«وراء النظرة»... معرض يدمج تحولات الراهن العربي مع قراءات الاستشراقيين

الفنانة المغربية لالة السعيدي: مناضلة بفني

الفنانة المغربية لالة السعيدي إلى جانب أعمالها في معرض «وراء النظرة» بمراكش (الشرق الأوسط)
الفنانة المغربية لالة السعيدي إلى جانب أعمالها في معرض «وراء النظرة» بمراكش (الشرق الأوسط)
TT

«وراء النظرة»... معرض يدمج تحولات الراهن العربي مع قراءات الاستشراقيين

الفنانة المغربية لالة السعيدي إلى جانب أعمالها في معرض «وراء النظرة» بمراكش (الشرق الأوسط)
الفنانة المغربية لالة السعيدي إلى جانب أعمالها في معرض «وراء النظرة» بمراكش (الشرق الأوسط)

في معرضها الجديد، برواق «تندوف» بمراكش، تحت عنوان «وراء النظرة»، تواصل الفنانة المغربية لالة السعيدي الاستناد على التصوير الفوتوغرافي، مع اعتماد النقش بالحناء وتوظيف الخط العربي واستثمار بهاء الأزياء والحلي التقليدية والمعمار التقليدي المغربي، ضمن فعل تشكيلي ينفتح على تفاعلات وتحولات الراهن العربي، مع قراءة لأعمال الفنانين الاستشراقيين.
وبين الحناء المنقوشة وعبوات الرصاص المشكَّلة على نحو فني والوجوه الجميلة والنظرات المتطلعة والأجساد الشابة، وما يرافق كل ذلك من توظيف للأزياء والحلي التقليدية وفنون العمارة، تخلص لالة السعيدي لاشتغال فني يوثق لمفهوم الجمال من خلال التقاليد والماضي، وإعادة الاعتبار للمرأة الشرقية في واقعها الحقيقي لا المتخيل. ذلك جعلها تفتح نافذة تاريخية على هوية المرأة وثقافتها، وحتى بيئتها المعمارية، مع تناول تداعيات الحاضر على أوضاعها.
يقوم معرض لالة السعيدي، الذي افتتح يوم أول من أمس، ويتواصل إلى غاية 6 أبريل (نيسان) المقبل، على عمل فوتوغرافي بقياسات متفاوتة الحجم، يعتمد التصوير والكولاج الضوئي التوليفي، مع إعادة صياغة فنية تقوم على الرجوع إلى ما رسمه فنانون مستشرقون، مثل جون دولاكروا، وغيره، في محاولة لتجاوز أحكامهم، خالقة استذكارا للعمل الأصلي بـرؤية معاصرة، مزينة بنقوش وكتابات عربية اللغة، قوامها الزخارف الهندسية المتنوعة، وروعة القفاطين والحلي وتميز فن العمارة المغربي.
من جانبها، قالت السعيدي لـ«الشرق الأوسط» إن معرضها الحالي يقترح نماذج فنية من مختلف المحطات التي مر منها مشروعها حتى الآن. وبخصوص تجربتها وكيف تطورت، تحدثت السعيدي عن صورة لما تطور في العالم العربي والعالم، ممثلة لذلك بتوظيف عبوات الرصاص في عدد من أعمالها، وكيف أنها تمثل معالجة للعنف الممارس ضد النساء العربيات، خصوصا في السنوات الأخيرة، وما شهدته من أحداث؛ مشددة على أن تطور تجربتها يرافق الأحداث التي تشهدها المنطقة العربية، والتي تؤثر في أوضاع المرأة.
وقالت السعيدي: «أنا مناضلة بصيغة فنية، تحرص على فتح الحوار لرصد واستيعاب ما يحدث. لكن، الفنان يبقى فنانا قبل أي شيء آخر. ليس عليه أن يكون مباشرا في أعماله، وذلك بالشكل الذي يمنح المتلقي حرية تأويل وقراءة مضامين وأشكال تلك الأعمال».
وشددت السعيدي على أنها تحتاج دائما إلى معرفة الكيفية التي تصل بها أعمالها للمتلقي وطريقة تجاوبه معها وتقييمه لها.
وبخصوص حرصها على الأنوثة والجمال وتوظيف الأزياء التقليدية في أعمالها، قالت السعيدي إن بدياتها تأسست على أعمال الفنانين الاستشراقيين الذين اشتغلوا على المرأة الشرقية، متخيلين عوالم حريم لا توجد في أرض الواقع، لكن من دون أن تسعى خلف تشييء المرأة، وهو شيء يتأكد من خلال عنوان معرض «وراء النظرة» بمراكش.
بدوره، قدم الكاتب المغربي الطاهر بن جلون لمعرض لالة السعيدي، تحت عنوان «الجمال كقدَر ثائر»، قائلا إن «الفن هو الحد الرفيع بين الحلم والواقع»، مشيرا إلى أن أعمال الفنانة «مصنوع يدوي. ليست مجرد صور فوتوغرافية تنقل للحظة من الحياة الجارية. لا، إنها رؤية للعالم مفكر فيها، موقف بصدد الجمال وأيضا أحزان العالم. بعبوات الرصاص، شيدت شيئا عجيبا، جمالا برّاقا للحياة. إنه شيء مضيء. نحن منبهرون ومبتهجون لكل هذا الابتكار وهذا المزج بين الأزياء التقليدية وهذه العبوات التي تحولت إلى رداء رفيع».
ولاحظ بن جلون أن السعيدي «تتعامل بقسوة مع الجمال. تخضعه لرغبتها في القول والشهادة. لا تذهب إلى حد إيذاء الجمال، لكنها تستخلصه من وحشية عالم لا رحمة فيه لتضعه في فضاء حميمي، هو بيت الطفولة في إطار داخلي متناغم ومسالم. غير أنها تدخل إلى هذه الأماكن العالم الخارجي، المصنوع من كثير من الظلم، المليء بالصراخ والغضب الشديد. ينبغي إضافة الضحك، عنصر مهم ضمن فعل خلق وإعادة خلق الواقع المحطم بفعل النظرة العادلة والدقيقة للفنانة. إنها، بالتأكيد، تصوير للبيت، للفضاء الداخلي، الحميمي. لكن، المنتهك بضجيج العالم الخارجي. لهذا، فأعمال لالة السعيدي الرائعة تذهب فيما وراء النظر إلى حدث بسيط، لكن، أيضا، إلى ما هو أبعد من حقيقة من نحن، حتى ننظر للعالم كما هو، عنيف وجميل في نفس الوقت. وبالنسبة للفنانة، فجمال الأشياء هو، رغم كل شيء، قدر ثائر ينبغي تعلم حبه وحمايته».
وسبق لبن جلون أن قال إنه يوجد عند السعيدي «شيء من السريالية التي تحرر التصورات وتجعلها أكثر ذكاء ونبوغا»، معتبراً أن «المشاهد المكتوبة، المرسومة، التي تم الاشتغال عليها بشكل متطلب، والنسوة اللواتي يجري تصويرهن في أماكن لم يعد لها وجود. هذه الشخصيات التي تفوح منها عطور النعيم، هذه النظرات التي تواجهنا، هذه الوضعيات التي تقطع الصمت، ليست إلا تهيؤات وأوهاما. هؤلاء النسوة، بجمال فتان، اللواتي يلبسن قفاطين من نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين: أزياء من ضوء وذهب، حلي من زمن كان فيه الفن يتخلل الحياة اليومية. كل هؤلاء النسوة اللواتي تحولن إلى جزء من حائط في فضاء وحدتهن، ينتظرن. إنهن، هنا. لكن كل ذلك ليس سوى مظاهر، ما دام أن الحريم لم يعد لهن وجود، كما أنهن غير متأكدات من أنهن هنا. فن المراوغة هو انشقاق جميل عن المظاهر».



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».