سنوات السينما: A Yangtze Landscape

لقطة من «مناظر جانغتزي»
لقطة من «مناظر جانغتزي»
TT

سنوات السينما: A Yangtze Landscape

لقطة من «مناظر جانغتزي»
لقطة من «مناظر جانغتزي»

A Yangtze Landscape
(2017)
‫مرثاة حديثة لنهر عظيم ‬

نهر جانغتزي هو ثالث أطول نهر في العالم واسمه يعني «النهر الطويل». وهو أطول نهر في قارة آسيا، وحسب «إنسوكلوبيديا بريتانيكا» هو أطول نهر يجري في بلد واحد.
الفيلم التسجيلي الذي حققه سو سِـن هو، بدوره، أطول فيلم تم تصويره عن هذا النهر بين عدّة أفلام بينها التسجيلي Up the Yangtze ليونغ تشانغ (2007) الذي لم يزد كثيراً عن ساعة ونصف وCrosscurrent ليانغ تشاو (2016) الروائي المؤلف من 116 دقيقة. مدة عرض هذا الفيلم الانسيابي الكامن بين التطويل والإبداع 156 دقيقة.
«مناظر جانغتزي»، الذي شهد عرضه العالمي الأول، قبل سنتين ونيف، في المهرجان الفرنسي «سينما دو ريل» المتخصص بالسينما الوثائقية، بسيط التركيب: كاميرا فوق سفينة تنطلق من مصب النهر في حوض مدينة شنغهاي وتبحر في النهر صعوداً طلباً لآخر نقطة يمكن الوصول إليها وهي نقطة قريبة من مقاطعة تيبت في الشمال الشرقي.
لا مقابلات ولا حوار ولا تعليق (لكنه ليس صامتاً في الوقت ذاته) مصوّر بكاميرا فيلمية (وليس ديجتال) على عدة سنوات (كما نفهم من عناوين مصاحبة) وقائم على توليف بسيط يحافظ على المنحى التأملي طوال الوقت بسحبات طويلة للمشاهد (أحياناً أكثر مما يجب) تجبر المشاهد على التفكير الوجداني والتمعن.
الماثل على الشاشة هو فيلم يلخص رحلة قد تتطلب فيلماً من 156 ساعة وليس 156 دقيقة. لكن ما هو قريب من الإعجاز ما يثيره من اهتمام ومتابعة كونه يلتقط منذ البداية أشكال الأشياء (الماء، الجسور، السواحل ثم الجبال والبراري) ويهبط على الشواطئ ليلتقط أشكال الناس أيضاً.
في هذا الشأن نتابع حياة صينيين نزلوا من درجة التهميش إلى حيز أسوأ: متشردون يبحثون في القمامة، رجال يعيشون في غرف بلا سقف وقليل من الأعمدة والجدران. متوترون ومجانين هائمون ورجل يشغل نفسه بقطع العقد في جذوع الأشجار. في مجملها حياة مهدورة تحت أنواع العوز والتلوّث البيئي.
المدن التي يمر الفيلم بها غالبها ليس في حال أفضل من تلك البيئات التي تعيش على جانبي النهر في أكثر من إقليم. يمر الفيلم على نانجينغ وتونغ لي وداتانغ وتشونبينغ والعديد سواها. معظمها مدن كاحلة مثل السماء الرمادية التي يصوّر المخرج فيلمه تحتها.
بعض هذه المدن فقط يتلألأ عاكساً حياة أفضل، وإحداها (وانشان) مبنية على أنقاض أخرى غارقة في الماء. الفيلم ليس سياحياً وقصد المخرج تصوير البيئة المهدورة والنهر الملوث (لا ينسى أعمدة الدخان على الأرض) وهو يستعرض من حين لآخر كوارث وقعت وعدد ضحاياها. بذلك هو فيلم منحاز لرسالته لكن له الحق في ذلك، إذ لا يختلق المشاهد بل ينقلها عاكساً (الصين) قد تكون بالغة الثراء في عالم اليوم، لكن مئات الملايين من أناسها يعيشون في العوز.
يثير الفيلم كل تلك الأعمال التي واكبنا مشاهدتها آتية من الصين بعيداً عن سينما التطمينات الاقتصادية أو أفلام القتال الفانتازية التي تعود إلى أيام اللوردات. تلك الأعمال التي تنتقد واقع اليوم وتبحر في تبيان نتائجه وفي مقدمتها أفلام تيان جوانغجوانغ مثل «الطائرة الزرقاء» (1993) و«وقت قصير في بلدة صغيرة» (2002) وأفلام زانغ كي جيا وفي مقدمتها «حياة ثابتة» وذلك من بين أعمال متعددة أخرى.
«مناظر جانغتزي» يسبح عكس التيار لا على صفحة المياه التي تجعل من النهر، بصرف النظر عما يحيط به، رحلة بالغة الجمال (ولو بالأبيض والأسود) بل عكس تيار يريد تقديم صين جديدة خالية من البؤس.

قيمة تاريخية: (وسط)
قيمة فنية: (جيد)


مقالات ذات صلة

الفساد والابتزاز في «صيفي»... تحديات تقديم القضايا الحساسة على الشاشة

يوميات الشرق «صيفي» فيلم سعودي مرشح لجائزة مسابقة مهرجان البحر الأحمر السينمائي للأفلام الطويلة

الفساد والابتزاز في «صيفي»... تحديات تقديم القضايا الحساسة على الشاشة

تعود أحداث فيلم «صيفي» الذي عُرض ضمن فعاليات مهرجان البحر الأحمر السينمائي في دورته الرابعة، إلى فترة أواخر التسعينات.

أسماء الغابري (جدة)
يوميات الشرق المخرج محمد سامي في جلسة حوارية خلال خامس أيام «البحر الأحمر» (غيتي)

محمد سامي: السينما تحتاج إلى إبهار بصري يُنافس التلفزيون

تعلَّم محمد سامي من الأخطاء وعمل بوعي على تطوير جميع عناصر الإنتاج، من الصورة إلى الكتابة، ما أسهم في تقديم تجربة درامية تلفزيونية قريبة من الشكل السينمائي.

أسماء الغابري (جدة)
يوميات الشرق ياسمين رئيس في مشهد من فيلم «الفستان الأبيض» (الشركة المنتجة)

لماذا لا تصمد «أفلام المهرجانات» المصرية في دور العرض؟

رغم تباين ردود الفعل النقدية حول عدد من الأفلام التي تشارك في المهرجانات السينمائية، التي تُعلي الجانب الفني على التجاري، فإن غالبيتها لا تصمد في دور العرض.

أحمد عدلي (القاهرة )
يوميات الشرق الفنانة الأردنية ركين سعد (الشرق الأوسط)

الفنانة الأردنية ركين سعد: السينما السعودية تكشف عن مواهب واعدة

أكدت الفنانة الأردنية ركين سعد أن سيناريو فيلم «البحث عن منفذ لخروج السيد رامبو»، الذي عُرض بمهرجان البحر الأحمر السينمائي، استحوذ عليها بمجرد قراءته.

انتصار دردير (جدة )
يوميات الشرق إيني إيدو ترى أنّ السينما توحّد الشعوب (البحر الأحمر)

نجمة «نوليوود» إيني إيدو لـ«الشرق الأوسط»: السينما توحّدنا وفخورة بالانفتاح السعودي

إيني إيدو التي تستعدّ حالياً لتصوير فيلمها الجديد مع طاقم نيجيري بالكامل، تبدو متفائلة حيال مستقبل السينما في بلادها، وهي صناعة تكاد تبلغ الأعوام الـ40.

إيمان الخطاف (جدة)

«مندوب الليل» لعلي الكلثمي يفوز في لوس أنجليس

 مندوب الليل (آسيا وورلد فيلم فيستيڤال)
مندوب الليل (آسيا وورلد فيلم فيستيڤال)
TT

«مندوب الليل» لعلي الكلثمي يفوز في لوس أنجليس

 مندوب الليل (آسيا وورلد فيلم فيستيڤال)
مندوب الليل (آسيا وورلد فيلم فيستيڤال)

في حين ينشغل الوسط السينمائي بـ«مهرجان القاهرة» وما قدّمه وما نتج عنه من جوائز أو أثمر عنه من نتائج وملاحظات، خرج مهرجان «آسيا وورلد فيلم فيستيڤال» المقام في لوس أنجليس بمفاجأة رائعة ترفع من أهميّته غير المحسوبة في إعلامنا العربي ومنهج صنع الفيلم العربي عموماً.

يوم الخميس، أغلق المهرجان الآسيوي دورته الجديدة بإعلان فوز فيلم «مندوب الليل» بجائزته الكبرى. الفيلم هو أول أعمال المخرج السعودي علي الكلثمي، وعند الناقد كاتب هذه السطور، هو أفضل فيلم سعودي طويل خرج في الأشهر الاثني عشر الماضية.

حين رشّحته للمهرجان المذكور، اتصل بي رئيسه جورج شمشوم معبّراً عن دهشته: «أذهلتني جودة الفيلم حرفة وموضوعاً. كانت مفاجأة كبيرة لي بعدما سمعت عن كثيرٍ من الأفلام السعودية الجديدة، وكيف أنها باتت تُسهم في تغيير السائد والتقليدي. مع ذلك، فإن هذا الفيلم كان روعة».

لمن لم يسمع به من قبل أو سمِع به ولم يشاهده، «مندوب الليل» هو عن شاب (الجيد محمد الدوخي) يُطرد من عمله في شركة اتصالات هاتفية إثر مشادة بينه وبين مسؤوليه. والده مُعتل وشقيقته مطلّقة عادت لبيت أهلها مع طفلها. سيجد عملاً بصفته مندوب توصيل البيتزا. لكنه يكتشف طريقة أخرى للثراء وهي، سرقة مؤونة من الكحول المخبأة التي يبيعها أصحابها للأثرياء. بذلك يضع قدميه عند نقطة تحوّلٍ واعدة غير مدركٍ مغبّة ما قام به وكيف سيضع نفسه وأهله في خطر جسيم.

فوز ناصع

الفيلم ليس قصّة بوليسية، لكنه قصّة تشويقية، والتشويق فيه مُحكم. فيلم متقن كتابة وإخراجاً وتأليفاً وتصويراً وتمثيلاً ومصمم بدقة. مُعالج بدراية وفعّال في عرض التفاصيل بذكاء. وهو نتيجة رائعة لعملية لا بدّ استغرقت كثيراً من التّصميم المُسبق والتنفيذ.

لجانب هذا الفوز الناصع لا يجب أن ننسى أن العام الآيل إلى الرحيل خلال 40 يوماً من الآن، شهد اشتراك السينما السعودية في إحدى مسابقات مهرجان «كان» رسمياً لأول مرّة. الفيلم هو عملٌ جيّد آخر، لكن من وزن مختلف، عنوانه «نورة» ومخرجه هو الطموح توفيق الزايدي.

الاشتراك السعودي الرسمي في «مهرجان القاهرة» الذي يُنهي أعماله مساء الجمعة تَوزّع بين فيلمين هما، «ثقوب» لعبد المحسن الضبعان، و«فخر السويدي» لثلاثة مخرجين هم هشام فتحي وعبد الله بامجبور وأسامة صالح.

هذا الكم لا يوقف المد القادم: حديثٌ عن اشتراك سعودي مقبل في «مهرجان برلين» في فبراير (شباط) 2025، وتحضيرٌ مبكر لجعل الدورة المقبلة من «كان» مايو (أيار) تُنجز أكثر ممّا أنجزت الدورة الماضية من حضورٍ كمي ونوعي كبيرين.

محمود حميدة و«الفن السابع»

كُتب وتكريمات

بالنسبة لـ«مهرجان القاهرة»، هناك محاورٌ عدّة للحكم له أو عليه. هو واحد من المهرجانات العربية التي تقع في الربع الأخير من كل عام. هذا يصلح كمسافة زمنية تمنح المهرجان فرصة عمل لجمع وتجميع أفلام من كل حدبٍ وصوب، لكنه توقيت يحرمه من أن يكون منصّة انطلاق لأي غاية. لا يخرج فيلم من هنا ليجوب العالم. حتى الفيلم الذي يربح جائزة كبرى فإن حدود جائزته تنتهي مع إقلاع المخرج عائداً إلى بلده.

هذا ليس شأنه فقط، بل شأن كلّ المهرجانات العربية تقريباً باستثناء «مهرجان البحر الأحمر» ولو إلى حدٍ. هو أصبح محطة انطلاق، على الرغم من وجوده في هذا الرُّكن الزمني من السنة، وذلك لأنه حرص على عرض أفلام سعودية تستطيع الانطلاق منه والسفر كونها في الأساس جيدة وتستحق. عاملٌ آخر هو أن الغرب بات يعرف أن السعودية أصبحت لاعباً ثقافياً وفنياً واضحاً. ما عاد الرِّهان عليه، بل على ارتفاع شأنه مستقبلاً.

ما هو عبثي في كثير من المهرجانات العربية، أن تلك التي تُوزّع التكريمات والاحتفاءات باتت أمام مفترق طرق: لقد كُرّم معظم الحاضرين والذين كانوا حاضرين وقت تكريمهم. هناك آخرون يستحقون (كُتاب سيناريو، مديرو تصوير، مؤلفو موسيقى، ممثلون ونقاد ومؤرخون) لكن أحداً قلّما شعر بهم.

«فخر السويدي» (مهرجان القاهرة السينمائي)

على «مهرجان القاهرة» أن ينفض عنه الالتزام بالواجب لأنه واجب، وأن يبحث في طيّات السينمات العربية عمن يستحق «تكريمه» فعلاً.

ما هو لافت كذلك في «مهرجان القاهرة» أكثر من سواه، هو إصداره كتباً سينمائية. هذه عادة توقّفت عنها غالبية مهرجانات العالم الرئيسية منذ عقود، مدركة أن كتب الاحتفاء لم تعد تأتي بجديد يُضاف إلى ما صدر عن كلّ محتفى به.

يمكن للمهرجان المصري إصدار كتابٍ قيّم واحد عوض ثلاثة أو حتى اثنين.

خلال العام الحالي أصدر المهرجان كتاباً مميّزاً ومهمّاً من إعداد ناجي فوزي بعنوان «مختارات من الفن السابع». وكانت مجلة «الفن السابع» السينمائية الرائعة التي أسسها محمود حميدة في عام 1997 قد سدّت ثغرة كبيرة آنذاك في ثقافة الفيلم المطبوعة.

الكتابان الآخران هما «حلم عز» لرامي المتولّي و«سينما يسري نصر الله» لأحمد عزّت عامر. الأول لا يعدو عن بضع صفحات لممثل لم يختم بعد عقداً واحداً من شهرته، والثاني لمخرج يستحق كتاباً يحلّل أفلامه ما لها وما عليها. كتاب من المهرجان لأي مخرج أو سينمائي، يعني انحيازاً للإيجابيات فقط.

عدم إصدارها في الغرب لا يعني أنه قرار صائب، خصوصاً أن البديل لدينا يجب أن يكون مختلفاً وهناك كثير من الأفكار في هذا الشأن.