سنوات السينما: Zabriskie Point

مايكلأنجلو أنطونيوني خلال التصوير
مايكلأنجلو أنطونيوني خلال التصوير
TT

سنوات السينما: Zabriskie Point

مايكلأنجلو أنطونيوني خلال التصوير
مايكلأنجلو أنطونيوني خلال التصوير

Zabriskie Point
(1970)
‫أنطونيوني في أميركا ضد أميركا ‬

‫ لم يشهد «‬زابريسكي بوينت» التقدير النقدي الذي كان المخرج مايكلأنجلو أنطونيوني يحصده مع كل فيلم جديد في الستينات. السبب بالنسبة للبعض كان واهناً، وهو أن أنطونيوني إنما أراد تحقيق فيلم أميركي ولم يقدر. بالنسبة لآخرين كان السبب سياسيا: أنطونيوني اليساري يريد الهجوم على اليمين الأميركي والرأسمالية.
السبب بالنسبة للبعض الثالث كان محض فني والواقع هو أن «زابريسكي بوينت» ليس بالفعل أفضل أعماله، لكنه أقواها. نعم هو أراد تحقيق هذا الفيلم في أميركا لكنه لم يبع نفسه لشركة مترو غولدوين ماير التي أنتجت الفيلم، كذلك أراد نقد الرأسمالية، لكن هذا كان حاله في عدد من أفلامه السابقة كذلك.
هذا كان فيلمه الثاني الناطق بالإنجليزية بين ثلاث. الأول Blow‪ - ‬Up سنة 1966 والثالث كان «المسافر» (The Passenger) سنة 1975، وضع أنطونيوني قصة وسيناريو «زابريسكي بوينت» الأول ثم شارك كتابته مع فرانكو روزيتي وتونينو غويرا وكلير ببلو قبل أن يعرضه كذلك على (الممثل والمخرج) الأميركي سام شيبارد.
يبدأ الفيلم بلقطة لخلفية غير واضحة كما لو أن هناك أشياء مستبعدة. أفكار هائمة لمجموعة أمن شبّان الجامعة نراهم يتناقشون حول مسائل حسموها داعين إلى المقاومة (حتى المسلّحة) في مواجهة السلطة. طلاّب من البيض والسود كلهم حماس ورغبة في التغيير بأي وسيلة. لكن مارك (مارك فريشيت) ينهض من بينهم ومع أنه يقول: إنه مستعد للموت في سبيل القضيّة، لكن ماهية هذه القضيّة غير محددة، ما يبرر ما ترمز إليه اللقطة الأولى. مارك، بعد كلمته القصيرة تلك، يترك الاجتماع ما يكشف عن نزعته الانفرادية٠ بعد قليل يتعرّف مارك على داريا (داريا هالبرن). هيبية بدورها لكنها تعمل سكرتيرة لدى مستر ألن (رود تايلور) أحد رجال الصناعة الأثرياء الذي ينوي بناء مجامع سكنية في الصحراء.
‫بينما مارك ثوري ناقم نجد داريا موزعة العواطف أساساً. هي بين مارك الذي يجد في النظام عداء لجيل كامل من الشبّان الباحثين عن مجتمع أفضل وبين مستر ألن الذي يؤمن بالرأسمالية منهجاً ويعتبر العداء للنظام القائم منافيا للحياة الاجتماعية الأميركية بأسرها. بوجود داريا، التي تتفهم وجهتي النظر، فإن أنطونيوني ينتقد موقف كل من الرجلين. يبتعد عن التنميط الثورجي والرجعي معاً تاركاً لداريا التحدّث نيابة عنه حين تقول لمارك: «العالم ليس مؤلّفاً من أبطال وأشرار فقط، بل هناك ألوف الجوانبـ«٠‬
يتلاعب ‫أنطونيوني بالمكان جمالياً ورمزياً باللقطات البعيدة المتمهّلة التي اشتهر بها مجسداً النظرة إلى هذه الجبال الصحراوية كجنة مفقودة يسعى الجميع إلى الوصول إليها. مارك سرق طائرة ليتّجه صوبها. داريا سرقت سيارة للوصول إليها في الوقت الذي يسعى ألن لتحويلها إلى استثمار كامل. ‬وفي النهاية مارك هو الذي يموت وداريا هي التي تنسف المؤسسة ولن نجد بين كل أفلام أنطونيوني نهاية غاضبة كما الحال هنا. ورسالته وصلت حتى من قبل أن يبدأ التصوير.
حال ما انتشر الخبر بأن أنطونيوني سيصوّر فيلماً في أميركا ضد أميركا هاج متظاهرون يمينيون وبعث الإف بي آي بمحققين للتأكد من نواياه. كانت هناك دعوات لمنع التصوير وفتح لجان تحقيق قضائية. لكن التصوير تم وعاد أنطونيوني إلى بلاده غير راض، حسب كتاب «أسوأ خمسين فيلما في التاريخ» (الذي اعتبر هذا الفيلم أحدها). الفيلم كلف الشركة ثمانية ملايين دولار ولم ينجز أي نجاح تجاري.

قيمة تاريخية: (وسط)
قيمة فنية: (جيد)


مقالات ذات صلة

اختتام «البحر الأحمر السينمائي» بحفل استثنائي

يوميات الشرق جوني ديب لفت الأنظار بحضوره في المهرجان (تصوير: بشير صالح)

اختتام «البحر الأحمر السينمائي» بحفل استثنائي

بحفل استثنائي في قلب جدة التاريخية ، اختم مهرجان «البحر الأحمر السينمائي الدولي» فعاليات دورته الرابعة، حيث أُعلن عن الفائزين بجوائز «اليُسر». وشهد الحفل تكريمَ

أسماء الغابري (جدة)
يوميات الشرق ياسمين عبد العزيز في كواليس أحدث أفلامها «زوجة رجل مش مهم» (إنستغرام)

«زوجة رجل مش مهم» يُعيد ياسمين عبد العزيز إلى السينما

تعود الفنانة المصرية ياسمين عبد العزيز للسينما بعد غياب 6 سنوات عبر الفيلم الكوميدي «زوجة رجل مش مهم».

داليا ماهر (القاهرة )
يوميات الشرق رئيسة «مؤسّسة البحر الأحمر السينمائي» جمانا الراشد فخورة بما يتحقّق (غيتي)

ختام استثنائي لـ«البحر الأحمر»... وفيولا ديفيس وبريانكا شوبرا مُكرَّمتان

يتطلّع مهرجان «البحر الأحمر السينمائي» لمواصلة رحلته في دعم الأصوات الإبداعية وإبراز المملكة وجهةً سينمائيةً عالميةً. بهذا الإصرار، ختم فعالياته.

أسماء الغابري (جدة)
يوميات الشرق الفيلم يتناول مخاطرة صحافيين بحياتهم لتغطية «سياسات المخدّرات» في المكسيك (الشرق الأوسط)

«حالة من الصمت» يحصد «جائزة الشرق الوثائقية»

فاز الفيلم الوثائقي «حالة من الصمت» للمخرج سانتياغو مازا بالنسخة الثانية من جائزة «الشرق الوثائقية».

«الشرق الأوسط» (جدة)
سينما «من المسافة صفر» (مشهراوي فَنْد)‬

8 أفلام عن أزمات الإنسان والوطن المُمزّق

تُحرّك جوائز «الأوسكار» آمال العاملين في جوانب العمل السينمائي المختلفة، وتجذبهم إلى أمنية واحدة هي، صعود منصّة حفل «الأوسكار» وتسلُّم الجائزة

محمد رُضا‬ (سانتا باربرا - كاليفورنيا)

شاشة الناقد: تضحيات صحافيين وانتهاكات انظمة

 «موعد مع بُل بوت» (سي د ب)
«موعد مع بُل بوت» (سي د ب)
TT

شاشة الناقد: تضحيات صحافيين وانتهاكات انظمة

 «موعد مع بُل بوت» (سي د ب)
«موعد مع بُل بوت» (سي د ب)

RENDEZ‪-‬VOUS AVEC POL‪-‬POT ★★★

* إخراج: ريثي بَنه (فرنسا/ كمبوديا)

يأتي فيلم «موعد مع بُل بوت» في وقت تكشف فيه الأرقام سقوط أعداد كبيرة من الصحافيين والإعلاميين قتلى خلال تغطياتهم مناطق التوتر والقتال حول العالم. ويُذكّر الفيلم أن الصحافة في تاريخها العريق، دائماً ما وجدت نفسها أمام مسؤوليات وتحديات عديدة. في هذا الفيلم الذي أخرجه ريثي بَنه عن الأحداث التي عصفت في بلاده سنة 1978 اقتباسات عن كتاب الصحافية إليزابيث بَكَر (Becker) وعن تجربتها بصفتها واحدة من 3 صحافيين دُعوا لمقابلة بُل بوت، رئيس وزراء كمبوديا وأحد قادة منظمة «الخمير الحمر» (Khmer Rouge) المتهمة بقتل ما لا يقل عن مليون و500 كمبودي خلال السبعينات. الصحافيان الآخران هما الأميركي ريتشارد دودمان، والأسكوتلندي مالكوم كالدويل.

لا يبدو أن المخرج اتّبع خُطى الكتاب كاملةً بل تدخّل بغايةِ ولوج الموضوع من جانب الحدث الذي وضع حياة الثلاثة في خطر بعدما جاءوا للتحقيق ومقابلة بُل بوت. في الواقع دفع الأميركي حياته ثمناً لخروجه عن جدول الأعمال الرسمي والتقاطه صوراً تكشف عن قتلٍ جماعي. وفي الفيلم لحظة مختصرة لكنها قاسية التأثير عندما يَلقى الصحافي حتفه غرقاً في نهر دُفع إليه.

الفرنسية إيرين جاكوب التي تؤدي شخصية الكاتبة بَكَر تُعايش بدورها الوضع بكل مأساته. تُفصل عن زميلها ولم تعد تعرف عنه شيئاً، وتمر بدورها بتجربة مخيفة لم تكن تعلم إذا ما كانت ستخرج منها حية.

في باطن هذا الفيلم الجيد على تواضع إنتاجه، تُطرح أسئلة فيما إذا كان الصحافي يستطيع أن يقبل التحوّل إلى جزءٍ من البروباغاندا. وهل هو أداة لنقل الرأي الرسمي بغياب حرية التعبير؟ وماذا لو فعل ذلك وماذا لو لم يفعل؟

هو ليس بالفيلم السّهل متابعته من دون معرفة ذلك التاريخ ودلالاته حول العلاقة بين النُّظم الفاشية والإعلام. والحرية التي لا تُمنح لصحافيين محليين هي نفسها التي لا تُمنح كذلك للأجانب ما دام عليهم نقل ما يُقال لهم فقط.

* عروض: موسم الجوائز ومهرجان «آسيا وورلد فيلم فيستيڤال».

‪THE‬ WRESTLE‪R‬ ★★

* إخراج: إقبال حسين شودهوري (بنغلاديش).

يقترب الرجل المسن موجو (ناصر أودين خان) وسط أشجار ليست بعيدة عن شاطئ البحر وينتقل من واحدة لأخرى ماداً يديه إليها كما لو كان يريد أن يدفعها بعيداً أو أن يُزيحها من مكانها. ومن ثَمّ يتركها ويركض صوب أخرى ليقوم بالفعل نفسه قبل أن يعود إليها. يبعث هذا المشهد على تكراره سخرية غير مقصودة. قد تكون طريقة قديمة لممارسة تمارين المصارعة أو التدريب الوحيد المُتاح في تلك القرية، لكن موجو جادٌ في محاولته لدفع الأشجار إلى الخلف أو تغيير مواقعها، استعداداً لملاقاة مصارع أصغر منه سنّا وأكبر حجماً في المباراة المقبلة.

«المصارع» (أبلبوكس فيلمز)

هناك كثير مما يتأمله المخرج شودهوري بطيئاً قبل تلك المباراة وما بعدها. بعضُ المشاهد لديها نسبة معقولة من الشِّعر الناتج عن تصوير الطبيعة (ماء، أشجار، حياة... إلخ) وبعضها الآخر لا يفضي إلى تقدير خاص. في نصف الساعة الأولى يعكس المخرج شغفاً ما بتصوير شخصياته من الخلف. عندما يتخلى المخرج عن هذه العادة لاحقاً، يستبدل بتلك اللقطات سلسلة من المشاهد البعيدة عن شخصياته في الغالب. هنا يتحسّن تأطير اللقطات على نحوٍ نافع ولو أن شغله على الدراما يبقى غير ذي مكانة.

يطرح الفيلم مشكلة رجلٍ لا يريد الاعتراف بالواقع ويتحدى من هو أكثر قوّة منه. يحقّق طموحه بلقاء المصارع الآخر ويخفق في التغلب عليه. في الواقع يسقط أرضاً مغشياً ومن ثمّ نراه لاحقاً في بيت العائلة قبل أن يعود إلى تلك الأشجار ليصارعها. المخرج (ثاني فيلم له) طموح، لكن أدواته التّعبيرية وإمكانياته التي تفرض نفسها على السيناريو وحجم الفيلم بأسره، محدودة.

* عروض: موسم الجوائز ومهرجان «آسيا وورلد فيلم فيستيڤال».

ONE OF THOSE DAYS WHEN HEMME DIES ★★★

* إخراج: مراد فرات أوغلو (تركيا).

قرب نهاية الفيلم يبدأ الشاب أيوب مراجعة ما مرّ به طوال اليوم. لقد انطلق غاضباً من المُشرِف على العمل عندما شتم أمّه. يعمل أيوب في حقلٍ لتجفيف الطاطم. ويعرف المخرج كيف يوظّف المكان، درامياً (سهل منبطح تحت شمس حامية وصعوبة العمل)، وجمالياً (تلك الثمار المقطوعة إلى نصفين والملقاة فوق شراشف على مد النظر).

«أحد تلك الأيام التي مات فيها هيمي» (مهرجان مراكش)

نقطة الخلاف أن أيوب يُطالب بأتعابه، لكن المُشرف على العمل لم يتقاضَ المال بعد ليدفع له، مما يؤجّج غضب أيوب فينشب شجار بينهما. يركب دراجته النارية وينطلق صوب بلدته. في منزله مسدسٌ سيتسلّح به وفي البال أن يعود لينتقم. معظم الفيلم هو رحلة على الدراجة التي تتعطل مرّتين قبل إصلاحها عند المساء. الأحداث التي تقع على الطريق وفي القرية الصغيرة تُزيّن الموضوع بشخصيات تدخل وتخرج من الحدث الرئيسي الماثل. في أحد هذه الأحداث الثانوية يُساعد أيوب رجلاً عجوزاً اشترى بطيخة ولا يستطيع حملها، فيوصله والبطيخة إلى داره. وفي مشهد آخر يستمع لتوبيخ زوج شقيقته لأنه كان عرض عليه العمل في شركته ورفض. لا يقول لنا الفيلم لماذا رفض ما ينتقص من بنية الموضوع وأسباب عزوف أيوب على تنفيذ وعده لنفسه بالانتقام.

اعتمد المخرج هذين المشهدين وسواهما لملء الوقت الممتد بين عزم أيوب على الانتقام وعزوفه عن ذلك. لكنه هذه المشاهد ضرورية رغم أن الفيلم ينتهي من دون أن يبني حجة دامغة لقرار أيوب النهائي. هذا الفيلم دراما مصوّرة جيداً ومكتوبة بدراية، رغم الهفوات المذكورة.

* عروض حالياً في مهرجان «مراكش»

★ ضعيف | ★★: وسط| ★★★: جيد | ★★★★ جيد جداً | ★★★★★: ممتاز