«داعش» يستثمر في نسائه

أجبرهن على تجنيد «المتطرفين»

{داعشيات} يحملن السلاح (من مواقع تابعة لـ«داعش»)
{داعشيات} يحملن السلاح (من مواقع تابعة لـ«داعش»)
TT

«داعش» يستثمر في نسائه

{داعشيات} يحملن السلاح (من مواقع تابعة لـ«داعش»)
{داعشيات} يحملن السلاح (من مواقع تابعة لـ«داعش»)

المرأة في التنظيمات الإرهابية تُستغل بطريقة ممنهجة لارتكاب أعمال عنف، بخلاف طبيعتها، وهو ما يُفسر وجود نساء في أوروبا على استعداد لارتكاب أعمال إرهابية، شأنها شأن الرجال، حيث يشعرن بوجوب تلبية نداء محمد العدناني، متحدث «داعش»، بضرورة استهداف الغرب بأعمال إرهابية... لذلك يراهن تنظيم «داعش» الإرهابي مجدداً على النساء لاستقطاب وتجنيد مقاتلين جُدد.
أكد خبراء في الحركات الأصولية أن «النساء لديهن قدرة على التجنيد بصورة فعالة، عبر محادثات من خلال منصات التواصل الاجتماعي». وقال الخبراء لـ«الشرق الأوسط» إن «داعش» منذ اللحظة الأولى يتعامل مع قضية المرأة بشكل كبير، وقد تتحول إلى سلعة لاستغلالها في الزواج، وأحياناً يتم استغلالها في بث فيديوهات تنقل من خلالها أسلحة وذخائر، خصوصاً أن المرأة يصعب اختراقها من قبل أجهزة الاستخبارات في الدول... فسيطرة التنظيم على النساء فيها طابع استثمار. وفي سوريا، أجبر التنظيم أخيراً النساء على تجنيد مزيد من السيدات عبر منصات التواصل الاجتماعي، وقدم خطاباً ومادة إعلامية تدعو - على حد زعم التنظيم - إلى «نصرة الإسلام والمسلمين» من خلال دعم الدولة «المزعومة». وطالب النساء بعمليات تدوين عبر المنصات الإعلامية، للحديث عن وجوب الهجرة للدولة «المزعومة»، والانضمام إلى التنظيم. وقال مراقبون إن اعتماد «داعش» على النساء من جديد هو لضمان البقاء، بعد هزائمه في سوريا والعراق، وفرار كثير من عناصره، وإعدامه لكثير من مقاتليه أخيراً.

إرهاب عائلي
يُشار إلى أن محرك البحث «غوغل» في يناير (كانون الثاني) الماضي، راقب حسابات بعض الفتيات في سن المراهقة لمنع استدراجهن من قبل «داعش»، بعدما لوحظ انتشار مواد دعائية وأفكار متطرفة على مواقع التنظيم الإلكترونية. وكشفت تقارير ودراسات مصرية أن هناك مساندة من فئات نسائية في جنوب سوريا والعراق لاستقطاب مقاتلين جُدد ومؤيدين للتنظيم. التقارير والدراسات ذكرت أن عودة التنظيم للاعتماد على المرأة في التجنيد يرجع إلى عدة أسباب، منها قدرتها على الحركة دون قيود أمنية تعوق قيامها بعمليات إرهابية، وقدرتها كذلك على نشر الآيديولوجيا المتطرفة بشكل أكبر، فضلاً عن إعادة مفهوم «الإرهاب العائلي». كما أكدت أن التنظيم يسعى حالياً أيضاً إلى تدريب النساء على التعامل مع المتفجرات، فدور النساء في تجنيد «المتطرفين» لا يعتمد فقط على نشر الأفكار، بل توظيف قدرتهن للتأثير على الشباب، وحثهم للانضمام للتنظيم. مراقبون أكدوا أن «الداعشيات» من المرجح أن يلعبن دوراً قوياً في الحفاظ على إرث التنظيم وأفكاره، خصوصاً أن العنصر النسائي يشكل نسبة كبيرة من مقاتلي التنظيم في الفترة من 2013 حتى 2018. التقارير والدراسات أشارت أيضاً إلى أن «داعش» عمل على استخدام استراتيجية تنظيم «القاعدة» الإرهابي في استغلال المرأة لنشر آيديولوجيته الفكرية المتطرفة بين العناصر النسائية الأخرى، إضافة إلى استخدامهن في الترويج الدعائي لأفكاره الخاصة بفكرة «الخلافة المزعومة». فمنذ نهاية 2017، أعلن «داعش» في أحد إصداراته أن «الجهاد ضد الأعداء» واجب على المرأة، كما قام بإنتاج صور دعائية لنساء يقاتلن في معاركه، وكان لهذه الإصدارات أثر في الدور الذي باتت تلعبه النساء داخل التنظيم، إذ وصلت نسبة الفتاوى التي تروج للعنصر النسائي في التنظيم منذ عام 2018 إلى ما يقارب 60 في المائة.
ورغم ذلك، فإن «داعش» يناقض نفسه في مشاركة المرأة بالعمليات القتالية، فصحيفة «النبأ» التابعة للتنظيم شرّعت مشاركة المرأة في القتال، بينما إذاعة «البيان» التابعة للتنظيم رفضت مشاركتها، وكشفت بعض إصدارات التنظيم المرئية عن توظيف المرأة في العمليات القتالية مباشرة، كما أن التنظيم أتاح لعناصره النسائية كشف الوجه، رغم تحريمه ذلك في العمليات، كما أباح اختلاط نساء التنظيم مع الرجال في أثناء وبعد تنفيذ العمليات، رغم تحريمه ذلك.

اختراق المجتمعات
الكلام السابق يتفق مع ما ذكره كوين جينز، وزير العدل البلجيكي، من أن الدور الذي تسنده جماعات التطرف إلى المرأة شهد تطوراً خطيراً، فلم يعد إقدام النساء المقاتلات على القيام بعمليات عسكرية أمراً من المحذورات الآيديولوجية.
ويشار إلى أن هناك العشرات من النساء البلجيكيات المنتميات إلى «داعش» اللائي يشكلن خطراً، رغم عدم توفر النية لدى الغالبية منهن للمشاركة الفعلية في مناورات عسكرية إرهابية، حيث إن دوافعهن كانت تكمن في إطار مجموعة من الأسباب الآيديولوجية والشخصية، كالمشاركة في المشروع الآيديولوجي لـ«داعش».
من جانبه، قال عمرو عبد المنعم، الخبير في شؤون الحركات الأصولية بمصر، إنه «ليس بجديد استغلال النساء من قبل التنظيمات الإرهابية، فالمرأة عنصر رئيسي في المكون الآيديولوجي لجميع التنظيمات، و(داعش) منذ اللحظة الأولى تعامل مع قضية المرأة بشكل كبير، والتقارير الغربية بدأت تنتبه لذلك أخيراً؛ بأن (داعش) لن يستمر من دون الاعتماد على النساء».
وأضاف عبد المنعم أن فكرة تجنيد النساء عند «داعش» تتعدى الـ40 في المائة، فالمرأة وسيلة للتجنيد واختراق المجتمعات، ويظهر أثرها بقوة جداً، لافتاً إلى أن أدبيات «داعش» فيها نظرة دونية للمرأة، وبالتالي يمكن أن تتحول لسلعة في الزواج، وأحياناً يتم استغلالها في بث فيديوهات لنقل الأسلحة والذخائر، خصوصاً أن المرأة يصعب اختراقها من قبل أجهزة الاستخبارات في الدول، فالسيطرة على النساء سيطرة فيها طابع استثمار.
ومنذ عام 2017، بعد فقد التنظيم لكثير من مقاتليه ومواقعه، حافظ على انتشاره عبر منصاته الإلكترونية، بل عمل على إنشاء كثير من الحسابات الوهمية التي حاول من خلالها استقطاب مؤيديه ونشر أفكاره والتحريض على العمليات الإرهابية، خصوصاً في أوروبا. فقد عمل التنظيم على الانتشار بشكل مكثف عبر «تليغرام»، كوسيلة للمراوغة والبعد عن المنصات الإلكترونية التي أنشأتها الدول من أجل متابعة محتوى التنظيم المتطرف عبر «فيسبوك» و«تويتر»، ولذلك تنبه «تليغرام» وأغلق ما يقرب من 8500 قناة تبث أفكاراً متطرفة تابعة لـ«داعش» وغيره من التنظيمات المتطرفة.
وقال رسمي عجلان، الباحث في شؤون الحركات الأصولية، إن «دور النساء في (داعش) لا يتمثل في حمل الأسلحة، أو التقاط الصور التذكارية في الصحراء، بل يلعبن دوراً محورياً من وراء الكواليس»، مضيفاً أن نساء «داعش» لديهن القدرة على تجنيد المزيد من «المتطرفين» بصورة فعالة عبر محادثات طويلة، وعليهن دور أعمق في زرع المذهبية، من خلال الاشتراك في تجنيد أخريات عبر منصات التواصل.

خلايا مستقبلية
وعن لغة المرأة في تجنيد الشباب عبر الإنترنت، أكد عبد المنعم أن «اللغة الأكثر إثارة تكون سبيل لتجنيد المرأة للشباب، لكن الظاهر هو دعوة الداعشي للمرأة للانضمام للتنظيم عن طريق العاطفة، بأنها ستكون من طليعة المجاهدات - على حد الزعم - وأن جهاد النساء هو التربية وإنجاب الأولاد والتعبير عن الطاعة، لافتاً إلى أن بعض الداعشيات يوجهن الدعوة لأخريات للانضمام للتنظيم. وعقب انضمامهن، يوجهن الدعوة لأزواجهن للانضمام للتنظيم أيضاً، وهذا وارد بشكل كبير في أوروبا، لأن التجنيد عبر الإنترنت أقوى من التجنيد المباشر، لأن الالتقاء بالنساء صعب.
وذكرت تقارير أمنية أن غالبية مقاتلي التنظيم في الرقة والموصل تعكف على لملمة شتاتها، علماً بأن 30 في المائة فقط من إجمالي أربعين ألف مقاتل أجنبي انضموا إلى صفوف «داعش» هم الذين عادوا إلى ديارهم أو انتقلوا إلى دولة ثالثة.
وقال عمرو عبد المنعم إن «45 في المائة من العدد السابق عناصر نسائية، وبعض الدول خوفاً من هذه العناصر، بدأت ترسل هذه الأسر إلى دول أخرى صداها واسع غير مسيطر عليها من الناحية الأمنية، مثل بعض الدول الأفريقية التي تعيش فيها النساء لإعداد أجيال ليكونوا خلايا مستقبلية».
وفي الصدد ذاته، أكدت الدراسات والتقارير أن «داعش» أعطى أهمية خاصة للنساء لكونهن أفضل أداة لنقل أفكاره المتطرفة، فالدور الرئيسي الذي كانت تلعبه النساء في بداية نشأة التنظيم هو الإنجاب، وتلقين أبنائهن الفكر المتطرف منذ نعومة أظافرهم، والمجندات في أغلب الأحيان صغار السن، تم تجنيدهن عبر شبكة الإنترنت، ورحلوا جميعاً للحاق بصديق، وأنه من خلال استجواب «العائدات» من نساء «داعش» تبين أن الانضمام إلى المشروع الداعشي هو عبارة عن قضية التزام آيديولوجي.


مقالات ذات صلة

المشرق العربي طائرة من سلاح الجو العراقي خلال إحدى المهمات ضد تنظيم «داعش» (أرشيفية - واع)

العراق: المجال الجوي غير مؤمّن بالكامل

أقر العراق بأن مجاله الجوي غير مؤمّن بالكامل، في حين أكد اتخاذ إجراءات لتحسين القدرات الدفاعية بعد التعاقد مع كوريا الجنوبية قبل أشهر لامتلاك منظومة متطورة.

حمزة مصطفى (بغداد)
المشرق العربي الجيش العراقي يُطلق النار على مسلحي «داعش» عام 2017 (رويترز)

العراق: انفجار قنبلة يصيب 4 في كركوك

كشفت مصادر بالشرطة أن أربعة أصيبوا عندما انفجرت قنبلة على جانب أحد الطرق في مدينة كركوك بشمال العراق اليوم (السبت).

«الشرق الأوسط» (بغداد)
المشرق العربي عناصر من القوات الحكومية في البادية (المرصد السوري لحقوق الإنسان)

دمشق تواصل تمشيط البادية شرق حمص وملاحقة «داعش» بدعم من الطيران الروسي

رجّحت مصادر محلية أن يكون هدف حملة تقوم بها قوات تابعة لدمشق هو تأمين طرق البادية السورية الواصلة بين مناطق الحدود مع العراق ومحافظة حمص.

«الشرق الأوسط» (دمشق)
المشرق العربي فوزية أمين سيدو امرأة إيزيدية اختطفها «داعش» في العراق وتم إنقاذها بعملية في غزة (وزارة الخارجية العراقية)

عملية بقيادة أميركية تحرر إيزيدية من غزة بعد 10 سنوات في الأسر

قال مسؤولون عراقيون وأميركيون إن شابة إيزيدية عمرها 21 عاماً اختطفها مسلحون من تنظيم «داعش» في العراق قبل أكثر من عقد تم تحريرها من قطاع غزة هذا الأسبوع.

«الشرق الأوسط» (غزة)

«حزب الله»... خلايا قائمة وقادمة

متظاهرون موالون لـ«حزب الله» يشعلون النيران أمام مجمع السفارة الأميركية، في العاصمة بغداد نهاية الشهر الماضي  (أ.ب)
متظاهرون موالون لـ«حزب الله» يشعلون النيران أمام مجمع السفارة الأميركية، في العاصمة بغداد نهاية الشهر الماضي (أ.ب)
TT

«حزب الله»... خلايا قائمة وقادمة

متظاهرون موالون لـ«حزب الله» يشعلون النيران أمام مجمع السفارة الأميركية، في العاصمة بغداد نهاية الشهر الماضي  (أ.ب)
متظاهرون موالون لـ«حزب الله» يشعلون النيران أمام مجمع السفارة الأميركية، في العاصمة بغداد نهاية الشهر الماضي (أ.ب)

قبل نحو شهر تقريباً أدرجت السلطات البريطانية جماعة «حزب الله» بمؤسساتها المختلفة السياسية والعسكرية كمنظمة إرهابية، ومن قبلها مضت ألمانيا في الطريق عينه، الأمر الذي دفع المراقبين لشأن الميليشيات اللبنانية الجنسية الإيرانية الولاء والانتماء للتساؤل: «ما الجديد الذي جعل الأوروبيين يتصرفون على هذا النحو؟»

الشاهد أن الأمر لا يقتصر فقط على الجانب الأوروبي، بل أيضاً تبدو الولايات المتحدة الأميركية في حالة تأهب غير مسبوقة، وسباق مع الزمن في طريق مواجهة الخلايا النائمة «لحزب الله» على أراضيها، ناهيك عن تلك المنتشرة في الفناء اللوجيستي الخلفي، لها أي في أميركا اللاتينية.
غير أن الجديد والذي دفع جانبي الأطلسي لإعلان مواجهة شاملة لميليشيات «حزب الله» هو ما توفر لأجهزة الاستخبارات الغربية، والشرقية الآسيوية أيضاً، لا سيما تلك التي ترتبط بعلاقات تبادل أمني مع بروكسل وواشنطن، من معلومات تفيد بأن «حزب الله» ينسج خيوطاً إرهابية جديدة في دول أوروبية وأميركية وآسيوية، من أجل الاستعداد للمواجهة القادمة حكماً في تقديره بين طهران والغرب.
ليس من الجديد القول إن ميليشيات «حزب الله» هي أحد أذرع الإيرانيين الإرهابية حول العالم، وقد أعدت منذ زمان وزمانين من أجل اللحظة المرتقبة، أي لتكون المقدمة الضاربة في إحداث القلاقل والاضطرابات، ومحاولة ممارسة أقصى وأقسى درجات الضغط النفسي والمعنوي على الأوروبيين والأميركيين، مع الاستعداد التام للقيام بعمليات عسكرية سواء ضد المدنيين أو العسكريين في الحواضن الغربية حين تصدر التعليمات من نظام الملالي.
مؤخراً أشارت عدة مصادر استخباراتية غربية لعدد من وسائل الإعلام الغربية إلى الخطة الجديدة لـ«حزب الله» لإنشاء شبكات موالية له في العديد من مدن العالم شرقاً وغرباً، الأمر الذي أماطت عنه اللثام صحيفة «لوفيغارو» الفرنسية بنوع خاص والتي ذكرت في تقرير مطول لـ«نيكولا باروت»، أن فكر التقية الإيراني الشهير يمارس الآن على الأرض، بمعنى أن البحث يجري على قدم وساق من أجل تجنيد المزيد من العناصر لصالح ميليشيات «حزب الله»، لكن المختلف هو انتقاء عناصر نظيفة السجلات الأمنية كما يقال، أي من غير المعروفين للأجهزة الأمنية والاستخباراتية سواء الأوروبية أو الآسيوية أو الأميركية.
هل الحديث عن عناصر «حزب الله» في الغرب قضية حديثة أم محدثة؟
الواقع أنهما الأمران معا، بمعنى أن ميليشيات «حزب الله» كثفت حضورها الخارجي في الأعوام الأخيرة، لا سيما في أميركا اللاتينية، وهناك جرى إنشاء «كارتلات» تعمل على تهريب البشر والسلاح والمخدرات من جهة، وتتهيأ لمجابهة أميركا الشمالية من ناحية أخرى.
ولعل المثال الواضح على قصة هذا الاختراق لدول القارة اللاتينية يتمثل في قضية الإرهابي سلمان رؤوف سلمان، الذي شوهد مؤخراً في بوغوتا بكولومبيا، والذي ترصد الولايات المتحدة الأميركية عدة ملايين من الدولارات لاقتناصه، بوصفه صيداً ثميناً يحمل أسرار ميليشيات «حزب الله» في القارة الأميركية الجنوبية برمتها.
أما المثال الآخر على الخلايا النائمة في الولايات المتحدة الأميركية فيتمثل في شخص علي كوراني الذي تم القبض عليه في نيويورك بعد أن تم تجنيده لصالح «حزب الله» لتنفيذ هجمات إرهابية، حال تعرض إيران أو «حزب الله» في لبنان لهجمات من جانب الولايات المتحدة الأميركية، ولاحقاً أكدت التحقيقات التي جرت معه من قبل المباحث الاتحادية الأميركية أنه أحد أعضاء وحدة التخطيط للهجمات الخارجية في الحزب والمعروفة بـ«الوحدة 910».
كارثة كوراني تبين التخطيط الدقيق لإيران وأذرعها لإصابة الدول الغربية في مقتل، ذلك أنه كان دائم التنقل بين كندا والولايات المتحدة، حيث حاول تهريب متفجرات من كندا إلى الداخل الأميركي.
كان كوراني مثالاً على الخلايا النائمة التابعة «لحزب الله» في دول العالم، لا سيما أنه ينتمي لعائلة معروفة بصلاتها الوثيقة مع الحزب، وقد التحق بمعسكر تدريب تابع للحزب عندما كان في السادسة عشرة من عمره، وتعلم إطلاق النار، والقذائف الصاروخية قبل أن يجند كجزء من خطة للانتقام لمقتل عماد مغنية أحد قادة «حزب الله» رفيعي المستوى الذي قضى بسيارة مفخخة في دمشق عام 2008.
هل كان القبض على كوراني المدخل للخطط الجديدة لميليشيات «حزب الله» لنسج خيوط شبكات إرهابية جديدة غير معروفة لقوى الأمن والاستخبارات الدولية؟
يمكن أن يكون ذلك كذلك بالفعل، ولهذا تقضي الآلية الجديد تجنيد عناصر غير عربية، وغالباً ما يكون المعين المفضل من دول شرق وجنوب آسيا، والتي تكثر فيها الحواضن المشبعة بالإرهاب الأصولي، وقد كان آخر شخص تم الاشتباه فيه مهندس باكستاني لا يتجاوز الثلاثة عقود من عمره، وبدا أنه على اتصال «بحزب الله».
ويعزف القائمون على الميليشيات الخاصة «بحزب الله» على الأوتار الدوغمائية الشيعية تحديداً، ويستغلون الكراهية التقليدية تجاه الولايات المتحدة الأميركية والقارة الأوروبية، ويلعبون على أوتار القضايا الدينية، مظهرين الصراع بين إيران والغرب على أنه صراع ديني وليس آيديولوجياً، وفي الوسط من هذا يقومون بتجنيد من يقدرون على تعبئتهم، وفي هذا تكون الكارثة لا الحادثة، أي من خلال استخدام جوازات سفرهم الأجنبية أو تزويد بعضهم الآخر بجوازات سفر قد تكون حقيقية مسروقة، أو مزورة، ليمثلوا حصان طروادة في الجسد الأوروبي أو الأميركي.
لا تكتفي خطط ميليشيات «حزب الله» الخاصة بإعداد شبكات إرهابية جديدة في الغرب بالطرق التقليدية في تجنيد عناصر جديدة من الصعب متابعتها، بل يبدو أنها تمضي في طريق محاكاة تنظيم «داعش» في سعيه لضم عناصر إرهابية إضافية لصفوفه عبر استخدام وسائط التواصل الاجتماعي الحديثة من مخرجات الشبكة العنكبوتية الإنترنت، مثل «فيسبوك» و«تويتر» و«إنستغرام».
في هذا السياق تبدو الخطط الجديدة لـ«حزب الله» كمن ينسج شبكات إرهابية في العالم الرقمي، بمعنى أنها خطط لتجنيد المزيد من «الذئاب المنفردة»، تلك التي يمكن أن يتفتق ذهنها عن وسائل انتقام غير مدرجة من قبل على خارطة الأعمال الإرهابية، فكما كان استخدام الشاحنات للدهس في أوروبا أداة غير معروفة، فمن الجائز جداً أن نرى آليات جديدة تمارس بها الجماعة الإيرانية الخطى طريقها في إقلاق الحواضن الغربية.
يتساءل المراقبون أيضاً هل من دافع جديد يقودها في طريق شهوة الانتقام غير المسبوقة هذه؟
من الواضح جداً أن قيام الولايات المتحدة الأميركية باغتيال قاسم سليماني، والتهديدات التي أطلقها «إسماعيل قاآني»، قائد فيلق القدس الجديد، ضمن صفوف الحرس الثوري الإيراني، بأن تملأ جثث الأميركيين الشوارع، هي وراء تسريع إيران في طريق دفع ميليشيات «حزب الله» في تغيير طرق تجنيد واكتساب عملاء جدد يكونون بمثابة رؤوس حراب في المواجهة القادمة.
خلال صيف العام الماضي كشفت مصادر استخباراتية لصحيفة «ديلي تليغراف» البريطانية عن أن الأزمة مع إيران قد تتسبب في إيقاظ خلايا إرهابية نائمة، وتدفعها إلى شن هجمات إرهابية على بريطانيا، ولفتت المصادر عينها إلى الخلايا يديرها متشددون مرتبطون بـ«حزب الله» اللبناني.
ولم تكن هذه تصريحات جوفاء أو عشوائية، وإنما جاءت بعد أن كشفت شرطة محاربة الإرهاب في عام 2015 في بريطانيا عن خلية جمعت أطناناً من المتفجرات في متاجر بضواحي لندن، موضحة أن إيران وضعت عملاءها في «حزب الله» على استعداد لشن هجمات في حالة اندلاع نزاع مسلح، وهذا هو الخطر الذي تشكله إيران على الأمن الداخلي في بريطانيا.
والثابت أنه لا يمكن فصل مخططات ميليشيات «حزب الله» الخاصة بتجنيد عناصر ونسج شبكات جديدة عن الموقف الواضح لـ«حزب الله» من الصراع الدائر بين أميركا وإيران، فهي ترغب في القتال، وهو ما أشار إليه حسن نصر الله أمين عام الحزب في مقابلة تلفزيونية مع قناة المنار التابعة لجماعته عندما أجاب على سؤال حول ما ستفعله الجماعة في حال نشوب حرب بين إيران والولايات المتحدة، إذ أجاب بسؤال استفهامي أو استنكاري على الأصح في مواجهة المحاور: «هل تظن أننا سنقف مكتوفي الأيدي؟ إيران لن تحارب وحدها، هذا أمر واضح وضوح الشمس، هكذا أكد نصر الله».
هل قررت إيران إذن شكل المواجهة القادمة مع الولايات المتحدة الأميركية، طالما ظلت العقوبات الاقتصادية الأميركية قائمة وموجعة لهيكل إيران التكتوني البنيوي الرئيسي؟
فوفقا لرؤية «ماثيو ليفيت» مدير برنامج ستاين لمكافحة الإرهاب والاستخبارات في معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى، يبدو أن إيران و«حزب الله» لن يعتمدا المواجهة المباشرة مع الولايات المتحدة في حال نشوب حرب بين واشنطن طهران، إذ سيتم إيقاظ «الخلايا النائمة» من سباتها في الداخل الأميركي الشمالي والجنوبي أولاً، عطفاً على ذلك إعطاء الضوء الأخضر للعناصر والشبكات الجديدة بإحداث أكبر خسائر في صفوف الأوروبيين، وتجاه كل ما يشكل أهدافاً ومصالح أميركية من شمال الأرض إلى جنوبها، ومن شرقها إلى غربها دفعة واحدة.
الخلاصة... العالم أمام فصل جديد مقلق من تنامي مؤامرات «حزب الله» والتي ظهرت خلال السنوات القليلة الماضية خارج الشرق الأوسط، ربما بشكل لا يقل إقلاقاً عن الدور الذي يلعبه على التراب الوطني اللبناني في حاضرات أيامنا، ما يجعل التفكير في حصار هذا الشر أمراً واجب الوجود كما تقول جماعة الفلاسفة، من غير فصل مشهده عن حجر الزاوية الذي يستند إليه، أي إيران وملاليها في الحال والمستقبل.