رغم تميز سكك حديد مصر بأنها ثاني أقدم سكة حديد في العالم بعد الخطوط الإنجليزية، وأنها أكبر شبكة خطوط موجودة في الشرق الأوسط والعالم العربي، فإن الحوادث المفجعة المتكررة تدل على أنها تعاني من أمراض شيخوخة مزمنة، ومن تفشي الأخطاء البشرية الناجمة عن قلة الكفاءة والتدريب، وأنها تحتاج إلى عمليات جراحية لاستعادة شبابها من جديد. ووصف عاملون بهيئة السكك الحديدية الأوضاع داخل هذا المرفق الحيوي بـ«المأساوي»، بسبب انتهاء العمر الافتراضي لمعظم الجرارات، وعدم تدريب العنصر البشري، ونقص قطع الغيار، إضافة إلى عدم مطابقة الجرارات الأميركية التي تسلمتها الهيئة عامي 2005 و2009 للمواصفات المطلوبة، وفق ما ذكره عاملون بهيئة السكة الحديد المصرية لصحف مصرية.
وقُتل في حادث رصيف رقم 6 بمحطة مصر أمس 20 شخصا، وأصيب نحو 43 آخرين، وفق ما أعلنته وزيرة الصحة هالة زايد.
ومن جانبه، قال هاشم رابح، وهو قائد قطار بالهيئة لـ«الشرق الأوسط»: «كنت أقف على رصيف 8 القريب من رصيف 6 الذي شهد الانفجار، استعدادا للانطلاق برحلتي من المحطة، وشاهدت الجرار يدخل بمفرده إلى الرصيف بسرعة مرتفعة، رغم أن السرعة القصوى لسير الجرارات داخل المحطة هي 8 كيلومترات فقط». لافتا إلى أن «الشرر المتطاير من احتكاك وتصادم الحديد مع خزان الوقود أدى إلى هذا الانفجار الشديد».
وأوضح رابح أن المشكلة «أكبر من أزمة الصيانة لأنه حادث نادر وغريب، فدخول جرارات المناورة على أرصفة المحطة لا يكون إلا لسحب العربات، أو إدخالها قبل إقلاع الرحلات بفترة كافية».
وأظهرت فيديوهات التقطت بواسطة كاميرات غرف التحكم في المحطة، أن نقاشاً بين سائق الجرار المنكوب، وزميل له يقود جرارا آخر، بسبب احتكاك بين الجرارين، تسبب على ما يبدو في سير الجرار الأول من دون قائد، ما أدى إلى اصطدامه بمصدات المحطة، ثم انفجار خزان الوقود به.
وفي شهر أغسطس (آب) من العام الماضي أصدرت هيئة النيابة الإدارية تقريرا، تضمن توصيات وحلولاً لعلاج أوجه القصور والخلل في المنظومة الفنية بالسكك الحديدية، وذلك في ختام التحقيقات التي باشرتها في واقعة خروج جرار وعربات القطار رقم 986 عن القضبان، وانقلاب بعضها في 13 من يوليو (تموز) الماضي، نتيجة عطل بالتحويلة الخاصة بمحطة المرازيق بالجيزة.
وقال التقرير وقتها إن «سكك حديد مصر ظلت مهملة منذ أكثر من 30 عاما، حيث شهدت العقود الأخيرة العديد من حوادث وكوارث القطارات». لافتا إلى عيوب نظام الربط الكهربائي بالسكك الحديدية، الذي وصفه بأنه «قديم ولا يواكب الأنظمة الحديثة والمتطورة، ولا توجد قطع غيار لهذه الأنظمة»، ولذلك يتم الاعتماد على قطع غيار بديلة قد تؤثر في كفاءة المنظومة، كما أن هذه الأنظمة لا تحتوي على نظام تسجيل للأحداث الخاصة بسير القطارات، سواء بالإدارة المركزية أو لوحة التشغيل، فضلا عن أن هذه الأنظمة تعتمد على العنصر البشري اعتمادا أساسيا في تشغيل، وتسيير القطارات في كل محطة أو برج أو تحويلة أو مزلقان، ودائماً ما يحدث إهمال أو تقاعس من العنصر البشري يؤدي إلى حدوث كوارث.
وأوضح تقرير النيابة الإدارية أن هيئة السكك الحديدية لا يوجد لديها نظام لتحليل الأعطال والوقوف على أسبابها، بل تعتمد فقط على منظومة الأوراق والسجلات للإخطار بالأعطال، وهو نظام يفتقر إلى إمكانية الربط بين الأعطال وتكرارها في الفترات الزمنية المختلفة، بما لا يُمكّنه من الوقوف على تكرار الأعطال أو تحليل أسبابها.
وأضاف رابح أن «الجرارات التي يقودها حاليا تفتقر إلى الحد الأدنى من نظم الأمان، وتعاني من التهالك ونقص قطع الغيار».
«شيخوخة» سكك حديد مصر المتهم الأول في كوارث القطارات
«شيخوخة» سكك حديد مصر المتهم الأول في كوارث القطارات
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة