مصر تسابق الزمن لإنجاز المتحف الأكبر للآثار في العالم

يقع على 177 فدانا تحت سفح الأهرامات.. وسيضم أكثر من مائة ألف قطعة أثرية

رسم تخيلي للمتحف الكبير عند الانتهاء منه ويتوسطه تمثال رمسيس الثاني
رسم تخيلي للمتحف الكبير عند الانتهاء منه ويتوسطه تمثال رمسيس الثاني
TT

مصر تسابق الزمن لإنجاز المتحف الأكبر للآثار في العالم

رسم تخيلي للمتحف الكبير عند الانتهاء منه ويتوسطه تمثال رمسيس الثاني
رسم تخيلي للمتحف الكبير عند الانتهاء منه ويتوسطه تمثال رمسيس الثاني

تسابق مصر الزمن لإنجاز «المتحف الكبير» تحت سفح أهرامات الجيزة، إحدى معجزات الدنيا السبع، وهو المتحف الذي سيضم آثارها وكنوزها الحضارية المتنوعة على مر التاريخ، ويعد أكبر المتاحف الأثرية في العالم، ويشكل آمالا عريضة في تنشيط وإنعاش السياحة، أحد أهم مصادر الدخل القومي في البلاد.
وتبذل الحكومة المصرية حاليا جهودا متواصلة لإنجاز مشروع المتحف، وتذليل العقبات التي تعترضه. والتقى في هذا السياق، مساء الاثنين، المهندس إبراهيم محلب رئيس مجلس الوزراء، والدكتور ممدوح الدماطي وزير الآثار، لمناقشة الخطوات اللازمة لإقامة مشروع المتحف المصري الكبير في أسرع وقت. وكان رئيس الوزراء اجتمع من قبل بشركة المقاولات المنفذة للمشروع في شهر يوليو (تموز) الماضي، ووجه بتشكيل لجنة تجتمع مع الاستشاري الخاص بالمشروع والشركة المنفذة له لدراسة الصعوبات والمعوقات التي تواجهه واقتراح حلول سريعة لها.
وطالب رئيس الوزراء بوضع تصور كامل عن كيفية التسويق للمشروع عالميا لوضعه في قائمة المزارات السياحية العالمية والعمل على تشكيل مجلس أمناء المتحف وتدريب الكوادر الفنية القادرة على إدارته بصورة عصرية متقدمة، بما يساعد على الإسراع في إتمام تنفيذه والخروج به على النحو المشرف الذي يسهم في إبراز الحضارة المصرية العريقة. وأشار محلب إلى أنه بصدد إجراء زيارة لمقر المشروع في وقت قريب للوقوف على الموقف التنفيذي له.
وعرض وزير الآثار تقريرا حول مراحل تنفيذ مشروع المتحف المصري الكبير ومكوناته المختلفة، مشيرا إلى أن المشروع يقام على مساحة 117 فدانا، ويتميز بموقع يطل على أهرامات الجيزة، ومن المقرر أن يكون أكبر المتاحف الأثرية وواحدا من أهم متاحف العالم. ويهدف المشروع لإنشاء مجمع متحفي كبير للحضارة المصرية، يوفر للزوار تجربة تعليمية وثقافية فريدة، ويعمل على زيادة التوعية الثقافية بالآثار والحضارة المصرية.
وبحسب التقرير، سيبلغ عدد زائري المتحف ما بين 5 إلى 8 ملايين زائر سنويا. كما استعرض التقرير الآثار الإيجابية لإقامة المتحف، ويأتي على رأسها خلق 400 فرصة عمل مباشرة، ونحو 1500 فرصة عمل غير مباشرة في قطاعات الخدمات والأمن والتنظيف والصيانة، وسوف يسهم في دعم الاقتصاد الوطني بزيادة عدد السياح ومضاعفة عائدات قطاع السياحة، كما يساعد على تطوير نظم التعليم والترفيه بجعل المتحف مقصدا للتعرف على الحضارة المصرية، وتعزيز صورة مصر على الصعيدين الإقليمي والدولي.
وكشف وزير الآثار عن أن العمل في المتحف يعاني من البطء بسبب نقص التمويل، مرجحا أن يكون افتتاح المتحف مع نهاية عام 2017، على عكس وزير الآثار السابق الدكتور محمد إبراهيم، الذي قال أكثر من مرة «إن الموعد الذي حددته الوزارة للانتهاء من المتحف المصري الكبير في 2015 يعد موعدا نهائيا لا رجعه فيه»، مؤكدًا أن الأعمال والإنشاءات ومراحل الإنشاء تسير وفق الخطة الموضوعة والمدى الزمني المحدد.
ويرى خبراء آثار أن مساحة المتحف الذي تقدر بما يوازي حجم ستة ملاعب كرة قدم ستجعله يستوعب عددا كبيرا من الزوار قد يزيد على 10 ملايين سنويا، بالإضافة لمباني الخدمات التجارية والترفيهية ومركز الترميم والحديقة المتحفية التي ستُزرع بها الأشجار التي كانت معروفة عند المصري القديم، ومن شأنها أن تجعل الزيارة دائمة يوميا للمتحف.
وأطلقت مصر حملة لتمويل المشروع الذي تقدر تكلفته بنحو 550 مليون دولار، وقدمت اليابان مساهمة خاصة بـ300 مليون، كقرض ميسر. لكن أول محاولة لجمع المال اللازم لبناء هذا الصرح العملاق تمثلت في المعرض الجديد للآثار المصرية في متحف الفنون في مدينة لوس أنجليس بالولايات المتحدة الأميركية، تحت شعار «توت عنخ أمون والعصر الذهبي الفرعوني».
ومن المقرر أن يضم المتحف الكبير أكثر من مائة ألف قطعة أثرية من العصور الفرعونية والقبطية، واليونانية، والرومانية، وهو ما يعني إعطاء دفعة لقطاع السياحة في البلاد. كما سيسهم في الترويج للمتحف موقعه الفريد على سهل صحراوي، وفي ملتقى طرق مهم، يربط العاصمة القاهرة بوسط وجنوب الدلتا والمحافظات الساحلية، بسلاسة ويسر، إضافة إلى أن زائر المتحف سيستمتع برؤية أهرامات الجيزة عن مسافة قريبة جدا. إضافة إلى أن باحة المدخل الرئيس للمتحف سيتصدرها تمثال عملاق للفرعون رمسيس الثاني، أشهر ملوك مصر.
وحول أعمال الترميم للقطع الأثرية التي سيضمها المتحف أكد أسامة أبو الخير، القائم بأعمال المشرف العام على المتحف، أنه تم الانتهاء من ترميم وتجهيز أكثر من 50 في المائة من القطع الأثرية التي نقلت إلى مخازن المتحف، مشيرا إلى تدريب 350 عاملا في 22 دورة تدريبية، و14 نشرة علمية، وعدد 2 بروتوكولات تدريب من الخارج، كان أولها وفد عماني تدرب داخل مراكز الترميم وعلى أجهزة المعمل، فضلا عن حضور وفد أجنبي آخر من البوسنة والهرسك خلال الفترة المقبلة لتلقي التدريب بالمتحف.
وفي سياق المتاحف المصرية، يترقب المصريون افتتاح متحف الحضارة المصرية بمنطقة الفسطاط في مصر القديمة، وذلك بعدما أعلن مسؤولون أثريون قرب الانتهاء من استكمال مراحله التنفيذية.
وقال الدكتور أحمد صالح عبد الله، المدير العام لصندوق إنقاذ آثار النوبة التابع له مشروع متحف الفسطاط، إنه يتم الآن استكمال المرحلة الثانية من مشروع المتحف تمهيدا لافتتاح المرحلتين الأولى والثانية منه خلال الشهور الثلاثة المقبلة. وأشار إلى أن المرحلتين المقرر افتتاحهما من المتحف تتضمنان مسرحا وسينما ومركزا عالميا لتدريب المرممين الأثريين وورش ترميم للآثار ومطبعة ومنطقة ترفيهية.
وكشف الدكتور أحمد عبد الله، المشرف على مشروع متحف الحضارة المصرية، أن المتحف يحتاج ما بين 400 و600 مليون جنيه مصري لتجهيز القاعات الخاصة بعرض مقتنيات المتحف الأثرية والتاريخية باستخدام أحدث النظم العالمية المستخدمة في هذا المجال بما يحقق الحماية اللازمة لتلك المعروضات التي لا تقدر بثمن، لافتا إلى أن المتحف القومي للحضارة المصرية بالفسطاط سيكون مقصدا كبيرا، ليس فقط في السياحة وإنما في الحركة الثقافية والتعليمية، وسيعطي لزائره رسالة كاملة عن الحضارة المصرية وتطورها عبر التاريخ.
ويقع هذا المتحف في مدينة الفسطاط القديمة التي أنشأها عمرو بن العاص عام 640 ميلاديا كأول عاصمة في الحقبة الإسلامية المصرية في وسط القاهرة على طريق الأهرام. وهي تحوي صروحا ومواقع أثرية بارزة بما فيها قلعة صلاح الدين وجامع عمرو بن العاص والكنيسة المعلقة وكنيس بن عزرا اليهودي. وتبلغ مساحتها 25 فدانا. ويعتبر هذا الموقع بمثابة نموذج فريد للتعايش بين الأديان السماوية الثلاثة، ففيه يتجاور المسجد مع الكنيسة مع المعبد اليهودي.
ومن المقرر أن يستوعب المتحف 50 ألف قطعة أثرية تحكي مراحل تطور الحضارة المصرية، بالإضافة إلى عرض لإنجازات الإنسان المصري في مجالات الحياة المختلفة منذ فجر التاريخ حتى الوقت الراهن، كما يحتوي المعرض على نماذج وصور فوتوغرافية ومخطوطات ولوحات زيتية وتحف فنية وآثار من العصر الحجري والفرعوني واليوناني الروماني والقبطي والعربي وحضارة السودان والعصر الحديث. أيضا سيحتوي على بحيرة طبيعية نادرة هي بحيرة «عين الصيرة».
وتعرض مقتنيات المتحف مراحل تطور الحضارة المصرية من خلال ست صالات عرض محورية هي: بزوغ حضارة النيل، الكتابة، الدولة والمجتمع، الثقافة المادية، المعتقدات، والتأمل. كما يعرض لأهم الأحداث التاريخية أو الاجتماعية والتي كانت نقطة تحول في الحضارة المصرية، وأهم الشخصيات من الملوك الفراعنة، والعلماء، والكتاب، والفنانين، والمخترعين، والرحالة، والمستكشفين، بجانب معروضات تمثل كل مراحل التاريخ المصري.



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».