«داعش» يستثمر في نسائه

أجبرهن على تجنيد «المتطرفين»

{داعشيات} يحملن السلاح (من مواقع تابعة لـ«داعش»)
{داعشيات} يحملن السلاح (من مواقع تابعة لـ«داعش»)
TT

«داعش» يستثمر في نسائه

{داعشيات} يحملن السلاح (من مواقع تابعة لـ«داعش»)
{داعشيات} يحملن السلاح (من مواقع تابعة لـ«داعش»)

المرأة في التنظيمات الإرهابية تُستغل بطريقة ممنهجة لارتكاب أعمال عنف، بخلاف طبيعتها، وهو ما يُفسر وجود نساء في أوروبا على استعداد لارتكاب أعمال إرهابية، شأنها شأن الرجال، حيث يشعرن بوجوب تلبية نداء محمد العدناني، متحدث «داعش»، بضرورة استهداف الغرب بأعمال إرهابية... لذلك يراهن تنظيم «داعش» الإرهابي مجدداً على النساء لاستقطاب وتجنيد مقاتلين جُدد.
أكد خبراء في الحركات الأصولية أن «النساء لديهن قدرة على التجنيد بصورة فعالة، عبر محادثات من خلال منصات التواصل الاجتماعي». وقال الخبراء لـ«الشرق الأوسط» إن «داعش» منذ اللحظة الأولى يتعامل مع قضية المرأة بشكل كبير، وقد تتحول إلى سلعة لاستغلالها في الزواج، وأحياناً يتم استغلالها في بث فيديوهات تنقل من خلالها أسلحة وذخائر، خصوصاً أن المرأة يصعب اختراقها من قبل أجهزة الاستخبارات في الدول... فسيطرة التنظيم على النساء فيها طابع استثمار. وفي سوريا، أجبر التنظيم أخيراً النساء على تجنيد مزيد من السيدات عبر منصات التواصل الاجتماعي، وقدم خطاباً ومادة إعلامية تدعو - على حد زعم التنظيم - إلى «نصرة الإسلام والمسلمين» من خلال دعم الدولة «المزعومة». وطالب النساء بعمليات تدوين عبر المنصات الإعلامية، للحديث عن وجوب الهجرة للدولة «المزعومة»، والانضمام إلى التنظيم. وقال مراقبون إن اعتماد «داعش» على النساء من جديد هو لضمان البقاء، بعد هزائمه في سوريا والعراق، وفرار كثير من عناصره، وإعدامه لكثير من مقاتليه أخيراً.

إرهاب عائلي
يُشار إلى أن محرك البحث «غوغل» في يناير (كانون الثاني) الماضي، راقب حسابات بعض الفتيات في سن المراهقة لمنع استدراجهن من قبل «داعش»، بعدما لوحظ انتشار مواد دعائية وأفكار متطرفة على مواقع التنظيم الإلكترونية. وكشفت تقارير ودراسات مصرية أن هناك مساندة من فئات نسائية في جنوب سوريا والعراق لاستقطاب مقاتلين جُدد ومؤيدين للتنظيم. التقارير والدراسات ذكرت أن عودة التنظيم للاعتماد على المرأة في التجنيد يرجع إلى عدة أسباب، منها قدرتها على الحركة دون قيود أمنية تعوق قيامها بعمليات إرهابية، وقدرتها كذلك على نشر الآيديولوجيا المتطرفة بشكل أكبر، فضلاً عن إعادة مفهوم «الإرهاب العائلي». كما أكدت أن التنظيم يسعى حالياً أيضاً إلى تدريب النساء على التعامل مع المتفجرات، فدور النساء في تجنيد «المتطرفين» لا يعتمد فقط على نشر الأفكار، بل توظيف قدرتهن للتأثير على الشباب، وحثهم للانضمام للتنظيم. مراقبون أكدوا أن «الداعشيات» من المرجح أن يلعبن دوراً قوياً في الحفاظ على إرث التنظيم وأفكاره، خصوصاً أن العنصر النسائي يشكل نسبة كبيرة من مقاتلي التنظيم في الفترة من 2013 حتى 2018. التقارير والدراسات أشارت أيضاً إلى أن «داعش» عمل على استخدام استراتيجية تنظيم «القاعدة» الإرهابي في استغلال المرأة لنشر آيديولوجيته الفكرية المتطرفة بين العناصر النسائية الأخرى، إضافة إلى استخدامهن في الترويج الدعائي لأفكاره الخاصة بفكرة «الخلافة المزعومة». فمنذ نهاية 2017، أعلن «داعش» في أحد إصداراته أن «الجهاد ضد الأعداء» واجب على المرأة، كما قام بإنتاج صور دعائية لنساء يقاتلن في معاركه، وكان لهذه الإصدارات أثر في الدور الذي باتت تلعبه النساء داخل التنظيم، إذ وصلت نسبة الفتاوى التي تروج للعنصر النسائي في التنظيم منذ عام 2018 إلى ما يقارب 60 في المائة.
ورغم ذلك، فإن «داعش» يناقض نفسه في مشاركة المرأة بالعمليات القتالية، فصحيفة «النبأ» التابعة للتنظيم شرّعت مشاركة المرأة في القتال، بينما إذاعة «البيان» التابعة للتنظيم رفضت مشاركتها، وكشفت بعض إصدارات التنظيم المرئية عن توظيف المرأة في العمليات القتالية مباشرة، كما أن التنظيم أتاح لعناصره النسائية كشف الوجه، رغم تحريمه ذلك في العمليات، كما أباح اختلاط نساء التنظيم مع الرجال في أثناء وبعد تنفيذ العمليات، رغم تحريمه ذلك.

اختراق المجتمعات
الكلام السابق يتفق مع ما ذكره كوين جينز، وزير العدل البلجيكي، من أن الدور الذي تسنده جماعات التطرف إلى المرأة شهد تطوراً خطيراً، فلم يعد إقدام النساء المقاتلات على القيام بعمليات عسكرية أمراً من المحذورات الآيديولوجية.
ويشار إلى أن هناك العشرات من النساء البلجيكيات المنتميات إلى «داعش» اللائي يشكلن خطراً، رغم عدم توفر النية لدى الغالبية منهن للمشاركة الفعلية في مناورات عسكرية إرهابية، حيث إن دوافعهن كانت تكمن في إطار مجموعة من الأسباب الآيديولوجية والشخصية، كالمشاركة في المشروع الآيديولوجي لـ«داعش».
من جانبه، قال عمرو عبد المنعم، الخبير في شؤون الحركات الأصولية بمصر، إنه «ليس بجديد استغلال النساء من قبل التنظيمات الإرهابية، فالمرأة عنصر رئيسي في المكون الآيديولوجي لجميع التنظيمات، و(داعش) منذ اللحظة الأولى تعامل مع قضية المرأة بشكل كبير، والتقارير الغربية بدأت تنتبه لذلك أخيراً؛ بأن (داعش) لن يستمر من دون الاعتماد على النساء».
وأضاف عبد المنعم أن فكرة تجنيد النساء عند «داعش» تتعدى الـ40 في المائة، فالمرأة وسيلة للتجنيد واختراق المجتمعات، ويظهر أثرها بقوة جداً، لافتاً إلى أن أدبيات «داعش» فيها نظرة دونية للمرأة، وبالتالي يمكن أن تتحول لسلعة في الزواج، وأحياناً يتم استغلالها في بث فيديوهات لنقل الأسلحة والذخائر، خصوصاً أن المرأة يصعب اختراقها من قبل أجهزة الاستخبارات في الدول، فالسيطرة على النساء سيطرة فيها طابع استثمار.
ومنذ عام 2017، بعد فقد التنظيم لكثير من مقاتليه ومواقعه، حافظ على انتشاره عبر منصاته الإلكترونية، بل عمل على إنشاء كثير من الحسابات الوهمية التي حاول من خلالها استقطاب مؤيديه ونشر أفكاره والتحريض على العمليات الإرهابية، خصوصاً في أوروبا. فقد عمل التنظيم على الانتشار بشكل مكثف عبر «تليغرام»، كوسيلة للمراوغة والبعد عن المنصات الإلكترونية التي أنشأتها الدول من أجل متابعة محتوى التنظيم المتطرف عبر «فيسبوك» و«تويتر»، ولذلك تنبه «تليغرام» وأغلق ما يقرب من 8500 قناة تبث أفكاراً متطرفة تابعة لـ«داعش» وغيره من التنظيمات المتطرفة.
وقال رسمي عجلان، الباحث في شؤون الحركات الأصولية، إن «دور النساء في (داعش) لا يتمثل في حمل الأسلحة، أو التقاط الصور التذكارية في الصحراء، بل يلعبن دوراً محورياً من وراء الكواليس»، مضيفاً أن نساء «داعش» لديهن القدرة على تجنيد المزيد من «المتطرفين» بصورة فعالة عبر محادثات طويلة، وعليهن دور أعمق في زرع المذهبية، من خلال الاشتراك في تجنيد أخريات عبر منصات التواصل.

خلايا مستقبلية
وعن لغة المرأة في تجنيد الشباب عبر الإنترنت، أكد عبد المنعم أن «اللغة الأكثر إثارة تكون سبيل لتجنيد المرأة للشباب، لكن الظاهر هو دعوة الداعشي للمرأة للانضمام للتنظيم عن طريق العاطفة، بأنها ستكون من طليعة المجاهدات - على حد الزعم - وأن جهاد النساء هو التربية وإنجاب الأولاد والتعبير عن الطاعة، لافتاً إلى أن بعض الداعشيات يوجهن الدعوة لأخريات للانضمام للتنظيم. وعقب انضمامهن، يوجهن الدعوة لأزواجهن للانضمام للتنظيم أيضاً، وهذا وارد بشكل كبير في أوروبا، لأن التجنيد عبر الإنترنت أقوى من التجنيد المباشر، لأن الالتقاء بالنساء صعب.
وذكرت تقارير أمنية أن غالبية مقاتلي التنظيم في الرقة والموصل تعكف على لملمة شتاتها، علماً بأن 30 في المائة فقط من إجمالي أربعين ألف مقاتل أجنبي انضموا إلى صفوف «داعش» هم الذين عادوا إلى ديارهم أو انتقلوا إلى دولة ثالثة.
وقال عمرو عبد المنعم إن «45 في المائة من العدد السابق عناصر نسائية، وبعض الدول خوفاً من هذه العناصر، بدأت ترسل هذه الأسر إلى دول أخرى صداها واسع غير مسيطر عليها من الناحية الأمنية، مثل بعض الدول الأفريقية التي تعيش فيها النساء لإعداد أجيال ليكونوا خلايا مستقبلية».
وفي الصدد ذاته، أكدت الدراسات والتقارير أن «داعش» أعطى أهمية خاصة للنساء لكونهن أفضل أداة لنقل أفكاره المتطرفة، فالدور الرئيسي الذي كانت تلعبه النساء في بداية نشأة التنظيم هو الإنجاب، وتلقين أبنائهن الفكر المتطرف منذ نعومة أظافرهم، والمجندات في أغلب الأحيان صغار السن، تم تجنيدهن عبر شبكة الإنترنت، ورحلوا جميعاً للحاق بصديق، وأنه من خلال استجواب «العائدات» من نساء «داعش» تبين أن الانضمام إلى المشروع الداعشي هو عبارة عن قضية التزام آيديولوجي.


مقالات ذات صلة

المشرق العربي طائرة من سلاح الجو العراقي خلال إحدى المهمات ضد تنظيم «داعش» (أرشيفية - واع)

العراق: المجال الجوي غير مؤمّن بالكامل

أقر العراق بأن مجاله الجوي غير مؤمّن بالكامل، في حين أكد اتخاذ إجراءات لتحسين القدرات الدفاعية بعد التعاقد مع كوريا الجنوبية قبل أشهر لامتلاك منظومة متطورة.

حمزة مصطفى (بغداد)
المشرق العربي الجيش العراقي يُطلق النار على مسلحي «داعش» عام 2017 (رويترز)

العراق: انفجار قنبلة يصيب 4 في كركوك

كشفت مصادر بالشرطة أن أربعة أصيبوا عندما انفجرت قنبلة على جانب أحد الطرق في مدينة كركوك بشمال العراق اليوم (السبت).

«الشرق الأوسط» (بغداد)
المشرق العربي عناصر من القوات الحكومية في البادية (المرصد السوري لحقوق الإنسان)

دمشق تواصل تمشيط البادية شرق حمص وملاحقة «داعش» بدعم من الطيران الروسي

رجّحت مصادر محلية أن يكون هدف حملة تقوم بها قوات تابعة لدمشق هو تأمين طرق البادية السورية الواصلة بين مناطق الحدود مع العراق ومحافظة حمص.

«الشرق الأوسط» (دمشق)
المشرق العربي فوزية أمين سيدو امرأة إيزيدية اختطفها «داعش» في العراق وتم إنقاذها بعملية في غزة (وزارة الخارجية العراقية)

عملية بقيادة أميركية تحرر إيزيدية من غزة بعد 10 سنوات في الأسر

قال مسؤولون عراقيون وأميركيون إن شابة إيزيدية عمرها 21 عاماً اختطفها مسلحون من تنظيم «داعش» في العراق قبل أكثر من عقد تم تحريرها من قطاع غزة هذا الأسبوع.

«الشرق الأوسط» (غزة)

تركيا وإحياء «داعش» في ليبيا

قوات ليبية تهاجم مواقع «داعش» خلال عملية «البنيان المرصوص» في مدينة سرت 2016 (غيتي)
قوات ليبية تهاجم مواقع «داعش» خلال عملية «البنيان المرصوص» في مدينة سرت 2016 (غيتي)
TT

تركيا وإحياء «داعش» في ليبيا

قوات ليبية تهاجم مواقع «داعش» خلال عملية «البنيان المرصوص» في مدينة سرت 2016 (غيتي)
قوات ليبية تهاجم مواقع «داعش» خلال عملية «البنيان المرصوص» في مدينة سرت 2016 (غيتي)

غداة الزيارة المريبة التي قام بها الوالي العثماني المنحول إردوغان إلى تونس، علا صوت الكثير من الأحزاب التونسية والاتحادات العامة للشغل وغيرها من جماعات المجتمع المدني بالرفض لأن تكون تونس ممراً أو مستقراً لنقل «الدواعش» من سوريا إلى ليبيا بواسطة تركيا عبر بلادهم».
المطالب المتقدمة تعني أمراً واحداً، وهو يقين الشرفاء والنبلاء من الشعب التونسي بأن بعض من نوايا إردوغان الحقيقية بالنسبة لليبيا موصول بإعادة إنتاج التنظيم الإرهابي الأشرس في العقود الأخيرة (داعش)، وربما في طبعة جديدة أسوأ مما شهده العالم في العراق وسوريا خلال النصف الثاني من العقد الماضي.
أسئلة كثيرة تطل برأسها من نافذة الأحداث المتسارعة عن أحوال «داعش» وعن الفوضى والارتباك اللذين تتسبب فيهما تركيا في ليبيا، وفي الوسط تسعى لنقل معركتها إلى ساحل البحر الأبيض المتوسط، وإلى العمق الأفريقي لأهداف سنأتي على تفصيلها.
علامة الاستفهام الأولى في هذا الحديث: «ما هو وضع الدواعش في الوقت الحاضر في موطن النشوء الأول ومن حول بلاد الشام التاريخية؟».
الجواب نجده بالتفصيل والأرقام عند هارون ي زيلين، الباحث في معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى، وعنده أنه في عام 2019 قدر البنتاغون أن ما بين 14 و18 ألف من مقاتلي تنظيم «داعش» لا يزالون في العراق وسوريا، والتساؤل ما الذي يفعلونه هناك؟
بلا شك مواصلة العمل كتنظيم إرهابي متمرد يكرس أعضاؤه جل وقتهم لمحاولة تهريب السجناء، وربما إعادة السيطرة على الأراضي، ومن خلال حرب استنزاف يعتقدون أنهم سيرهقون أعداءهم، كما أنهم يستفيدون من أي مساحات لا تسيطر عليها الحكومة المركزية أو يلعبون على وتر خطوط الصدع السياسية أو العرقية أو الدينية آملين في استغلالها لصالحهم.
> هل لدى التنظيم حتى الساعة مقدرة مالية على إدارة شؤونه بنفسه والإنفاق على عملياته الإرهابية؟
ــــ من الواضح أن الدواعش لا يزالون قابضين على ثروة تقدر بنحو 300 مليون دولار، ووفقاً لتقرير صادر عن الأمم المتحدة في يوليو (تموز) 2019، فإن «داعش» استثمر مجدداً أمواله في أعمال مشروعة، وربما بأسماء وهمية لا علاقة لها بأعضائه الإرهابين، أي من خلال عناصر نائمة، وذلك عبر العقارات، ووكلاء السيارات، ويوجد عدد منها في تركيا وفقاً لوزارة الخزانة الأميركية التي صنفت أفراداً من تنظيم «داعش» وشركات تحويل وصرافة على لائحة الإرهاب.
> ماذا تعني تلك البيانات المتقدمة؟
ــــ باختصار غير مخل، تشير إلى أن التنظيم لا يزال باقياً وفاعلاً، وأن الأيادي التركية السوداء تقف وراءه في أقصى الشرق، وها هي تجد فرصة غير مسبوقة ليعبر المتوسط جهة الغرب ويحل برحاله في ليبيا.
لم ينس إردوغان للحظة واحدة أنه في الشرق من ليبيا، توجد مصر الكنانة التي أسقطت مشروعه في عام 2013؛ فقد خيل له أنه قد أضحى الخليفة الجديدة بعد سنوات الربيع المغشوش؛ ولهذا فإن ملامح وعلامات الانتقام من مصر لا تغيب عن ناظريه، وقد حاول كثيراً استخدام الطابور الخامس من الإخوان المسلمين في مصر في زعزعة استقرار المحروسة وأخفق؛ ولهذا فقد بدا واضحاً أن الرجل المقهور يود نقل معركته إلى الداخل المصري بالاقتراب الكبير والمؤثر والفاعل؛ الأمر الذي لا يغيب عن أعين صقور المؤسسة العسكرية المصرية التي تقف له بالمرصاد.
وجد إردوغان ضالته المنشودة في جماعة الوفاق المنحلة، التي هي مزيج من الإخوان المسلمين والدواعش و«القاعدة» والجماعات الإرهابية كافة الشاردة والواردة، ومن خلال عمليات لوجيستية تتضح ساعة بعد أخرى، يمضي في إحياء التنظيم القاتل وله في ذلك أيضاً مأربان، أحدهما جهة الشمال والآخر ناحية الجنوب...ماذا عن ذلك؟
أما الشمال، فالمقصود به أوروبا، حيث العداء التاريخي المستحكم من تركيا تجاه أوروبا، وإردوغان يشعر بالغدر والخيانة من جراء رفض الاتحاد الأوروبي قبوله تحت سقفه؛ ولهذا أطلق تصريحات ذات طبيعة دوجمائية أكثر من مرة، حاول بها تفعيل مشاعر ديماجوجية في وسط الأتراك ليكتسب شعبية، رغم أن الأمر ارتد عليه مؤخراً بالسلب.
يسعى إردوغان من تأصيل وجود «الدواعش» على الشاطئ المتوسطي المواجه لأوروبا إلى استخدام الإرهاب الأصولي كأحدى أوراق نفوذه ضد ألمانيا، وفرنسا، وإيطاليا، والبرتغال، وقبلهما اليونان وقبرص، وهو أمر ليس بجديد عليه، فقد صرح قبل فترة بأنه قادر على فتح بوابات الوصول إلى أوروبا أمام اللاجئين والدواعش لإغراق أوروبا، وربما إحراقها بنيران الدواعش ومن لفّ لفّهم.
إردوغان أيضاً له مأرب آخر يتصل بعمق القارة الأفريقية، وهو يدرك أن ما فقده من أوهام الخلافة في الشرق الأوسط، ربما يجد له صدى في وسط أفريقيا، حيث يغيب الأمن كثيراً عن بعض الدول من جهة، ولا سيما المفككة اجتماعياً، وحيث تنتشر جماعات الإرهاب المشابهة من «حركة الشباب» و«بوكو حرام» وما شابه، وغالبيتها قد أعلنت ولاءها وانضواءها تحت راية تنظيم «داعش» الإرهابية وليس الإسلامية قبل نحو عامين.
والشاهد، أن إردوغان لا ينشئ فرعاً جديداً لـ«داعش» في ليبيا، وإنما يسعى لإيقاظ المؤتلفة قلوبهم، إن جاز التعبير، أولئك الذين هم دواعش في الباطن وإن أبدوا خلاف ذلك في العلن، والمعروف أن الأرضية الأصولية الإخوانية في ليبيا كانت قد انتهزت فرصة الإطاحة بمعمر القذافي عام 2011، حيث أقام المقاتلون مثل سوريا والعراق حكماً دينياً، غير أنه وفي عام 2016 استطاعت قوات الحكومة ومقاتلون من مصراتة بدعم من القوات الأميركية الخاصة وطائرات «إف 16» إخراج مقاتلي التنظيم من سرت في ديسمبر (كانون الأول) 2016.
في ذلك الهجوم قُتلت أعداد كبيرة من المتشددين، في حين هرب البقية إلى الجنوب بحثاً عن ملاجئ آمنة، وأقاموا معسكرات تدريب استخدموها للسطو على شاحنات النفط، وحصلوا على موارد من خلال التهريب، وهرب بعضهم إلى النيجر، حيث انضموا إلى فرع التنظيم هناك. ورغم عددهم القليل فإنهم استمروا في هجماتهم السريعة.
مؤخراً، وحتى قبل التدخل الإردوغاني المسموم، بدأ القلق يتزايد في سرت مرة أخرى، حيث تم اعتقال عشرة أشخاص يشتبه بتعاطفهم مع التنظيم، منهم مهندسة عثر على جهاز لاسلكي في بيتها، كما قبض على رجل قابل أعضاء في «خلية نائمة»، وأقاموا حاجز تفتيش خارج المدينة لإظهار أنهم لا يزالون فيها.
> هل بدأت مرحلة إحياء «داعش» ليبيا بشكل رسمي الأيام الأخيرة وبدعم علني من تركيا لا يواري ولا يداري أهدافه الآثمة؟
ــــ من الواضح أن ذلك كذلك، ولا سيما في ضوء ما رصده «المرصد السوري لحقوق الإنسان» في سوريا، والذي أشار قبل أيام إلى أن الفصائل السورية الموالية لتركيا قد افتتحت هناك مراكز تسجيل أسماء الأشخاص الراغبين بالذهاب للقتال في ليبيا.
> هل بدأ الحشد «الداعشي» التركي طريقه إلى ليبيا بالفعل؟
ــــ الشاهد، أنه، ومن أسف، قد بدأ عشرات الأشخاص يقصدون تلك المراكز للالتحاق بالمعارك في ليبيا للعمل تحت الحماية التركية هناك، كما نقلت مصادر محلية قولها إن الفصائل الموالية لتركيا تشجع الشباب على الالتحاق بالحرب الليبية، وتقدم مغريات ورواتب مجزية تراوح بين 1800 و2000 دولار أميركي لكل مسلح شهرياً، علاوة عل تقديم خدمات إضافية تتكفل بها الدولة المضيفة.
ولعل الذين تابعوا الأسبوع الماضي تصريحات المتحدث باسم الجيش الوطني الليبي اللواء أحمد المسماري قد وقر لديهم أن عجلة إحياء تنظيم «داعش» في ليبيا قد دارت بالفعل، وذلك من خلال الأصابع المشبوهة للمخابرات التركية التي تقوم بنقل عناصر التنظيم، عطفاً على القادمين والمنتمين الجدد والذين هم في غالبيتهم مرتزقة ومؤدلجون أصوليون، والنوعان معاً، ولا سيما من أعضاء «جبهة النصرة» من سوريا إلى ليبيا عبر مطار جربة في تونس، الأمر الذي يعود بنا إلى الحديث عن تونس مرة جديدة، ويربط بينها وبين ما يجري في ليبيا.
> هل تعرّض التونسيون إلى خدعة كبرى في اختيارهم الأخير؟
ــــ مهما يكن من أمر ساكن القصر الرئاسي، إلا أن المؤكد أن حزب «النهضة التونسي» ليس إلا وجهاً آخر من أوجه الإخوان المسلمين في تونس، وهو أحد فروع التنظيم الدولي لـ«الإخوان» المسلمين المنتشر حول العالم، يأتمر بأمرهم، ويتوجه كيفما يعنّ لبوصلتهم.
هنا يصبح من الحقيقي التسليم بالمعلومات التي رصدها الجيش الليبي من استخدام مطارات تونس لغرض إنشاء «داعش» جديدة على الأراضي الليبية، ومنها مطار جربة، حيث تم إنزال مجموعات إرهابية في تونس، وتم نقلهم إلى ليبيا عن طريق الجبل الغربي، ومطار مصراتة وزواره، ومعتيقة تحديداً التي استقبلت أعداداً كبيرة من «جبهة النصرة» وتنظيم «داعش».
في هذا السياق، يبقى من الطبيعي أن تنهض آمال «الدواعش» في تونس في الفترة المقبلة، أولئك الذين سيصبحون الجسر الواصل بين تونس وليبيا؛ الأمر الذي حذر منه البرلمان التونسي السابق قبل عودة النهضة الكارثية مرة أخرى، لكن في ظل السيطرة الإخوانية التونسية الأخيرة يكاد يكون الأمل سراباً في إعادة ضبط وتموضع «الدواعش» التونسيين.
حين نشير إلى أن دواعش ليبيا قد بدأوا مرحلة مغاير آخذة في التصاعد الإرهابي المؤلم، فإننا لا نرجم بالغيب، بل من خلال أدلة ليس آخرها الفيديو الذي أذاعوه نهار الخامس من ديسمبر 2019، وفيه ذبح لمواطنين ليبيين بينهم موظفون حكوميون سقطوا أسرى في أيدي التنظيم، ومشاهد بشعة لعمليات إعدام جماعية بالرصاص، في منطقة الفقهاء جنوب ليبيا.
الفيديو بثته وكالة «أعماق» التابعة لتنظيم «داعش» حمل اسم «وأخرجوهم من حيث أخرجوكم»، استمر نحو 31 دقيقة وأظهر معاملة مشينة من عناصر التنظيم للأسرى الذين وقع اختطافهم، أو المواطنين الذين تم اعتقالهم خلال عملياته الإرهابية على بلدة الفقهاء، حيث وثقت مقاطع عملية إعدام جماعية لأشخاص مكبلين رمياً بالرصاص على رؤوسهم.
الأسئلة الجوهرية في هذا السياق، هل ستبقى أوروبا مكتوفة الأيدي أمام تركيا وهي تعيد سيرة حروب القرون الوسطى من جديد، وهل ستكتفي بدور المشاهد بعد أن أسقطت نظام القذافي ولم يكن لها خطة لليوم التالي؟
ثم فيما يخص أميركا، لماذا يتسم موقفها بالميوعة السياسية، وهل يخشى إردوغان من التورط في الأزمة الليبية عسكرياً وهو في عام الانتخابات ولديه من الإشكاليات الداخلية ما يكفي؟
ألا تعد خطط إردوغان نوعاً من تهديد السلم العالمي، الأمر الذي يستوجب التنادي إلى البند السابع من ميثاق الأمم المتحدة الخاص بالاتحاد من أجل السلم قبل أن يستفحل الضرر ويتحول المشهد إلى حرب إقليمية؟
ثم ما هو الدور الروسي في ليبيا وهي التي تسعى لاستعادة نفوذها هناك، وهل سيقدر لها قطع الطريق على الآغا العثمانلي بطريق مشابهة لما فعلته مع الدواعش في سوريا؟