الأجهزة الأمنية تفرق مظاهرات في الخرطوم وأم درمان عقب صلاة الجمعة

فرقت أجهزة الأمن السودانية مظاهرات خرجت من عدد من المساجد في العاصمة الخرطوم عقب صلاة الجمعة، استجابة لدعوة «تجمع المهنيين السودانيين» والقوى الحليفة معه، استمراراً لسلسلة التحديات التي أطلقها ضد فرض حالة الطوارئ منذ إعلانها، فيما جدد التجمع تمسكه بسلمية التظاهر، ودعا الجيش لحماية المواطنين والوقوف معهم.
وقال متحدث باسم «تجمع المهنيين السودانيين» وتحالف «قوى الحرية والتغيير» في بث حي على «فيسبوك»، إن السلمية هي التي تحمي وتنجح «ثورتنا»، أسوة بالثورات السلمية التي قادها كل من غاندي في الهند، ومانديلا في جنوب أفريقيا. وأضاف: «السلمية أجبرت العالم على احترام (الثورة السودانية)، فبعد أن كان الإعلام العالمي يتجاهلها، أصبحت على قمة أخبار أجهزته، واحتلت خطوطه الرئيسية».
ودرج التجمع على إيصال رسائله للمحتجين والمواطنين عبر وسائط التواصل الاجتماعي، وذلك منذ بدء الاحتجاجات المطالبة بتنحي الرئيس البشير وحكومته، والمستمرة في البلاد منذ 19 ديسمبر (كانون الأول) الماضي، وسط قبول واسع وتأييد ومتابعة كبيرين.
ووجه المهندس المنتصر أحمد رسالة لـ«الجيش السوداني» دعاه فيها للوقوف إلى جانب الشعب، بقوله: «ما زلنا نأمل في هذا المارد الأصيل، قم بدورك واختر مكانك واحترق، وقف ضد الميليشيات التي نعرف أنك غير راضٍ عنها». وتابع موجهاً الحديث لرجال الجيش: «ضعوا أيديكم مع وطنكم، نحو وطن يحترم الجميع ويسعهم».
وطلب أحمد من المجتمع الدولي وقف دعمه لنظام الرئيس عمر البشير، لأن النظام الذي يسعى السودانيون لإقامته على أنقاضه، سيكون أكثر حرصاً على مصالح البلاد ومصالح المجتمع الدولي. وأضاف: «لا يمكن أن تحموا مصالحكم بالتعامل مع نظام يتأرجح، مقابل التعامل مع نظام ديمقراطي مستقر يحفظ هذه المصالح، بما يحقق مصالح الشعب السوداني، بدلاً عن النظام الذي يأخذ أموال المجتمع الدولي، لتستفيد منها قوى الفساد».
وحث المهندس أحمد من سماهم الكتلة الحرجة «المكونة من الشباب والشابات والمتفرجين والإسلاميين والواقفين على الحياد، على الوقوف مع الثورة»، وقال: «الوطن يسع الجميع والنظام الفاشي أذاق الوطن الأمرّين، وظل يقتل السودانيين على مدار 30 سنة، ولا يخلو بيت من قتيل في معاركه».
وشدد على أهمية أن يضع كل السودانيين أيديهم مع بعض، والتحرك معاً لإسقاط النظام، وتابع: «عندما نضع أيدينا في أيدي بعض، ونتحرك كلنا ونرفض النظام، الذي لا يوجد سوداني يقبل ممارساته، سنسرع برحيله».
وشهدت أحياء ومساجد في العاصمة السودانية الخرطوم مظاهرات احتجاجية بعد صلاة الجمعة، استجابة لدعوة من «تجمع المهنيين» وتحالفات معارضة أخرى، استمراراً لتحدي فرض حالة الطوارئ.
بيد أن سكان حي «بري العريق» - شرق الخرطوم - إلى جانب تحدي قوانين الطوارئ، كان لديهم «تحديهم الخاص»، فنظموا مظاهرات حاشدة في أحد الميادين، وتصدت لها السلطات الأمنية بقوات كبيرة على سيارات الدفع الرباعي، حاصرت الحي من كل الجهات قبل أن تطلق عليهم الغاز المسيل للدموع بكثافة.
ومنذ أول من أمس، يتداول سكان الحي والنشطاء والمعارضون «فيديو» لقوات أمنية اقتحمت منطقة بري، واحتلت ميداناً رئيسياً في الحي، درج السكان على اتخاذه نقطة للتجمع والتظاهر. وتعد منطقة بري من المناطق التي ظلت عصية على القوات الأمنية، إذ لم تتوقف فيها المظاهرات والاحتجاجات طوال الأشهر الماضية، وكان يصعب على القوات الأمنية اقتحامها. وذكر الشهود أن القوات الأمنية اقتحمت الحي عصر أول من أمس، بعد أن وجدته فارغاً لأن سكانه خرجوا في مظاهرة، للالتحام بمظاهرة أخرى منطلقة من حي مجاور.
وقوبلت عملية الاقتحام بسخرية لافتة من النشطاء، فيما اعتبرتها قوات الأمن «فتحاً وانتصاراً»، ودعت المواطنين باستفزاز لافت لـ«ملاقاتها». وقال صوت في التسجيل: «كل الضبوب - جمع ضب - دخلت جحورها، أين أسود بري؟ هل جلستم محل أمهاتكم؟».
ووجد الفيديو استهجاناً واسعاً من قبل المواطنين، ووصفوا القوات التي نفذت العملية بعدم المهنية، وقال الناشط الصحافي فيصل محمد صالح تعليقاً عليه: «هذا الفيديو فضيحة أخلاقية، وإنسانية وسياسية ودينية وأمنية، فضيحة يمكن أن تهز أي دولة في العالم، تبقّى لحكامها وحكومتها ذرة من الأخلاق والمسؤولية والاحترام». وتابع: «هذا سلوك يليق بالعصابات، وكارتيلات المخدرات في أميركا اللاتينية، وعصابات الاتجار بالبشر أو أجهزة الدولة الداعشية، ولا شيء أقل من ذلك».
واعتبره صالح «إعلاناً بالسقوط الرسمي، لما تبقى من رمزية للدولة والحكومة والمؤسسات الشرطية والأمنية والعدلية في هذه البلاد». وتابع: «سقطتم جميعاً، ولا أستثني منكم أحداً، ولم يسقط عن بري وأهل بري الشرفاء شيء من عزتهم وشرفهم ونخوتهم وبطولتهم».
فيما وصف المعارض البارز ياسر عرمان ما حدث في بري بأنه هزيمة لما سماه «ميليشيات الإسلام السياسي التي لم تتصدَّ لغازي»، وقال: «أحيي من سرب هذا الفيديو، قصد أو لم يقصد، فهو قد كشف عن الهزيمة الماحقة التي أنزلها (أسود البراري) نساء ورجال بالمشروع الحضاري، الذي بدأ بالحديث عن أن أميركا وروسيا قد دنا عذابهما، وانتهى بطلب الحماية من روسيا والمساومة مع أميركا».
وفي أم درمان غرب نهر النيل، فرقت الأجهزة الأمنية محتجين خرجوا في مظاهرة من مسجد السيد عبد الرحمن معقل «أنصار المهدي» بمنطقة ود نوباوي، ومساجد أخرى في أحياء المدينة استجابة لدعوة تجمع المهنيين للتظاهر.
وفي السياق، تسربت معلومات أن النساء المعتقلات في السجون، على خلفية مشاركتهن في المظاهرات، دخلن في إضراب عن الطعام ليوم واحد بالتزامن مع «اليوم العالمي للمرأة»، احتجاجاً على احتجازهن الطويل، بعضهن أمهات محتجزات منذ قرابة الشهرين.
وفور وصول المعلومات، نظمت «مبادرة لا لقهر النساء»، إضراباً عن الطعام شاركت فيه العشرات بدار «حزب الأمة» بأم درمان، تضامناً مع رفيقاتهن المعتقلات، وينتظر أن تصعّد المبادرة من ضغوطها على السلطات ضد ما تسميه الاعتقال الجائر للنساء والرجال.
من جهة أخرى، أصدر الرئيس عمر البشير بصفته القائد الأعلى للقوات السودانية أمس، عدة مراسيم رئاسية تمت بموجبها إحالة عدد الضباط للتقاعد، وترقية ضباط إلى رتب الأعلى.
وبحسب بيان صادر عن اللواء أحمد خليفة الشامي، المتحدث باسم الجيش، فإن المراسيم التي صدرت أمس «أتت وفقاً لقانون القوات المسلحة واللوائح المنظمة لخدمة وترقي ضباط القوات المسلحة»، فيما لم يكشف البيان عدد أو رتب الضباط الذين ترقوا أو أحيلوا للتقاعد.