الكوبيون غاضبون من ارتفاع أسعار السيارات الجديدة بعد تحريرها

ثمن سيارة «بيجو» 90 ألف دولار.. ورواتب العاملين تتراوح بين 30 و40 دولارا

كوبي يقوم بإصلاح سيارة قديمة له في هافانا (أ.ف.ب)
كوبي يقوم بإصلاح سيارة قديمة له في هافانا (أ.ف.ب)
TT

الكوبيون غاضبون من ارتفاع أسعار السيارات الجديدة بعد تحريرها

كوبي يقوم بإصلاح سيارة قديمة له في هافانا (أ.ف.ب)
كوبي يقوم بإصلاح سيارة قديمة له في هافانا (أ.ف.ب)

اشتاط مواطنو كوبا غضبا حيال قرار الحكومة بتحرير عملية بيع السيارات على أرض الجزيرة ووصفوه بأنه «مهين!» و«فضيحة!». ويعود هذا إلى الأسعار المرتفعة للغاية التي وضعتها وكالات بيع السيارات المملوكة للدولة، والتي تصل إلى نحو 200 ألف دولار.
واعتبارا من يوم الجمعة الماضي، لم يعد مواطنو كوبا والأجانب المقيمون على أراضيها بحاجة إلى الحصول على تصريح خاص لشراء سيارات مستوردة. ومثلما توقع الكثير من العملاء المحتملين، فقد شهدت أسعار السيارات الجديدة والمستعملة في الدولة الجزيرة الشيوعية ارتفاعا شديدا عندما خففت السلطات من القيود المفروضة على استيراد السيارات.
وأوضح أحدث إصلاح اقتصادي، أعلنت عنه حكومة الرئيس الكوبي راؤول كاسترو الشهر الماضي، أن السيارات المستوردة ستطرح للبيع بأسعار «مماثلة» لتلك التي حددتها السوق.
ورغم هذا التصريح، ارتفعت أسعار سيارات شركة «بيجو» الفرنسية، أحد الطرازات القليلة التي يتم استيرادها إلى كوبا، في بعض وكالات بيع السيارات التي تديرها الدولة يوم الجمعة الماضي لتتراوح بين 90 و200 ألف دولار وفقا لسعر الصرف الحالي.
ويتراوح راتب مواطني كوبا العاملين في القطاع الحكومي بين 30 و40 دولارا شهريا وفقا لسعر الصرف الحالي. ويشتكي دييغو، الذي رفض الإفصاح عن اسمه بالكامل، قائلا: «من من العمال هنا في كوبا لديه مثل هذا المبلغ؟».
وكان لدى دييغو، 68 عاما، الذي يعمل ضابطا في أسطول كوبا التجاري، تصريح احتفظ به لمدة عامين لشراء سيارة جديدة بنحو 2600 دولار. والآن هو ليس بحاجة إلى التصريح. ورغم هذا فإن أرخص سيارة متاحة في الوكالة التي زارها في حي ميرامار في هافانا، كانت سيارة مستعملة من طراز فولكس فاغن بولو موديل عام 2007 ووصل سعرها إلى 25 ألف دولار.
وقال دييغو لوكالة الأنباء الألمانية «بعد توفير المال في البنك على مدى سنوات، والذي كان شرطا وضعوه.. يفرضون الآن على العمال السعر الذي يحددونه».
وأعرب آخرون عن شكواهم أمام نفس وكالة السيارات وقالوا: إنها «فضيحة». وتسمح القواعد الجديدة للكوبيين بشراء سيارات جديدة ومستعملة حديثة الإنتاج نسبيا من وكالات بيع السيارات المملوكة للدولة. ويعتبر هذا تعديلا على إصلاح أدخل في عام 2011 وكان يسمح لهم بشراء السيارات المستعملة من أفراد آخرين. وعندما أعلنت السلطات عن التغيير في القوانين، قالت: إنها ستمنح «الأولوية» في حق شراء سيارة جديدة للأشخاص الذين لديهم تصاريح معلقة. إلا أن الأمور لم تعد بهذه السهولة.
واستبعدت ربة المنزل مايتي إيسكالانتي، 42 عاما، شراء سيارة جديدة في ظل الوضع الجديد. وكانت قد حصلت على تصريح بشراء سيارة يصل ثمنها إلى 5300 دولار، كانت قد خططت لها، إلا أن هذا المبلغ لن يساعدها بصورة كبيرة حاليا.
وقالت إيسكالانتي معبرة عما بداخلها من غضب قائلة: إنه «أمر مشين». ورفضت وكالة بيع السيارات الرسمية في البلاد (سيميكس) الإفصاح عن أي معلومات تتعلق بالأسعار. وبعد ثورة عام 1959 بفترة قصيرة، فرضت كوبا حظرا على بيع السيارات. وعلى مدار سنوات، ازدهرت سوق سوداء للحصول على تصاريح شراء السيارات التي يصعب الحصول عليها، والتي غالبا ما تعطيها الحكومة لموظفيها أو للأطباء، والتي كان يبلغ سعرها عادة بضعة آلاف من الدولارات.
وكان يسمح الإصلاح الذي نفذ في أكتوبر (تشرين الأول) 2011 للأفراد بشراء وبيع السيارات من بعضهم البعض، وقبل صدوره كان يسمح فقط للأفراد ببيع وشراء موديلات ما قبل عام 1959. وتحظى هافانا بشعبية بين زوارها بسبب شوارعها التي تمتلئ بطرازات السيارات الأميركية، التي يعود تاريخها إلى النصف الأول من القرن العشرين، بالإضافة إلى السيارات من طراز لادا ومسكوفيتش التي تعود إلى الحقبة السوفياتية خلال الحرب الباردة. وانضمت حديثا طرازات سيارات شركة جيلي الصينية إلى الساحة.
وأصبح يحق لوكلاء السيارات المملوكة للدولة استيراد السيارات الجديدة، في خطوة تهدف، وسط أمور أخرى، إلى تحسين كفاءة وسائل النقل العام. وينفذ الرئيس الكوبي راؤول كاسترو، 82 عاما، على مدى عدة سنوات إصلاحات متواضعة تهدف إلى تحرير الاقتصاد بصورة جزئية في النظام الذي تسيطر عليه حكومة الجزيرة، بالإضافة إلى فتح مساحة لمزيد من المبادرات الخاصة.



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».