الأجهزة تحبط اعتداءً وتقتل قيادياً متشدداً في القوقاز

قلق في روسيا من تصاعد التهديدات الإرهابية

جنود روس خلال تدريب على مكافحة الإرهاب
جنود روس خلال تدريب على مكافحة الإرهاب
TT

الأجهزة تحبط اعتداءً وتقتل قيادياً متشدداً في القوقاز

جنود روس خلال تدريب على مكافحة الإرهاب
جنود روس خلال تدريب على مكافحة الإرهاب

أعلنت هيئة (وزارة) الأمن الفيدرالي، أن قواتها قتلت في مواجهات جرت ليل الأربعاء - الخميس، زعيم مجموعة متشددة شنت خلال الشهور الأخيرة عدة هجمات مسلحة في مدينة نالتشيك عاصمة جمهورية كاباردينا بالقاري في إقليم شمال القوقاز. وأطلقت السلطات الأمنية تدابير واسعة في المنطقة، في إطار «عملية واسعة لمكافحة الإرهاب» تهدف إلى ملاحقة عناصر المجموعة، بالتزامن مع تزايد القلق لدى الأوساط الروسية بسبب تصاعد وتيرة التهديدات الإرهابية خلال الشهور الأخيرة.
ونقلت وكالة أنباء «نوفوستي» الرسمية عن مصدر أمني أن قوات الشرطة طوقت منزلاً في بلدة أليكساندورفكا قرب نالتشيك (جنوب غرب) بعد حصولها على معلومات عن تحصن عدد من قياديي المجموعة المتشددة فيه. وأسفر تبادل كثيف لإطلاق النار في أثناء محاولة دهم المكان عن مقتل عدد من عناصر المجموعة المتشددة وبينهم زعيمها الذي لم تعلن السلطات الروسية عن هويته، كما لم تفصح عن تفاصيل تتعلق بنشاط المجموعة التي وُصفت بأنها «أصولية».
وكشف الجهاز الأمني في وقت لاحق، أنه تلقى معطيات تفيد بتخطيط المجموعة لشن عدة هجمات تفجيرية، وأن هذه المجموعة مسؤولة عن تفجيرات وقعت خلال الشهور الأخيرة في الجمهورية القوقازية.
وأعلنت الأجهزة الأمنية ،البلدة «منطقة عمليات أمنية لمكافحة الإرهاب» وشنت عملية واسعة لملاحقة بقية أعضاء المجموعة.
تزامن ذلك مع تصاعد التحذيرات من اتساع نطاق نشاط مجموعات متشددة في جمهوريات شمال القوقاز، خصوصاً في كاباردينا بالقاري وداغستان اللتين شهدتا وقوع سلسلة هجمات في الشهور الأخيرة.
وكان مدير جهاز الأمن الفيدرالي ألكسندر بورتنيكوف، قد أعلن نهاية العام الماضي، أن الأمن الروسي كشف خلال 2018 عن 37 خلية إرهابية خططت لعمليات إرهابية على أراضي جمهوريات داغستان وإنغوشيتيا والشيشان وإقليم ستافروبل في شمال القوقاز.
وأضاف أنه خلال عمليات مكافحة الإرهاب وغيرها من عمليات التحري تم قتل 65 مسلحاً، بينهم عشرة من «زعماء العصابات المسلحة». كما تم إلقاء القبض على 36 من العناصر القيادية فيها و236 مسلحاً و589 وُصفوا بأنهم «متعاونون مع الشبكات الإرهابية».
وأشار بورتنيكوف إلى حظر أكثر من 64 ألف موقع على شبكة الإنترنت خلال العام الماضي، تضمنت معطيات تحرّض على العنف، بينها 47 ألف موقع تحتوي على مواد ذات مضمون إرهابي.
ولفت مدير جهاز الأمن الفيدرالي الروسي، إلى أن وزارة الداخلية وحرس الحدود التابع للجهاز منعا خلال العام الماضي، أكثر من 10 آلاف شخص يشتبه بتورطهم في أنشطة إرهابية ومتطرفة، من دخول البلاد. وكذلك تم منع انتقال 60 مواطناً روسياً وأجنبياً، إلى مناطق الصراعات المسلحة في الشرق الأوسط.
كانت أوساط روسية قد حذرت من أن تقويض القدرات القتالية لـ«داعش» في سوريا والعراق، سوف يسفر عن انتقال خلايا تابعة للتنظيم إلى مناطق أخرى، بينها بالدرجة الأولى منطقتا القوقاز الروسي وآسيا الوسطى.
وأفادت تقارير قدمها قادة الأجهزة الأمنية الروسية خلال مؤتمر موسع نُظم في موسكو قبل أسابيع، بحضور رؤساء أجهزة الاستخبارات والهياكل الأمنية من 80 بلداً، إلى تصاعد المخاوف الروسية بشكل غير مسبوق، منذ انتهاء الحرب في الشيشان في بداية الألفية الثالثة، من تعاظم التهديدات الإرهابية. وتحولها إلى التحدي الأكبر على المستويين الداخلي والخارجي.
وترافقت التحذيرات مع إقرار بأن النجاحات التي تحققت في سوريا والعراق خلال العامين الأخيرين لجهة تقويض نشاط التنظيمات الإرهابية، لم تنعكس إيجاباً على تقليص مساحة الخطر الإرهابي عموماً، بل على العكس من ذلك سرّعت عمليات التكيف والتأقلم التي قام بها المتشددون مع الواقع الجديد، وفقاً لتعبير وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف الذي قال إن «الانتصارات على الإرهاب في البلدين قوبلت بجهود من جانب القوى المتشددة لإعادة حشد طاقاتها للتكيف مع الظروف الجديدة وإعادة الانتشار في مناطق مختلفة».
ورأى لافروف أن «الإرهاب الدولي بات يشكل الخطر الأكبر على كل المجتمع الدولي».
وكانت موسكو قد حذرت أكثر من مرة خلال الشهور الأخيرة، من أن مقاتلي تنظيم داعش وبعض الفصائل المتشددة الأخرى في سوريا والعراق باشروا نشاطاً لإعادة توزيع قواتهم وتعزيز انتشارهم في مناطق أخرى، خصوصاً في أفغانستان والمناطق المحاذية لها في جمهوريات آسيا الوسطى.
ونبهت الأجهزة الأمنية الروسية إلى أن ما وصفته بـ«المعايير المزدوجة» التي تتبعها واشنطن وبعض البلدان الغربية سهّلت عمليات نقل المقاتلين وإعادة تركيز القوات في مناطق جديدة، بينها شمال أفريقيا وروسيا وبعض البلدان الأوروبية وآسيا الوسطى.



2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
TT

2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)

لا يوجد فراغ مسموح به في الطبيعة. فالطبيعة لا تغيّر طبيعتها، لأنها تكره الفراغ. في الفراغ لا حياة، لا صراع ولا تاريخ. فالتاريخ يتنقّل بين الفوضى والنظام. يُفرض النظام بالإكراه، فتوضع القوانين لتُفرض بالقوّة والإكراه أيضاً. هكذا كتب ألبير كامو، الفيلسوف الفرنسي في كتابه «الإنسان المتمرّد»، (The Rebel): «في النظام، كما في الفوضى، هناك شيء من العبوديّة». تستهدف الثورة النظام القائم، فتخلق الفوضى. لكنها مُلزمة بإعادة تكوين نظام جديد. وبين الفوضى والنظام، يدفع الإنسان العاديّ الأثمان.

يقول السياسيّ الراحل هنري كيسنجر ما معناه: إن الفراغ يجلب الحرب والهجوم. فهل سيكون عام 2025 عام ملء الفراغات، أو خلق بعضها؟

دخان يتصاعد من شمال قطاع غزة خلال قصف الجيش الإسرائيلي (أرشيفية - أ.ف.ب)

بعد عملية 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، تغيّرت موازين القوى في المنطقة. سقطت «حماس». سقط «حزب الله». سقط النظام في سوريا... وبذلك انهارت وحدة الساحات، أو ما يُسمّى محور المقاومة. وبسبب ذلك، سقطت منظومات كانت قائمة. وتظهّرت الفراغات القاتلة. ها هي إسرائيل تدمّر قطاع غزّة، لتخلق فراغاً لا توجد فيه حركة «حماس»، ولتؤسّس لحالة معيّنة قد يُطلَق عليها «الاحتلال التغييريّ»، (Transformative). بكلام آخر، فُرض الاحتلال أمراً واقعاً خارج القانون الدوليّ، لكنه طويل، ومُكلف للمُحتلّ، الأمر الذي قد يخلق ثقافة جديدة، ومختلفة عما كانت قبلها، حتى ولو تطلّب الأمر جيلاً من الزمن.

دخلت إسرائيل لبنان خلال الحرب الأخيرة، فخلقت منطقة عازلة. وها هي اليوم تُحصّنها استباقاً للسيناريو السيّئ. خلقت إسرائيل هذا الفراغ على الحدود اللبنانيّة، كما في داخل قطاع غزّة بالقوّة العسكريّة المُفرطة. لكن البقاء في لبنان واحتلال المنطقة العازلة، هو أمر مختلف تماماً عن احتلال قطاع غزّة.

بعد سقوط النظام في سوريا، سارعت إسرائيل إلى احتلال مزيد من الأراضي السوريّة وتوسيع المنطقة العازلة. لكنه احتلال من دون استعمال للقوّة، حتى ولو دمّر الطيران الإسرائيليّ قدرات الجيش السوريّ المستقبليّ. إنه احتلال مؤقّت-طويل. لكن المفارقة هي إعلان إسرائيل أن الجولان لن يعود إلى سوريا، وهو احتلال كأمر واقع (De Facto). ولتحرير الجولان، لا بد من حرب أو تفاوض، وهذان أمران متعذّرَان حالياً لأسباب كثيرة. وعليه قد يمكن حالياً إعلان وفاة مقولة كسينجر: «لا حرب في الشرق الأوسط من دون مصر، ولا سلام من دون سوريا».

صورة نشرها الجيش الإسرائيلي وقال إنها لجولة رئيس الأركان هرتسي هاليفي الميدانية في جنوب لبنان (أرشيفية)

حال العالم

في أوكرانيا يستعين الرئيس بوتين في حربه بالتكنولوجيا الغربيّة لتصميم صواريخه، آخرها الصاروخ الفرط صوتيّ «أوريشنيك». كما يستعين بالمُسيّرات الإيرانيّة، والعسكر الكوري الشمالي لتحرير الأرض الروسية في كورسك. يريد بوتين الاحتلال التغييري للشرق الأوكرانيّ.

في منطقة نفوذ الصين، يسعى التنين إلى استرداد جزيرة تايوان على أنها جزء تاريخيّ من الصين الكبرى. فهي تحضّر البحريّة الصينيّة، كون الحرب، وفي حال حصولها، سيكون أغلبها في البحر. ورداً على ذلك، بدأ تشكُّل كثير من التحالفات ردّاً على السلوك الصينيّ.

وفي مكان آخر من العالم، يُحضّر الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب مأسسة الصراع مع التنين الصينيّ. فهو يريد استعادة السيطرة على قناة بنما، نظراً إلى أهمية هذه القناة على الأمن القومي الأميركيّ. فهي الشريان الحيويّ الذي يربط الشرق الأميركي بالغرب. وهي التي أوصى بها المفكّر الاستراتيجيّ الأميركي البحريّ ألفريد ماهان. وهي التي أشرفت على بنائها الولايات المتحدة الأميركيّة، وذلك بعد انفصال بنما عن كولومبيا وبمساعدة البحريّة الأميركيّة آنذاك، خلال فترة حكم الرئيس الأميركي الراحل تيودور روزفلت. وبذلك، تكون القناة قد مرّت بثلاث مراحل هي: 1906 البناء مع الرئيس روزفلت، و1977 مع الرئيس جيمي كارتر الذي أعادها إلى بنما، واليوم مع الرئيس ترمب الذي يريد استردادها.

صور الرئيس الأسبق حافظ الأسد ممزقة للمرة الأولى في تاريخ سوريا (الشرق الأوسط)

يرى البعض أن تصريحات الرئيس ترمب مجرّد كلام عاديّ بسبب شخصيّته الفريدة. لكن الأكيد أن تصريحاته تنمّ عن عمق جيوسياسيّ بعيد المدى. فما معنى طرحه موضوع شراء جزيرة غرينلاند من الدنمارك؟ ما أهميّة هذه الجزيرة؟

إن ثقافة دبلوماسيّة الدولار (Dollar Diplomacy) في التاريخ الأميركي ليست جديدة. فهي قد اشترت لويزيانا من فرنسا عام 1803 بـ15 مليون دولار. كما اشترت من روسيا ولاية ألاسكا الحاليّة بـ7.2 مليون دولار.

شكّلت لويزيانا الربط بين الشرق والغرب الأميركيّ، كما سيطرت على أهمّ مرفأ أميركيّ يطلّ على خليج المكسيك. وبالحدّ الأدنى أخرجت دولة أوروبيّة من الأرض الأميركيّة. أما شراء ألاسكا، فقد أعطى أميركا إطلالة على مضيق بيرينغ الذي يطلّ بدوره على الأرض الروسيّة.

التحّولات الجيوسياسيّة الحاليّ

مع صعود الصين، تبدّلت موازين القوى العالميّة عمَّا كانت عليه خلال الحرب الباردة. فللصين قدرات كونيّة وفي كل الأبعاد، خصوصاً الاقتصاديّة والعسكريّة، وهذه أبعاد افتقر إليها الاتحاد السوفياتيّ. تسعى الصين إلى التموضع في القارة الأميركيّة. يُضاف إلى هذا التحوّل، الكارثة البيئيّة والاحتباس الحراري، الأمر الذي قد يفتح طرقاً بحريّة جديدة، حول الشمال الأميركيّ. خصوصاً أن ذوبان المحيط المتجّمد الشمالي سوف يُغيّر جغرافيّة الصراع الجيوسياسيّ بالكامل. ونتيجة لذلك، ستصبح الولايات المتحدة الأميركيّة تطلّ على ثلاثة محيطات بعد أن كانت تطلّ على محيطين.

وحدة مدفعية أوكرانية في منطقة زابوريجيا تطلق النار باتجاه القوات الروسية على خط المواجهة (أرشيفية - رويترز)

تتميّز غرينلاند بمساحتها الكبيرة، نحو مليوني كيلومتر مربع، مع عديد لا يتجاوز 56 ألف نسمة، وثروات مهمّة قد تجعل أميركا تستغني عن استيراد كثير من الثروات الطبيعيّة من الصين. خلال الحرب الباردة حاول الرئيس هاري ترومان شراء الجزيرة، وهي لا تزال تضمّ قاعدة عسكريّة جويّة أميركيّة.

في الختام، إذا استطاع الرئيس ترمب استعادة السيطرة على قناة بنما، وسيطر بشكل ما على غرينلاند، سيتكوّن مثلثّ جيوسياسيّ دفاعيّ حول الولايات المتحدة الأميركيّة يرتكز على: غرينلاند، وألاسكا، وقناة بنما. كل ذلك، بانتظار الرئيس ترمب في البيت الأبيض، وكيف سيتعامل مع العالم خصوصاً الصين. فهل سيكون انعزاليّاً أم انخراطيّاً أم مزيجاً من المقاربتين؟