ميلانو ترسم مستقبلها بخطوط من ماضيها

أربعة مصممين بريطانيين يُنعشون بيوتاً عريقة ويضخون فيها دماء شابة

من عرض «بوتيغا فينيتا»
من عرض «بوتيغا فينيتا»
TT

ميلانو ترسم مستقبلها بخطوط من ماضيها

من عرض «بوتيغا فينيتا»
من عرض «بوتيغا فينيتا»

منذ فترة وبيوت أزياء إيطالية كبيرة تعاني من الجمود، إلى حد أن البعض اتهمها بالهرم، بالنظر إلى أن أغلبية أصحاب هذه البيوت تعدوا الستين من العمر بسنوات إن لم نقل بعقود. من جيورجيو أرماني إلى روبرتو كافالي مرورا بفالنتينو غارافاني قبل تقاعده وغيرهم. كان لا بد من دماء جديدة تُنعش هذه البيوت وتضخ فيها بعض الحيوية. وبالفعل لم يُقصر المؤسسون في هذا المجال. فجيورجيو أرماني يرعى عدة برامج تدعم الشباب، بينما سلم آخرون المشعل لجيل جديد من المصممين.
بعضهم ركز على أبناء جلدتهم، مثل داري «فالنتينو» التي أناطت المهمة ببير باولو بيكيولي و«غوتشي» بأليساندرو ميكيلي، وبالفعل لم يخيب أي منهما الآمال، لا من الناحية الفنية أو من الناحية التجارية بالنظر إلى ما يحققانه من نجاحات. بعضهم الآخر أختار أسماء بريطانية شابة لهذه المهمة، مثل «سالفاتوري فيراغامو» التي عينت بول أندرو، و«روبرتو كافالي» التي عينت بول ساريدج، و«بوتيغا فينينتا» دانييل لي، و«ماكس مارا» إيان غيريفنز. وكانت النتيجة خلال أسبوع ميلانو لخريف وشتاء 2019 الذي انتهى مؤخرا، مثيرة بنكهتها البريطانية الخفيفة، التي أكد فيها كل هؤلاء المصممين أنهم لا يعيشون بـ«ثقافة الجزيرة» وبأنهم منفتحون على العالم وقادرون على التأقلم بسهولة.
لا يختلف اثنان أن التحدي أمامهم كان كبيرا. فالإيطاليون معروف عنهم تعصبهم للحرفية وإلى التقاليد القديمة، وهذا يعني أنه كان على كل واحد منهم المحافظة على إرث عريق وفي الوقت ذاته إضافة جرعة شبابية وديناميكية تفرضها متطلبات السوق.
بول أندرو تحديدا كان عليه أن يحمل على أكتافه إرثا تم تجميعه على مدى قرن من الزمن تقريبا في دار «سالفاتوري فيراغامو» التي تأسست في عام 1923، لم يكن هو النجم الوحيد في العرض. فبحكم أن الدار تأسست على تصميم الأحذية، فإن مصممها الخاص بهذا الجانب غيوم مياند كان له دور في هذه العملية الصعبة. انتبه بول أندرو سريعا أن عنصر مهم في مهمته هي أن «يُوحد الرؤية» حسب قوله حتى تكتسب الصورة تسلسلا وسلاسة، وهذا ما كان. قال أيضا إنه استلهم تشكيلته، من حذاء قديم. حذاء صممه المؤسس في عام 1942 وكان بمثابة ثورة في ذلك الزمن حيث استعمل فيه جلد الشامواه وتقنية الباتشوورك وألوان قوس قزح. أقل ما يمكن أن يقال عنه أنه كان مثيرا وجريئا في ذلك العهد. الأهم من هذا أنه يقول الكثير عن المرأة التي تم تصميمه لها في القرن الماضي. فمن الواضح أنها واثقة لا تخاف الألوان الزاهية بقدر ما ترفض الصورة النمطية وأن تكون عادية. وهذا ما تحديدا ما التقطه المصمم الشاب، وصاغه في أزياء لعبت فيها الجلود دورا مهما إلى جانب الألوان والتقنيات التقليدية والحديثة على حد سواء، فضلا عن نقشات أخذها من الأرشيف وتجلت كرُقع حديثة على الحرير المضلع. استغل إمكانات الدار وما تتوفر عليه من جلود وتقنيات في تطويعها لتكتسب خفة الحرير؛ حيث ظهرت إطلالات كاملة من الجلد الناعم، شملت معاطف بأحزمة وأخرى بقلنسوات تتسم بأسلوب رياضي، إلى جانب استعماله السخي للصوف الياباني والكشمير. لم ينس أن المرأة الناضجة زبونة مهمة ووفية للدار، لكنه لم ينس أيضا أن عليه أن يجذب زبونات شابات، لهذا كانت هناك الكثير من الفساتين المنسدلة والخفيفة إلى جانب التايورات المفصلة، في محاولة ذكية للجمع بين الأجيال، وكذلك الجمع بين القوة والشاعرية. كان للرجل أيضا مجموعة مهمة في هذه التشكيلة، وراعى فيها المصمم هي الأخرى كل الأذواق. ففيها ما يُلبي متطلبات رجل يمضي أوقاته بين أحضان الطبيعة، من خلال السترات والمعاطف المصممة من جلد الأيل والقماش المخملي المضلّع وقماش الجبردين، ومنها ما يلبي حاجة رجل أعمال، من خلال بدلات مفصلة، بعضها بأسلوب رياضي تغلب عليه الأكتاف الناعمة وجيوب عريضة على الصدر، بأقمشة بريطانية وإيطالية تقليدية.
في دار «روبرتو كافالي»، اجتهد المصمم البريطاني بول ساريدج بدوره أن يُلمع ماضيها ويعيده إلى الواجهة بشكل جديد. غاص في الأرشيف وتلاعب ببعض الرموز التقليدية فيما بدأ وكأنه تحية للمؤسس، لكن لحسن الحظ، لم يغرق في الحنين إلى الماضي. لم يغرف من رموزه بنهم، لأنه، وكما قال، كان واعيا أن مهمته هي التذكير بمجد الماضي وليس العودة إليه. من هذا المنظور كانت نقوش النمر والفهد التي اشتهرت بها الدار حاضرة في الأزياء النسائية والرجالية على حد سواء، لكن بألوان مثل الفوشيا والأزرق وما شابههما من ألوان أخرى ونقشات كلها تصرخ بالرفض أن تبقى لصيقة بامرأة أو رجل فاتهما قطار الموضة.
ربما يكون عرض «بوتيغا فينيتا» هو الأكثر إثارة للانتباه خلال أسبوع ميلانو. انتظره عشاق الموضة على أحر من الجمر لعدة أسباب. أولها أن المصمم البريطاني دانيال لي تخرج من معهد «سانترال سانت مارتن» الشهير، وثانيا عمل مع عدة بيوت أزياء عالمية أكد فيها قدراته. ثالثا، وهذا هو الأهم، كان اليد اليمنى لمصممة «سيلين» فيبي فيلو السابقة، وبالتالي كانت شريحة كبير تأمل أن يأتي ما يقدمه نسخة عن أسلوبه في الدار الفرنسية، حتى يأخذهم إلى زمن فيبي فيلو بعد أن ألغى المصمم هادي سليمان الكثير من شخصيتها وبصماتها في عرضه الأخير. أمر أثار حفيظتهم وغضبهم عليه. فبالنسبة لهم لم يكن أسلوبها موضة أو مجرد أزياء بقدر ما كان هوية تعكس شخصيتهن ونضجهن الثقافي والفكري من خلال تصاميم هندسية وألوان تتسم ببرودة أعصاب لا يتقنها سواها. لكن دانييل لي لم يقع في المطب. لم يكن ما قدمه لـ«بوتيغا فينيتا» مطبوعا بأسلوب «سيلين»، على الأقل ليس بشكل واضح، ربما لأنه كان مُدركا لهذه التوقعات وخائفا من المقارنات. في المقابل، تعمد الابتعاد عما كان متوقعا منه وعانق رموز الدار الإيطالية التي التحق بها منذ عام تقريبا. والنتيجة كانت تشكيلة تشعر بأنها إيطالية الأناقة لكن خفيفة الروح فيها جُرأة وبعض الشقاوة البريطانية. كانت هناك الكثير من الإطلالات بياقات مفتوحة قال إنه استلهمها من لوحات تجسد عصر النهضة الإيطالية، لأن هذا الجزء من الجسد «هو الذي لا تشعر المرأة بالحرج عند إبرازه في أي مرحلة من عمرها»، لكن كانت هناك الكثير من الخامات المترفة وخاصة الجلود، بحكم أن الدار، مثل «سالفاتوري فيراغامو»، قامت على الإكسسوارات بداية.
أما في العرض الذي قدمه البريطاني إيان غيرفيثز لدار «ماكس مارا» فكانت الصورة مختلفة. ربما تكون تجارية أكثر لكنها كانت تثير الابتسام والسعادة في النفوس. منبع هذه السعادة أنها ذكرتنا نوعا ما بعروض الراحل جياني فرساتشي في الثمانينات، حين كانت العارضات السوبر يمشين على المنصة ثلاث أو رُباع، بابتسامات واسعة وخطى واثقة ولسان حالهن يقول بأن لا شيء مستحيل في الحياة وأنهن مستعدات لمواجهة كل تحدياتها بالأناقة. كان يؤمن مثل غيره بأن الإبهار فعلا يُحرر المرأة ويمنحها القوة. فيما عدا هذا، كانت الصورة التي التقطها إيان غريفيثز، عصرية بكل عناصرها وتفاصيلها الأخرى. فقد أثبت المصمم منذ انضمامه للدار أنه يعرف من هي زبونتها، وبأي قطعة سيُرضيها، لهذا كان المعطف هو البطل بلا منازع. قد يأخذ أشكالا مختلفة وألوانا متنوعة لكنه يبقى أنيقا ولافتا يُغني المرأة عن أي قطعة أخرى في الموسمين المقبلين. ما زاد من قوة الصورة ودراميتها أنه استعمل لونا واحدا في إطلالة كاملة، قد تشمل بنطلونا أو تنورة مع كنزة وحذاء عالي الرقبة. كان الهدف خلق تأثير درامي بلون واحد وبدرجات متقاربة عوض تكسيرها أو التخفيف منها، لا سيما أنها كما أثبت صورة «تحيي» ولا تميت. ورغم أن اللون البيج الجملي المرتبط بالدار غالبا، إلا أنه أدخل درجات أخرى منه إلى جانب ألوان قوس قزح المتوهجة مثل الأزرق والفوشيا وغيرها، وهو ما شكل مفاجأة في غاية الجمال.
> عرض «فندي»... رسالة حب لكارل لاغرفيلد
> كان متوقعاً وطبيعياً أن يتحول عرض «فندي» إلى احتفال حزين؛ فقد كان آخر تشكيلة أشرف كارل لاغرفيلد على تصميمها قبل رحيله في الأسبوع الماضي. فرغم أن اسم المصمم اشتهر أكثر مع «شانيل»، فإن قصته مع دار «فندي» تعدّ من «أطول قصص الحب»؛ حسب قول سيلفيا فندي. قصة عمرها 54 عاماً، بدأت عندما كان شاباً، ولم تخبُ شعلتها إلا بموته. وأكدت سيلفيا، سليلة العائلة المؤسسة وهي أيضاً صديقته وزميلته في العمل، أنه أشرف على كل تفاصيلها، بدءاً من رسم الاسكيتشات إلى اختيار الخامات والألوان. وأضافت أن آخر ما تتذكره قبل موته بأيام قليلة مكالمتهما معاً التي كان شغله الشاغل فيها أن «تكون التشكيلة غنية وجميلة». لهذا كان العرض لكل من تابعه بمثابة الفصل الأخير من قصة رومانسية. لم يكن مأتماً حزيناً، وبالتالي لم يكن ضرورياً أن يتذكر الضيوف محاسنه أو أن يذكروها، لأنه كان حاضراً معهم طوال الـ15 دقيقة، وهي مدة عرض شاركت فيه مجموعة من عارضاته المفضلات مثل كايا غيربر وجيجي حديد... وغيرهما. بعد نهاية العرض ذكرت سيلفيا فندي أنه كان رسالة حب، مضيفة أن «علاقته مع (فندي) أطول من قصة حب، لأنها ستستمر للأبد».
وكان المصمم قد التحق بالدار الإيطالية في عام 1965، وعمل مع كل أفراد العائلة التي كانت مؤلفة من 5 أخوات، قبل أن تنتقل ملكيتها إلى مجموعة «إل في آم آش». طوال هذا الوقت كانت له بطاقة بيضاء يتصرف بموجبها بحرية وبعقد بلا نهاية، وهو ما يمكن القول إنه فريد من نوعه في عالم الموضة. لهذا فإن فقدانه بالنسبة لسيلفيا التي عملت معه لـ24 عاماً بمثابة فقدان فرد من أفراد العائلة.
من ناحية ما تم عرضه من تصاميم، فإن كل شيء فيها يشير إلى أن المصمم كان يعرف أنها ستكون آخر تشكيلة له، بعد أن اشتد عليه المرض، لهذا صب فيها كل ما يملكه من قوة. أول مجموعة تميزت بياقات مربوطة على العنق، تلتها مجموعة بأكتاف محددة، ثم أخرى مزينة بالفرو عند الحواشي، وطبعاً كان هناك كثير من الجلود المقطعة بالليزر. وطبعاً لم يرد أن يُنهي هذا الفصل من حياته من دون أن يترك أثره مطبوعاً عليها، من خلال لوغو كان قد صممه في عام 1981 ظهر في كثير من الأزرار والنقشات. لكن الموضة لم تكن بحاجة إلى هذا اللوغو لكي تتذكره.


مقالات ذات صلة

2024... عام التحديات

لمسات الموضة لقطة أبدعت فيها «ديور» والمغنية لايدي غاغا في أولمبياد باريس (غيتي)

2024... عام التحديات

إلى جانب الاضطرابات السياسية والاقتصادية، فإن عودة دونالد ترمب للبيت الأبيض لا تُطمئن صناع الموضة بقدر ما تزيد من قلقهم وتسابقهم لاتخاذ قرارات استباقية.

جميلة حلفيشي (لندن)
لمسات الموضة ماثيو بلايزي مصمم «بوتيغا فينيتا» سابقاً (غيتي)

2024...عام الإقالات والتعيينات

تغييرات كثيرة شهدتها ساحة الموضة هذا العام، كانت من بينها إقالات واستقالات، وبالنتيجة تعيينات جديدة نذكر منها:

جميلة حلفيشي (لندن)
لمسات الموضة في معمل كوجيما تعكف عاملة على كي قماش الدنيم (أ.ف.ب)

الجينز الياباني... طرق تصنيعه تقليدية وأنواله هشة لكن تكلفته غالية

على الرغم من تعقيد الآلات المستعملة لصنعه، فإن نسيجه يستحق العناء، ويتحول إلى قماش ناعم جداً بمجرّد تحويله إلى سروال جينز.

«الشرق الأوسط» (لندن)
لمسات الموضة الممثلة الأميركية أوبري بلازا في جاكيت توكسيدو وقبعة من المخمل تتدلى منها ستارة من التول (دولتشي أند غابانا)

التول والمخمل... رفيقا الأفراح والجمال

بين المرأة والتول والمخمل قصة حب تزيد دفئاً وقوة في الاحتفالات الخاصة والمناسبات المهمة

جميلة حلفيشي (لندن)
لمسات الموضة بين ميغان ماركل وكايلي جينر قواسم مشتركة وفوارق عديدة في الوقت ذاته (أ.ف.ب)

ميغان ماركل وكايلي جينر والصراع على المرتبة الأولى

هناك فعلاً مجموعة من القواسم المُشتركة بين ماركل وجينر، إلى جانب الجدل الذي تثيرانه بسبب الثقافة التي تُمثلانها ويرفضها البعض ويدعمها البعض الآخر.

جميلة حلفيشي (لندن)

ميغان ماركل وكايلي جينر والصراع على المرتبة الأولى

بين ميغان ماركل وكايلي جينر قواسم مشتركة وفوارق عديدة في الوقت ذاته (أ.ف.ب)
بين ميغان ماركل وكايلي جينر قواسم مشتركة وفوارق عديدة في الوقت ذاته (أ.ف.ب)
TT

ميغان ماركل وكايلي جينر والصراع على المرتبة الأولى

بين ميغان ماركل وكايلي جينر قواسم مشتركة وفوارق عديدة في الوقت ذاته (أ.ف.ب)
بين ميغان ماركل وكايلي جينر قواسم مشتركة وفوارق عديدة في الوقت ذاته (أ.ف.ب)

ما الذي يمكن أن يجمع دوقة ساسكس، ميغان ماركل وكايلي جينر، صُغرى الأخوات كارداشيان؟ فالأولى ترتبط بالعائلة المالكة البريطانية بحكم زواجها من الأمير هاري، والثانية تنتمي إلى عائلة بَنَتْ شهرتها على تلفزيون الواقع. خبراء الموضة يجيبون بأن هناك فعلاً مجموعة من القواسم المُشتركة بينهما؛ فإلى جانب الجدل الذي تثيرانه لدى كل ظهور لإحداهما، بسبب ما تُمثلانه من ثقافة يرفضها بعض الناس ويدعمها بعضهم الآخر، فإن تأثيرهما على صناعة الموضة من الحقائق التي لا يختلف عليها اثنان. ما تلبسه ميغان يتصدر العناوين وصفحات المجلات البراقة وقد ينفد من المحلات، وما تنشره كايلي جينر على صفحاتها ينتشر انتشار النار في الهشيم، في دقائق، ويلهب رغبة متابعاتها في الشراء.

كايلي في فستان «فريز» من «غالفان» (خاص) وميغان في حفل بلوس أنجليس (أ.ب)

وهذا ما يجعل المصممين لا يمانعون ظهورهما بتصاميمهم، بغض النظر عما إذا اتفقوا مع الثقافة التي ترتبط بهما أم لا، على أساس أنه مهما وصلت نسبة الجدل والانتقادات؛ فهي نافعة تعود عليهم بالربح. أو، على أقل تقدير، تسلِّط الضوء عليهم.

في عام 2018، ظهرت كل منهما بفستان مستوحى من «التوكسيدو» باللون نفسه، ومن الماركة النيوزيلندية نفسها، ماغي مارلين. ظهرت به ماركل في زيارتها الرسمية لأستراليا ونيوزيلندا رفقة زوجها الأمير هاري، من دون أكمام، بعد أن طلبت من المصممة تعديله خصيصاً لها. كايلي، وبعد مدة قصيرة، ارتدته كما هو بأكمام، الأمر الذي يشي بأنها اشترته جاهزاً. في الحالتين، أسعدتا المصممة ماغي هيويت، التي تغنَّت بهما على صفحتها بالصورتين معبرة عن إعجابها بالشخصيتين؛ خصوصاً أن المبيعات زادت بشكل ملحوظ.

الجانب التجاري

لكن هناك أيضاً اختلافات بينهما؛ فكايلي تستفيد مادياً وترويجياً، لأنها تتلقى مبالغ طائلة لقاء منشور واحد، على العكس من ميغان التي لا تستطيع ذلك، لحد الآن على الأقل، لدواعي الحفاظ على صورة راقية تعكس لقبها كدوقة بريطانية، مع العلم بأن هذا اللقب لم يمنعها من دخول مضمار أعمال تجارية لم تحقق النجاح الذي تطمح إليه.

تغريدة واحدة من كايلي جينر تحقق ما لا يحققه عرض بكامله من ناحية تسليط الأضواء (رويترز)

في المقابل، فإن كايلي جينر، ورغم سنها الغضة، تجاوزت في فترة من الفترات حاجز المليار دولار لتُصبح واحدة من أصغر سيدات الأعمال بفضل علامتها «كاي (KHY)» لمستحضرات التجميل والعناية بالبشرة. أكدت، منذ بدايتها، أن الحس التجاري يجري في دمها؛ إذ شقت لنفسها خطأً مختلفاً عن أخواتها، ربما لأنها كانت تعرف أن منافستهن صعبة. ما نجحت فيه أنها استغلَّت اسم العائلة وشهرة أخواتها لتخاطب بنات جيلها بلغة تُدغدغ أحلامهن وطموحاتهن. وسرعان ما أصبحت نجمة قائمة بذاتها على وسائل التواصل الاجتماعي. تغريدة واحدة منها يمكن أن تغير مسار علامة تماماً.

زِيّ من ماركة «ألتوزارا» الأميركية ظهرت بها خلال مناسبة خاصة بالصحة النفسية والعقل اعتبره كثيرون غير مناسب للمكان والزمان (رويترز)

ميغان ماركل، رغم استثماراتها ومغازلتها صُنَّاع الموضة، لا تزال تستمد بريق صورتها من ارتباطها بالأمير هاري. على المستوى الربحي، لم تنجح في أن تنتقل من رتبة مؤثرة إلى درجة سيدة أعمال، كما لم تنجح في كسب كل القلوب، وهذا ما يجعل شريحة مهمة ترفض وصفها بأيقونة موضة، وتصف اختياراتها بـ«غير الموفقة». هذه الشريحة تستشهد إما بارتدائها تصاميم بمقاسات أكبر أو أصغر من مقاسها الحقيقي، أو تصاميم من ماركات عالمية لا تناسب شكلها أو طولها، وهلمّ جرّا.

ميغان ماركل رغم تأثيرها تثير كثيراً من الجدل بين رافض ومعجب (كارولينا هيريرا)

بيد أن قوتها، بالنسبة للمعجبات بها، كانت، ولا تزال، تكمن في عيوبها؛ فلأنها لا تتمتع بمقاييس عارضات الأزياء، ولا تشبه «كنَّتها»، أميرة ويلز، كاثرين، رشاقةً وطولاً، فإنها تُعبِّر عنهن. كل فتاة أو امرأة، بغض النظر عن عيوبها ومقاييسها، ترى نفسها في إطلالاتها. فعندما ظهرت بصندل من شركة «كاستنر» الإسبانية مثلاً ارتفعت مبيعاتها بنسبة 44 في المائة مباشرة، لأنها خاطبت شرائح من الطبقات المتوسطة، نظراً لأسعارها المعقولة. علامات محلية كثيرة لم تكن معروفة اكتسبت عالمية بمجرد أن ظهرت بها، لا سيما في السنوات الأولى من زواجها، حين كانت بالنسبة للبعض بمثابة «سندريلا» معاصرة. ساهمت أيضاً في تسليط الضوء على علامة «Club Monaco»، بعد ظهورها بفستان مستوحى من القميص، أي بإزار من الصدر إلى الأسفل، حين ظهرت به أول مرة خلال زيارتها الرسمية لجنوب أفريقيا.

لم يكن التصميم ثورياً أو جديداً، لكنه فتح عيون المرأة عليه، ليزيد الإقبال عليه بنسبة 45 في المائة وينفذ من الأسواق خلال 24 ساعة. كان لها نفس التأثير الإيجابي على علامات مثل «جي كرو» و«جيفنشي» و«ستيلا ماكارتني» وغيرهم. منصة «ليست»، وهي أيضاً شركة تسوُّق أزياء عالمية تربط العملاء بتجار تجزئة الأزياء رشحتها «كأهم مؤثرة لعام 2018». بيد أن تأثيرها ظلَّ مستمراً حتى بعد خروجها من المؤسسة البريطانية في عام 2020، وإن خفَّ وهج صورتها بعض الشيء.

البحث عن الجاكيت الذي ظهرت به ميغان في ألمانيا لدى حضورها ألعاب «إنفيكتوس» عطل موقع «جي كرو» (رويترز)

موقع «جي كرو» مثلاً تعطَّل في سبتمبر (أيلول) 2023، بسبب البحث عن سترة بيضاء ظهرت بها لدى مرافقتها زوجها، الأمير هاري، إلى ألمانيا، لحضور ألعاب «إنفيكتوس».

ولأنها باتت تَعرِف قوة تأثيرها على الموضة، استثمرت مؤخراً في علامة «سيستا كوليكتيف»، وهي علامة حقائب تصنعها نساء من رواندا، وتكتمل تفاصيلها في إيطاليا، لتحمل صفة «صُنع باليد». قالت إنها اكتشفتها بالصدفة وهي تقوم بعملية بحث عبر الإنترنت على حقائب مستدامة. ظهرت بالحقيبة أول مرة في مايو (أيار) من عام 2023 لدى حضورها حفل عشاء مع كل من غوينيث بالترو وكاميرون دياز في لوس أنجليس.

عروض الأزياء العالمية

ومع ذلك، لم نرَ ميغان ماركل بأي عرض أزياء في نيويورك أو في باريس أو ميلانو حتى الآن، باستثناء حضورها في عام 2018 حفل توزيع جوائز الموضة البريطانية ضيفةَ شرفٍ لتقديم جائزة العام لمصممة فستان زفافها، كلير وايت كيلر، التي كانت مصممة «جيفنشي» آنذاك. لكن كان هذا حفلاً وليس عرض أزياء.

اختتمت عرض «كوبرني» كسندريلا في فستان من التافتا أسود (رويترز)

كايلي جينر، ورغم رفض الثقافة التي تمثلها هي وأخواتها من قبل شريحة مهمة، أصبحت في السنوات الأخيرة وجهاً مألوفاً في عروض باريس. تُستقبل فيها استقبال نجمات الصف الأول. في الموسم الماضي، وخلال «أسبوع باريس لربيع وصيف 2025»، سجَّلَت في 3 ظهورات لها فقط ما يوازي ما قيمته أكثر من 20.3 مليون دولار، حسب بيانات «إنستغرام» وحده، إذا أخذنا أن «لايك» واحداً يساوي دولاراً.

لهذا ليس غريباً أن يتهافت عليها المصممون. نعم، هي مثيرة للجدل وأسلوبها لا يروق لكل الزبونات، لكنها في آخر المطاف توفر المطلوب من ناحية تسليط الضوء عليهم. ففي عالم الموضة والتجارة «أي دعاية حتى وإن كانت سلبية هي دعاية مجدية وأفضل من لا شيء». لم يقتصر حضورها في الموسم الباريسي ضيفةً فحسب، بل عارضة في عرض «كوبرني» المستلهم من عالم «ديزني». كانت هي مَن اختتمته في فستان من التافتا بإيحاءات قوطية تستحضر صورة «سندريلا».

تأثير إيجابي

3 مقاطع فقط من فيديو العرض، ولقطات من خلف الكواليس حققت 14.4 مليون مشاهدة؛ ما جعل علامة «كوبرني» تحقق 66 في المائة من إجمالي قيمة التأثير الإعلامي. كانت مشاركتها مخاطرة، لكنها أعطت ثماراً جيدة حسب تصريح الدار. تجدر الإشارة إلى أن «كوبرني» لمست تأثيرها القوي في عام 2022، عندما ظهرت في دعاية لمستحضرات التجميل الخاصة بها، وهي تحمل حقيبة من «كوبرني». ما إن نُشرت الصور، حتى زادت مبيعات الحقيبة بشكل كبير. في عرض الدار لخريف وشتاء 2023. لم تتمكن كايلي من الحضور إلى باريس، لكنها لم تغب؛ إذ نشرت صورة لها في زي من التشكيلة المعروضة، شاهدها الملايين من متابعيها، وحقَّقت ما لم يحققه العرض بالكامل من ناحية المشاهدات و«اللايكات».

كايلي جينر لدى حضورها عرض «سكاباريلي» بباريس (سكاباريلي)

وإذا كان الشك لا يزال يراود البعض على مدى تأثيرها على أساس أن علامة «كوبرني» لها شعبيتها الخاصة التي تستمدها من قدرة مصمميها على الإبداع وخلق الإثارة المسرحية أمام الضيوف، فإن تأثيرها الإيجابي على علامة «أتلين» الفرنسية الناشئة تُفند هذه الشكوك. وجودها في عرضها لربيع وصيف 2025 كان له مفعول السحر؛ حيث حققت لها ما يوازي 11.6 مليون دولار من المشاهدات واللايكات. طبعاً لا ننسى حضورها عرض «سكاباريلي» بتصميمٍ أثار انتباه العالم لغرابته وسرياليته.

رغم محاولاتها أن تُصبح أيقونة موضة لا تزال ميغان تستمد بريقها وقوة تأثيرها من ارتباطها بالأمير هاري (أ.ف.ب)

«كايلي» لا تقوم بأي حركة أو فعل من دون مقابل. حتى عندما تختار علامات ناشئة للتعاون مع علامتها الخاصة «كاي (Khy)»؛ فهي تؤمن بأنه لا شيء بالمجان. وهذا تحديداً ما يجعلها تتفوق على ميغان ماركل من ناحية التأثير التجاري حسب الأرقام والخوارزميات. الفضل يعود أيضاً إلى نجاحها في استقطاب شريحة مهمة من بنات جيلها تخاطبهن بلغة تُدغدغ أحلامهن. ماركل في المقابل لم تنجح لحد الآن في الخروج من جلباب لقبها كدوقة ساسكس.