التحفيز الكهربائي للدماغ... معجزة علمية أم وهم خادع؟

تجارب تشير إلى أنه ينشّط فقط شبكة أعصاب سطحية أسفل الجلد تنقل الإشارات

التحفيز الكهربائي للدماغ... معجزة علمية أم وهم خادع؟
TT

التحفيز الكهربائي للدماغ... معجزة علمية أم وهم خادع؟

التحفيز الكهربائي للدماغ... معجزة علمية أم وهم خادع؟

تختلف نظرة العلماء إلى استخدام الأقطاب الكهربائية المتصلة بفروة الرأس، إذ يعتبرها البعض معجزة فيما يراها آخرون مجرّد كذبة.
تتوفر اليوم طريقة سهلة لتحفيز الدماغ كهربائياً وقد أصبحت شائعة بين الباحثين والشركات الناشئة. وتستخدم هذه التقنية التي تعرف باسم «التحفيز الكهربائي عبر الجمجمة» transcranial electrical stimulation، أقطاباً كهربائية تتصل بفروة الرأس دون الحاجة إلى أي تدخّل جراحي.
- جدال علمي
تدّعي إحدى الشركات أن التحفيز الكهربائي للدماغ يمكن أن يساهم في شفاء الاكتئاب، بينما تقول أخرى إنّه قد يمنح الرياضيين قوة إضافية. ولكنّ المشكلة الوحيدة هي أنّ أحداً لم يفهم حتى اليوم طريقة عمل هذا التحفيز، مما دفع بالبعض إلى التشكيك بحقيقة فعاليته.
ويعتبر مايلز ماك لوغلين، أستاذ مساعد في علم الأعصاب في جامعة لوفان الكاثوليكية البلجيكية أنّ مسألة التحفيز الكهربائي مثيرة للجدل.
وقد قدّم ماك لوغلين أخيراً اقتراحاً لحلّ هذا اللغز، إلّا أنّ نظريته أشعلت جدلاً أكبر من مسألة فعالية التحفيز الكهربائي نفسها.
تعود جذور هذا الجدل إلى تناقض دراسات اعتمدت على هذا النوع من التحفيز الذي يقسم إلى نوعين: «التحفيز الدماغي الكهربائي بالتيار المتناوب» transcranial alternating current stimulation والذي يعرف بـالمصطلح«tACS» أوّ «التحفيز الدماغي الكهربائي بالتيار المستمر» transcranial direct current stimulation (tDCS)، بحسب نوع التيار الكهربائي المعتمد. وفي الحالتين، تعتمد الفرضية على وصل أقطاب كهربائية بفروة الرأس لبثّ حقلٍ كهربائي مركّزٍ في جزء محدد من الدماغ هدفه إطلاق العنان لنشاط خلايا الدماغ.
- تأثيرات حقيقية
في العقد الماضي، أظهرت مئات الدراسات التي أجريت بواسطة التحفيز الدماغي المتناوب والتحفيز الدماغي المستمر أنّ التحفيز الكهربائي عامة يؤثر على المزاج والإدراك والحركة. في حديث له مع موقع «سبيكتروم» لجمعية المهندسين الكهربائيين الأميركية، قال ماك لوغلين: «تحدّث كثيرون ممن خضعوا لتثبيت الأقطاب الكهربائية بفروة رأسهم عن الشعور ببعض التأثير لهذا التحفيز على سلوكهم. وأعتقد أنّ هذه الآثار حقيقية».
من ناحية أخرى، أظهر الباحثون أنّ نسبة قليلة من التيار الكهربائي تصل حقاً إلى الدماغ، فقد وجدت إحدى التجارب والتي أجريت على جثّة إنسان أنّ 75 في المائة من التيار الكهربائي قد تبدّد في الجلد والجمجمة. ووجدت هذه الدراسة التي ترأسها غيورجي بوزاكي، المتخصص في علم الأعصاب من جامعة نيويورك، أنّ مستويي التيار في الطريقتين المذكورتين للتحفيز الدماغي كانا ضعيفين جداً إلى درجة أنّهما لم يحرّكا الخلايا الدماغية كما يجب.
ولكنّ ماك لوغلين يقول إنّ نتائجه «قد تسهم في حلّ هذه المفارقة». وقد حاول مع زملائه مساعدة مرضى يعانون من مرض باركنسون للرعاش، فاطلعوا على دراسات رجحت أنّ التحفيز الدماغي بالتناوب قد يكون فعالاً في ضبط الرعشات. في تجاربهم الأولى، حاولوا وضع الأقطاب الكهربائية على نقاط مختلفة من فروة الرأس، في محاولة لاستهداف مناطق متعددة في الدماغ. ولكنّهم تفاجأوا بعدم حصول أي اختلاف في حالات المرضى. بعدها، حاولوا وضع الأقطاب الكهربائية على منطقة الذراع، أي أنّهم لم يرسلوا التيار الكهربائي إلى الدماغ، فحصلوا على النتيجة نفسها.
يقول ماك لوغلين: «بدأنا نعتقد أنّ الدماغ يلعب دوراً ما في تقنية التحفيز بالتناوب، ولكنّ الأخيرة لا تعمل على تحفيزه بشكل مباشر». أمّا النظرية التي توصّل إليها الباحث وزملاؤه فتقول إنّ التحفيز ينشّط شبكة الأعصاب السطحية الموجودة أسفل الجلد مباشرة والتي تنقل بعدها الإشارة إلى الدماغ.
- تحفيز أعصاب الجلد
وكانت دورية «نيتشر كوميونيكيشن» قد نشرت تفاصيل حول التجارب الأولى التي أجراها ماك لوغلين وفريقه، الذين توصلوا خلالها إلى أنّ تطبيق التحفيز الدماغي بالتناوب بتردّد كهربائي معيّن، قد أثبت فعاليته في خفض الرعشات لدى المرضى بالتزامن مع تطبيق التحفيز. لهذا السبب، وضع الباحثون مسرّعات على أصابع المتطوّعين الوسطى لتسجيل وتيرة الرعشات للحصول على قراءات واضحة حول وجود تأثير فعلي للتحفيز.
وفي اختبار بارز، وضع الباحثون أقطاباً كهربائية على فروة رأس المتطوعين مباشرة على القشرة الحركية، أي المنطقة التي تتحكّم بالحركة في الدماغ، ثمّ رفعوا مستوى التيار الكهربائي، ليجدوا أنّ التحفيز الدماغي بالتيار المباشر أنتج فعلاً رعشات متزامنة.
ولكنّهم عندما فركوا فروة الرأس بمخدّر موضعي قبل رفع مستوى شدة التيار، لم تنتج تقنية التحفيز هذه رعشات متزامنة، مما رجّح أنّ الأعصاب الموجودة أسفل الجلد لم توصل الإشارة إلى الدماغ.
ولكنّ ماك لوغلين يتوخى الحذر في تحليل نتائجه ويشدّد على أنّه اختبر تأثير التحفيز الدماغي بالتناوب على النظام الحركي فحسب، لافتاً إلى أنّ أسئلة كثيرة ما زالت عالقة، إذ لم يتضح بعد ما إذا كانت تقنية التحفيز الدماغي المباشر تعمل بالآلية نفسها. كما عبّر عن رغبته برؤية تجارب مشابهة تجرى على أدمغة أخرى على مناطق المعرفة والإدراك والذاكرة.
- تصورات مختلفة
من جهته، وصف بوزاكي، من جامعة نيويورك والذي تولّى رئاسة الفريق البحثي في الدراسة التي أجريت على الجثة البشرية، تجربة ماك لوغلين بالـ«خطوة إلى الأمام». ولكنّه قال إن الأعصاب السطحية ربّما لا تعمل وحدها، لافتاً إلى «أنّ إثبات تحفيز السطح لا يتيح استبعاد احتمالات التأثير المباشر على الدماغ أيضاً». ويقول: «حتى ولو ولّدت تقنيتا التحفيز الدماغي سواء بالتيار المتناوب أو المستمر، تياراً كهربائياً ضعيفاً مباشراً في الدماغ، من الضروري أن نفهم تأثير هذا التحفيز».
يتحدّث ماروم بيكسون، أستاذ محاضر في الهندسة العصبية في جامعة «سيتي كوليدج» في نيويورك وباحث رئيسي في مجال التحفيز الدماغي المباشر، بنبرة فضولية حذرة، ويقول: «إنّ تعميم نتائج الدراسات في مجال التحفيز الدماغي بالتناوب يجب أن يكون حذراً. ولكنّ هذه الدراسة تدفع إلى مزيد من التدقيق في دراسات التحفيز الكهربائي الدماغي عامة لربط النتائج التجريبية لاحتمال وجود دور لهدف عصبي مركزي».


مقالات ذات صلة

اختفاء الملاحظات في أجهزة آيفون... المشكلة والحلول

تكنولوجيا «أبل» تؤكد مشكلة اختفاء الملاحظات بسبب خلل بمزامنة (iCloud) وتوضح خطوات استعادتها مع توقع تحديث (iOS) قريب (أبل)

اختفاء الملاحظات في أجهزة آيفون... المشكلة والحلول

وفقاً لتقرير رسمي من «أبل»، فإن المشكلة تتعلق بإعدادات مزامنة الآيكلاود (iCloud).

عبد العزيز الرشيد (الرياض)
تكنولوجيا تمكنك «دورا» من تصميم مواقع ثلاثية الأبعاد مذهلة بسهولة تامة باستخدام الذكاء الاصطناعي دون الحاجة لأي معرفة برمجية (دورا)

صمم موقعك ثلاثي الأبعاد بخطوات بسيطة ودون «كود»

تتيح «دورا» للمستخدمين إنشاء مواقع مخصصة باستخدام الذكاء الاصطناعي عبر إدخال وصف نصي بسيط.

عبد العزيز الرشيد (الرياض)
خاص يحول الذكاء الاصطناعي الطابعات من مجرد خدمة بسيطة إلى أداة أكثر ذكاءً واستجابة لحاجات المستخدمين (أدوبي)

خاص كيف يجعل الذكاء الاصطناعي الطابعات أكثر ذكاءً؟

تلتقي «الشرق الأوسط» الرئيسة العامة ومديرة قسم الطباعة المنزلية في شركة «إتش بي» (HP) لفهم تأثير الذكاء الاصطناعي على عمل الطابعات ومستقبلها.

نسيم رمضان (بالو ألتو - كاليفورنيا)
تكنولوجيا «Google Vids» هي أداة بسيطة لإنشاء فيديوهات احترافية تدعم العمل الجماعي والذكاء الاصطناعي لإعداد المخططات وإضافة الصور تلقائياً (غوغل)

«غوغل» تكشف عن خدمة جديدة لإنتاج الفيديوهات للمؤسسات

تستهدف هذه الخدمة الشركات التي تتطلع إلى إنتاج محتوى مرئي احترافي بكفاءة وسرعة دون الحاجة للخبرة الفنية العميقة.

عبد العزيز الرشيد (الرياض)
تكنولوجيا تتيح «فينغيج» قوالب وأدوات تخصيص سهلة بينما تستخدم «نابكن إيه آي» الذكاء الاصطناعي لتحويل النصوص إلى تصميمات جذابة (فينغيج)

أدوات مميزة لتحويل أفكارك إلى تصميمات مرئية جذابة

تخيل أن بإمكانك تصميم إنفوغرافيك أو تقرير جذاب بسهولة!

عبد العزيز الرشيد (الرياض)

الذكاء الاصطناعي في علوم تقويم الأسنان

الذكاء الاصطناعي في علوم تقويم الأسنان
TT

الذكاء الاصطناعي في علوم تقويم الأسنان

الذكاء الاصطناعي في علوم تقويم الأسنان

تقويم الأسنان هو ذلك الفرع من فروع طب الأسنان الذي يهتم بتشخيص ومعالجة اعوجاج الأسنان وسوء الإطباق وعدم تناسق حجم الفك العلوي مع الفك السفلي. ويُعاني نحو 45 في المائة من المراهقين العرب من سوء الإطباق، وهم بحاجة إلى علاجات تقويم الأسنان لتحسين صحتهم الفموية وعلاج تلك المشكلات.

إمكانات الذكاء الاصطناعي

يمتلك الذكاء الاصطناعي إمكانات هائلة في مجال تقويم الأسنان، مع تطبيقات تتراوح من الكشف التلقائي عن المعالم التشريحية وتحليل القياسات الرأسية إلى التشخيص وتخطيط العلاج، وتقييم النمو والتطور، وتقييم نتائج العلاج.

> الكشف التلقائي عن المعالم التشريحية وتحليل القياسات الرأسية. أحد المجالات الأكثر شيوعاً لاستخدام الذكاء الاصطناعي في تقويم الأسنان، هو الكشف التلقائي عن معالم القياسات الرأسية وتحليلها، وهي من أهم المؤشرات لتشخيص درجة سوء الإطباق أو اعوجاج الأسنان.ويتم إنشاء هذه القياسات بواسطة الذكاء الاصطناعي على الصور الشعاعية الثنائية والثلاثية الأبعاد (الأشعة المقطعية للفم والأسنان). وتُظهر الدراسات أن دقة هذه الأدوات تتنبأ بالنمو الهيكلي والسنوي العام لدى المرضى بنسبة تصل إلى 99 في المائة، مقارنة بنسبة 75 في المائة عند المراقبين البشر.

> تخطيط العلاج ودعم القرار السريري. التشخيص وتخطيط العلاج هما مكونات حاسمة في علاجات تقويم الأسنان، وينطويان على نظرة ذاتية وتعقيد كبير. وتساعد أنظمة دعم القرار السريري المعتمدة على الذكاء الاصطناعي في تقليل هذه التحديات من خلال مساعدة الأطباء. وعلى سبيل المثال، فإن قرار خلع الأسنان هو قرار مهم في تقويم الأسنان ويمكن أن يختلف بين طبيب وطبيب. وأظهرت أنظمة دعم القرار المعتمدة على الشبكات العصبية الاصطناعية دقة عالية في تقدير قرارات خلع الأسنان، حيث بلغت دقتها 94 في المائة. يمكن استخدام هذه الأدوات أيضاً لتقييم احتياجات علاج تقويم الأسنان وتقدير نتائج العلاج.

تقييم التماثل الوجهي

> تقييم التماثل الوجهي والتنبؤ بموقع الأسنان المدفونة. تم تطوير نماذج الذكاء الاصطناعي لتقييم التماثل الوجهي بدقة عالية قبل وبعد الجراحة الفكية باستخدام صور الأشعة المقطعية المخروطية (CBCT) للفم والأسنان، مما يوفر دقة تصل إلى 90 في المائة. وتساعد هذه النماذج أطباء تقويم الأسنان في الحصول على تقييم دقيق للحالة وتحليل التغيرات التي تحدث بعد الجراحة.

بالإضافة إلى ذلك، يمكن للذكاء الاصطناعي التنبؤ بموقع واتجاه ووضع الأسنان المدفونة أو المطمورة، مثل الأنياب، مما يوفر لأطباء تقويم الأسنان تصوراً ثلاثي الأبعاد مفصلاً للحالة السريرية. ويساعد هذا التصور في صياغة خطة علاجية شاملة ومتكاملة تأخذ في الاعتبار جميع الجوانب المعقدة للحالة، مما يضمن تحقيق أفضل النتائج العلاجية للمرضى وتقليل المخاطر المحتملة.

ماسحات ضوئية وطابعات تجسيمية

> التطورات في تكنولوجيا الماسحات الضوئية وعضات التقويم الشفاف. أحدثت التطورات في الماسحات الضوئية داخل الفم وتكنولوجيا الطابعة الثلاثية الأبعاد (التجسيمية) الطريق لتطوير برمجيات التنبؤ بالذكاء الاصطناعي لعلاج تقويم الأسنان.

> توفر هذه الأدوات الرقمية لتخطيط العلاج نهجاً دقيقاً لعلاج تقويم الأسنان، حيث تسمح لأطباء تقويم الأسنان بمحاكاة وتحريك الأسنان بدقة أثناء العلاج.

يتم صنع عضات التقويم الشفاف حسب خطة العلاج لتضمن ابتسامة جذابة ووظيفة فم طبيعية، مما يساعد في تحسين النتائج وتوضيح العملية العلاجية للمرضى.

> تقييم مجرى الهواء باستخدام الذكاء الاصطناعي. تلعب البرمجيات المعتمدة على الذكاء الاصطناعي دوراً هاماً في تقييم مجرى الهواء في تقويم الأسنان. يمكن لهذه البرمجيات تحديد أنماط مجرى الهواء، وتحديد التباينات التشريحية، وحساب حجم مجرى الهواء.

وتستخدم البرمجيات الترميز اللوني لتوفير تصور سهل لمجرى الهواء وهياكله، مما يساعد في صياغة أجهزة وعلاجات لوقف التنفس خلال النوم، وهو أمر مهم للغاية لصحة المريض.

رئيس جمعية الذكاء الاصطناعي في طب الأسنان في الشرق الأوسط.