جماعة «أنصارو» الإرهابية... مساعٍ نحو تأسيس «دويلة متطرفة»

الخطر الحقيقي الجديد

نيجيريون في موقع تفجير انتحاري أسفر عن مقتل 13 شخصاً في مايدوغوري في 2017 (غيتي)
نيجيريون في موقع تفجير انتحاري أسفر عن مقتل 13 شخصاً في مايدوغوري في 2017 (غيتي)
TT

جماعة «أنصارو» الإرهابية... مساعٍ نحو تأسيس «دويلة متطرفة»

نيجيريون في موقع تفجير انتحاري أسفر عن مقتل 13 شخصاً في مايدوغوري في 2017 (غيتي)
نيجيريون في موقع تفجير انتحاري أسفر عن مقتل 13 شخصاً في مايدوغوري في 2017 (غيتي)

أدَّت الجهود الدولية المضنية لمكافحة الإرهاب في الشرق الأوسط إلى كسر شوكة «داعش» بزعامة أبو بكر البغدادي، إذ إن التنظيم لم يعد يسيطر إلا على 1 في المائة من الجغرافيا التي أعلنت ما تُسمّى بأرض «الخلافة» المزعومة. غير أن هذا التراجع يقابله ارتفاع وتيرة نشاط الجماعات الإرهابية بغرب القارة الأفريقية، خصوصاً بنيجيريا... حيث تشير تقارير بحثية عديدة إلى الصعود المخيف لتنظيم «أنصارو» التابع لـ«القاعدة»، بعد أن تراجع تنظيم «بوكو حرام» في بعض دول الإقليم.

مع بداية 2019، أصبح تنظيم «أنصارو»، أكثر خطورة من تنظيم أبو بكر شيكاو، حيث بات «أنصارو»، يسيطر على مساحة شاسعة تعادل مساحة دولة بلجيكا. كما أن التنظيم يقف وراء كثير من الهجمات المميتة، في الشمال والشمال الشرقي، وقد أعطى هذا التنظيم الذي يتزعمه أبو مصعب البرناوي، أولوية قصوى لمهاجمة الجيش والشرطة والميليشيات المسلحة التابعة لهما، دون أن يعني ذلك تخليه عن مواجهة السكان، خصوصاً غير المتعاونين مع التنظيم.
ومن العمليات التي قادها هذا التنظيم مهاجمته بداية يناير (كانون الثاني) الماضي ثلاثة مراكز عسكرية شمال شرقي البلاد، مما أسفر عن عدد من القتلى. كما تحدثت منظمة العفو الدولية وعدة مصادر أمنية عن هجوم مروِّع وقع نهاية شهر يناير الماضي، بعد يوم من انسحاب الجيش من بلدة ران شمال شرقي نيجيريا، وقتل فيه 60 شخصاً على الأقل، كما شرد الهجوم نحو 40 ألف شخص، هرب 30 ألفاً منهم إلى الكاميرون.

الوضع المتردِّي

تُعدّ الهجمات المتكررة والمتصاعدة ضد الجيش النيجيري من المؤشرات الدالّة على تزايد قوة تنظيم «أنصارو». ورغم أن وسائل الإعلام وبعض المنظمات ما زالت تخلط بين تنظيم «بوكو حرام»، بزعامة أبو بكر شيكاو، والتنظيم المنشقّ عنه سنة 2015، الذي يحمل اسم «أنصارو» (أنصار)، بقيادة أبو مصعب البرناوي، ابن محمد يوسف مؤسس تنظيم «بوكو حرام». فإن جيمس بارنيت محلل في مشروع التهديدات الحرجة في معهد «أميركان إنتربرايز» المتخصص في شرق أفريقيا وحوض بحيرة تشاد، يرى أن الوقت قد حان لإدراك أن تنظيم «أنصار» هو الخطر الحقيقي الجديد، وأن هذا التنظيم على وشك إقامة «دويلة متطرفة»، جديدة ستكون دولة داخل أكبر بلد بأفريقيا.
بالنسبة للباحث، في منطقة بحيرة التشاد، جيمس بارنيت، فإن قوة التنظيم لا تعود للقدرة المتنامية على مهاجمة القواعد العسكرية، بل تنامي قدرة التنظيم على «مسك الأراضي الشاسعة»، وسيطرته على جغرافيا مترامية الأطراف. أكثر من ذلك، تحوَّل التنظيم في غياب للدولة النيجيرية، إلى سلطة إدارية، لها مؤسسات، تدير شؤون عشرات الآلاف من المواطنين، وتجمع الضرائب، كما تسيِّر التجارة والموارد الطبيعية. وهذا ما يمنح التنظيم مزيداً من ثقة السكان، لا سيما بالشمال والشمال الشرقي للبلاد.
ويبدو أن التهديد الذي يشكِّله تنظيم البرناوي لا ينحصر في الرقعة المحلية، بل يصل إلى غرب أفريقيا، وحوض بحيرة تشاد غرب القارة.
وهذا ما يعني أن الدينامية التي تتمتع بها التنظيمات الإرهابية، وتشابكها إقليمياً، يشكلان تحدياً لدول غرب القارة، وللمصالح الاستراتيجية الأميركية بالمنطقة. على الرغم من أن الولايات المتحدة تبني أكبر قاعدة عسكرية لها بأفريقيا بالنيجر القريبة.
ورغم كون الولايات المتحدة الأميركية شريكاً حقيقياً لقوات الأمن النيجيرية في مواجهتها للمنظمات الإرهابية لا سيما «بوكو حرام» و«أنصارو»، فإن هناك عوائق تحول دون تحقيق النصر الذي تحقق في العراق وسوريا، رغم الجهود الكبيرة التي قامت بها نيجيريا وشركاؤها.
بالنسبة للباحث جيمس بارنيت، فإن الوضع السياسي، والأمني والعسكري الحالي بنيجيريا، لا يساعد على هزيمة الإرهاب، ولا الجماعات المسلحة العرقية الانفصالية في الجنوب وغيره. ذلك أن البلاد مقبلة على الانتخابات الرئاسية في سنة 2019، وسط صراعات عرقية وإثنية ومذهبية دينية، وتنامٍ لقوة المنظمات الإرهابية، وتأثير فعلها الإجرامي على الاقتصاد.
من جهة أخرى، تضاءل التركيز الدولي على منطقة بحيرة تشاد، مما يعيق الحكومة النيجيرية عن إعطاء الأولوية لهذه المعركة، وتوفير الموارد لها. وعليه، يمكن القول إن ارتفاع وتيرة الهجمات التي ينفِّذها تنظيم «أنصارو»، منذ الأشهر الأخيرة من سنة 2018، وبداية 2019، وما تخلّفه من مئات الضحايا شهرياً، والآلاف من النازحين. تشكّل بداية لمرحلة جديدة، تهدد بتكرار تجربة دولة «داعش» التي قضي عليها بالعراق وسوريا.
ذلك أن تنظيم برناوي بات يشكل بالفعل تهديداً إرهابياً لأبوجا، عاصمة نيجيريا، حيث خطط التنظيم في النصف الثاني من سنة 2018م، لمهاجمة السفارتين الأميركية والبريطانية، وربما لاغوس أكبر مدينة في نيجيريا. وهو ما أدى لمزيد من الاحتياطات الأمنية في المطارات منذ يونيو (حزيران) 2018، حيث توصلت المصالح الأمنية إلى أن التنظيمات الإرهابية تستهدف الطائرات التجارية.

فكرة الدولة

وبما أن التنظيم يسيطر على مساحة واسعة، وله موارد مالية وبشرية، ويحصل على السلاح في السوق السوداء، أو عبر مهاجمات القواعد العسكرية، ولأن التنظيم يستفيد آيديولوجيا من انتشار فكر «السلفية الجهادية» في أجزاء من غرب أفريقيا. فإن فكرة إقامة «الدولة الإسلامية» في هذه المنطقة ليستْ حُلماً للمجموعات الإرهابية المتطرفة فقط، بل تجد لها قاعدة شعبية كبيرة مساندة لها. وتستغل المجموعات المتطرفة، الصراعات الإثنية والدينية، والوضع الاقتصادي وضعف الدولة، لتسويق فكرة تأسيس دولة من منظور قريب من «داعش»، مما جعل غرب أفريقيا مصدراً أكبر للإرهاب العابر للحدود أكثر من أي وقت مضى.
من جانب آخر، يُمكن القول إن انقسام «بوكو حرام» سنة 2015 جعل تهديد المتشددين في شمال شرقي نيجيريا أكثر خطورة. فقد أدى استهداف تنظيم شيكاو، للمدنيين المسلمين إلى عزله عن السكان المحليين وكان عاملاً رئيسياً في تنصل «داعش» من قيادته، صحيح أن «بوكو حرام» لم يقدِّم نُظُماً للحكم على الإطلاق، ولم يمنح المجتمعات المحلية أي حافز للتعاون، كما أن شياكو يفضل المقاتلين من مجموعته العرقية، مما يخلق احتكاكاً داخلياً ويحدّ من توسع التنظيم إقليمياً، لكنّ تنظيم «أنصارو» تعلّم من أخطاء «بوكو حرام»، وتجنبَتْ المجموعة المنشقة، بشكل عام، قَتْل المدنيين المسلمين، وتبذل جهوداً حثيثة لحماية التجارة وحرية الحركة في الأراضي التي تسيطر عليها. مع تركيز شديد للهجمات ضد الجيش النيجيري، الذي يعاني من نقص في الموارد المالية والبشرية، وتقادم معداته العسكرية.
ويأتي هذا في وقت لا يركز فيه المجتمع الدولي على تهديد المتطرفين في نيجيريا، كما كان في عام 2015. ورغم أن الدول الغربية قدمت مساعدة أمنية لنيجيريا فور انتهاء عمليات الاختطاف، التي تمت سنة 2014، مما يشير إلى اهتمام أوسع بمكافحة الإرهاب في المنطقة، لا سيما بعد نشر الولايات المتحدة 300 جندي في الكاميرون بعد إعلان «بوكو حرام» مبايعته لـ«داعش» سنة 2015. غير أن التقارير تفيد بأن الولايات المتحدة برمجت تقليص قواتها في المنطقة، غرب أفريقيا، في أفق عام 2019.
وفي ظل هذا الوضع، يعمل تنظيم أبو مصعب البرناوي، بشكل سريع، على تسريع توسيع سيطرته على المناطق الريفية، واستعادة الأراضي التي احتضنها «بوكو حرام»، إما عن طريق التفاوض أو المواجهة المسلحة. وبما أن التنظيم يحقق مكاسب كبيرة على المستوى الميداني، فقد شجعه ذلك على طرد الجيش النيجيري من مناطق مختلفة، مركزاً على شمال شرقي نيجيريا، وهي المناطق التي تكون فيها قوات الجيش والأمن ضعيفة. وقد هاجم التنظيم أكثر من ثماني عشرة قاعدة، منذ منتصف عام 2018، واستولى على المعدات والمركبات والرهائن.
ويرى، الباحث المتخصص في قضايا الأمنية لبحيرة التشاد جيمس بارنيت، أن هذا التفوُّق القتالي أدى بدوره إلى نزوح مئات الجنود النيجيريين شمال شرقي البلاد، حيث يواجهون عمليات انتشار موسعة، ومعدات غير كافية، ورواتب مخجلة. وهو ما يؤدي إلى سهولة استيلاء التنظيم على بلدان ومناطق في شمال شرقي نيجيريا، أواخر عام 2018، وسيصبح قريباً قوياً بما يكفي للاحتفاظ بها. رغم أن هذا السيناريو يصعب تصديقه فإن التنظيم قادر على تحقيقه.
أضف إلى ذلك أن مجتمعات منطقة بحيرة تشاد عانت من نتائج الصراع، ومن المرجّح أن يذعن كثير منها لاحتلال تنظيم «أنصارو» مقابل إنهاء القتال. ومع وجود مناطق موسعة، يستغلها التنظيم، في شمال شرقي نيجيريا من شأنه أن يعزز شرعية «أنصارو»، ويسمح له بتوجيه الهجمات عبر نيجيريا، وضد المصالح الغربية في المنطقة.
قد يستفيد التنظيم من سلوك قوات الأمن النيجيرية التي أصبحت أكثر عنفاً مما كانت عليه قبل أربع سنوات. ومن تركيز الجيش أكثر على جنوب شرقي نيجيريا بسبب وجود النفط، وأهميته الاقتصادية. كما أن الحكومة تعاني من شح الموارد، وازدياد طلبات السكان، الشيء الذي دفعها لتبني رد عسكري على عُنف المزارعين في عام 2018. كما أن الحرب الأهلية الناشبة في الكاميرون المجاورة ستكون تحدياً جديداً لنيجيريا وقواتها المسلحة.
بكلمة، يبدو أن هذا الوضع العام يساعد أبو مصعب البرناوي، على المضي قدماً في تأسيس «دويلة متشددة» في الشمال الشرقي لنيجيريا، أكبر تجمُّع بشري واقتصادي بأفريقيا. وبالإضافة للعوامل المذكورة أعلاه، فإن الاضطرابات وعدم الاستقرار بدولة الكاميرون المجاورة، تسهل الحركة وتجنيد مزيد من العناصر للقتال. ويشير إلى ذلك رئيس أركان الدفاع الجنرال رينيه كلود ميكان حين قال: «عام 2019 سيشهد نضال الكاميرون من أجل الوحدة الوطنية وسلامة الأراضي». وأضاف أن «جماعة (بوكو حرام)، وهي جماعة إرهابية إسلامية مقرها نيجيريا تجنّد مرة أخرى مقاتلين في الكاميرون وتهاجم حدودنا الشمالية. وفي الوقت نفسه، قام الانفصاليون الذين يقاتلون لإنشاء دولة تتحدث الإنجليزية بتجنيد مرتزقة من دول مجاورة لزعزعة استقرار الكاميرون».

* أستاذ زائر للعلوم السياسية - جامعة محمد الخامس


مقالات ذات صلة

في شمال العراق... تحديات كثيرة تواجه النازحين العائدين إلى ديارهم

المشرق العربي نازحون في مخيم حسن شام على بعد نحو 40 كيلومتراً غرب أربيل (أ.ف.ب)

في شمال العراق... تحديات كثيرة تواجه النازحين العائدين إلى ديارهم

تعلن السلطات العراقية بانتظام عن عمليات مغادرة جماعية لمئات النازحين من المخيمات بعدما خصصت مبالغ مالية لكلّ عائلة عائدة إلى قريتها.

«الشرق الأوسط» (بغداد)
العالم العربي تنظيم «داعش» يتبنّى عملية استهداف حاجز لـ«قسد» في ريف دير الزور الشرقي (مواقع تواصل)

حملات التمشيط العسكري لم تمنع انتعاش «داعش» في سوريا

على رغم أن القوات الحكومية السورية تشن حملات تمشيط متكررة في البادية السورية لملاحقة خلايا تنظيم «داعش» فإن ذلك لم يمنع انتعاش التنظيم.

المشرق العربي قوة مشتركة من الجيش العراقي و«الحشد الشعبي» بحثاً عن عناصر من تنظيم «داعش» في محافظة نينوى (أ.ف.ب)

«داعش» يعلن مسؤوليته عن هجوم أدى لمقتل 3 جنود في العراق

قالت مصادر أمنية وطبية في العراق إن قنبلة زرعت على جانب طريق استهدفت مركبة للجيش العراقي أسفرت عن مقتل 3 جنود في شمال العراق.

«الشرق الأوسط» (بغداد)
المشرق العربي «قوات سوريا الديمقراطية» خلال عرض عسكري في ريف دير الزور (الشرق الأوسط)

أكراد سوريا يتحسبون لتمدد الحرب نحو «إدارتهم الذاتية»

ألقت نتائج الانتخابات الأميركية بظلالها على أكراد سوريا ومصير «إدارتهم الذاتية» بعدما جدد الرئيس التركي، رجب طيب إردوغان، التهديد بشن عملية عسكرية.

كمال شيخو (القامشلي)
شؤون إقليمية عناصر من الجيش الوطني السوري الموالي لتركيا في شمال سوريا (إعلام تركي)

العملية العسكرية التركية في شمال سوريا تواجه رفضاً روسياً وغموضاً أميركياً

تصاعدت التصريحات التركية في الفترة الأخيرة حول إمكانية شن عملية عسكرية جديدة تستهدف مواقع «قوات سوريا الديمقراطية» (قسد) في شمال سوريا.

سعيد عبد الرازق (أنقرة)

«داعش» يُعيد اختبار قدراته في غرب أفريقيا

مقاتلو تحالف أهل أزواد أثناء قيامهم بدوريات في المنطقة القريبة من الحدود بين مالي وموريتانيا لحماية السكان المحليين من انعدام الأمن بسبب وجود عناصر «داعش» (أ.ف.ب)
مقاتلو تحالف أهل أزواد أثناء قيامهم بدوريات في المنطقة القريبة من الحدود بين مالي وموريتانيا لحماية السكان المحليين من انعدام الأمن بسبب وجود عناصر «داعش» (أ.ف.ب)
TT

«داعش» يُعيد اختبار قدراته في غرب أفريقيا

مقاتلو تحالف أهل أزواد أثناء قيامهم بدوريات في المنطقة القريبة من الحدود بين مالي وموريتانيا لحماية السكان المحليين من انعدام الأمن بسبب وجود عناصر «داعش» (أ.ف.ب)
مقاتلو تحالف أهل أزواد أثناء قيامهم بدوريات في المنطقة القريبة من الحدود بين مالي وموريتانيا لحماية السكان المحليين من انعدام الأمن بسبب وجود عناصر «داعش» (أ.ف.ب)

في مؤشر رمزي لـ«اختبار قدراته»، عقب هزائمه في سوريا والعراق وعدد من الدول، دفع تنظيم داعش الإرهابي عناصره وخلاياه لتنفيذ عمليات في غرب أفريقيا، أملاً في «إثبات الوجود» وتأكيد استمرار مشروع التنظيم. ضربات التنظيم «الخاطفة» التي شهدتها بوركينا فاسو ومالي والنيجر، ونيجيريا أخيراً، دفعت لتساؤلات تتعلق بأهداف توجه «داعش» نحو غرب أفريقيا الآن، وخطة نشاطه خلال الفترة المقبلة.
خبراء ومتخصصون في الحركات الأصولية أكدوا أن «التنظيم يهدف من نشاطه في غرب القارة السمراء إلى تفريغ القدرات القتالية لعناصره، والحفاظ على رأس ماله الرمزي، وتأكيد الوجود في المشهد، والحفاظ على حجم البيعات الصغيرة التي حصل عليها في السابق».
وقال الخبراء لـ«الشرق الأوسط» إن «التنظيم الإرهابي عانى من الانحسار الجغرافي خلال الأشهر الماضية، وتأثر بمقتل زعيمه السابق أبي بكر البغدادي، وهو يسعى لتدوير قدراته القتالية في مناطق جديدة». لكن الخبراء قللوا في هذا الصدد من تأثير عمليات «داعش» في هذه الدول، لكونها للترويج الإعلامي.

خلايا فرعية
يشار إلى أن «ولاية غرب أفريقيا» في «داعش» انشقت عن جماعة «بوكو حرام» في عام 2016، وأصبحت الجماعة المتشددة المهيمنة في تلك المنطقة. وأبدى «داعش» اهتماماً ملحوظاً خلال الأشهر الماضية بتوسيع نطاق نشاطه في القارة الأفريقية، حيث تعاني بعض الدول من مشكلات أمنية واقتصادية واجتماعية، مما ساعده في تحقيق أهدافه.
وقال أحمد زغلول، الباحث في شؤون الحركات الأصولية بمصر، إن «النقطة المركزية في حركة التنظيمات الجهادية، وتحديداً (المعولمة) الموجودة بين أكثر من دولة، وأكثر من نشاط، تحت رعاية مشروع آيديولوجي (جهادي) محدد، مثل (داعش) ومن قبله (القاعدة)، أنه في كثير من الأحيان يكون التمركز في منطقة معينة، وتكون هي مركز الثقل، مع وجود فروع أو جيوب أخرى يتم التحرك من خلالها في بعض الأحيان، فضلاً عن أن هناك قواعد جهادية قتالية بلا عمل، فيكون التكتيك الذي يتبعه التنظيم في هذه السياقات ضرورة العمل في مناطق أخرى، أو توزيع جهوده على نطاقات جغرافية أخرى، بهدف تفريغ القدرات القتالية لعناصره، والحفاظ على رأس ماله الرمزي، بصفته (أي داعش) جماعة مقاومة -على حد زعم التنظيم- فضلاً عن تأكيد عبارات مثل: (موجودون) و(مستمرون في القتال) و(مستمرون في إقامة مشروعنا)».
في حين أرجع عمرو عبد المنعم، الباحث في شؤون الحركات الأصولية، محاولات «داعش» للتمدد في غرب أفريقيا إلى «إعادة التموضع واتخاذ مرتكزات أخرى، بعد الضربات التي مُني بها التنظيم أخيراً، خاصة بعد مقتل البغدادي والمهاجر. لذلك لجأ التنظيم إلى أفريقيا الساحل ونيجيريا وبوركينا فاسو والنيجر ومالي، وغيرها من الدول، لأن بعض هذه الدول تعاني من مشكلات في الوجود الأمني، سواء داخلياً أو على الحدود. لذا لجأ التنظيم لعدة عمليات للحفاظ على حجم البيعات الصغيرة التي حصل عليها في السابق، مع وجود منافس شرس هناك مثل تنظيم (القاعدة) الموجود بصور مختلفة في السنوات القليلة الماضية على أراضي بعض الدول الأفريقية».
وفي غضون ذلك، فسر الأكاديمي الدكتور أيمن بريك، أستاذ الإعلام المساعد في جامعتي الأزهر والإمام محمد بن سعود الإسلامية، تمدد «داعش» في غرب أفريقيا بأنه «محاولة لـ(لملمة شتات) عناصره، بعد الهزائم المتتالية في العراق وسوريا، حيث دفع بكثير من أعضائه الفارين إلى أفريقيا، في محاولة لتأكيد البقاء».

ضربات موجعة
الكلام السابق تطابق مع دراسة لمرصد دار الإفتاء في مصر، أكدت أنه «رغم الضربات الموجعة التي تعرض لها (داعش)، سواء بإخراجه من آخر معاقله في الباغوز بسوريا، واستعادة كافة الأراضي التي سيطر عليها خلال عام 2014، أو بالقضاء على غالبية قياداته ورموزه، وعلى رأسهم أبو بكر البغدادي زعيم التنظيم السابق، فإنه ظل قادراً على تنفيذ عمليات في مناطق عدة، بعد فتح جبهات جديدة لعناصره في غرب أفريقيا التي تُعد ساحة مرشحة لعمليات متزايدة متضاعفة للتنظيم».
هذا وقد قتل البغدادي بعد غارة عسكرية أميركية في سوريا، بينما قتل المتحدث باسم التنظيم السابق أبو الحسن المهاجر في عملية عسكرية منفصلة في الأسبوع نفسه تقريباً، نهاية أكتوبر (تشرين الأول) الماضي.
وأكد زغلول أن «التنظيم الإرهابي عانى من أزمات في مناطق انتشاره الأساسية، وهناك استراتيجيات أمنية على المستوى المحلي والدولي ضده، فضلاً عن انحسار جغرافي في سوريا والعراق، وهناك قيادة جديدة تولت التنظيم... كل هذه التحديات تدفعه إلى إثبات وجود، وإعادة تدوير قدراته القتالية في مناطق أخرى واختبارها، لذا يبدو طبيعياً أن يتمدد في غرب أفريقيا، أو في أي منطقة أخرى، ما دام أن هناك موارد وسياقات محلية تدعم هذا التوجه، والأمر لا يتوقف فقط على التنظيم الرئيسي (أي القيادة المركزية لداعش وقراراتها)، لكنه مرتبط بجانب آخر بوجود سياقات مناسبة؛ بمعنى أن الأوضاع الداخلية في دولة ما قد تكون مناسبة لنشاط التنظيم خلال فترة ما، وقد تكون هذه الأوضاع غير مناسبة للتنظيم في دولة أخرى».
ودعا البغدادي في وقت سابق ما سماها «ولايات دولة الخلافة المزعومة» في أفغانستان والقوقاز وإندونيسيا، وأيضاً غرب ووسط أفريقيا، للقيام بعمليات إرهابية.

مشهد جديد
وعن دلالة توجه «داعش» لغرب أفريقيا الآن، قال عبد المنعم: «هي محاولة لبلورة مشهد جهادي جديد في هذه الدول. وقد هذا ظهر بشكل كبير بعد أيام من مقتل البغدادي، وبيعة أبو إبراهيم الهاشمي القرشي زعيم (داعش) الجديد، ليؤكد التنظيم أنه عازم على استكمال مسيرة مشروعه، لذا خرج بشعار جديد في أحد إصداراته الأخيرة بعنوان (سوف نمضي)».
ومن جهته، أكد أحمد زغلول أن «التضييقات السياسية والأمنية على التنظيم في نقاطه المركزية دفعته إلى الكمون خلال الأشهر الماضية، وتضييق نشاطه، وتقليل حجم عملياته، بهدف البقاء، أو كنوع من المناورة مع السياسات الأمنية التي يتعرض لها من وقت لآخر، وهذا جعل التنظيم لديه أزمات داخلية؛ بمعنى أن هناك مشروعاً جهادياً لا بد من تحقيقه، وهناك قواعد له في دول أخرى ترى أن التنظيم نموذجاً وتدعمه بشكل أو بآخر بمختلف أوجه الدعم، لذا يؤكد دائماً على البقاء والثبات».
وكثف «داعش» من هجماته الإرهابية في دول غرب أفريقيا أخيراً. ففي نهاية ديسمبر (كانون الأول) الماضي، تبنى «داعش» هجوماً على قاعدة أربيندا العسكرية في بوركينا فاسو، قُتل خلاله 7 عسكريين. وفي الشهر ذاته، نشر التنظيم شريطاً مصوراً مدته دقيقة واحدة، أظهر فيه مشاهد إعدام 11 مسيحياً في شمال شرقي نيجيريا. وسبق ذلك إعلان «داعش»، في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، مسؤوليته عن هجوم استهدف قاعدة عسكرية شمال شرقي مالي، وأسفر عن مقتل 53 جندياً. كما تبنى التنظيم هجوماً أوقع أكثر من 70 قتيلاً في معسكر لجيش النيجر في ايناتيس قرب مالي.
وأشارت تقديرات سابقة لمراكز بحثية غربية إلى أن «عدد الذين انضموا لـ(داعش) من أفريقيا منذ عام 2014 في سوريا والعراق يزيد على 6 آلاف مقاتل». وقال مراقبون إن «عودة هؤلاء، أو من تبقى منهم، إلى أفريقيا بعد هزائم سوريا والعراق كانت إشكالية كبيرة على أمن القارة، خصوصاً أن كثيرين منهم شباب صغير السن، وليس لهم روابط إرهابية سابقة، وأغلبهم تم استقطابه عبر الإنترنت».

عمليات نوعية
وحول نشاط «داعش» المستقبلي في غرب أفريقيا، قال عمرو عبد المنعم إن «نشاط (داعش) بدأ يظهر في غرب أفريقيا من خلال عمليات نوعية، سواء ضد المسيحيين أو جيوش الدول أو العناصر الغربية الموجودة في هذه المناطق»، لافتاً إلى أن «الاستهداف حتى الآن عشوائي، وبعض هذه العمليات لم يحدث تأثيراً بالقدر الكبير، كمثل العمليات التي حدثت في أوروبا، وأحدثت دوياً من قبل، وحتى الآن هي مجرد عمليات للترويج الإعلامي وإثبات الوجود، لأن بعض ولايات وأذرع (داعش) بأفريقيا التي بايعت البغدادي في وقت سابق ما زالت لم يسمع لها صوتاً، بالمقارنة بحجم وتأثير العمليات التي شهدتها أوروبا في وقت سابق».
أما الدكتور أيمن بريك، فقد تحدث عن احتمالية «حدوث تحالف بين (داعش) و(القاعدة) ‏في القارة الأفريقية، كـ(تحالف تكتيكي) في ظل حالة الضعف والتردي التي ‏يعاني منها التنظيمين»، لكنه في الوقت نفسه دعا إلى «ضرورة التصدي لـمحاولات تمدد (داعش) وغيره من التنظيمات الإرهابية في ‏القارة الأفريقية، وذلك قبل أن ينجح بقايا الدواعش في إعادة بناء تنظيم، ربما يكون أكثر عنفاً وتشدداً وإجراماً مما فعله التنظيم الأم (أي داعش) خلال أعوامه السابقة».