تشكيلي مصري يعرض للجمهور خواطره الزجاجية المُعشّقة بالنحاس

وحدات إضاءة وقطع ديكورية بروح إسلامية

معلقات من الزجاج المعشق بالنحاس مستوحاة من التراث الشعبي المصري
معلقات من الزجاج المعشق بالنحاس مستوحاة من التراث الشعبي المصري
TT

تشكيلي مصري يعرض للجمهور خواطره الزجاجية المُعشّقة بالنحاس

معلقات من الزجاج المعشق بالنحاس مستوحاة من التراث الشعبي المصري
معلقات من الزجاج المعشق بالنحاس مستوحاة من التراث الشعبي المصري

اختار الفنان أيمن عبد الحميد هذا النوع من الفن لكونه ركنا من أهم أركان الفنون التشكيلية، الذي وجد فيه جرأة المغامرة وشغف الجمع بين الفكر والإبداع. يتخصّص التشكيلي المصري في فن الزّجاج المعشق، ذلك النوع من الفنون الذي يهدف إلى عمل تصميمات زخرفية بجمع قطع الزجاج الملون التي تُقطّع إلى أجزاء. وهو فن قديم تعود بداياته إلى القرون الوسطى في أوروبا، حين كان يعمد الفقراء إلى جمع بقايا الزجاج ويلصقونها الواحدة بجوار الأخرى على نوافذ أكواخهم.
في القاهرة؛ يحتضن متحف «عفت ناجي وسعد الخادم»، معرضاً بعنوان «خواطر زجاجية»، يعرض فيه عبد الحميد أعمال وتصميمات تنتمي تحديداً إلى «فن الزجاج المعشق بالنّحاس»، وهو النّوع المعروف أوروبياً والنادر عربياً، الذي تخصّص فيه قبل سنوات طويلة.
بدأ الفنان الخمسيني مشواره مع هذا الفن منذ عام 1986، ليبدأ منذ ذلك التاريخ تصميماته الخاصة التي تصطبغ بالطابع الإسلامي. وعن سبب اتجاهه لهذا النوع من الفنون يقول: «يعد الزجاج المعشق من أرقى فنون العالم، حيث يجمع بين ثلاثة أشياء هي الفن والحرفة والضوء، بل إنه الفن الوحيد الذي يتعامل مع الضوء».
وبلغة الخبير يوضح أنّ هناك أنواعا من الزّجاج المعشق، أشهرها الزجاج المعشق بالجص «الجبس»، والمعشق بالخشب، والمعشق بالرصاص، والمعشق بالنّحاس، لافتاً إلى أنّ أكثر ما لدينا من زخارف إسلامية في المساجد والبيوت يعتمد في غالبيته على نوع الجبس... أمّا نوع الرصاص فعرفه العرب عبر مصر خلال فترة العشرينات مع انتشار فكرة القصور التي أسّسها حكام الأسرة العلوية التي بُنيت بالكيفية نفسها التي تتم في أوروبا. فيما استحدث الزّجاج المعشق بالنّحاس في القرن الـ19 على يد المعماري والفنان لويس كامفورت تيفاني، حيث ابتكر أسلوباً جديداً على أوروبا في ذلك الوقت.
ويؤكد عبد الحميد أنّه يعدّ أول مصري يعمل في تصميمات الزجاج المعشق بالنحاس، مضيفاً: «أعجبني طراز تيفاتي أو التعشيق بالنّحاس، حيث يعتمد على تقنيات مختلفة فيها نوع من التكثيف، ففيه مغامرة وفكر وإبداع تترجم في كيفية تقطيع الزجاج بأشكال ومنحنيات مختلفة، وكيفية التعشيق عبر شرائط النحاس المُلحمة بالقصدير، وقد قمت بتعليم نفسي كيف يتم عمله في أوروبا حتى اكتسبت الخبرة، ثمّ بدأت في تصميمات خاصة بي، مع إضافة اللمسة المحلية والإسلامية عليها».
لدى زيارتك المعرض ستجد نفسك أمام أعمال تتنوع بين وحدات إضاءة وقطع ديكورية تعتمد على المزج والتداخلات اللونية، ومعلقات من التراث الشّعبي المحلي المستلهم من البيئة المصرية، إلى جانب تصميمات زخرفية تعتمد على أشكال هندسية ونباتية وتكوينات تحاكي الفترة الإسلامية.
من بين الأعمال يلفت نظر الزائر نموذج يحاكي المقرنصات، ذلك العنصر المميز للعمارة الإسلامية، وعنها يقول صاحب المعرض: «استطعت ابتكار هذا الشّكل للمقرنصات عبر الزّجاج المعشّق بالنحاس، واستخدامها وحدات إضاءة، بحيث تتألق ألوانها مع انعكاس الإضاءة عليها».
ويلفت التشكيلي المصري إلى أنّ السّوق حالياً تميل أكثر إلى النّاحية التجارية وليس الفنية، شارحاً: «هناك بُعدٌ عن (فن) الزّجاج المعشّق، بينما تحل (موضة) الزجاج المعشق بمعنى اللجوء إلى خامات أرخص غير الزجاج مثل الكريستال، وهو ما لا يساعد على ظهور إبداعات الفنان». ويستطرد: «ما أحاول تقديمه من خلال المعرض أن أقدّم للجمهور فن الزجاج المعشق الحقيقي، وأنّنا نتعامل مع فن بمعنى الكلمة، وأن أُظهر أن الأعمال التجارية ليست هي أساس الزّجاج المعشق، إذ إنّ هذا الفن يعتمد على عناصر أخرى مثل اللون والتصميم والحرفة». ويتابع: «ومن خلال أعمال المعرض أُوضح أنّ التعشيق بالنّحاس ليس قاصرا على أوروبا فقط، فلدينا محاولات تستحق التأمل والاهتمام».
ويتابع عبد الحميد قائلاً إنّ فن الزّجاج المعشّق بشكل عام، والتعشيق بالنحاس بشكل خاص، يحتاج إلى عمالة ماهرة، وهي قليلا ما توجد، لذا يأتي المعرض أيضاً محاولة للفت الانتباه، وهو ما يتكامل مع ورشات العمل التي أقدمها لتعليم وترويج هذا الفن، فليس فقط جمع قطعتين من الزجاج يؤدي إلى عمل أو تصميم ناجح، بل يحتاج ذلك إلى امتلاك خامة الزجاج، بمعنى كيف أطوعها بمهارة وحرفية لعمل تصميم قوي، وإتقان تقنية توزيع اللون بشكل صحيح، كما لا بد أن يُثقل الفنان أو الحرفي موهبته من خلال الممارسة والعمل المستمر من أجل التشبع بالخبرة.



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».