 2003. وعمل في عدة جمعيات تعنى بحقوق العرب في إسرائيل.
وفي عام 2006، انتخب أميناً عاماً لـ«الجبهة»، وظل في هذا المنصب حتى انتخابه عضوا للكنيست عام 2015. ولقد اهتم بعدة مشروعات على مستوى الهوية الوطنية، مثل إطلاق أسماء على شوارع القرى والمدن العربية من خلال الحرص على تكريس الأسماء الوطنية من أجل تعزيز الانتماء الوطني الجامع. ومن أهمّ الأمور التي ثابر على طرحها تعزيز الشراكة بين المواطنين العرب الفلسطينيين واليهود الديمقراطيين، رافضا دعاوى التقوقع والانغلاق، مؤكداً أن الشراكة في صُلب الرؤية الإنسانية التي تقيّم الإنسان كإنسان بغضّ النظر عن انتماءاته التي لم يخترها مثل القومية أو اللون أو الجنس. وهو يقول في ذلك إن «الفلسطينيين في إسرائيل البالغة نسبتهم 20 في المائة لم ولن يحصلوا على الحقوق وحدهم من دون تعاون مع القوى اليهودية التي ترى أن انعدام المساواة يعني أن الدولة غير ديمقراطية. وهذا الطرح ينسجم لديه مع الطرح الطبقي حيث لا وطنية ولا قومية حقيقية تترفّع عن قضايا الفقراء، الذين يشكلون تسعين في المائة من الشعب»، على حدّ تعبيره.
وحقاً، عودة يعتبر من أفقر القادة السياسيين في إسرائيل مالياً. ولقد نشرت القناة الثانية للتلفزيون الإسرائيلي خلال الحملة الانتخابية لعام 2015 تقريرا حول ثروته الشخصية، اتّضح منه أن عودة هو منتخب الجمهور صاحب الثروة الأقل من بين أعضاء البرلمان الذين كشفوا عن ثرواتهم، إذ إنّه مديون بمبلغ 15 ألف شيقل في حسابه المصرفيّ، ولا تتعدّى قيمة معظم ممتلكاته 300 ألف شيقل.

- كيف يراه الآخرون؟
المجلة الأميركية «فورين بوليسي» اختارت عودة واحداً من أهم مائة شخصية عالمية لعام 2015. والمجلة الاقتصادية الإسرائيلية «دي ماركر» اختارته في المرتبة التاسعة، ضمن قائمة أكثر 100 مؤثر على الاقتصاد الإسرائيلي لعام 2016، بفضل الخطة الاقتصادية التي حصلها من حكومة نتنياهو. والمجلة نفسها اختارته قائداً سياسياً عربياً وحيداً ضمن أكثر 100 شخصية مؤثرة في إسرائيل.
ختاماً، رغم إخفاقات «القائمة المشتركة» وتفككها، فما زال عودة الأمل لدى أوسع أوساط الشباب العرب في إسرائيل، فلسطينيي 48. وهو يدرك أن هذه مسؤولية تحتم عليه أن يحدث تغييراً أكبر في سياسة هذه الشريحة من الفلسطينيين، يتلاءم مع الآمال المعقودة عليه.


مقالات ذات صلة

أفريقيا... ساحة تنافس جديد بين الهند والصين

حصاد الأسبوع Chinese Foreign Minister Wang Yi (C) speaks during a press conference with Senegal's Foreign Minister Yassine Fall (L) and Congo Foreign Minister Jean-Claude Gakosso (R) at the Forum on China-Africa Cooperation (FOCAC) in Beijing on September 5, 2024. (Photo by GREG BAKER / AFP)

أفريقيا... ساحة تنافس جديد بين الهند والصين

منذ فترة ولايته الأولى عام 2014، كان رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي أكبر مناصر للعلاقات بين الهند وأفريقيا.

براكريتي غوبتا (نيودلهي)
حصاد الأسبوع نيتومبو ندايتواه... أول امرأة تترأس ناميبيا

نيتومبو ندايتواه... أول امرأة تترأس ناميبيا

سطرت نيتومبو ناندي ندايتواه، 72 عاماً، اسمها في التاريخ بوصفها أول امرأة تتولى رئاسة ناميبيا منذ استقلال البلاد عام 1990، بعدما حصدت 57 في المائة من الأصوات في

فتحية الدخاخني ( القاهرة)
رياضة سعودية السعودية تستمر في تشكيل خريطة مختلف الرياضات العالمية بتنظيم واستضافات غير مسبوقة (الشرق الأوسط)

السعودية ستُشكل خريطة الرياضة العالمية في 2025

شارف عام حافل بالأحداث الرياضية بما في ذلك الألعاب الأولمبية التي حظيت بإشادة واسعة وأربع بطولات قارية لكرة القدم على الانتهاء ومن المتوقع أن يكون عام 2025 أقل.

«الشرق الأوسط» (لندن)
حصاد الأسبوع فرنسوا بايرو: رجل المصالحة أو الفرصة الأخيرة؟

فرنسوا بايرو: رجل المصالحة أو الفرصة الأخيرة؟

بعد 9 أيام من سقوط الحكومة الفرنسية بقيادة ميشال بارنييه في اقتراع لحجب الثقة، عيّن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، فرنسوا بايرو، زعيم رئيس حزب الوسط (الموديم)،

أنيسة مخالدي (باريس)
حصاد الأسبوع خافيير ميلي (أ.ب)

خافيير ميلي... شعبية «المخرّب الأكبر» لا تعرف التراجع

في المشهد الشعبوي واليميني المتطرف، المتنامي منذ سنوات، يشكّل الصعود الصاعق لخافيير ميلي إلى سدّة الرئاسة في الأرجنتين، حالة مميّزة، لا بل فريدة، من حيث الأفكار

شوقي الريّس (مدريد)

يون سوك ــ يول... رئيس كوريا الجنوبية أثار زوبعة دعت لعزله في تصويت برلماني

تحت ضغط الفضائح والخلافات انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أن شعبيته انخفضت إلى 19 % فقط
تحت ضغط الفضائح والخلافات انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أن شعبيته انخفضت إلى 19 % فقط
TT

يون سوك ــ يول... رئيس كوريا الجنوبية أثار زوبعة دعت لعزله في تصويت برلماني

تحت ضغط الفضائح والخلافات انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أن شعبيته انخفضت إلى 19 % فقط
تحت ضغط الفضائح والخلافات انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أن شعبيته انخفضت إلى 19 % فقط

تشهد كوريا الجنوبية، منذ نحو أسبوعين، تطورات متلاحقة لا تلوح لها نهاية حقيقية، شهدت اهتزاز موقع رئيس الجمهورية يون سوك - يول بعد إعلانه في بيان تلفزيوني فرض الأحكام العرفية، وتعليق الحكم المدني، وإرساله قوة عسكرية مدعومة بالهيلوكوبترات إلى البرلمان. ثم اضطراره للتراجع عن قراره في وجه معارضة عارمة. بيد أن تراجع الرئيس خلال ساعات قليلة من هذه المغامرة لم يزد المعارضة إلا إصراراً على إطاحته، في أزمة سياسية غير مسبوقة منذ التحوّل الديمقراطي في البلاد عام 1980 بعد فترة من الحكم التسلطي. ولقد تطوّرت الأوضاع خلال الأيام والساعات الأخيرة من الاحتجاجات في الشوارع إلى تصويت برلماني على عزل يون. وبعدما أقر البرلمان عزل الرئيس ردّ الأخير بتأكيد عزمه على المقاومة والبقاء... في أزمة مفتوحة لا تخلو من خطورة على تجربة البلاد الديمقراطية الطريّة العود.

دبلوماسي مخضرم خدم في كوريا الجنوبية قال، قبل بضعة أيام، معلقاً على الأزمة المتصاعدة: «إذا تم تمرير اقتراح العزل، يمكن وقف (الرئيس) يون (سوك - يول) عن مباشرة مهام منصبه لمدة تصل إلى 180 يوماً، بينما تنظر المحكمة الدستورية في القضية. وفي هذا (السيناريو)، يتولى رئيس الوزراء هان دوك سو منصب الرئيس المؤقت، وتُجرى انتخابات جديدة في غضون 60 يوماً».

وبالفعل، دعا هان دونغ - هون، زعيم حزب «قوة الشعب»، الحاكم، إلى تعليق سريع لسلطات الرئيس مستنداً - كما قال - إلى توافر «أدلة موثوقة» على أن يون سعى إلى اعتقال القادة السياسيين بعد إعلانه الأحكام العرفية الذي لم يدُم طويلاً. ومما أورده هان - الذي كان في وقت سابق معارضاً للمساعي الرامية إلى عزل يون - إن «الحقائق الناشئة حديثاً قلبت الموازين ضد يون، بالتالي، ومن أجل حماية كوريا الجنوبية وشعبنا، أعتقد أنه من الضروري منع الرئيس يون من ممارسة سلطاته رئيساً للجمهورية على الفور». وتابع زعيم الحزب الحاكم أن الرئيس لم يعترف بأن إعلانه فرض الأحكام العرفية إجراء غير قانوني وخاطئ، وكان ثمة «خطر كبير» من إمكانية اتخاذ قرار متطرف مماثل مرة أخرى إذا ظل في منصبه.

بالتوازي، ذكرت تقارير إعلامية كورية أن يون يخضع حالياً للتحقيق بتهمة الخيانة إلى جانب وزير الدفاع المستقيل كيم يونغ - هيون، (الذي ذُكر أنه حاول الانتحار)، ورئيس أركان الجيش الجنرال بارك آن - سو، ووزير الداخلية لي سانغ - مين. وحقاً، تمثل الدعوة التي وجهها هان، وهو وزير العدل وأحد أبرز منافسي يون في حزب «قوة الشعب»، تحولاً حاسماً في استجابة الحزب الحاكم للأزمة.

خلفية الأزمة

تولى يون سوك - يول منصبه كرجل دولة جديد على السلطة، واعداً بنهج عصري مختلف في حكم البلاد. إلا أنه في منتصف فترة ولايته الرئاسية الوحيدة التي تمتد لخمس سنوات، شهد حكمه احتكاكات شبه دائمة مع البرلمان الذي تسيطر عليه المعارضة، وتهديدات «بالإبادة» من كوريا الشمالية، ناهيك من سلسلة من الفضائح التي اتهم وعائلته بالتورّط فيها.

وعندما حاول يون في خطابه التلفزيوني تبرير فرض الأحكام العرفية، قال: «أنا أعلن حالة الطوارئ من أجل حماية النظام الدستوري القائم على الحرية، وللقضاء على الجماعات المشينة المناصرة لنظام كوريا الشمالية، التي تسرق الحرية والسعادة من شعبنا»، في إشارة واضحة إلى الحزب الديمقراطي المعارض، مع أنه لم يقدم أي دليل على ادعائه.

إلا أن محللين سياسيين رأوا في الأيام الأخيرة أن الرئيس خطّط على الأرجح لإصدار مرسوم «الأحكام العرفية الخرقاء» أملاً بحرف انتباه الرأي العام بعيداً عن الفضائح المختلفة والإخفاق في معالجة العديد من القضايا المحلية. ولذا اعتبروا أن عليه ألا يطيل أمد حكمه الفاقد الشعبية، بل يبادر من تلقاء نفسه إلى الاستقالة من دون انتظار إجراءات العزل، ومن ثم، السماح للبلاد بانتخاب رئيس جديد.

بطاقة هوية

ولد يون سوك - يول، البالغ من العمر 64 سنة، عام 1960 في العاصمة سيول لعائلة من الأكاديميين اللامعين. إذ كان أبوه يون كي - جونغ أستاذاً للاقتصاد في جامعة يونساي، وأمه تشوي سيونغ - جا محاضرة في جامعة إيوها للنساء قبل زواجها. وحصل يون على شهادته الثانوية عام 1979، وكان يريد في الأصل أن يدرس الاقتصاد ليغدو أستاذاً، كأبيه، ولكن بناءً على نصيحة الأخير درس الحقوق، وحصل على شهادتي الإجازة ثم الماجستير في الحقوق من جامعة سيول الوطنية - التي هي إحدى «جامعات النخبة الثلاث» في كوريا مع جامعتي يونساي وكوريا - وأصبح مدّعياً عاماً بارزاً قاد حملة ناجحة لمكافحة الفساد لمدة 27 سنة.

ووفق وسائل الإعلام الكورية، كانت إحدى محطات حياته عندما كان طالب حقوق عندما لعب دور القاضي في محاكمة صورية للديكتاتور (آنذاك) تشون دو - هوان، الذي نفذ انقلاباً عسكرياً وحُكم عليه بالسجن مدى الحياة. وفي أعقاب ذلك، اضطر يون إلى الفرار إلى الريف مع تمديد جيش تشون الأحكام العرفية ونشر القوات والمدرّعات في الجامعة.

بعدها، عاد يون إلى العاصمة، وصار في نهاية المطاف مدعياً عاماً، وواصل ترقيه الوظيفي ما يقرب من ثلاثة عقود، بانياً صورة له بأنه حازم وصارم لا يتسامح ولا يقدّم تنازلات.

مسيرته القانونية... ثم الرئاسة

قبل تولي يون سوك - يول رئاسة الجمهورية، كان رئيس مكتب الادعاء العام في المنطقة المركزية في سيول، وأتاح له ذلك محاكمة أسلافه من الرؤساء. إذ لعب دوراً فعالاً في إدانة الرئيسة السابقة بارك غيون - هاي التي أُدينت بسوء استخدام السلطة، وعُزلت وأودعت السجن عام 2016. كذلك، وجه الاتهام إلى مون جاي - إن، أحد كبار مساعدي خليفة الرئيسة بارك، في قضية احتيال ورشوة.

أما على الصعيد السياسي، فقد انخرط يون في السياسة الحزبية قبل سنة واحدة فقط من فوزه بالرئاسة، وذلك عندما كان حزب «قوة الشعب» المحافظ - وكان حزب المعارضة يومذاك - معجباً بما رأوه منه كمدّعٍ عام حاكم كبار الشخصيات، وأقنع يون، من ثم، ليصبح مرشح الحزب لمنصب رئاسة الجمهورية.

وفي الانتخابات الرئاسية عام 2022 تغلّب يون على منافسه الليبرالي لي جاي - ميونغ، مرشح الحزب الديمقراطي، بفارق ضئيل بلغ 0.76 في المائة... وهو أدنى فارق على الإطلاق في تاريخ الانتخابات في البلاد.

الواقع أن الحملة الانتخابية لعام 2022 كانت واحدةً من الحملات الانتخابية القاسية في تاريخ البلاد الحديث. إذ شبّه يون غريمه لي بـ«هتلر» و«موسوليني». ووصف حلفاء لي الديمقراطيون، يون، بأنه «وحش» و«ديكتاتور»، وسخروا من جراحة التجميل المزعومة لزوجته.

إضافة إلى ذلك، شنّ يون حملته الانتخابية بناء على إلغاء القيود المالية والموقف المناهض للمرأة. لكنه عندما وصل إلى السلطة، ألغى وزارة المساواة بين الجنسين والأسرة، قائلاً إنها «مجرد مقولة قديمة بأن النساء يُعاملن بشكل غير متساوٍ والرجال يُعاملون بشكل أفضل». وللعلم، تعد الفجوة في الأجور بين الجنسين في كوريا الجنوبية الأسوأ حالياً في أي بلد عضو في «منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية».

أيضاً، أدى استخدام يون «الفيتو» تكراراً إلى ركود في العمل الحكومي، بينما أدت تهم الفساد الموجهة إلى زوجته لتفاقم السخط العام ضد حكومته.

تراجع شعبيته

بالتالي، تحت ضغط الفضائح والخلافات، انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أجرته مؤسسة «غالوب كوريا» أن شعبيته انخفضت إلى 19 في المائة فقط. وتعد «كارثة» الأحكام العرفية الحلقة الأخيرة في سلسلة من الممارسات التي حددت رئاسة يون وأخطائها.

إذ ألقي باللوم على إدارة يون في التضخم الغذائي، وتباطؤ الاقتصاد، والتضييق المتزايد على حرية التعبير. وفي أواخر 2022، بعدما أسفر تدافع حشود في احتفال «الهالوين» (البربارة) في سيول عن سقوط 159 قتيلاً، تعرضت طريقة تعامل الحكومة مع المأساة لانتقادات واسعة.

زوجته في قلب مشاكله!

من جهة ثانية، كانت كيم كيون - هي، زوجة الرئيس منذ عام 2012، سبباً آخر للسخط والانتقادات في وسائل الإعلام الكورية الجنوبية. فقد اتهمت «السيدة الأولى» بالتهرب الضريبي، والحصول على عمولات لاستضافة معارض فنية عن طريق عملها. كذلك واجهت اتهامات بالانتحال الأدبي في أطروحتها لنيل درجة الدكتوراه وغيرها من الأعمال الأكاديمية.

لكن أكبر فضيحة على الإطلاق تورّطت فيها كيم، كانت قبولها عام 2023 هدية هي حقيبة يد بقيمة 1800 جنيه إسترليني سراً من قسيس، الأمر الذي أدى إلى مزاعم بالتصرف غير اللائق وإثارة الغضب العام، لكون الثمن تجاوز الحد الأقصى لما يمكن أن يقبله الساسة في كوريا الجنوبية وشركاؤهم قانونياً لهدية. لكن الرئيس يون ومؤيديه رفضوا هذه المزاعم وعدوها جزءاً من حملة تشويه سياسية.

أيضاً أثيرت تساؤلات حول العديد من القطع الثمينة من المجوهرات التي تملكها «السيدة الأولى»، والتي لم يعلَن عنها كجزء من الأصول الرئاسية الخاصة. وبالمناسبة، عندما فُتح التحقيق في الأمر قبل ست سنوات، كان زوجها رئيس النيابة العامة. أما عن حماته، تشوي يون - سون، فإنها أمضت بالفعل حكماً بالسجن لمدة سنة إثر إدانتها بتزوير وثائق مالية في صفقة عقارية.

يُضاف إلى كل ما سبق، تعرّض الرئيس يون لانتقادات تتعلق باستخدام «الفيتو» الرئاسي في قضايا منها رفض مشروع قانون يمهد الطريق لتحقيق خاص في التلاعب المزعوم بالأسهم من قبل زوجته كيم كيون - هي لصالح شركة «دويتشه موتورز». وأيضاً استخدام «الفيتو» ضد مشروع قانون يفوّض مستشاراً خاصاً بالتحقيق في مزاعم بأن مسؤولين عسكريين ومكتب الرئاسة قد تدخلوا في تحقيق داخلي يتعلق بوفاة جندي بمشاة البحرية الكورية عام 2023.

وهكذا، بعد سنتين ونصف السنة من أداء يون اليمين الدستورية عام 2022، وعلى أثر انتخابات رئاسية مثيرة للانقسام الشديد، انقلبت الأمور ضد الرئيس. وفي خضم ارتباك الأحداث السياسية وتزايد المخاوف الدولية يرزح اقتصاد كوريا الجنوبية تحت ضغوط مقلقة.

أمام هذا المشهد الغامض، تعيش «الحالة الديمقراطية» في كوريا الجنوبية أحد أهم التحديات التي تهددها منذ ظهورها في أواخر القرن العشرين.