منذ صدور أول طابع بريد مصري عام 1866، أي منذ ما يزيد على 150 سنة، والطوابع تُعد دوماً توثيقاً حياً لتاريخ مصر، بعد شراء الخديو إسماعيل حق امتياز «البوسطة الأوروبية»، وقيامه بتأسيس نظيرتها المصرية عام 1865. فمن خلالها تُعرف أهم الأحداث التي شهدتها مصر خلال الحقب التاريخية الماضية.
ورغم تراجع استخدام الطوابع في المعاملات اليومية في ظل انتشار الرسائل الإلكترونية لا سيما بين الشباب، فإن الطالبة المصرية مها هشام، حين قررت اختيار موضوع لمشروع تخرجها للحصول على درجة البكالوريوس في تصميم الغرافيك من الجامعة الأميركية في القاهرة لعام 2019 فإنها فضلت أن يكون عن الطوابع المصرية.
وانطلاقاً من أن طابع البريد عبارة عن ورقة صغيرة تروي تاريخاً طويلاً، قررت مها أن تصمم مجموعة من 9 طوابع بريدية، تحكي إنجازات تسع رائدات مصريات ساهمن في صنع تاريخ بلادهن. تقول مها لـ«الشرق الأوسط»: «أردت أن أؤكد لأبناء جيلي أنها ليست مجرد ورقة إجبارية نقوم بلصقها على الخطابات والمراسلات الحكومية، إنما هي توثيق حي للتاريخ، نتعرف عبرها على تاريخ وطننا ورموزه وإنجازاته».
ولأنها أرادت أن تستثمر جانباً من الماضي لصالح الحاضر والمستقبل عبر تصاميمها لطوابع بريدية، فإنها قامت برحلة بحثية طويلة، وعميقة في عالم البريد المصري، لتكتشف أن تمثيل الرموز والقادة من الرجال في الطوابع البريدية المصرية يفوق بمراحل عدد النساء.
توضح مها قائلة: «في الوقت الذي تستشرف فيه المرأة المصرية الاحتفال بمئوية ثورة 1919 خلال مارس (آذار) الجاري ودورها المحوري فيها، فإن طوابع البريد تمثل شاهداً على استمرار عدم المساواة بينها وبين الرجل في المجتمع».
وقررت الطالبة المصرية أن توظف مشروع تخرجها لتخليد إنجازات 9 نساء من الرائدات المصريات، من خلال إحياء دورهن الوطني على طوابع بريد، قامت بتصميمها إلى جانب إعداد كتيبات باللغتين العربية والإنجليزية، ويتضمن كل كتيب مجموعة الطوابع الخاصة لكل رائدة، وعلى الصفحة المقابلة سيرتها الذاتية القصيرة، وأهم إنجازاتها، ليصبح أمام من يريد التعرف بشكل عصري وبلغة بصرية جمالية على جوانب مضيئة من تاريخ المشاركة السياسية والمجتمعية والعلمية والفنية للمرأة المصرية، والاطلاع على مشروعها الغني بالحكايات الوطنية بشقيه النظري والعملي على السواء، فيغوص في مسيرة مجموعة الرائدات التسع: صفية زغلول، وهدى شعراوي، وسهير القلماوي، وأم كلثوم، ومفيدة عبد الرحمن، وأمينة السعيد، وسميرة موسى، ولطفية النادي، ودرية شفيق.
في السياق نفسه، فإن اختيار تلك الشخصيات لم يكن مصادفة، فهو ليس فقط تماهياً مع الذكرى المئوية لثورة 1919، إنما هو أيضاً، من وجهة نظرها، رقم يتيح لها التنوع في مجالات إنجاز المرأة المصرية، كما أنه ملائم من الناحية الفنية لأسلوب تقديمه في المعرض الذي نظمته الجامعة لمشروعات التخرج، حيث تم عرضها في 3 صفوف يتضمن كل صف 3 طوابع، اعتمدت فيها مها على أسلوب «لاين أرت» أي الاعتماد على الرسم بالخطوط الناعمة بنفس السُّمك، بهدف التبسيط الشديد، فبعد أن قامت برسم الطوابع باستخدام الورقة والقلم (اسكتشات) حوّلت تصاميمها إلى طوابع رقمية، إضافة إلى استخدام «الغرافيك تابلت»، ثم قامت بطباعتها على ورق خاص بها، وبدرجة لونية أنيقة هي الأصفر، ثم قامت بثقب الحواف باستخدام الليزر.
ومن اللافت أيضاً احتفاء الطالبة بالحداثة في التصميم، رغم طبيعة الموضوع الذي استدعته من الماضي، وتفسر ذلك قائلة: «لكي أجذب المتلقي، لا سيما أبناء جيلي، كان لا بد من الخروج من الإطار التقليدي لملامح الوجه، ذلك أن الأمر المستهدف هنا هو جوهر عطاء هذه الشخصيات العظيمة لمصر، وليست التفاصيل الشكلية».
طوابع بريدية توثق نضال 9 رائدات مصريات في الحركة النسوية
في مشروع للتخرج لإحياء دورهن الوطني
طوابع بريدية توثق نضال 9 رائدات مصريات في الحركة النسوية
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة