ليبيا تفتح نافذة على الانتخابات... والجيش يوسّع نفوذه

تفاؤل عقب «لقاء الإمارات» ومخاوف وتحسّب لدخول قوات حفتر طرابلس

ليبيا تفتح نافذة على الانتخابات... والجيش يوسّع نفوذه
TT

ليبيا تفتح نافذة على الانتخابات... والجيش يوسّع نفوذه

ليبيا تفتح نافذة على الانتخابات... والجيش يوسّع نفوذه

رحب كثير من الليبيين بنتائج اللقاء الذي احتضنته دولة الإمارات المتحدة، وجمع المشير خليفة حفتر القائد العام لـ«الجيش الوطني» وفائز السراج رئيس المجلس الرئاسي لحكومة «الوفاق الوطني». وأملوا في تجاوز بلدهم مرحلة الانسداد السياسي، والاتجاه بالبلاد، التي تضربها الفوضى منذ 8 سنوات، إلى حالة من الاستقرار السياسي يجري الاحتكام فيها لصناديق الاقتراع بدلاً من التهديد بصناديق الذخيرة.
وعلى الرغم من أن الاجتماع، الذي عقد نهاية الأسبوع الماضي، ورعته البعثة الأممية لدى ليبيا، توصل إلى ضرورة إنهاء الفترة الانتقالية والمضي نحو إجراء انتخابات عامة، فإن ثمة تخوفاً لدى قطاع من الساسة والمحللين من «عجز البلاد عن إنجاز أي استحقاق انتخابي في ظل وجود ميليشيات مسلحة تسيطر على العاصمة... وانقسام حاد داخل المؤسسة العسكرية».
ما بين الترحيب بلقاء المشير خليفة حفتر القائد العام لـ«الجيش الوطني» الليبي وفائز السرّاج رئيس المجلس الرئاسي لحكومة «الوفاق الوطني» في العاصمة الإماراتية أبوظبي، والتحذير من انتشار المسلحين وتأثيرهم السلبي في المشهد السياسي، يمضي الجيش الوطني - وفق قيادات عسكرية وسياسية تحدثت إلى «الشرق الأوسط» - نحو «طي صحراء الجنوب الليبي لمطاردة (الجماعات الإرهابية) وفلول (المتمردين التشاديين)، حتى إلى الحدود الجزائرية».
وقبل يومين من لقاء الرجلين اللذين يُنظر إليهما على أنهما الطرفان الأقوى في ليبيا، جاءت الرؤية الإماراتية واضحة من الأزمة الآنية، التي تمكنت بعد سقوط نظام معمر القذافي. إذ أكد الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبيّ، خلال لقائه السراج في دبي «دعم الإمارات للجهود المبذولة لتحقيق الاستقرار في ليبيا، وحرصها على مساعدة الشعب الليبي في الخروج من الأزمة الراهنة». وتكللت الجهود التي أعلنتها البعثة الأممية باتفاق السراج وحفتر على «ضرورة إنهاء المرحلة الانتقالية من خلال انتخابات عامة»، وبحث «سبل الحفاظ على استقرار ليبيا وتوحيد مؤسساتها»، وهي النتيجة التي نظر إليها أتباع كل فريق من زاويته الخاصة.
- أوراق الأزمة
وقبل عودة السراج وحفتر إلى ليبيا، سارع «المجلس الأعلى للدولة» في طرابلس، بتقديم جملة من الاعتراضات المبطنة على اجتماعهما في الإمارات، دون أن يأتي على ذكرهما. وأرجع ذلك إلى أن ما تم التوصل إليه يتعارض مع «اتفاق الصخيرات» الذي وقع في المغرب نهاية عام 2015، وقال «المجلس» إنه «متمسك بالاتفاق السياسي باعتباره الإطار الوحيد والحاكم للعملية السياسية، وعدم قبول أي تعديلات إلا وفق الآلية التي ينص عليها ذلك الاتفاق».
غير أن المحلل السياسي والإعلامي الليبي عيسى عبد القيوم، رأى أن «الجيش بعد لقاء أبوظبي، بات يمتلك 75 في المائة من أوراق حل الأزمة، مدعوماً بحاضنته الاجتماعية والسياسية الوطنية التي كشفت عنها انتصاراته الأخيرة». ومضى عبد القيوم يقول إنه قبل لقاء الإمارات كانت هناك 4 مواقف تؤكد وجهة نظره، تتمثل في؛ «موافقة رئيس مؤسسة النفط مصطفى صنع الله، على رفع (القوة القاهرة) عن حقل الشرارة، وتراجع الصديق الكبير محافظ المصرف المركزي في طرابلس عن إيقاف منحة أرباب الأسر، بالإضافة إلى تراجع المبعوث الأممي عن موقفه من الجيش، وزيارته للرجمة (مقر القيادة العامة)، فضلاً عن تراجع ممثل سلطات طرابلس في الأمم المتحدة وتغيير موقفه من العملية العسكرية في الجنوب خلال كلمته أمام الجمعية العامة».
وانتهى عبد القيوم إلى أنه «في ظل الزخم الشعبي والإعلامي الداعم لحركة الجيش على الأرض، وعلى طاولة التفاوض، قد يشهد النصف الثاني من العام الحالي انفراجة كبيرة، إما كاستحقاق للمسار السياسي الضاغط بقوة على الأطراف الرخوة، أو بانهيار العملية السياسية ووصول الجيش إلى مشارف طرابلس».
- درنة و«القاعدة»
من جهة أخرى، باكراً أعلن حفتر عزمه التصدّي «للمجموعات الإرهابية» التي سيطرت على مدن ليبية عدة. وقال في مناسبات كثيرة إنه «سيواصل تحرير كامل التراب الوطني، والقضاء على الإرهابيين في البلاد»، وإن الجيش «لن يتهاون أبداً مع من تسول له نفسه المساس بأمن واستقرار ووحدة ليبيا».
تعَهُد حفتر، جاء بحسب قيادة عسكرية، من «غرفة عمليات الكرامة»، «استجابة لاستغاثة المواطنين في الجنوب، الذين وقعوا فريسة للجماعات الإرهابية والمتمردين التشاديين»، بجانب «إنقاذ مدينة درنة (شمال شرقي ليبيا) التي باتت لسنوات رهينة ومعقلاً للجماعات المتطرّفة من كل الأنحاء تحت راية ما كان يعرف بـ(مجلس شورى درنة) الموالي لتنظيم (القاعدة)». وللعلم فإن اللواء أحمد المسماري، المتحدث باسم القيادة العامة للقوات المسلحة، كان قد أعلن في وقت سابق أن قوات الجيش، سيطرت على 90 في المائة من الأراضي الليبية، ولم يتبقَ سوى 10 في المائة فقط من مساحة البلاد خارج السيطرة.
وخلال الأيام الماضية، أعلنت قوات الجيش أنها تمكنت من الانتصار على من سمتهم «خوارج درنة»، وأعادت المدينة المخطوفة منذ عام 2014 إلى أهلها. وهو ما وصفه عز الدين عقيل، رئيس حزب الائتلاف الجمهوري، بأن القيادة العامة «تركز جهودها حصرياً حول إدارة معارك تطهير الوطن من الميليشيات والإرهاب وعصابات الجريمة المنظمة، سعياً إلى بسط سيطرة الجيش سريعاً على الأمن الاستراتيجي للبلاد، ما يمهد باستعادة هيبة ليبيا». ورأى عقيل في حديث إلى «الشرق الأوسط»، أن المؤسسة العسكرية «تولي اهتمامهاً كبيراً بالحد من الخسائر في الأرواح والممتلكات العامة والخاصة والبنية التحتية للبلاد أكثر من أي شيء آخر». ومع استتباب الأمن في درنة، عاد كثير من الكتائب التابعة للقوات المسلحة التي كانت تقاتل هناك إلى ثكناتها في شرق البلاد، ومنها من يتأهب للعودة، وذلك بعد انتهاء العمليات العسكرية بالمدينة.
وبالفعل، تواصل قوات الجيش عملية التمشيط والتحرّي والبحث عن الخلايا الإرهابية النائمة، وهو ما نوّه به المنذر الخرطوش، المسؤول الإعلامي للكتيبة «276 مشاة‏» لـ«الشرق الأوسط»، بقوله: «قواتنا نجحت بحمد لله في القضاء على الإرهابيين».
أيضاً، بدأت شركة الخدمات العامة في إزالة آثار العدوان، بتنظيف الشوارع وإزالة المخلفات من الطرقات، وسط فرحة المواطنين، الذين عبروا عن رضاهم لمجريات الأحداث هناك، وتوفر الأمن وتوقف أصوات الرصاص. وهذا ما عبر عنه عبد الوارث إحميدي، بنبرة زهو شديدة: «لم لا، وقد عشنا سنوات من تقطيع لرقاب الشباب والشيوخ في الشوارع والميادين... كان (داعش) يجبرنا على جمع الأموال بزعم أنها زكاة، وفي الحقيقة كانت إتاوة بديلة عن ذبحنا بالسيوف». ونقل إحميدي، ابن مدينة درنة، الذي درس الهندسة في جامعة الإسكندرية، لـ«الشرق الأوسط» جانباً مما عليه الأوضاع الآن بقوله: «قوات الأمن موجودة في كل مكان، ولم يعد هناك وجود للعناصر الموالية للقاعدة، لقد خطفوا درنة ورهنوا المواطنين، ولم يعترفوا بأي سلطة في البلاد، الوضع الآن تغير، فمنهم من قتل، أو سلّم نفسه، أو ألقي القبض عليه من قبل رجال القوات المسلحة».

من سبها إلى غات
بموازاة العملية العسكرية التي خاضتها القوات المسلحة في درنة، كان أفرادها ينتشرون بشكل واسع في قلب الصحراء الجنوبية لمواجهة تنوّع واسع من العناصر المتطرفة، فكثير من التقارير التي أتت من الجنوب منذ نهاية العام الماضي، أشارت إلى أن مدنه، خصوصاً المترامية في أعماق الصحراء، باتت في قبضة تنظيم داعش. هذا الوضع دفع بحفتر إلى إصدار أمر بشن عملية عسكرية في الجنوب، وسط معارضة من المجلس الرئاسي في طرابلس و«قوة حماية طرابلس»، التي رأت أن هذه العملية تستهدف «تدمير الجنوب والقضاء على مقدراته وثرواته ونسيجه الاجتماعي». غير أن مرعي العرفي، أحد قيادات «الجيش الوطني» ذهب في حديثه مع «الشرق الأوسط» إلى أن القوات المسلحة «تسعى لحفظ الأمن في سبها وباقي المدن الجنوبية، بالإضافة إلى تأمين الحدود الليبية أيضاً. وبالتالي، فلا معنى لما يتردد من كلام غير مسؤول». وأردف: «الجماعات الإرهابية، والمهربون يعبثون بالجنوب منذ 8 سنوات، ولم تتحرك أي حكومة لحمايته وتأمينه... وها هو الجيش الوطني يضحي برجاله لاستعادة الوطن مرة ثانية».
كثير من مواطني الجنوب «شعروا بالأمن في مناطقهم، وفرحوا بوجود قوات الجيش بينهم»، حسب العميد أحمد المسماري المتحدث باسم القوات المسلحة، ومع ذلك يرى أن العملية العسكرية التي تتواصل في الجنوب بشكل جيد، لا يزال أمامها بعض الوقت كي تنهي مهمتها، خصوصاً مع التوجه نحو مرزُق والقطرون وأم الأرانب، جنوب مدينة سبها بنحو 240 كيلومتراً. لكنه أشار إلى الدعم الذي تلقته القوات المسلحة من القبائل ما سهّل لها دخول حقل الشرارة النفطي من دون قتال، فضلاً عن سيطرتها على المنشآت الحيوية في مقدمتها مطار سبها.
ومع نهاية الشهر الماضي، أعلن آمر «غرفة عملية الكرامة» اللواء عبد السلام الحاسي سيطرة قوات الجيش على مناطق عدة في الجنوب، بينها العوينات، ثم دخولهم مدينة غات القريبة من الحدود الجزائرية، جنوب غربي ليبيا. وأرجع رئيس حزب الائتلاف الجمهوري الليبي، أسباب دخول الجيش في عمق الجنوب وتحقيق انتصارات، إلى «اعتماده على أسلوب التفاوض والانفتاح الاجتماعي على الأهالي والوجهاء، ومنحهم مكرمة العفو عن المجموعات المسلحة التي تختار الخضوع بسلام للجيش، كما حصل بالموانئ النفطية ومدينة سبها وحقلي الشرارة والفيل».
- فرنسا والحدود
في الواقع، تظل مسألة الحدود الليبية عملية مؤرقة لأجهزة الدولة، خصوصاً في ظل الانقسام الذي يضرب البلاد منذ رحيل نظام القذافي، لكن شيئاً من هذا لم يمنع القوات المسلحة من توجيه ضربات موجعة للعصابات التشادية، دفعتها للفرار باتجاه الحدود، فوقعت فريسة لمقاتلات الجيش الفرنسي قبل دخولها الحدود التشادية مع ليبيا.
وفضلاً عن الأحاديث المتواصلة عن الأطماع الفرنسية بإقليم فزّان التاريخي، ومساعيها لتوسيع نفوذها هناك، تبقى قضية تأمين الحدود المترامية مع 6 دول من الشواغل الكبرى، في ظل انقسام حاد بين الأفرقاء السياسيين تغذيه شبكة مصالح وفساد سبق وأوردها ديوان المحاسبة في تقاريره. غير أن عز الدين عقيل يتوقع أن مسألة تأمين الحدود «ستظل مؤجلة إلى حين انتهاء عمليات تطهير الجنوب من كل مصادر الخطر الذي تمثله الجماعات الإرهابية، والعصابات الإجرامية».
وذهب عقيل في حديثه إلى «الشرق الأوسط» إلى أنه «عقب انتهاء العملية العسكرية في الجنوب، ستبدأ القيادة العامة في مفاوضات مع حكومات وجيوش الدول المجاورة لتفعيل ما سبق من اتفاقيات لحماية الحدود»، بالإضافة إلى «إبرام اتفاقيات تعاون أمني وعسكري، وتطوير ما يحتاج منها في ظل المستجدات الأمنية الإقليمية لمواجهة الجريمة المنظمة والعابرة للحدود».
ودعمت فرنسا لإنشاء «قوات دول الساحل الخمس العسكرية» التي تتألف من 5 آلاف عسكري، وتضم عسكريين من تشاد والنيجر وموريتانيا وبوركينافاسو ومالي، لتحقيق مشروع القوة الإقليمية المشتركة لمكافحة المجموعات المتطرفة في منطقة غرب أفريقيا. إلا أن هذا المشروع الذي سبق واتُفق عليه في العاصمة المالية باماكو، لم يحظَ بدعم أميركي أو أممي لتمويله.
- «جائزة» طرابلس
في أي حال، كل الرسائل التي تأتي من الشرق الليبي تحمل مضامين متشابهة، مفادها أن «القوات المسلحة انتصرت على جميع محاور القتال، ولم يتبقَ لها إلا القليل لحسم المعادلة لصالحها على الأرض، ومن ثم تكون السيطرة للجيش الوطني على كامل التراب الوطني. ومن بين تلك الأهداف المؤجلة التحرك باتجاه العاصمة لتحريرها من الميليشيات المسلحة، وهو ما عبر عنه القيادي بالجيش مرعي العرفي، بقوله إن القوات المسلحة «ستدخل طرابلس في الوقت المناسب، ودون قتال!».
ورأى محللون سياسيون أن تحرّك «الجيش الوطني» باتجاه مناطق جديدة لتطهيرها من «العناصر الإرهابية» ودحرها، سيوسع من نطاق نفوذه على الأرض، وينقص من رصيد حكومة «الوفاق الوطني» المعترف بها دولياً، ويحصرها، بل يضعها في مأزق. وهذا التحرك دفع ميليشيات العاصمة المُدرجة تحت اسم «قوة حماية طرابلس» إلى المسارعة بانتقاده ورفضه، حتى وصل الأمر بها إلى اتهام حفتر «بتدمير الجنوب، وتبديد ثرواته»، كما توعدت بمواجهة قوات الجيش إذا فكرت في دخول طرابلس. وكانت «قوة حماية طرابلس» قد أُسست في ديسمبر (كانون الأول) الماضي، وهي اتحاد بين مجموعات طرابلس المسلحة الرئيسية، أبرزها «قوة الردع الخاصة» وكتيبة «ثوار طرابلس»، وكتيبة «النواصي» و«الأمن المركزي - أبوسليم».
وفي ظل التخوف من تحرك الجيش باتجاه طرابلس، وتصاعد التحذيرات من عواقب هذه الخطوة، كان لرئيس حزب الائتلاف الجمهوري عز الدين عقيل رأي آخر، إذ قال إن «التوجه نحو طرابلس سوف يكون دون أدنى شك المحطة المقبلة للجيش»، مستكملاً: «كل المعطيات الآتية من العاصمة، تشير إلى قرب قيام عصيان مدني مسلح واسع بين شباب المدينة ضد الميليشيات التي تجثم على صدرها، بمجرد اقتراب الجيش من طرابلس».
أهمية هذه الخطوة بالنسبة للمؤسسة العسكرية، أرجعها عقيل إلى أن «طرابلس تعتبر التجمع الأكبر للقوى العسكرية المقهورة التي تشعر بالمهانة نتيجة طغيان الميليشيات على السكان ومقدرات الشعب ومقار وأسلحة الجيش التي نهبتها خلال السنوات الأولى لانتفاضة فبراير (شباط)». ويتوقع رئيس حزب الائتلاف الجمهوري «انضمام أكثر من 20 ألف عسكري إلى القوات المسلحة من داخل مدن الغرب بمجرد اقتراب الجيش من تخوم العاصمة ليعزز انتشاره في البلاد».
ومن جانب آخر، يُنظر للمجلس الرئاسي على أنه في مأزق، واضطرته الظروف إلى إقالة رئيس أركانه اللواء عبد الرحمن الطويل، وتعيين الفريق ركن محمد علي الشريف بدلاً منه، كما عيّن الفريق ركن سالم جحا، معاوناً لرئيس الأركان لشؤون التدريب، وذلك على خلفية تصريح للطويل رأى فيه أن الجيش الليبي «موحّد»، وأن «الخلاف بين الأطراف السياسية فقط»، متمنّياً في الوقت ذاته أن يجري التنسيق بين جميع وحدات الجيش بالمناطق الشرقية والغربية والجنوبية.
- مخاوف من «عسكرة ليبيا»
> رغم التداعيات على أرض الواقع، يظل هناك من يرى في غرب ليبيا أن توسيع «الجيش الوطني» تحركاته ليس إلا محاولة لـ«عسكرة ليبيا»، والتمكين لقائده خليفة حفتر، والسعي الحثيث للانقضاض على العاصمة طرابلس، لكن الأخير، الذي تخوض قواته، التي تقترب من 84 ألف ضابط وضابط صف وجندي، حروباً متواصلة منذ أن أعلن «عملية الكرامة» قبل قرابة 5 سنوات، تحدث غير مرة عن دعمه إجراء انتخابات ديمقراطية، لكنه أيضاً حذر من أن الجيش «سيجهض أي انتخابات إن لم تكن نزيهة».
وما بين الديمقراطية والنزاهة يبقى غرب البلاد عقبة كؤوداً وجائزة كبرى، أمام من يقرر خوض ماراثون الانتخابات الرئاسية المقبلة، لا سيما أنه يضم أكثر من 62 في المائة من عدد الناخبين، وهم الذين يحددون مَن يقود البلاد، إذا تم الاحتكام إلى صناديق الانتخابات وليس صناديق الذخيرة.
- غضبة قبيلة التبو... أحد أهم المكوّنات السكانية في الجنوب الليبي
> في هذه الأثناء، يبدي أفراد قبيلة التبو، في الجنوب الليبي، غضبهم من تشكيك البعض في انتمائهم للبلاد، فهم ينفون دائماً صلتهم بالمتمردين التشاديين، أو تقديم الدعم لهم، كما يتكتّمون على رفضهم العملية العسكرية التي يخوضها الجيش هناك، ويرون أنها «تهدد السلم الاجتماعي في منطقة حوض مرزُق».
وللعلم، ينتشر أفراد قبائل التبو ذوو البشرة الحنطية في منطقة تيبستي الجبلية الواقعة بين ليبيا وتشاد والنيجر. ويتعرضون للتهميش غالباً من القبائل العربية، في ظل وجود صراع مصالح ونفوذ في هذه المنطقة منذ إسقاط الرئيس الراحل معمر القذافي في عام 2011. ونقل ناشط سياسي، رفض ذكر اسمه لدواعٍ أمنية لـ«الشرق الأوسط»، أن «بعض شباب التبو قضوا في قتال قوات الجيش»، متعهداً: «سنواصل القتال ضد أي قوة تقتحم مناطقنا»، قبل أن يستدرك: «لسنا ضد الجيش بشكل عام، ونريد عودة الأمن إلى المنطقة، لكننا ضد تفتيت النسيج الاجتماعي».
يُذكر أنه تندلع اشتباكات من وقت إلى آخر، بين قبيلتي التبو غير العربية وأولاد سليمان العربية التي تقاتل في صفوف قوات الجيش، تسفر عن وقوع قتلى ومصابين. وسبق أن استخدم الرئيس الراحل معمر القذافي «التبو» في الماضي للتدخل في نزاعات في تشاد والنيجر، وبعد اندلاع انتفاضة فبراير. وتقع مدينة أوباري على بعد 900 كيلومتر جنوب طرابلس، ويقطنها قرابة 60 ألف نسمة (من التبو والطوارق والعرب) وتعد واحدة من أهم مدن منطقة حوض مرزُق، ويمثل التبو فيها جزءاً مهماً من النسيج الاجتماعي.
كذلك يقطن قرابة 50 ألف نسمة مرزُق، التي تتميز بقلعتها التي تعود إلى نحو 7 قرون مضت. وتحيط بالمدينة أشجار النخيل والمساجد التي تضم زوايا تحفيظ القرآن... وكانت تعد همزة وصل لنقل البضائع وكانت تمر فيها طرق التجارة قديماً من أقصى أفريقيا عبر الصحراء الليبية نحو الشمال.



لبنان يواجه تحدّيات مصيرية في زمن التحوّلات

جريمة اغتيال رفيق الحريري (غيتي)
جريمة اغتيال رفيق الحريري (غيتي)
TT

لبنان يواجه تحدّيات مصيرية في زمن التحوّلات

جريمة اغتيال رفيق الحريري (غيتي)
جريمة اغتيال رفيق الحريري (غيتي)

يواجه لبنان جملة من التحديات السياسية والعسكرية والأمنية والاقتصادية، خصوصاً في مرحلة التحوّلات الكبرى التي تشهدها المنطقة وترخي بثقلها على واقعه الصعب والمعقّد. ولا شك أن أهم هذه التحوّلات سقوط نظام بشّار الأسد في سوريا، وتراجع النفوذ الإيراني الذي كان له الأثر المباشر في الأزمات التي عاشها لبنان خلال السنوات الأخيرة، وهذا فضلاً عن تداعيات الحرب الإسرائيلية وآثارها التدميرية الناشئة عن «جبهة إسناد» لم تخفف من مأساة غزّة والشعب الفلسطيني من جهة، ولم تجنّب لبنان ويلات الخراب من جهة ثانية.

إذا كانت الحرب الإسرائيلية على لبنان قد انتهت إلى اتفاق لوقف إطلاق النار برعاية دولية، وإشراف أميركي ـ فرنسي على تطبيق القرار 1701، فإن مشهد ما بعد رحيل الأسد وحلول سلطة بديلة لم يتكوّن بعد.

وربما سيحتاج الأمر إلى بضعة أشهر لتلمُّس التحدّيات الكبرى، التي تبدأ بالتحدّيات السياسية والتي من المفترض أن تشكّل أولوية لدى أي سلطة جديدة في لبنان. وهنا يرى النائب السابق فارس سُعَيد، رئيس «لقاء سيّدة الجبل»، أنه «مع انهيار الوضعية الإيرانية في لبنان وتراجع وظيفة (حزب الله) الإقليمية والسقوط المدوّي لحكم البعث في دمشق، وهذا إضافة إلى الشغور في رئاسة الجمهورية، يبقى التحدّي الأول في لبنان هو ملء ثغرات الدولة من أجل استقامة المؤسسات الدستورية».

وأردف سُعَيد، في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، إلى أنه «بعكس الحال في سوريا، يوجد في لبنان نصّ مرجعي اسمه الدستور اللبناني ووثيقة الوفاق الوطني، وهذا الدستور يجب أن يحترم بما يؤمّن بناء الدولة والانتقال من مرحلة إلى أخرى».

الدستور أولاً

الواقع أنه لا يمكن لمعطيات علاقة متداخلة بين لبنان وسوريا طالت لأكثر من 5 عقود، و«وصاية دمشق» على بيروت ما بين عامَي 1976 و2005 - وصفها بعض معارضي سوريا بـ«الاحتلال» - أن تتبدّل بين ليلة وضحايا على غرار التبدّل المفاجئ والصادم في دمشق. ثم إن حلفاء نظام دمشق الراحل في لبنان ما زالوا يملكون أوراق قوّة، بينها تعطيل الانتخابات الرئاسية منذ 26 شهراً وتقويض كل محاولات بناء الدولة وفتح ورشة الإصلاح.

غير أن المتغيّرات في سوريا، وفي المنطقة، لا بدّ أن تؤسس لواقع لبناني جديد. ووفق النائب السابق سُعَيد: «إذا كان شعارنا في عام 2005 لبنان أولاً، يجب أن يكون العنوان في عام 2024 هو الدستور أولاً»، لافتاً إلى أن «الفارق بين سوريا ولبنان هو أن سوريا لا تملك دستوراً وهي خاضعة فقط للقرار الدولي 2254. في حين بالتجربة اللبنانية يبقى الدستور اللبناني ووثيقة الوفاق الوطني المرجعَين الصالحَين لبناء الدولة، وهذا هو التحدي الأكبر في لبنان».

وشدّد، من ثم، على ضرورة «استكمال بناء المؤسسات الدستورية، خصوصاً في المرحلة الانتقالية التي تمرّ بها سوريا»، وتابع: «وفي حال دخلت سوريا، لا سمح الله، في مرحلة من الفوضى... فنحن لا نريد أن تنتقل هذه الفوضى إلى لبنان».

العودة للحضن العربي

من جهة ثانية، يحتاج لبنان في المرحلة المقبلة إلى مقاربة جديدة عمّا كان الوضع عليه في العقود السابقة. ولا يُخفي السياسي اللبناني الدكتور خلدون الشريف، في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، أن لبنان «سيتأثّر بالتحوّلات الكبرى التي تشهدها المنطقة، وحتميّة انعكاس ما حصل في سوريا على لبنان». ويلفت إلى أن «ما حصل في سوريا أدّى إلى تغيير حقيقي في جيوبوليتيك المنطقة، وسيكون له انعكاسات حتمية، ليس على لبنان فحسب، بل على المشرق العربي والشرق الأوسط برمته أيضاً».

الاستحقاق الرئاسي

في سياق موازٍ، قبل 3 أسابيع من موعد جلسة انتخاب الرئيس التي دعا إليها رئيس مجلس النواب نبيه برّي في التاسع من يناير (كانون الثاني) المقبل، لم تتفق الكتل النيابية حتى الآن على اسم مرشّح واحد يحظى بأكثرية توصله إلى قصر بعبدا.

وهنا، يرى الشريف أنه بقدر أهمية عودة لبنان إلى موقعه الطبيعي في العالم العربي، ثمّة حاجة ماسّة لعودة العرب إلى لبنان، قائلاً: «إعادة لبنان إلى العرب مسألة مهمّة للغاية، شرط ألّا يعادي أي دولة إقليمية عربية... فلدى لبنان والعرب عدوّ واحد هو إسرائيل التي تعتدي على البشر والحجر». وبغض النظر عن حتميّة بناء علاقات سياسية صحيحة ومتكافئة مع سوريا الجديدة، يلفت الشريف إلى أهمية «الدفع للتعاطي معها بإيجابية وانفتاح وفتح حوار مباشر حول موضوع النازحين والشراكة الاقتصادية وتفعيل المصالح المشتركة... ويمكن للبلدين، إذا ما حَسُنت النيّات، أن يشكلّا نموذجاً مميزاً للتعاون والتنافس تحت سقف الشراكة».

يحتاج لبنان في المرحلة المقبلة إلى مقاربة جديدة

النهوض الاقتصادي

وحقاً، يمثّل الملفّ الاقتصادي عنواناً رئيساً للبنان الجديد؛ إذ إن بناء الاقتصاد القوي يبقى المعيار الأساس لبناء الدولة واستقرارها، وعودتها إلى دورها الطبيعي. وفي لقاء مع «الشرق الأوسط»، قال الوزير السابق محمد شقير، رئيس الهيئات الاقتصادية في لبنان، إن «النهوض الاقتصادي يتطلّب إقرار مجموعة من القوانين والتشريعات التي تستجلب الاستثمارات وتشجّع على استقطاب رؤوس الأموال، على أن يتصدّر الورشة التشريعية قانون الجمارك وقانون ضرائب عصري وقانون الضمان الاجتماعي».

شقير يشدّد على أهمية «إعادة هيكلة القطاع المصرفي؛ إذ لا اقتصاد من دون قطاع مصرفي». ويشير إلى أهمية «ضبط التهريب على كل طول الحدود البحرية والبرّية، علماً بأن هذا الأمر بات أسهل مع سقوط النظام السوري، الذي طالما شكّل عائقاً رئيساً أمام كل محاولات إغلاق المعابر غير الشرعية ووقف التهريب، الذي تسبب بخسائر هائلة في ميزانية الدولة، بالإضافة إلى وضع حدّ للمؤسسات غير الشرعية التي تنافس المؤسسات الشرعية وتؤثر عليها».

نقطة جمارك المصنع اللبنانية على الحدود مع سوريا (آ ف ب)

لبنان ودول الخليج

يُذكر أن الفوضى في الأسواق اللبنانية أدت إلى تراجع قدرات الدولة، ما كان سبباً في الانهيار الاقتصادي والمالي، ولذا يجدد شقير دعوته إلى «وضع حدّ للقطاع الاقتصادي السوري الذي ينشط في لبنان بخلاف الأنظمة والقوانين، والذي أثّر سلباً على النمو، ولا مانع من قوننة ليعمل بطريقة شرعية ووفق القوانين اللبنانية المرعية الإجراء». لكنه يعبّر عن تفاؤله بمستقبل لبنان السياسي والاقتصادي، قائلاً: «لا يمكن للبنان أن ينهض من دون علاقات طيّبة وسليمة مع العالم العربي، خصوصاً دول الخليج... ويجب أن تكون المهمّة الأولى للحكومة الجديدة ترسيخ العلاقات الجيّدة مع دول الخليج العربي، ولا سيما المملكة العربية السعودية التي طالما أمّنت للبنان الدعم السياسي والاقتصادي والمالي».

ضبط السلاح

على صعيد آخر، تشكّل الملفات الأمنية والعسكرية سمة المرحلة المقبلة، بخاصةٍ بعد التزام لبنان فرض سلطة الدولة على كامل أراضيها تطبيقاً للدستور والقرارات الدولية. ويعتبر الخبير العسكري والأمني العميد الركن فادي داوود، في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، أن «تنفيذ القرار 1701 ومراقبة تعاطيها مع مكوّنات المجتمع اللبناني التي تحمل السلاح، هو التحدّي الأكبر أمام المؤسسات العسكرية والأمنية». ويوضح أن «ضبط الحدود والمعابر البرية مع سوريا وإسرائيل مسألة بالغة الدقة، سيما في ظل المستجدات التي تشهدها سوريا، وعدم معرفة القوة التي ستمسك بالأمن على الجانب السوري».

مكافحة المخدِّرات

وبأهمية ضبط الحدود ومنع الاختراق الأمني عبرها، يظل الوضع الداخلي تحت المجهر في ظلّ انتشار السلاح لدى معظم الأحزاب والفئات والمناطق اللبنانية، وهنا يوضح داوود أن «تفلّت السلاح في الداخل يتطلّب خطة أمنية ينفّذها الجيش والأجهزة الأمنية كافة». ويشرح أن «وضع المخيمات الفلسطينية يجب أن يبقى تحت رقابة الدولة ومنع تسرّب السلاح خارجها، إلى حين الحلّ النهائي والدائم لانتشار السلاح والمسلحين في جميع المخيمات»، منبهاً إلى «معضلة أمنية أساسية تتمثّل بمكافحة المخدرات تصنيعاً وترويجاً وتصديراً، سيما وأن هناك مناطق معروفة كانت أشبه بمحميات أمنية لعصابات المخدرات».

حقائق

علاقات لبنان مع سوريا... نصف قرن من الهيمنة

شهدت العلاقات اللبنانية - السورية العديد من المحطات والاستحقاقات، صبّت بمعظمها في مصلحة النظام السوري ومكّنته من إحكام قبضته على كلّ شاردة وواردة. وإذا كان نفوذ دمشق تصاعد منذ دخول جيشها لبنان في عام 1976، فإن جريمة اغتيال الرئيس اللبناني المنتخب رينيه معوض في 22 نوفمبر (تشرين الثاني) 1989 - أي يوم عيد الاستقلال - شكّلت رسالة. واستهدفت الجريمة ليس فقط الرئيس الذي أطلق مرحلة الشروع في تطبيق «اتفاق الطائف»، وبسط سلطة الدولة على كامل أراضيها وحلّ كل الميليشيات المسلّحة وتسليم سلاحها للدولة، بل أيضاً كلّ من كان يحلم ببناء دولة ذات سيادة متحررة من الوصاية. ولكنْ ما إن وُضع «اتفاق الطائف» موضع التنفيذ، بدءاً بوحدانية قرار الدولة، أصرّ حافظ الأسد على استثناء سلاح «حزب الله» والتنظيمات الفلسطينية الموالية لدمشق، بوصفه «سلاح المقاومة لتحرير الأراضي اللبنانية المحتلّة» ولإبقائه عامل توتر يستخدمه عند الضرورة. ثم نسف الأسد «الأب» قرار مجلس الوزراء لعام 1996 القاضي بنشر الجيش اللبناني على الحدود مع إسرائيل، بذريعة رفضه «تحويل الجيش حارساً للحدود الإسرائيلية».بعدها استثمر نظام دمشق انسحاب الجيش الإسرائيلي من المناطق التي كان يحتلها في جنوب لبنان خلال مايو (أيار) 2000، و«جيّرها» لنفسه ليعزّز هيمنته على لبنان. غير أنه فوجئ ببيان مدوٍّ للمطارنة الموارنة برئاسة البطريرك الراحل نصر الله بطرس صفير في سبتمبر (أيلول) 2000، طالب فيه الجيش السوري بالانسحاب من لبنان؛ لأن «دوره انتفى مع جيش الاحتلال الإسرائيلي من جنوب لبنان».مع هذا، قبل شهر من انتهاء ولاية الرئيس إميل لحود، أعلن نظام بشار الأسد رغبته بالتمديد للحود ثلاث سنوات (نصف ولاية جديدة)، ورغم المعارضة النيابية الشديدة التي قادها رئيس الوزراء الراحل رفيق الحريري، مُدِّد للحود بالقوة على وقع تهديد الأسد «الابن» للحريري ووليد جنبلاط «بتحطيم لبنان فوق رأسيهما». وهذه المرة، صُدِم الأسد «الابن» بصدور القرار 1559 عن مجلس الأمن الدولي، الذي يقضي بانتخاب رئيس جديد للبنان، وانسحاب الجيش السوري فوراً، وحلّ كل الميليشيات وتسليم سلاحها للدولة اللبنانية. ولذا، عمل لإقصاء الحريري وقوى المعارضة اللبنانية عن السلطة، وتوِّج هذا الإقصاء بمحاولة اغتيال الوزير مروان حمادة في أكتوبر (تشرين الأول) 2004، ثمّ باغتيال رفيق الحريري يوم 14 فبراير (شباط) 2005، ما فجّر «ثورة الأرز» التي أدت إلى انسحاب الجيش السوري من لبنان يوم 26 أبريل (نيسان)، وتبع ذلك انتخابات نيابية خسرها حلفاء النظام السوري فريق «14 آذار» المناوئ لدمشق.تراجع نفوذ دمشق في لبنان استمر بعد انسحاب جيشها بضغط أميركي مباشر. وتجلّى ذلك في «الحوار الوطني اللبناني»، الذي أفضى إلى اتخاذ قرارات بينها «ترسيم الحدود» اللبنانية السورية، وبناء علاقات دبلوماسية مع سوريا وتبادل السفراء، الأمر الذي قبله بشار الأسد على مضض. وأكمل المسار بقرار إنشاء محكمة دولية لمحاكمة قتلة الحريري وتنظيم السلاح الفلسطيني خارج المخيمات - وطال أساساً التنظيمات المتحالفة مع دمشق وعلى رأسها «الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين - القيادة العامة» - وتحرير المعتقلين اللبنانيين في السجون السورية. حرب 6002مع هذا، بعد الحرب الإسرائيلية على لبنان في يوليو (تموز) 2006، التي أعلن «حزب الله» بعدها «الانتصار على إسرائيل»، استعاد النظام السوري بعض نفوذه. وتعزز ذلك بسلسلة اغتيالات طالت خصومه في لبنان من ساسة ومفكّرين وإعلاميين وأمنيين - جميعهم من فريق «14 آذار» - وتوّج بالانقلاب العسكري الذي نفذه «حزب الله» يوم 7 مايو 2008 محتلاً بيروت ومهاجماً الجبل. وأدى هذا التطور إلى «اتفاق الدوحة» الذي منح الحزب وحلفاء دمشق «الثلث المعطِّل» في الحكومة اللبنانية، فمكّنهم من الإمساك بالسلطة.يوم 25 مايو 2008 انتخب قائد الجيش اللبناني ميشال سليمان رئيساً للجمهورية، وفي 13 أغسطس (آب) من العام نفسه عُقدت قمة لبنانية ـ سورية في دمشق، وصدر عنها بيان مشترك، تضمّن بنوداً عدّة أهمها: «بحث مصير المفقودين اللبنانيين في سوريا، وترسيم الحدود، ومراجعة الاتفاقات وإنشاء علاقات دبلوماسية، وتبنّي المبادرة العربية للسلام». ولكن لم يتحقق من مضمون البيان، ومن «الحوار الوطني اللبناني» سوى إقامة سفارات وتبادل السفراء فقط.ختاماً، لم يقتنع النظام السوري في يوم من الأيام بالتعامل مع لبنان كدولة مستقلّة. وحتى في ذروة الحرب السورية، لم يكف عن تعقّب المعارضين السوريين الذي فرّوا إلى لبنان، فجنّد عصابات عملت على خطف العشرات منهم ونقلهم إلى سوريا. كذلك سخّر القضاء اللبناني (خصوصاً المحكمة العسكرية) للتشدد في محاكمة السوريين الذين كانوا في عداد «الجيش السوري الحرّ» والتعامل معهم كإرهابيين.أيضاً، كان للنظام السوري - عبر حلفائه اللبنانيين - الدور البارز في تعطيل الاستحقاقات الدستورية، لا سيما الانتخابات الرئاسية والنيابية وتشكيل الحكومات، بمجرد اكتشاف أن النتائج لن تكون لصالحهم. وعليه، قد يكون انتخاب الرئيس اللبناني في 9 يناير (كانون الثاني) المقبل، الاستحقاق الأول الذي يشهده لبنان من خارج تأثير نظام آل الأسد منذ نصف قرن.