بومبيو: أستمتع بكل دقيقة من وقتي... والعقد الماضي كان أشبه بالرحلة المجنونة

حديث عن الأفلام والموسيقى والعائلة في منزل وزير خارجية الولايات المتحدة

مايك وسوزان بومبيو مع ضيوفهما خلال تصوير حلقة تلفزيونية (الصورة من: بيل غوناستي)
مايك وسوزان بومبيو مع ضيوفهما خلال تصوير حلقة تلفزيونية (الصورة من: بيل غوناستي)
TT

بومبيو: أستمتع بكل دقيقة من وقتي... والعقد الماضي كان أشبه بالرحلة المجنونة

مايك وسوزان بومبيو مع ضيوفهما خلال تصوير حلقة تلفزيونية (الصورة من: بيل غوناستي)
مايك وسوزان بومبيو مع ضيوفهما خلال تصوير حلقة تلفزيونية (الصورة من: بيل غوناستي)

أضاف صعود وزير الخارجية الأميركي، مايك بومبيو، إلى القمة، منذ انتخاب دونالد ترمب رئيساً للبلاد، الكثير من التحديات على كاهل جماعات الضغط السياسي، والمستشارين من مختلف التيارات، والمحنكين بأعمال السياسة في العاصمة واشنطن لسنوات.
وعلى غرار ترمب، لا يعد مايك بومبيو من أبناء المؤسسة الحاكمة الخلصاء في العاصمة الأميركية. وعلى غرار الرئيس الأميركي أيضاً، لا تزال شخصية بومبيو تحمل الكثير من الغموض والألغاز بالنسبة إلى المشتغلين بألاعيب السياسة الأميركية والعالمين بخفاياها ودهاليزها الكثيرة.
فالرائد البارز خريج كلية الحرب في ويست بوينت، والذي ترجع أصوله إلى ولاية كانساس، والمنتخب لعضوية الكونغرس الأميركي، كان قد اقتنصه الرئيس ترمب لشغل ذلك المنصب الرفيع بالغ الحساسية على رأس وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية (سي آي إيه) عام 2017.
ومنذ ذلك الحين، صار أحد كبار رجال البيت الأبيض القلائل الذين يعرفون تماماً كيفية التعامل مع الرئيس دونالد ترمب، وأن ينالوا ثقته الأكيدة، وأن يشيع مناخاً من الارتياح لدى الجانبين عبر علاقات العمل الدافئة والرصينة. ولهذا السبب فوجئ عدد غير كبير من المتابعين بقرار ترمب تعيين السيد بومبيو، عام 2018، على رأس وزارة الخارجية التي كان لوزيرها السابق – ريكس تيلرسون – قدر لا بأس به من التوترات المعروفة مع الرئيس الأميركي.
لقد عرفت دونالد ترمب منذ أن كنت في العشرينات من عمري. إنني من أصدقائه، ومن أنصاره الأوائل، ولقد كنت أنا وبيل مندوبيه في ولاية كاليفورنيا. وكنت، أنا وبيل، صبيحة يوم التنصيب نتناول الإفطار رفقة أخته إليزابيث وزوجها جيم. وكنا ضمن «العائلة والأصدقاء» المدعوين إلى فندق ترمب في واشنطن خلال هذا الأسبوع التاريخي. ولقد سألتني إليزابيث قائلة: ما أكبر التحديات التي يمكن أن تواجه أخي؟
فأجبتها مباشرة: «أن يعمل مع حكومة كبيرة. لم يشرف على تعيين أغلب رجالها بنفسه. والبعض الآخر ممن اختارهم بنفسه، لكن لم يسبق له العمل المباشر معهم من قبل». واستطردت: «بعضهم لن يحترم وجوده رئيساً عليه. وبعضهم لن يفهم أسلوبه الخاص في العمل. والبعض الآخر لن يحظى بالمقدرة على تبني رسالته بإيمان وفاعلية».
وقد برز نجم مايك بومبيو إلى صدارة الأحداث بالفعل، ولا سيما في ضوء إبعاد الكثير من الأعضاء الرئيسيين في مجلس وزراء ترمب الأول.
كنت شغوفة كي ألتقي بومبيو في مناخ يتسم بالهدوء والراحة؛ حتى أعرف المزيد عن شخصية الدبلوماسي الأول للولايات المتحدة، فضلاً عن الأسباب التي جعلته يواصل العمل مع الرئيس ترمب حتى الآن، بخلاف بعض أقرانه.
كما سمعت أيضاً من بعض المطلعين في واشنطن أن بومبيو يفضّل دائماً أن يبدأ خطابه بعبارة: «سوزان وأنا سعيدان بتواجدنا هنا».
وكان إلحاقه اسمه بعد اسم زوجته دوماً من الأمور التي أزعجت البعض في واشنطن. لكن ذلك كان من اللفتات التي أثارت إعجابي للغاية. إن الرجل يحب العمل مع زوجته، ويمكن للجميع الاستفادة من ذلك. إنه نوع من أنواع العمل الجماعي، فما الضير من ذلك؟!
ولقد أعربت جهات معنية بمراقبة أخلاقيات العمل الدبلوماسي عن ملاحظاتها بأن «شريك الحياة ليس من شأنه توجيه دفة العمل العام أو موظفي الحكومة». وأصدر بعضهم صخباً بسؤاله عن أهمية مشاركة سوزان بومبيو لزوجها في ثماني رحلات أثناء فترة توقف الحكومة الأميركية عن العمل مؤخراً. وزعموا أن سفرها يستلزم وجود وعمل الموظفين لمساعدتها في حين أنهم لا يتقاضون أجرهم عن ذلك. ومن جهة أخرى، علمت من بعض الأصدقاء المشتركين في واشنطن أن سوزان بومبيو، وهي امرأة ذات معدن أصيل، تفضّل معاونة زوجها في أعماله، ودعمه بكل ما تستطيع الزوجة أن تدعم زوجها.
فلِمَ لا؟
لذا؛ عندما شرعت في برنامج تلفزيوني جديد وتقابلت مع السكرتير الصحافي الأسبق للبيت الأبيض شون سبايسر، مع أصدقائي في شركة وارنر براذرز (ليزا وتيريزا)، رحبت بإجراء مقابلة خاصة مع الزوجين مايك وسوزان بومبيو.
وصلنا إلى منزل الزوجين في أمسية باردة وعاصفة. وكانت سوزان مريضة بعض الشيء، لكنها تجمّلت بوجه شجاع كالمعتاد، وقررت الظهور على شاشات التلفزيون بالطريقة نفسها؛ الأمر الذي أبهجني وأسعدني كثيراً.
وأثناء محاولة طاقم العمل المرافق العثور على الموضع المناسب للتصوير، انخرطت أنا وبيل في محادثة شيّقة مع الزوجين بومبيو. وأدركت على الفور سبب الانسجام الواضح الذي استشعره الرئيس ترمب حيال مايك بومبيو.
حتى أثناء حديثنا عن بعض القضايا بالغة الأهمية مثل الكتاب القادم من تأليف بيل، والمعرفة العميقة التي يملكها حول شخصية الرئيس التركي رجب طيب إردوغان، أو صداقتي القديمة مع رئيس الوزراء الباكستاني الحالي عمران خان، كان تبادل الآراء مع الرجل ظريفاً وممتعاً ومنيراً، مع الكثير من المزحات اللطيفة التي نتلقفها من بعضنا البعض جيئة وذهاباً.
ولمّا تذكرت كيف استمتع الرئيس ترمب والسيدة الأولى ميلانيا بالضحكات اللطيفة معي، في لقائنا الأخير معه، أدركت الأمر تماماً.
فإنه في خضم أجواء التوتر المستمرة، والأخبار المتواترة من هنا وهناك، والتحقيقات الجارية، يكون الاجتماع مع بومبيو من أفضل اللحظات التي يحظى بها ترمب. حتى مع الأنباء السيئة أو المزعجة، فإن الرجل يبثها لرئيسه بطريقة ذكية وسريعة لا تثير حفيظته. أجل... لا مانع من مزحة أو اثنتين تلطيفاً للأجواء الملبدة بالغيوم السياسية الكئيبة.
ولقد أثار بومبيو إعجابي كذلك؛ لأنه الرجل الذي يملك الإجابة السريعة المتوازنة عن كل سؤال قد يتبادر إلى ذهننا أثناء اللقاء. ومن المعروف عن الرئيس ترمب أن يحب طرح الأسئلة طيلة الوقت؛ إذ يعتبر ذلك من أدوات صناعة القرار السياسي السليم. كما أن مجال انتباهه للتفاصيل موجز بحكم كثرة القضايا والمسائل التي يتناولها في كل يوم. وبالتالي، يعد بومبيو هو الشخصية المثالية للتعامل مع السيد الرئيس. ويمكنني تصور مباراة كرة الطاولة السريعة للغاية التي قد يستمتع بها الرجلان!
ولقد تغيّرت رؤيتي كثيراً، إثر تمضية تلك الأمسية الرائعة رفقة الزوجين بومبيو، بشأن بعض المسائل، عندما بدا وزير خارجية الولايات المتحدة متبسماً في الوقت الذي توقع الكثيرون من حولنا أن يروا وجهه عابساً. إن مايك بومبيو رجل مرح دمث الأخلاق. إنه دائم الترحيب والابتسام لكل من حوله. إنها طبيعته الشخصية، من دون تكلّف دبلوماسي ظاهر. لكن، لا يجب الخلط بين أخلاقياته الهادئة وبين صرامته وتركيزه الكبير على أهداف الولايات المتحدة وسياساتها الخارجية.
وكما أخبرتني زوجته سوزان: «يا لها من أمسية ممتعة. لقد استمتعنا بالحديث عن جملة من الموضوعات الأخرى مثل الأفلام، والموسيقى، والعائلة، والطعام. وهي ليست من الأمور التي يجيب مايك عن الأسئلة بشأنها في كل يوم».
وبالعودة إلى مشهد العائلة اللطيف الهادئ.
أثناء استعداد سوزان للتصوير، لفت «شيرمان» – كلب الأسرة – اهتمام الجميع. وهو كلب أبيض أنيق، يزن نحو 120 رطلاً. ويشتكي بومبيو من بدانة كلبه المفرطة. ولقد أدلى كل منا بدلوه في أفكار غير مألوفة حتى يفقد «شيرمان» بعض السعرات الحرارية اللازمة.
يتسم المنزل الذي استأجرته العائلة بأنه قديم، ولا أستطيع الكشف عن موقعه للقراء. لكنهم اختاروه لأسباب رسمية كما تبدّى لي. وقالت زوجته إنها تناقشت معه بشأن صعوبات صيانة المنازل القديمة. ورغم أنه منزل متواضع، فإنهما نجحا في تحويله إلى منزل أسري دافئ ولطيف. وعلى الرغم من جدول السفريات الساخن والمحموم لوزير خارجية البلاد، فإن العائلة والمنزل من القيم الأصيلة لديهما رغم كل شيء.
فكلاهما ينحدر من ولاية كانساس. وقالت لي السيدة سوزان إنها أمضت جُل حياتها هناك، وإنها انتقلت إلى العاصمة واشنطن فقط مع تولي زوجها منصب مدير وكالة الاستخبارات المركزية. وحينها تغيّرت حياتها كلياً. وهي تحاول دعم وإسناد زوجها على الدوام. أجل... ما زلنا نفتقد كانساس كثيراً، كما قالت.
يمكنك ملاحظة أنهما يحملان حباً وتعلقاً وشغفاً كبيراً بالريف الأميركي في قلوبهما. فهو يحب الاسترخاء، والاستماع إلى الموسيقى الريفية، هذا إن أتيحت له برهة من الوقت أثناء سفره وترحاله المستمرين. وقالت سوزان: «إنني أحب الاستماع لأغنيات توبي كيث. وأعشق الموسيقى الريفية للغاية. كما أحب الاستماع إلى الأغاني القديمة من المرحلة الثانوية».
استمر زواجهما منذ 20 عاماً، ولديهما نجل واحد بالغ يدعى نيكولاس.
طاف مايك بومبيو مختلف عواصم العالم خلال الشهور القليلة الماضية. ومع ذلك لا يزالان يشكلان فريقاً عائلياً مترابطاً ومتماسكاً للغاية.
تقول سوزان: «عندما يكون مسافراً وأبقى أنا هنا، نحاول الحديث مرة على الأقل يومياً».
ويجيب مايك: «أجل، إننا نبذل قصارى جهدنا للتواصل المستمر». وتضيف سوزان: «وعندما يهاتفه ولدنا، فإن ذلك يكون على قائمة أولوياته بالطبع».
وفي حال الإقامة من دون سفريات، فإن العائلة تفضل الذهاب إلى دور السينما سوياً.
تقول سوزان: «يحب مايك فريق (كوين) الغنائي؛ ولذلك ذهبنا لمشاهدة فيلم (بوهيميان رابسودي) في عطلة نهاية الأسبوع». ويعلّق مايك قائلاً: «يا إلهي... لكم أحببت هذا الفيلم». وتردف سوزان بالقول: «كما ذهبنا لمشاهدة فيلم (مولد النجم)، إنني أحب هذا الفيلم كثيراً».
وقد ثارت في الآونة الأخيرة بعض الإشاعات عن ترشح مايك بومبيو لمقعد مجلس الشيوخ عن ولاية كانساس، مع تردد أنباء عن قرب تقاعد السيناتور الجمهوري الحالي عن الولاية باتريك روبرتس؛ مما يفتح الأجواء أمام سباق انتخابي على المقعد الشاغر. وافترض الكثيرون أن السيد بومبيو سيغادر منصبه في الخارجية الأميركية لأجل ذلك، والانتقال إلى الاهتمام بالسباق الانتخابي المتوقع، ومحاولة التواصل مع الجهات المانحة ومع الناخبين. وكان زعيم الأغلبية بمجلس الشيوخ السيناتور ميتش ماكونيل يحض مايك بومبيو على المضي قدماً في هذا الطريق.
وأشار بعض المراقبين إلى أن المرشحين الرئاسيين قد يحتاجون إلى مؤازرة من بعض الشخصيات في مجلس الشيوخ، إضافة إلى وجود لقب وزير الخارجية الأسبق على رأس الأوصاف الوظيفية في السيرة المهنية. فضلاً عن الخلفية العسكرية الرفيعة التي يحظى بها السيد بومبيو، كما هو معروف.
ومن يدري ماذا سوف يجلب المستقبل بعد عهد دونالد ترمب؟ وحتى الآن، لماذا لا نتخير أنسب الأماكن لأنفسنا؟
ومع كل شيء، فإن بومبيو لا ينوي السير في هذه الطريق. ليس الآن على أدنى تقدير.
وقال مايك بنفسه: «لقد كان العقد الماضي أشبه بالرحلة المجنونة، ومثيراً للروع والإعجاب في آن واحد. من نيابة الكونغرس، إلى الاستخبارات المركزية، إلى الخارجية الأميركية. لا يزال على قائمتي عدد من الأمور أنوي القيام بها في وزارة الخارجية. وآمل أن أتمكن من ذلك خلال مزيد من الوقت. إنني أستمتع بكل دقيقة من وقتي هناك (في الخارجية)».
وكان السيد مايك بومبيو يتأهب، مرة أخرى، للسفر إلى الخارج عقب لقائنا الممتع مباشرة!


مقالات ذات صلة

ترمب يرشح المعاونة السابقة بالبيت الأبيض بروك رولينز لمنصب وزير الزراعة

الولايات المتحدة​ بروك رولينز مرشحة الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب لمنصب وزير الزراعة (أ.ب)

ترمب يرشح المعاونة السابقة بالبيت الأبيض بروك رولينز لمنصب وزير الزراعة

قال الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب إنه سيرشح المعاونة السابقة بالبيت الأبيض بروك رولينز لشغل منصب وزير الزراعة في إدارته المقبلة.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
المشرق العربي مقر المحكمة الجنائية في لاهاي (أ.ف.ب)

تقرير: ترمب قد يفرض عقوبات على مدعي «الجنائية الدولية» رداً على مذكرة اعتقال نتنياهو

قالت صحيفة «تليغراف» البريطانية إن الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب يفكر في فرض عقوبات على المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية البريطاني كريم خان

«الشرق الأوسط» (لندن)
الولايات المتحدة​ الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب بمناسبة سابقة برفقة روبيو في يوليو 2024 (أ.ف.ب)

بعد اكتمال تشكيلة الحكومة... هذه أبرز الأسماء في إدارة ترمب

أعلن الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب عن أسماء جديدة لشغل مناصب رفيعة ضمن حكومته المقبلة.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
المشرق العربي تساؤلات حول نوع الضغوطات التي قد يمارسها ترمب على نتنياهو (أ.ف.ب)

تقرير: ترمب سيشرف شخصياً على المفاوضات بشأن أزمة غزة

قالت كارولين ليفيت، التي أعلن الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب أنها ستكون متحدثةً باسم البيت الأبيض، لموقع «أكسيوس»، إن ترمب سيشرف شخصياً على المفاوضات

الولايات المتحدة​ د. جانيت نشيوات (أ.ف.ب) play-circle 01:16

ترمب يرشح طبيبة من أصل عربي لمنصب جراح عام الولايات المتحدة

رشح الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب الطبيبة الأردنية، جانيت نشيوات، جراحاً عاماً للولايات المتحدة، بحسب قناة «فوكس نيوز» السادسة عشرة الإخبارية.

«الشرق الأوسط» (واشنطن )

في ذكرى 7 أكتوبر... «إسرائيل التي تعرفونها لم تعد قائمة»

TT

في ذكرى 7 أكتوبر... «إسرائيل التي تعرفونها لم تعد قائمة»

دمار واسع جراء الغارات الإسرائيلية على خان يونس في 26 أكتوبر 2023 (أ.ف.ب)
دمار واسع جراء الغارات الإسرائيلية على خان يونس في 26 أكتوبر 2023 (أ.ف.ب)

بعد يومين اثنين من هجوم «حماس» على البلدات والمواقع العسكرية القائمة في غلاف غزة، يوم 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، طلب عدد من الضباط الإسرائيليين الاجتماع بنظرائهم من أجهزة الأمن الفلسطينية، وأبلغوهم بأن «إسرائيل التي يعرفونها حتى اليوم لم تعد قائمة. ستتعرفون على إسرائيل أخرى».

لم يقولوا هذه الكلمات بلهجة توحي بمضمون العداء والتهديد. لكنها قيلت بمنتهى الصرامة. كان الوجوم طاغياً على الوجوه. فهؤلاء الضباط يعرفون بعضهم جيداً. هم الطاقم الذي يمثّل حكومة إسرائيل، من جهة، والحكومة الفلسطينية، من جهة ثانية، والمهمة الموكلة إليه هي القيام بما يعرف على الملأ بـ«التنسيق الأمني» بين الطرفين. اجتماعات هؤلاء الضباط مستمرة منذ توقيع اتفاقات أوسلو وإقامة السلطة الفلسطينية قبل 30 سنة، وهي تُعقد تقريباً بشكل يومي.

وعلى عكس الانطباع السائد لدى كثيرين، لم يقتصر التنسيق بينهم أبداً على الملفات الأمنية. كانوا يجتمعون في البداية لغرض تطبيق الاتفاقات ومنحها طابعاً إنسانياً. اهتموا بقضايا تحسين العلاقات التجارية والاجتماعية والاقتصادية، وأيضاً الأمنية. اهتموا ذات مرة بمنح تصاريح العودة لعشرات الآلاف من الفلسطينيين الذين عادوا من الشتات واستقروا في الوطن. واهتموا بتسهيل خروج وعودة الطلبة الفلسطينيين الجامعيين وجلب عمال فلسطينيين إلى إسرائيل واستيراد البضائع الفلسطينية إلى إسرائيل أو تصديرها إلى الخارج. نظموا دوريات مشتركة لضمان سلطة نفاذ القانون التي كان فيها الضباط والجنود يتناولون الطعام معاً، وصاروا فيها يتقاسمون رغيف الخبز.

دمار واسع جراء الغارات الإسرائيلية على خان يونس في 26 أكتوبر 2023 (أ.ف.ب)

وقد شهدت العلاقات بينهما طلعات ونزلات كثيرة، وكان عليهم أن يمتصوا الأحداث العدائية. ففي الطرفين توجد قوى حاربت الاتفاقات ولم تطق سماع عبارة «عملية السلام». بدأ الأمر عام 1994 بمذبحة الخليل التي نفذها طبيب إسرائيلي مستوطن، والتي رد عليها متطرفون فلسطينيون بسلسلة عمليات انتحارية في مدن إسرائيلية. وعندما تمكن اليمين المتطرف في إسرائيل من اغتيال رئيس الوزراء، اسحق رابين، بهدف تدمير الاتفاقات مع الفلسطينيين، حصل تدهور جارف في العلاقات بين الطرفين.

وعندما فاز بنيامين نتنياهو بالحكم، أول مرة سنة 1996، زاد التوتر وانفجر بمعارك قتالية بين الجيش الإسرائيلي وبين ضباط وجنود في أجهزة الأمن الفلسطينية. وعند اندلاع الانتفاضة الثانية عام 2000، كادت تقع حرب بينهما. وعاد الجيش الإسرائيلي ليكرس الاحتلال وعادت الأجهزة الفلسطينية إلى قواعد منظمة التحرير وأيام الكفاح. لكن قادة الطرفين، بمساعدة الأميركيين ودول مختلفة، حاولوا تطويق الأوضاع.

وظل أعضاء فريقي التنسيق الأمني يلتقون وينسقون. تعاملوا مع بعضهم البعض على أساس المصالح المشتركة «بيزنِس»، لضمان الحد الأدنى من التواصل. وكل من الطرفين يعترف بأن الأمر ضروري وحيوي، برغم أن الشعبويين في إسرائيل يعتبرون ذلك استمراراً لاتفاقات أوسلو وتمهيداً للاعتراف بدولة فلسطينية، فيما بعض الفلسطينيين يعتبر ذلك تهادناً مع إسرائيل وتعاوناً معها «ضد المقاومة». ولكن رغم هذه الانتقادات من أطراف في الجانبين، يصمد فريق التنسيق في وجه تشويه جهوده. فالضباط من الطرفين يدركون أن فك التنسيق ثمنه باهظ، فلسطينياً وإسرائيلياً.

والجديد الآن أن الضباط الإسرائيليين يأتون إلى الاجتماعات وهم يؤكدون أنهم ينوون الاستمرار في التنسيق لكن الفلسطينيين «سيجدون إسرائيل مختلفة». كانوا صادقين. ورسالتهم هذه كانت موجهة ليس فقط للضباط أو المسؤولين الفلسطينيين، بل للشعب الفلسطيني كله... ومن خلاله إلى كل العالم.

دمار واسع في قطاع غزة بعد سنة على الحرب الإسرائيلية (الشرق الأوسط)

«واحة الديمقراطية».. لم تعد موجودة

مع مرور سنة كاملة على الحرب في غزة، يمكن القول إن إسرائيل تغيّرت بالفعل، منذ السابع من أكتوبر (تشرين الأول) 2023. مقولة الجنرالات الإسرائيليين لنظرائهم الفلسطينيين يرددها جميع القادة الإسرائيليين السياسيين سواء كانوا في الحكومة أو المعارضة، كما يرددها القادة العسكريون من كل الأجهزة. يريدون تثبيت فكرة أن إسرائيل تغيّرت في عقول شعوب المنطقة والعالم. والواقع، أن هذه الفكرة باتت حقيقة مُرّة.

فإذا كان هناك من يعتبر إسرائيل «فيلّا جميلة في غابة موحشة» أو «واحة الديمقراطية في الشرق الأوسط» أو «دولة حضارية» أو «جبهة متقدمة للغرب في الشرق» أو «دولة التعاضد السكاني» أو «دولة القيم وحقوق الإنسان»، فإن كثيراً من قادتها وقسماً كبيراً من شعبها تنازلوا، كما يبدو، عن هذه المفاهيم تماماً، في أعقاب ما حصل في 7 أكتوبر. صاروا معنيين باستبدال هذه الصفات. فالفيلّا أصبحت الغابة. والواحة باتت منطقة جرداء. والدولة الحضارية باتت تتصرف كوحش جريح. والتعاضد السكاني صار جبهة واحدة ضد العرب. والقيم وحقوق الإنسان ديست بأقدام الجنود ودباباتهم وغاراتهم. كأن إسرائيل تريد أن يتم النظر إليها بوصفها جرافة تدمر كل ما ومن يعترض طريقها، أو كأنها «دولة الانتصار على كل أعدائها».

تُعبّر الأرقام في الواقع عن نتيجة هذا التغيّر في طريقة تصرف الإسرائيليين. إذ تفيد إحصاءات الحرب في قطاع غزة بأن 60 في المائة من البيوت والعمارات السكنية مدمرة، والبقية متصدعة أو آيلة إلى الانهيار وغير آمنة. وفي مقدمها المستشفيات والعيادات الطبية والمساجد والكنائس والجامعات والمدارس ومخيمات اللاجئين. كلها دُمّرت بقرارات لا يمكن سوى أن تكون «مدروسة» ولأغراض «مدروسة»، بحسب ما يعتقد كثيرون. أما حصيلة القتلى فتقترب من 42 ألفاً، ثلثاهم نساء وأطفال. والجرحى أكثر من 100 ألف. وهكذا تدخل الحرب في غزة التاريخ كواحدة من أكثر الحروب دموية في القرن الحادي والعشرين، وفق تقرير لصحيفة «هآرتس» اعتمد تدقيقاً للبيانات بما في ذلك معدل ووتيرة الوفيات، إضافة إلى الظروف المعيشية للسكان في القطاع.

تقول الصحيفة إنه في الوقت الذي يتشبث فيه رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، وغيره من المتحدثين الإسرائيليين بحجتهم المفضلة، وهي اتهام المجتمع الدولي بالنفاق فيما يتعلق بالحرب في قطاع غزة، والادعاء بأنه يتجاهل الصراعات والكوارث الإنسانية الأخرى، فإن الأرقام المسجلة حتى الآن تجعل الحرب في غزة تتجاوز دموية النزاعات في كل من العراق وأوكرانيا وميانمار (بورما). وبما أن عدد سكان غزة لا يتجاوز مليوني شخص، وعدد القتلى يضاهي 2 في المائة من السكان، فإن مقارنة بسيطة مع إسرائيل تبيّن أنه لو قُتل في إسرائيل 2 في المائة من السكان لأصبح عدد القتلى 198 ألفاً.

يقول البروفسور، مايكل سباغات، من جامعة لندن للصحيفة: «من حيث العدد الإجمالي للقتلى، أفترض أن غزة لن تكون من بين أكثر 10 صراعات عنفاً في القرن الحادي والعشرين. ولكن بالمقارنة مع النسبة المئوية للسكان الذين قتلوا، فإنها بالفعل ضمن الخمسة الأسوأ في المقدمة». ويضيف سباغات، وهو باحث في الحروب والنزاعات المسلحة ويراقب عدد الضحايا في تلك الأزمات: «إذا أخذنا في الاعتبار مقدار الوقت الذي استغرقه قتل واحد في المائة من هؤلاء السكان، فقد يكون ذلك غير مسبوق».

ووفق حساباته، فإنه في الإبادة الجماعية للروهينغا في ميانمار، على سبيل المثال، قتل نحو 25 ألف شخص، وفقاً للأمم المتحدة. وفي الإبادة الجماعية للإيزيديين على يد تنظيم «داعش»، في عام 2015، تشير تقديرات الخبراء إلى أن 9100 شخص قتلوا، نصفهم من خلال العنف المباشر والنصف الآخر بسبب الجوع والمرض، بالإضافة إلى الآلاف الذين اختطفوا.

عائلات المحتجزين الإسرائيليين في غزة تشكو من أن الحكومة تتجاهل مصيرهم (أ.ف.ب)

ومنذ بدء الحرب في غزة، بلغ متوسط معدل الوفيات نحو 4 آلاف وفاة شهرياً. بالمقارنة، في السنة الأولى من الحرب في أوكرانيا، بلغ معدل الوفيات 7736 شهرياً، بينما في أكثر سنوات الحرب دموية في العراق، في عام 2015، كان عدد القتلى نحو 1370 شهرياً. في هاتين الحربين، كان العدد الإجمالي للقتلى أعلى بكثير مما كان عليه في الحرب في غزة، لكن هذين الصراعين استمرا، وما زالا مستمرين، لفترة أطول بكثير.

الحرب في غزة تبرز أيضاً بالمقارنة مع حروب تسعينات القرن العشرين، على غرار الحرب في دولة يوغوسلافيا السابقة. واحدة من هذه المناطق كانت البوسنة، وفي أسوأ عام من الصراع، 1991، كان متوسط عدد القتلى شهرياً 2097، والعدد الإجمالي للقتلى على مدى أربع سنوات كان 63 ألفاً.

الفرق الأبرز بين بقية حروب القرن الـ21 والحرب في قطاع غزة هو حجم الأراضي التي تدور فيها المعارك وعدم قدرة المدنيين غير المشاركين على الفرار من المعارك، وخاصة نسبة الضحايا بين إجمالي السكان. امتدت الجبهات في أكبر حروب هذا القرن، في سوريا والعراق وأوكرانيا، على مدى آلاف الكيلومترات ووقعت المذابح في مئات المواقع المختلفة. والأهم من ذلك، أن المدنيين في تلك الأماكن يمكنهم، حتى ولو بثمن مؤلم، الفرار إلى مناطق أكثر أماناً. ففي سوريا، غادر ملايين اللاجئين إلى بلدان أخرى، مثل الأردن وتركيا ودول أوروبية. كما غادر مئات الآلاف من اللاجئين الأوكرانيين مناطق خط المواجهة وانتقلوا غرباً.

أما في غزة البالغة مساحتها 360 كلم مربعاً، أي جزءاً بسيطاً من حجم أوكرانيا، فقد اندلع القتال في كل مكان تقريباً من أرجائها، ولا يزال مستمراً. لقد تم تهجير معظم سكان القطاع، لكن هروبهم إلى المناطق التي حددها الجيش الإسرائيلي كمناطق آمنة لم يساعد دائماً، وقتل العديد منهم في هذه المناطق أيضاً. بالإضافة إلى ذلك، فإن الظروف المعيشية في هذه المناطق المصنفة إنسانية، قاسية للغاية، إذ يعاني اللاجئون من الاكتظاظ والمرض ونقص المأوى الآمن ونقص الأدوية وأكثر من ذلك.

والمشكلة الأكبر أن كثيراً من هذه الفظائع تم ويتم بقرارات واعية من المسؤولين الإسرائيليين. فإذا وصلت معلومة للمخابرات الإسرائيلية أو شبهة بأن فلاناً ناشط في «حماس»، كان يتم قصف بيته على من فيه، بلا انذار أحياناً أو بإنذار وجيز. وإذا دخل عنصر يعتبر «مطلوباً»، من أي تنظيم فلسطيني، إلى مقهى، كان يتم قصف المقهى على من فيه. وحتى المسجد كان يتم تدميره أيضاً في حال اشتبهت إسرائيل بأن شخصية ما تختفي داخله.

التغيير الجديد... نظرة فوقية

في الماضي كان الإسرائيليون يقومون بمثل هذه الممارسات، لكنهم كانوا يخجلون منها. يحاولون التستر عليها. كانوا يكسرون ويجبرون. فمقابل القتل والبطش كانوا يبرزون قصصاً لجنود قدموا المساعدة. ظهر معترضون نددوا بالبطش ضد الفلسطينيين الأبرياء. أما اليوم فلم يعد هناك شيء من هذا. كثيرون في إسرائيل باتوا يقولون إنه لا يوجد في نظرهم أناس أبرياء. فالعائلات الفلسطينية تساند أولادها، ولذلك يجوز معاقبتها. الطفل الفلسطيني سيكبر ويصبح جندياً، ولذلك فلا يجب أن ترحمه.

وإذا كان شبان مخيمات اللاجئين يقاومون، فيمكن أن يتم حرمان كل سكان المخيم من الماء والكهرباء والبنى التحتية، عقاباً لهم. بات الفلسطينيون «حيوانات»، بحسب وصف وزير الدفاع يوآف غالانت المفترض أنه من يرسم سياسة الجيش. والحقيقة أن هذه النظرة الفوقية تجاه الفلسطينيين صارت سائدة اليوم في المجتمع الإسرائيلي، ورغم أن هذا الاستعلاء هو بالذات ربما ما أوقع إسرائيل في إخفاقات 7 أكتوبر. باغتتها «حماس»، بلا شك، بهجوم شديد يومها. ولولا أن مقاتلي الحركة وقعوا في مطب أخلاقي شنيع، ارتكبت خلاله ممارسات مشينة ضد المدنيين الإسرائيليين، لكان هجومهم اعتُبر ناجحاً، بغض النظر عن النتائج التي أدى إليها لاحقاً. فقد احتلوا 11 موقعاً عسكرياً وأسروا عدداً من جنود وضباط الجيش الإسرائيلي.

صور وتذكارات لإسرائيليين خُطفوا أو قُتلوا في هجوم «حماس» على موقع «سوبر نوفا» الموسيقي في غلاف غزة يوم 7 أكتوبر العام الماضي (إ.ب.أ)

لكن التغيير الذي أرادت إسرائيل أن يظهر للعرب، انسحب أيضاً على إسرائيل نفسها. لقد تغيرت تجاه الإسرائيليين أنفسهم. انتهى الخجل في السياسة الداخلية. فالائتلاف اليميني الحكومي، في نظر منتقديه، بات يسن قوانين تتيح الفساد، مثل القوانين التي تضرب استقلالية القضاء، والقانون الذي يضعف المراقبة على التعيينات الحكومية بحيث يمكن تعيين موظفين غير مؤهلين في مواقع إدارية رفيعة، والقانون الذي يوفر لرئيس الحكومة المتهم بالفساد تمويلاً لمصاريف الدفاع عن النفس في المحكمة من خزينة الدولة. أما القضاة في إسرائيل فباتوا يخافون الحكومة ويصدرون قراراتهم وفقاً لأهوائها، في كثير من الأحيان.

والأكثر من ذلك، لم تعد إسرائيل اليوم تتعامل مع حياة الإنسان الفلسطيني أو اللبناني بأنها رخصية، بل أيضاً مع حياة الإنسان الإسرائيلي. فالحكومة باتت تستخدم منظومة «بروتوكول هنيبعل»، الذي يقضي بقتل الجندي الإسرائيلي مع آسريه، حتى لا يقع في الأسر.

في معركة مارون الراس الأخيرة في الجنوب اللبناني، أمر الضباط جنودهم بخوض القتال لمنع عناصر «حزب الله» من أسر جثة جندي، وكلفها الأمر مقتل ستة جنود وجرح أكثر من عشرة. والمواطنون الإسرائيليون المحتجزون لدى «حماس» في غزة، مهملون، كما تقول أسرهم التي تتهم نتنياهو بأنه يرفض التوصل إلى صفقة تبادل تضمن إطلاق سراحهم.

وبدل احتضان عائلات هؤلاء المحتجزين، ينظم مناصرون للائتلاف اليميني الحاكم حملة تحريض عليهم ويعتدون على مظاهراتهم الاحتجاجية. وفوق ذلك كله، تبدو الحكومة وكأنها تشجع اليمين المتطرف على مهاجمة قيادة الجيش، فهي لم تحاسب مجموعات منهم نظّمت اعتداءات على معسكر للجيش، ولم تمنع حتى اعتداءات مستوطنين على الجنود الذين يحمونهم في الضفة الغربية.

إسرائيل اليوم صارت خانقة أيضاً للإسرائيليين الذين يفكرون بطريقة مختلفة عن الحكومة. كلمة سلام صارت لعنة. والخناق يشتد حول حرية الرأي والتعبير. واتهام المعارضين بالخيانة صار أسهل من شربة ماء.

والتغيير الأكبر، على الصعيد الداخلي، هو أن رئيس الحكومة ورؤساء ووزراء ائتلافه الحكومي، يعملون على المكشوف لتغليب مصالحهم الذاتية والحزبية على مصالح الدولة. ويقول منتقدو نتنياهو إنه يعرف أن الجمهور لا يريده في الحكم وينتظر أن تنتهي الحرب حتى يسقطه، ولذلك هو يعمل، ببساطة، على إطالة الحرب ليبقى في السلطة.

في ذكرى 7 أكتوبر، تبدو إسرائيل بالفعل وكأنها تغيّرت. قيادتها الحالية مصممة على تأجيج الصراع أكثر وتوسيعه. لا يهدد ذلك فقط بمزيد من التأجيل للتسوية مع الفلسطينيين، بل يخاطر أيضاً بحروب فتاكة قادمة تورثها إسرائيل لأبنائها وبناتها.