تراجع الجدل بين الديمقراطيين حول رفض بيلوسي عزل ترمب

ترمب يلتفت إلى بيلوسي خلال خطاب حالة الاتحاد في فبراير الماضي (رويترز)
ترمب يلتفت إلى بيلوسي خلال خطاب حالة الاتحاد في فبراير الماضي (رويترز)
TT

تراجع الجدل بين الديمقراطيين حول رفض بيلوسي عزل ترمب

ترمب يلتفت إلى بيلوسي خلال خطاب حالة الاتحاد في فبراير الماضي (رويترز)
ترمب يلتفت إلى بيلوسي خلال خطاب حالة الاتحاد في فبراير الماضي (رويترز)

أثارت تصريحات رئيسة مجلس النواب الأميركي الديمقراطية، نانسي بيلوسي، عن معارضتها إطلاق إجراءات لعزل الرئيس دونالد ترمب، انقساماً في صفوف الحزب الديمقراطي، بين مؤيد ومعارض في ظل تخوف من انعكاسات هذه العملية على وضع الحزب والبلاد.
وعقد الديمقراطيون في الكونغرس اجتماعاً صباح الثلاثاء لمناقشة تصريحات بيلوسي لصحيفة «واشنطن بوست»، التي قالت فيها: إنه لا يتعين الإقدام على أي محاولة لعزل الرئيس؛ لأنه لا يستحق المحاولة، ما لم تكن الأسباب ملحّة، وبتأييد من الحزبين؛ لأن ذلك سيؤدي إلى انقسام شديد في البلاد.
ورغم التصريحات المتضاربة، بدا أن العاصفة داخل الحزب الديمقراطي في طريقها للانحسار في ظل تراجع حدة التصريحات بين التيارات المتباينة. وأكد الكثير منهم أنهم ليسوا غاضبين من بيلوسي، وأن النقاش ضروري حول هذه القضية.
وأيّد معظم رؤساء اللجان البارزة في مجلس النواب والأعضاء الديمقراطيون «المعتدلون» تصريحاتها، في حين عبّر أعضاء الحزب الأكثر راديكالية عن معارضتهم قائلين: إن عملية العزل لا تستهدف ترمب كشخص، لكنها تدافع عن الدستور.
وكانت بيلوسي قد أعلنت أن القيام بإجراءات العزل في ظل عدم تمكن الحزب الديمقراطي من الحصول على دعم القاعدة المؤيدة لترمب، وعلى موافقة ثلثي أعضاء مجلس الشيوخ، لن يؤدي إلا إلى زيادة الانقسام بين الأميركيين.
وذكّرت بيلوسي بالأجواء التي رافقت محاولة عملية عزل الرئيس الأسبق بيل كلينتون، قائلة: إن القيام بالأمر نفسه قد يؤدي إلى منح ترمب فرصة لتعزيز شعبيته في أوساط قاعدته. وعبّر رئيس لجنة الاستخبارات في مجلس النواب آدم شيف عن معارضته لإجراءات العزل، قائلاً: إن الأمر يحتاج إلى أدلة دامغة قبل المضي في هذه العملية.
كما أعلن رئيس لجنة الإصلاح والرقابة في المجلس، إيليا كامينغز، أن عزل الرئيس «عملية سياسية لا تحظى حتى الآن بموافقة الحزبين، في ظل تأييد نحو 40 في المائة من الأميركيين للرئيس. لذلك؛ فمن السابق لأوانه المضي في هذه العملية الآن».
في المقابل، أعلن عدد من النواب المحسوبين على ما يوصف بالتيار التقدمي في الحزب الديمقراطي، تأييدهم البدء في إجراءات عزل الرئيس، من بينهم النائبتان إلهان عمر ورشيدة طليب. وقالت عمر: إنه إذا كانت التقارير تشير إلى أن ذلك أصبح أمراً ضرورياً، فعلينا أن نحافظ على قَسَمِنا والمضي في المساءلة.
ووافقتها طليب قائلة، إنها تعبر عن رأي ناخبيها الذين يؤيدون العزل، علماً بأن أول تصريح أدلت به طليب بعد تسلمها منصبها النيابي دعت فيه إلى المباشرة بعزل ترمب. لكنها شددت، على أنها لا تعارض ما أدلت به بيلوسي من تصريحات، وأنها ليست غاضبة منها.
النائبة براميلا جايابال قالت: إن الناخبين غاضبون مما يحدث في البيت الأبيض، وإن الكونغرس قطع «التزاماً لمعرفة ما إذا كان هناك نمط ثابت لإساءة استخدام السلطة وعرقلة العدالة» من طرف الرئيس.
وفي حين تخشى بيلوسي أن تؤدّي الدعوة لعزل الرئيس والمضي في إجراءاتها إلى تعريض الحزب الديمقراطي لخسائر سياسية خلال حملة 2020، ما لم تكن الأدلة كافية وتتمتع بحد أدنى من التوافق مع أعضاء آخرين من الجمهوريين، إلا أنها لا تعارض التحقيقات التي بدأتها لجان نيابية عدة ضد مؤسسات ترمب وأنشطتها، فضلاً عن التحقيقات المرتبطة بوضعه المالي وقضية ضرائبه، وحتى أدوار عدد من مساعديه.
وتعتقد أوساط واسعة في الحزب الديمقراطي ممن يعارضون تعريض البلاد إلى انقسام سياسي شديد على خلفية عملية العزل، بأن هزيمة ترمب في الانتخابات المقبلة ممكنة بدلاً من عزله، وأن الأجواء مناسبة للفوز في هذا السباق.
وتضيف تلك الأوساط بأن التحقيقات التي يجريها المحقق روبرت مولر في قضية ملف التدخل الروسي المفترض في انتخابات عام 2016، يمكن أن تلعب دوراً إيجابياً في تحسين فرصهم للفوز عام 2020. وإضافة إلى الملف الروسي، يحقق مولر فيما إذا كان ترمب حاول عرقلة التحقيق، الأمر الذي ينفيه ترمب، ووصف التحقيق بأنه حملة اضطهاد. ومن المنتظر أن يرسل مولر في وقت قريب تقريراً يشمل النتائج التي توصل لها إلى وزير العدل ويليام بار. وقد يسعى الكونغرس للتحرك ضد الرئيس إذا ثبت ارتكابه مخالفات.



2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
TT

2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)

لا يوجد فراغ مسموح به في الطبيعة. فالطبيعة لا تغيّر طبيعتها، لأنها تكره الفراغ. في الفراغ لا حياة، لا صراع ولا تاريخ. فالتاريخ يتنقّل بين الفوضى والنظام. يُفرض النظام بالإكراه، فتوضع القوانين لتُفرض بالقوّة والإكراه أيضاً. هكذا كتب ألبير كامو، الفيلسوف الفرنسي في كتابه «الإنسان المتمرّد»، (The Rebel): «في النظام، كما في الفوضى، هناك شيء من العبوديّة». تستهدف الثورة النظام القائم، فتخلق الفوضى. لكنها مُلزمة بإعادة تكوين نظام جديد. وبين الفوضى والنظام، يدفع الإنسان العاديّ الأثمان.

يقول السياسيّ الراحل هنري كيسنجر ما معناه: إن الفراغ يجلب الحرب والهجوم. فهل سيكون عام 2025 عام ملء الفراغات، أو خلق بعضها؟

دخان يتصاعد من شمال قطاع غزة خلال قصف الجيش الإسرائيلي (أرشيفية - أ.ف.ب)

بعد عملية 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، تغيّرت موازين القوى في المنطقة. سقطت «حماس». سقط «حزب الله». سقط النظام في سوريا... وبذلك انهارت وحدة الساحات، أو ما يُسمّى محور المقاومة. وبسبب ذلك، سقطت منظومات كانت قائمة. وتظهّرت الفراغات القاتلة. ها هي إسرائيل تدمّر قطاع غزّة، لتخلق فراغاً لا توجد فيه حركة «حماس»، ولتؤسّس لحالة معيّنة قد يُطلَق عليها «الاحتلال التغييريّ»، (Transformative). بكلام آخر، فُرض الاحتلال أمراً واقعاً خارج القانون الدوليّ، لكنه طويل، ومُكلف للمُحتلّ، الأمر الذي قد يخلق ثقافة جديدة، ومختلفة عما كانت قبلها، حتى ولو تطلّب الأمر جيلاً من الزمن.

دخلت إسرائيل لبنان خلال الحرب الأخيرة، فخلقت منطقة عازلة. وها هي اليوم تُحصّنها استباقاً للسيناريو السيّئ. خلقت إسرائيل هذا الفراغ على الحدود اللبنانيّة، كما في داخل قطاع غزّة بالقوّة العسكريّة المُفرطة. لكن البقاء في لبنان واحتلال المنطقة العازلة، هو أمر مختلف تماماً عن احتلال قطاع غزّة.

بعد سقوط النظام في سوريا، سارعت إسرائيل إلى احتلال مزيد من الأراضي السوريّة وتوسيع المنطقة العازلة. لكنه احتلال من دون استعمال للقوّة، حتى ولو دمّر الطيران الإسرائيليّ قدرات الجيش السوريّ المستقبليّ. إنه احتلال مؤقّت-طويل. لكن المفارقة هي إعلان إسرائيل أن الجولان لن يعود إلى سوريا، وهو احتلال كأمر واقع (De Facto). ولتحرير الجولان، لا بد من حرب أو تفاوض، وهذان أمران متعذّرَان حالياً لأسباب كثيرة. وعليه قد يمكن حالياً إعلان وفاة مقولة كسينجر: «لا حرب في الشرق الأوسط من دون مصر، ولا سلام من دون سوريا».

صورة نشرها الجيش الإسرائيلي وقال إنها لجولة رئيس الأركان هرتسي هاليفي الميدانية في جنوب لبنان (أرشيفية)

حال العالم

في أوكرانيا يستعين الرئيس بوتين في حربه بالتكنولوجيا الغربيّة لتصميم صواريخه، آخرها الصاروخ الفرط صوتيّ «أوريشنيك». كما يستعين بالمُسيّرات الإيرانيّة، والعسكر الكوري الشمالي لتحرير الأرض الروسية في كورسك. يريد بوتين الاحتلال التغييري للشرق الأوكرانيّ.

في منطقة نفوذ الصين، يسعى التنين إلى استرداد جزيرة تايوان على أنها جزء تاريخيّ من الصين الكبرى. فهي تحضّر البحريّة الصينيّة، كون الحرب، وفي حال حصولها، سيكون أغلبها في البحر. ورداً على ذلك، بدأ تشكُّل كثير من التحالفات ردّاً على السلوك الصينيّ.

وفي مكان آخر من العالم، يُحضّر الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب مأسسة الصراع مع التنين الصينيّ. فهو يريد استعادة السيطرة على قناة بنما، نظراً إلى أهمية هذه القناة على الأمن القومي الأميركيّ. فهي الشريان الحيويّ الذي يربط الشرق الأميركي بالغرب. وهي التي أوصى بها المفكّر الاستراتيجيّ الأميركي البحريّ ألفريد ماهان. وهي التي أشرفت على بنائها الولايات المتحدة الأميركيّة، وذلك بعد انفصال بنما عن كولومبيا وبمساعدة البحريّة الأميركيّة آنذاك، خلال فترة حكم الرئيس الأميركي الراحل تيودور روزفلت. وبذلك، تكون القناة قد مرّت بثلاث مراحل هي: 1906 البناء مع الرئيس روزفلت، و1977 مع الرئيس جيمي كارتر الذي أعادها إلى بنما، واليوم مع الرئيس ترمب الذي يريد استردادها.

صور الرئيس الأسبق حافظ الأسد ممزقة للمرة الأولى في تاريخ سوريا (الشرق الأوسط)

يرى البعض أن تصريحات الرئيس ترمب مجرّد كلام عاديّ بسبب شخصيّته الفريدة. لكن الأكيد أن تصريحاته تنمّ عن عمق جيوسياسيّ بعيد المدى. فما معنى طرحه موضوع شراء جزيرة غرينلاند من الدنمارك؟ ما أهميّة هذه الجزيرة؟

إن ثقافة دبلوماسيّة الدولار (Dollar Diplomacy) في التاريخ الأميركي ليست جديدة. فهي قد اشترت لويزيانا من فرنسا عام 1803 بـ15 مليون دولار. كما اشترت من روسيا ولاية ألاسكا الحاليّة بـ7.2 مليون دولار.

شكّلت لويزيانا الربط بين الشرق والغرب الأميركيّ، كما سيطرت على أهمّ مرفأ أميركيّ يطلّ على خليج المكسيك. وبالحدّ الأدنى أخرجت دولة أوروبيّة من الأرض الأميركيّة. أما شراء ألاسكا، فقد أعطى أميركا إطلالة على مضيق بيرينغ الذي يطلّ بدوره على الأرض الروسيّة.

التحّولات الجيوسياسيّة الحاليّ

مع صعود الصين، تبدّلت موازين القوى العالميّة عمَّا كانت عليه خلال الحرب الباردة. فللصين قدرات كونيّة وفي كل الأبعاد، خصوصاً الاقتصاديّة والعسكريّة، وهذه أبعاد افتقر إليها الاتحاد السوفياتيّ. تسعى الصين إلى التموضع في القارة الأميركيّة. يُضاف إلى هذا التحوّل، الكارثة البيئيّة والاحتباس الحراري، الأمر الذي قد يفتح طرقاً بحريّة جديدة، حول الشمال الأميركيّ. خصوصاً أن ذوبان المحيط المتجّمد الشمالي سوف يُغيّر جغرافيّة الصراع الجيوسياسيّ بالكامل. ونتيجة لذلك، ستصبح الولايات المتحدة الأميركيّة تطلّ على ثلاثة محيطات بعد أن كانت تطلّ على محيطين.

وحدة مدفعية أوكرانية في منطقة زابوريجيا تطلق النار باتجاه القوات الروسية على خط المواجهة (أرشيفية - رويترز)

تتميّز غرينلاند بمساحتها الكبيرة، نحو مليوني كيلومتر مربع، مع عديد لا يتجاوز 56 ألف نسمة، وثروات مهمّة قد تجعل أميركا تستغني عن استيراد كثير من الثروات الطبيعيّة من الصين. خلال الحرب الباردة حاول الرئيس هاري ترومان شراء الجزيرة، وهي لا تزال تضمّ قاعدة عسكريّة جويّة أميركيّة.

في الختام، إذا استطاع الرئيس ترمب استعادة السيطرة على قناة بنما، وسيطر بشكل ما على غرينلاند، سيتكوّن مثلثّ جيوسياسيّ دفاعيّ حول الولايات المتحدة الأميركيّة يرتكز على: غرينلاند، وألاسكا، وقناة بنما. كل ذلك، بانتظار الرئيس ترمب في البيت الأبيض، وكيف سيتعامل مع العالم خصوصاً الصين. فهل سيكون انعزاليّاً أم انخراطيّاً أم مزيجاً من المقاربتين؟