«ضفاف سمراء»... لوحات تنبض بطبائع أهل النوبة

عبر 30 لوحة في معرض للفنانة راندا إسماعيل

لوحة تجسد شغف الفنانة بالحركة والسكون معبرة عن البيئة النوبية الوادعة  -  تشحذ الفنانة طاقتها الإبداعية في النوبة وتجسدها برؤية تكوينية تمزج الواقع والخيال
لوحة تجسد شغف الفنانة بالحركة والسكون معبرة عن البيئة النوبية الوادعة - تشحذ الفنانة طاقتها الإبداعية في النوبة وتجسدها برؤية تكوينية تمزج الواقع والخيال
TT

«ضفاف سمراء»... لوحات تنبض بطبائع أهل النوبة

لوحة تجسد شغف الفنانة بالحركة والسكون معبرة عن البيئة النوبية الوادعة  -  تشحذ الفنانة طاقتها الإبداعية في النوبة وتجسدها برؤية تكوينية تمزج الواقع والخيال
لوحة تجسد شغف الفنانة بالحركة والسكون معبرة عن البيئة النوبية الوادعة - تشحذ الفنانة طاقتها الإبداعية في النوبة وتجسدها برؤية تكوينية تمزج الواقع والخيال

يحتضن «غاليري غرانت» بوسط القاهرة معرضاً للفنانة المصرية راندا إسماعيل، الذي تقدم فيه تكنيكاً مختلفاً وألواناً جديدة تمزجها مع الألوان الترابية وتتسع فيها آفاق السماء الزرقاء، لتعكس التفاؤل والأمل اللذين يتحلى بهما أهل النوبة، بجنوب مصر، أو التركيز على الجدران البيضاء مع النقوش المميزة للتراث النوبي.
معرض «ضفاف سمراء» الذي افتتحه مؤخراً الفنان والناقد التشكيلي الكبير دكتور مصطفى الرزاز، والسيدة فادية غرانت، وعدد من محبي الفن التشكيلي، هو المعرض الفردي السادس للفنانة المصرية، الذي تجسد من خلاله أكثر من 30 لوحة طبائع أهل النوبة وسماتهم وأسلوب حياتهم الهادئ على ضفاف النيل كإيقاع رقرقة مياهه.
تتسم ضربات فرشاة الفنانة راندا بالاتزان بحثا عن العذوبة والتناغم بين الألوان، طعمتها بخطوط قوامها الألوان الساخنة لتمنحها وهجا روحانيا وتضفي عليها نوعا من السكينة يصل للمتلقي فور مشاهدته للوحاتها.
تشحذ الفنانة طاقتها الإبداعية بالذهاب للنوبة، وهذا نتاجها الثالث الذي يمثل خلاصة هذه التجربة، تقول الفنانة راندا إسماعيل، لـ«الشرق الأوسط»: «المعرض تحية لأهالي النوبة، ويجسد حالة عشق خاصة مع أرضها. قبل الإعداد لهذا المعرض حاولت أن أختار عدة موضوعات أو ثيمات للمعرض لكن وجدت نفسي أرسم من اللاوعي، من فرط الجمال الذي عايشته في النوبة وبين أهلها».
في كثير من اللوحات تهتم الفنانة بالتجمعات وكثير من الشخوص لكنها تحرص بشكل كبير على إخفاء الملامح معبرة عن تلاحم المجتمع النوبي وعلاقاته المتينة، تقول: «أرى أن تفاصيل وملامح الوجوه ربما تشتت المتلقي عن مضمون اللوحة وتفاصيلها الأخرى، في حين كونها مبهمة يزيد من تعلقه باللوحة وتدقيقه فيها».
يتجلى في «ضفاف سمراء» اهتماما واضحا بالمرأة النوبية وتفاصيل زيها التقليدي وشغف الفنانة بالحركة والسكون في لوحاتها عبر حركة تضفيها على الملابس الفضفاضة لهن.
استعانت راندا إسماعيل بتكنيك حر مستخدمة السكينة اللونية لعمل تكوينات محددة، مع توظيف ألوان الزيت ولكن بطبقات كثيرة، ما أعطى كثافة وأبعادا لونية في إطار اللوحة، أما عن التنوع في حجم اللوحات، فتقول: «يعتبر نوعا من التحدي أثناء العمل حيث أتنقل من حجم إلى آخر من (لاندسكيب) إلى منمنمة ثم لوحة متوسطة وهكذا».
وضم المعرض مجموعة من اللوحات خاصة للزهور، وحول هذه المجموعة تقول راندا: «أعشق رسم الزهور، وأعمل على لوحاتها بحرية مطلقة وأشعر بانطلاقة كبيرة أثناء العمل عليها، وأعتبرها مصدرا للسكينة وشحذ الأفكار ما بين عمل فني وآخر، حيث أحرص فيها عبر ضربات سكينة لونية على أن تحظى بتدرجات تعطي أبعاداً لوريقات الزهور».
وفي لوحة الصخرة بالمعرض الذي يستمر حتى نهاية شهر مارس (آذار) الحالي، تجسد إسماعيل تفاصيل حياتية من بينها مجالس النساء في رحاب الطبيعة متلاعبة بالألوان لتعكس جمال الطبيعة النوبية، بينما تجسد في لوحات أخرى جلسات السمر ومشاعر الأمومة متأثرة بالمدرسة التعبيرية في الفن التشكيلي. كذلك يتجلى حرصها واهتمامها بالتفاصيل البعيدة التي تظهر في آفاق اللوحة.
جدير بالذكر أن الفنانة راندا إسماعيل، تخصصت في فن العمارة بجامعة عين شمس وتفرغت لدراسة وممارسة فن التصوير منذ عام 2004 حيث استفادت من خبرة عدد من كبار الفنانين المصريين وهي تعتبر النوبة وصعيد مصر مصدر إلهامها الأول وتقوم بعمل كثير من الدراسات الميدانية هناك. أقامت عدة معارض في مصر وشاركت في معارض جماعية في لندن وروما وهلسنكي.



بطلة «سنو وايت»: الفيلم يُنصف قِصار القامة ويواجه التنمر

مريم شريف في لقطة من فيلم «سنو وايت» (الشركة المنتجة)
مريم شريف في لقطة من فيلم «سنو وايت» (الشركة المنتجة)
TT

بطلة «سنو وايت»: الفيلم يُنصف قِصار القامة ويواجه التنمر

مريم شريف في لقطة من فيلم «سنو وايت» (الشركة المنتجة)
مريم شريف في لقطة من فيلم «سنو وايت» (الشركة المنتجة)

رغم وقوفها أمام عدسات السينما ممثلة للمرة الأولى، فإن المصرية مريم شريف تفوقت على ممثلات محترفات شاركن في مسابقة الأفلام الطويلة بالدورة الرابعة لـ«مهرجان البحر الأحمر السينمائي» التي تَنافس على جوائزها 16 فيلماً، وترأس لجنة تحكيمها المخرج العالمي سبايك لي، لتحوز جائزة «اليسر» لأفضل ممثلة عن أدائها لشخصية «إيمان»، الشابة التي تواجه التّنمر بسبب قِصرِ قامتها في فيلم «سنو وايت»، وذلك خلال حفل ختام المهرجان الذي أقيم الخميس في مدينة جدة السعودية.

وعبّرت مريم عن سعادتها بهذا الفوز قائلة لـ«الشرق الأوسط»: «الحمد لله، هذه فرحة كبيرة تكلّل جهودنا طوال فترتي التحضير والتصوير، لكنني أحتاج وقتاً لأستوعب ذلك، وأشكر أستاذة تغريد التي أخضعتني لورشِ تمثيلٍ عدة؛ فكُنا نجلس معاً لساعات طوال لتُذاكر معي الدّور وتوضح لي أبعاد الشخصية، لذا أشكرها كثيراً، وأشكر المنتج محمد عجمي، فكلاهما دعماني ومنحاني القوة والثقة لأكون بطلة الفيلم، كما أشكر مهرجان (البحر الأحمر السينمائي) على هذا التقدير».

المخرجة تغريد أبو الحسن بين منتج الفيلم محمد عجمي والمنتج محمد حفظي (إدارة المهرجان)

سعادة مريم تضاعفت بما قاله لها المخرج سبايك لي: «لقد أذهلني وأبهجني برأيه حين قال لي، إن الفيلم أَثّر فيه كثيراً بجانب أعضاء لجنة التحكيم، وإنني جعلته يضحك في مشاهد ويبكي في أُخرى، وقلت له إنه شرفٌ عظيم لي أن الفيلم حاز إعجابك وجعلني أعيش هذه اللحظة الاستثنائية مع أهم حدث في حياتي».

وأضافت مريم شريف في حديث لـ«الشرق الأوسط»، أنها لم تُفكّر في التمثيل قبل ذلك لأن السينما اعتادت السخرية من قِصار القامة، وهو ما ترفضه، معبّرة عن سعادتها لتحقيق العمل ردود أفعال إيجابية للغاية، وهو ما كانت تتطلّع إليه، ومخرجته، لتغيير أسلوب تعامل الناس مع قِصار القامة لرؤية الجمال في الاختلاف، وفق قولها: «نحن جميعاً نستحق المساواة والاحترام، بعيداً عن التّهكم والسخرية».

وكان قد شهد عرض الفيلم في المهرجان حضوراً لافتاً من نجوم مصريين وعرب جاءوا لدعم بطلته من بينهم، كريم فهمي الذي يشارك بصفة ضيف شرف في الفيلم، وبشرى التي أشادت بالعمل، وكذلك أمير المصري ونور النبوي والمنتج محمد حفظي.

قُبلة على يد بطلة الفيلم مريم شريف من الفنان كريم فهمي (إدارة المهرجان)

واختارت المخرجة أن تطرح عبر فيلمها الطويل الأول، أزمة ذوي القامة القصيرة الذين يواجهون مشاكل كبيرة، أقلّها تعرضهم للتنمر والسخرية، وهو ما تصدّت له وبطلتها عبر أحداث الفيلم الذي يروي قصة «إيمان» قصيرة القامة التي تعمل موظفة في أرشيف إحدى المصالح الحكومية، وتحلم مثل كل البنات بلقاءِ فارس أحلامها وتتعلق بأغنية المطربة وردة الجزائرية «في يوم وليلة» وترقص عليها.

وجمع الفيلم بين بطلته مريم شريف وبعض الفنانين، ومن بينهم، كريم فهمي، ومحمد ممدوح، ومحمد جمعة، وخالد سرحان، وصفوة، وكان الفيلم قد فاز بوصفه مشروعاً سينمائياً بجائزة الأمم المتحدة للسكان، وجائزة الجمعية الدولية للمواهب الصاعدة في «مهرجان القاهرة السينمائي».

وعلى الرغم من أن مريم لم تواجه الكاميرا من قبل، بيد أنها بدت طبيعية للغاية في أدائها وكشفت عن موهبتها وتقول المخرجة: «كنت مهتمة أن تكون البطلة غير ممثلة ومن ذوات القامة القصيرة لأحقق المصداقية التي أردتها، وحين التقيت مريم كانت هي من أبحث عنها، وكان ينقصنا أن نقوم بعمل ورش تمثيل لها، خصوصاً أن شخصية مريم مختلفة تماماً عن البطلة، فأجرينا تدريبات مطوّلة قبل التصوير على الأداء ولغة الجسد والحوار، ووجدت أن مريم تتمتع بذكاء لافت وفاجأتني بموهبتها».

لم يكن التمثيل يراود مريم التي درست الصيدلة في الجامعة الألمانية، وتعمل في مجال تسويق الأدوية وفق تأكيدها: «لم يكن التمثيل من بين أحلامي لأن قِصار القامة يتعرضون للسخرية في الأفلام، لكن حين قابلت المخرجة ووجدت أن الفيلم لا يتضمّن أي سخرية وأنه سيُسهم في تغيير نظرة كثيرين لنا تحمست، فهذه تجربة مختلفة ومبهرة». وفق تعبيرها.

ترفض مريم لقب «أقزام»، وترى أن كونهم من قصار القامة لا يحدّ من قدرتهم ومواهبهم، قائلة إن «أي إنسان لديه مشاعر لا بد أن يتقبلنا بدلاً من أن ننزوي على أنفسنا ونبقى محبوسين بين جدران بيوتنا خوفاً من التنمر والسخرية».

تغريد أبو الحسن، مخرجة ومؤلفة الفيلم، درست السينما في الجامعة الأميركية بمصر، وسافرت إلى الولايات المتحدة للدراسة في «نيويورك أكاديمي» قبل أن تُخرج فيلمين قصيرين، وتعمل بصفتها مساعدة للمخرج مروان حامد لسنوات عدّة.

المخرجة تغريد أبو الحسن وبطلة الفيلم مريم شريف (إدارة المهرجان)

وكشفت تغريد عن أن فكرة الفيلم تراودها منذ 10 سنوات: «كانت مربية صديقتي من قِصار القامة، اقتربتُ منها كثيراً وهي من ألهمتني الفكرة، ولم أتخيّل أن يظهر هذا الفيلم للنور لأن القصة لم يتحمس لها كثير من المنتجين، حتى شاركنا الحلم المنتج محمد عجمي وتحمس له».

العلاقة التي جمعت بين المخرجة وبطلتها كانت أحد أسباب تميّز الفيلم، فقد تحولتا إلى صديقتين، وتكشف تغريد: «اقتربنا من بعضنا بشكل كبير، وحرِصتُ على أن تحضر مريم معي ومع مدير التصوير أحمد زيتون خلال معاينات مواقع التصوير حتى تتعايش مع الحالة، وأخبرتها قبل التصوير بأن أي مشهد لا ترغب به سأحذفه من الفيلم حتى لو صوّرناه».

مريم شريف في لقطة من فيلم «سنو وايت» (الشركة المنتجة)

وتلفت تغريد إلى مشروعٍ سينمائيّ يجمعهما مرة أخرى، في حين تُبدي مريم سعادتها بهذا الالتفاف والترحيب من نجوم الفن الذين شاركوها الفيلم، ومن بينهم: كريم فهمي الذي عاملها برفق ومحبة، ومحمد ممدوح الذي حمل باقة ورد لها عند التصوير، كما كان كل فريق العمل يعاملها بمودة ولطف.