ليالي أربيل «الشبابية» في الشتاء لا توقفها موجات البرد ولا الأمطار

صوت أم كلثوم يشدو في شارع الإسكان أكثر شوارع المدينة حركة

مقهى كوكب الشرق من أشهر مقاهي أربيل
مقهى كوكب الشرق من أشهر مقاهي أربيل
TT

ليالي أربيل «الشبابية» في الشتاء لا توقفها موجات البرد ولا الأمطار

مقهى كوكب الشرق من أشهر مقاهي أربيل
مقهى كوكب الشرق من أشهر مقاهي أربيل

ما إن تغرب الشمس في أربيل بعد نهار كامل من النشاط والازدحام في شوارعها ومؤسساتها الحكومية والأهلية، تبدأ المدينة حياة «مسائية - ليلية» أخرى يغلب عليها وجود الرجال أو الشباب في أماكن تتسم «بالحركة الليلية» يمكن أن تستمر أحيانا حتى منتصف الليل.
فقد تعود الأربيليون وبالأخص في السنوات الأخيرة على قضاء أكثر الأوقات المسائية في المقاهي والمطاعم الشعبية ومطاعم الوجبات الخفيفة وبعض الـ«كوفي شوبات» وخصوصا ممن تتوفر فيها نظام الـ«WI - FI»، وأكثر مرتاديها من الكتاب والصحافيين. لكن أكثر الأماكن التي تشهد كل ليلة تجمهر الكثير ممن يريدون قضاء أوقات مع أصدقائهم أو حتى لقياهم بعد غياب طويل هو شارع «الإسكان» ومركز المدينة أو ما كان يسمى قديما بـ«سوق شيخ الله وأسواق تاجريان والدلال خانة».
بداية جولتنا كانت من شارع الإسكان، فقد سميت بهذا الاسم بعد أن بنيت فيها بيوت وشقق «للإسكان المتوسط» في نهاية سبعينات القرن الماضي حيث كان الموظفون أكثر حظا في الحصول عليها، حيث ابتدأت من مقهى يحمل اسم كوكب الشرق «أم كلثوم» ويقع في بداية «سوق الإسكان».
صاحب المقهى شاهين جمال (58 عاما) وبعد استضافة لطيفة، بين لـ«الشرق الأوسط» أنه افتتح المقهى في سبتمبر (أيلول) لعام 2010 وأن حبه للفنانة أم كلثوم «كان سببا قويا ليحمل مقهاه اسمها».
مام شاهين (العم شاهين) أكد أن 70 في المائة من زبائنه هم من العرب وبالأخص من بغداد ومحافظات جنوب العراق حيث يجذبهم الاسم وأن كثيرا منهم يقصد المقهى لمجرد سماعه لأغاني أم كلثوم.
كما أوضح أن الزبائن يقصدون المقهى في جميع الفصول حتى لو وصلت درجات الحرارة لأخفض المستويات، مبينا أن «كثيرا ما أصبح المقهى الذي يمتلكه مكانا لالتقاء أصدقاء لم يلتقوا منذ فترة طويلة كون الاسم جاذبا للاهتمام والعنوان أيضا بسيطا. ولم يخف أن كثيرا من المواطنين من مصر ولبنان وسوريا وتونس عندما يزورون أربيل لا بد لهم من زيارة المقهى وبالأخص في المواسم السياحية في الربيع والصيف».
ويتميز سوق الإسكان بكثرة محلاته ومطاعمه التي تقدم أنواعا مختلفة من الأكلات سواء كانت شعبية عراقية أو كردية أو غربية، وأكثر ما يقبل عليه الناس في هذا السوق هو «العربات التي تبيع أنواع الساندويتشات أو ما يسمى في العراق بـ(اللبلبي) وبالكردي(نوكاو)».
سيروان (27 عاما) وهو صاحب إحدى عربات «اللبلبي» لم يخف في حديثه لـ«الشرق الأوسط» أن عمله متعب جدا، وكونه مسؤولا عن عائلة تعدادها أكثر من 6 أشخاص يجعله يتحمل برودة الشتاء التي «كثيرا ما آلمته».
يقول سيروان «عملي يحتم علي أن أتحمل أقسى درجات البرودة التي كثيرا ما تؤلم ظهري وقدمي وحتى يدي حيث لا أستطيع أحيانا أداء عملي بصورة صحيحة، لكن ما يسعدني حقا أن الأمان موجود وأن فرصة العمل موجودة ولا مضايقات ولا تهديد ولم نسمع يوما أي كلمة جارحة من قوات الأمن الموجودة في السوق أو دوريات الشرطة، على العكس فوجودهم يشعرني بالأمان».
ويلاحظ في سوق الإسكان وجود عدد من الشباب الكرد السوريين الذين اضطروا لترك بلدهم والعمل في مدن إقليم كردستان العراق حيث لا تمنعهم الحكومة في الإقليم من العمل بالإضافة لوجود الكثير من المتسولين الذين «يدعون أنهم من سوريا».
ويعمل أغلب الشباب الكرد السوريين «في المحلات والمطاعم أو يمتلك البعض منهم عربات يبيعون عليها حلويات شامية».
كوفند (31 عاما) وهو من منطقة القامشلي ذات الأغلبية الكردية بسوريا لم يخف لـ«الشرق الأوسط» أن لهؤلاء المتسولين «تأثيرا سلبيا على التعامل مع أغلب السوريين الموجودين في الإقليم من كرد وعرب وبالأخص في هذا السوق حيث إن كثيرا من أصحاب المحلات لا يفرقون أحيانا بينهم وبين المتسولين الذين ينتمون لـ(الغجر) حيث يدعون أنهم هربوا من سوريا».
وما يلاحظ أيضا في هذا الشارع وجود عربات «الباقلاء المسلوق والشلغم (اللفت)» التي تعتبر من أكثر ما يقبل عليه الناس في فصل الشتاء.
عصام (20 عاما) مواطن بغدادي يزور أربيل بين الفترة والأخرى للقاء أقاربه وأصدقائه كان واقفا أمام إحدى هذه العربات قال لـ«الشرق الأوسط» إن أكثر ما يسليه في هذا الجو البارد هو أكل «اللفت أو الشلغم الذي يعتبره أكثر ما يكسبه حرارة».
مام رشيد (العم رشيد) صاحب العربة أكد لـ«الشرق الأوسط» أنه يزاول هذا العمل منذ ما يقارب العقد لكنه في الصيف يبيع عليها المثلجات، وأكد أن «حرارة أو برودة الجو لا توقف الناس أبدا من الإقبال على عربته».
محطتنا الثانية كانت في السوق الكبير في وسط المدينة الذي كان يسمى قديما بسوق «شيخ الله» حيث تم تغيير تصميمه بشكل جذري ليتحول إلى «ساحة كبيرة تتوسطها نافورات وتحيط بها كراسي تستقبل يوميا المئات من الأربيليين والزائرين إليها حيث ما زالت أضوية وزينة أعياد الميلاد ورأس السنة موجودة في الشوارع وعلى الجدران المحيطة بقلعة أربيل والبنايات المحيطة بها».
ويستذكر الصحافي عمر فرهادي الذي يلقبه صحافيو إقليم كردستان بـ«شيخ الصحافيين الكرد» ماضي هذا السوق وبعض الأماكن الأخرى في أربيل التي كانت معروفة منذ القدم بأنها «تعج بالشباب الذين يريدون قضاء بعض الأوقات برفقة أصدقائهم أو للجلوس في حلقات السهر والغناء الطربي الشعبي القديم التي كانت تتخللها بعض الألعاب والمسابقات الفلكلورية».
فرهادي الذي كان يتجول ليلا في وسط المدينة بين في حديثه لـ«الشرق الأوسط» أن أربيل كانت دائما آمنة ومن يزورها لا يخاف أن يسهر فيها حتى ساعات الفجر. وقال «كنا نتجمع قديما في المقاهي وبالأخص مقهى مجكو التاريخي الذي كان وما زال أحد ملتقيات المثقفين والصحافيين والكتاب الكرد والعرب وحتى من خارج الإقليم والعراق وحتى في زمن النظام السابق كنا نلتقي سرا وبالأخص في زمن الحرب العراقية - الإيرانية حيث إن النظام كان قد منع التجمع بحجة الغارات الإيرانية في حين أن أربيل لم تكن هدفا للطائرات الإيرانية ولم تقصف إلا مرة أو مرتين».
عربات الشاي في وسط المدينة ظاهرة «قديمة - جديدة» كانت قد اختفت في العقدين الأخيرين في هذا المكان واقتصرت على المقاهي المغلقة، وكما يقول أركان (17 عاما) وهو صاحب إحدى عربات الشاي القريبة من مبنى محافظة أربيل فإن «الجلوس في المقاهي المغلقة لم يعد شيئا محببا لدى الشباب حيث استعاضوا عن جلساته بالجلوس أمام النافورات المجاورة لبناية المحافظة أو الكراسي الموضوعة أمام بناية مجلس محافظة أربيل أو حتى شرب الشاي مشيا».



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».