فشل قمة هانوي بين الرئيس الأميركي دونالد ترمب مع زعيم كوريا الشمالية كيم جونغ أون في تحقيق اختراق، لا يمكن اعتباره فشلا كاملا.
فقد نقلت مصادر عن مسؤولين في البنتاغون أن المفاوضين الأميركيين عندما تخلوا عن مطالبة كوريا الشمالية بكشف شامل يمكن التحقق منه عن أسلحتها النووية وبرامجها الصاروخية، كانوا يرغبون في منع انهيار المفاوضات كما جرى في المرات السابقة قبل أكثر من عقد من الزمن.
لكنّهم ركّزوا على عنصر أساسي في برنامج بيونغ يانغ هو مفاعل «يونغبيون» النووي، الذي يعتقد الكثير من الخبراء النوويين بأنه الحجر الأساس في برنامج كوريا الشمالية النووي. وتضيف تلك الأوساط أن الرئيس ترمب الذي يرفض عادة نصائح مستشاريه والخبراء، وخصوصا تقارير أجهزة الاستخبارات حول ما يمكن أن تقبل به أو ترفضه بيونغ يانغ، سعى إلى تطمين الزعيم كيم عبر إعلانه بأنه ليس في عجلة للاتفاق على تدمير أسلحته النووية دفعة واحدة، وإنه كان مقتنعا بأن سياسة التأني هي التي يمكن أن تحقق نجاحا عجزت الإدارات الأميركية السابقة عن تحقيقه.
لكن فشل الرئيس في الحصول على هذا التعهد، وعلى إمكانية التحقق منه عبر السماح للمفتشين بزيارة موقع المفاعل والتجوال في أقبيته وممراته المحفورة تحت الأرض، وعلى تدمير عيّنة مهمّة من مواقع الصواريخ، قبل رفع العقوبات هو ما أدّى إلى وقف المفاوضات.
قالت أوساط وزارة الدفاع إن الرئيس ترمب كان سيقدّم مقابل هذا التعهد، عرضا لخفض القوات الأميركية البالغ عددها 28000 جندي منتشرين في المنطقة الحدودية، واستعداد الولايات المتّحدة للتوقيع على اتفاق مع كوريا الشمالية لإنهاء العداء ووقف دائم لإطلاق النار معها من الاتفاقية التي وقّعت في أعقاب الحرب التي جرت بين البلدين في نهاية خمسينات القرن الماضي.
لكن إصرار الزعيم الكوري على رفع العقوبات المفروضة على بلاده أو على الأقل جزء كبير منها، لم يوافق عليه مستشارو الرئيس ترمب، وأقنعوه بعدم تقديم أي تعهد في هذا المجال، قبل التأكد جديا من أن كوريا الشمالية عازمة على تدمير مفاعل يونغبيون.
وسائل إعلام أميركية كانت نقلت عن خبراء نوويين، بعضهم قام في السابق بزيارة مفاعل يونغبيون، قولهم إن تدمير المفاعل يعني تدمير قلب البرنامج النووي لكوريا الشمالية، وخطوة حاسمة في عدم تمكينها مجددا من إنتاج البلوتونيوم لأسلحتها النووية.
كانت الخشية من أن يعمد ترمب الذي طالما شدّد على «حدسه الخاص» في عقد الصفقات، إلى تقديم مثل هذه التعهدات، كخطوة تبادلية يراها ضرورية لبناء الثقة مع بيونغ يانغ للوصول مستقبلا إلى تحقيق نزع كامل لأسلحتها النووية.
في المقابل، لم يعلن وزير الخارجية مايك بومبيو الذي قال إن لا موعد جديدا لأي قمة أو لجولة من المفاوضات، أنها انتهت أو توقفت. لكنه كان قلقا من احتمال أن يكون المبعوث الخاص ستيفن بيغون الذي عينه في أغسطس (آب) الماضي ليقود المفاوضات التي كان يتولاها شخصيا في المرحلة الماضية، قد قدم تعهدات أكثر من المطلوب للكوريين، بتوجيهات لم تصدر عنه.
غير أن رهان ترمب قد لا يكون من دون أساس، في ظل التقدم الذي تحرزه المفاوضات التجارية القائمة مع الصين. وقد يكون الفشل في التوصل إلى اتفاق مع بيونغ يانغ جزءا من تلك المفاوضات مع بكين، التي عبر في الكثير من المناسبات عن أن العقدة الكورية لا تحل من دون تعاونها.
ورقة كوريا الشمالية التي كانت تستخدمها الصين في صراعها السياسي والاقتصادي في مواجهة دول المنطقة والولايات المتحدة يُعتقد أن مفعولها انتهى، بعد التغييرات الجيوسياسية والاقتصادية التي شهدتها منطقة شرق آسيا في العقد الأخير.
الصين اليوم باتت القوة الاقتصادية الثانية في العالم وتواصل تمددها البحري والبري ومشروعات طرق الحرير التي تبنيها في المنطقة والعالم. وكوريا الشمالية المحاصرة باتت عبئا على الصين، التي لا يضيرها تعميم نموذجها السياسي والاقتصادي فيها بضمان منها، ما ينفي الحاجة إلى سلاحها النووي. في هذه الحالة، يصبح التكهن بحلّ ملفها النووي في المرحلة المقبلة أمرا واردا، ولو بشكل بطيء، ستعمل الولايات المتحدة والصين على ضبط إيقاعه بما يتناسب وتطور علاقاتهما.
فشل قمة هانوي لن يوقف مفاوضات نزع السلاح النووي
فشل قمة هانوي لن يوقف مفاوضات نزع السلاح النووي
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة