تايلاند تحظر عمليات تأجير الأرحام بحلول نهاية العام

في أعقاب فضيحة تتعلق بطفل تركه والداه لمرضه

تايلاند تحظر عمليات تأجير الأرحام بحلول نهاية العام
TT

تايلاند تحظر عمليات تأجير الأرحام بحلول نهاية العام

تايلاند تحظر عمليات تأجير الأرحام بحلول نهاية العام

ذكر مسؤول تايلاندي، أمس (الجمعة)، أن بلاده ستوقع على قانون لحظر عمليات تأجير الأرحام بحلول نهاية العام.
وأكد شاتري بنياي رئيس الإدارة القانونية التابعة لوزارة الصحة العامة لوكالة الأنباء الألمانية هاتفيا أن مسودة قانون طُرحت على الجمعية التشريعية الوطنية، التي شُكلت حديثا.
وقال شاتري: «سيجري تطبيق القانون بحلول نهاية العام»، وتابع أنه «سيكون من المستحيل التوقيع على (مشروع القانون) في الأسابيع القليلة المقبلة».
وتعيد تايلاند دراسة الوضع القانوني لعملية تأجير الأرحام غير المنظمة حاليا في أعقاب فضيحة تتعلق بطفل تركه والداه الأستراليان، بعد إنجابه، عبر عملية تأجير الأرحام.
وأكدت وزارة الشؤون الخارجية التايلاندية، أمس (الجمعة)، أنه جرى منع زوجين أستراليين من مغادرة البلاد، مساء أول من أمس (الخميس) برضيع جرى إنجابه من خلال عملية تأجير الأرحام.
وذكر مسؤولو الهجرة أن الزوجين لم يكونا يحملان الوثائق السليمة لمغادرة البلاد. وقال مسؤول هجرة لوكالة الأنباء الألمانية إنهم «يتوخون الحذر بشكل أكبر» في التعامل مع الأزواج الذين يحملون رضعا، من خلال عمليات تأجير الأرحام، بعد ظهور قضايا تتعلق بهذا الأمر أثارت اهتماما إعلاميا بارزا أخيرا.
وأضاف المسؤول: «يجب أن يكون لديكما وثائق قانونية تؤكد أنكما والدا الطفل لمغادرة البلاد».
وفي رد فعلها على ذلك، وجهت أستراليا مجددا تحذيرا من السفر لتايلاند، حيث حثت الأزواج على السعي للحصول على مشورة قانونية مستقلة فيما يتعلق بترتيبات عمليات تأجير الأرحام.
وقالت إدارة الشؤون الخارجية والتجارة إن الوضع القانوني المتعلق بعمليات تأجير الأرحام غير واضح حاليا في تايلاند.
وكان الزوجان الأستراليان، اللذان دخلا في صراع مرير مع أم بديلة (مؤجرة رحم) تايلاندية، قد ظهرا على شاشة التلفزيون الأسترالي يوم الأحد الماضي، ونفيا تخليهما عن أحد طفليهما التوأم اللذين وُلدا للسيدة التايلاندية بطريقة تأجير الرحم.
وقال ديفيد فارنيل وزوجته ويندي لشبكة تلفزيون «ناين نتويرك» الأسترالية إن باتارامون جوبوا أصرت على الاحتفاظ بولد يدعى جامي مصاب بمتلازمة «داون»، وهددت أيضا بالاحتفاظ بأخته التوأم.
وقال فارنيل: «لم نتركه، كنا نريد أن نأخذه معنا، لكن كان هناك الكثير من الأشياء كانت تحدث، ولم نستطع أخذه.. وأرادت الأم البديلة أن تأخذ ابنتنا، وأصبنا بالرعب من أننا سنخسرها، وعلينا أن نخرج».
وأضاف: «قالت إذا حاولنا أخذ الطفل، فستحضر الشرطة، وتأخذ ابنتنا».
وكانت باتارامون قد زعمت، الأسبوع الماضي، أن الزوجين أرادا منها إجهاض الطفل، وأنكراه بعد أن وضعته وغادرا إلى أستراليا ومعهما أخته التي وُلدت معه بصحة جيدة، مما أثار حالة من الغضب العام.
لكن فارنيل قال خلال ظهوره: «لم نطلب أبدا من الأم البديلة الإجهاض.. واكتشفنا إصابة الطفل بمتلازمة (داون) في مرحلة متأخرة من الحمل. وقلنا إننا نريد لكلا الطفلين أن يُولدا، وسنفكر في ذلك الأمر فيما بعد».
وفي تأجير الرحم، يتفق أبوان مع أم بديلة على أن تزرع البويضة المخصبة منهما في رحمها، وبعد الولادة يأخذ الأبوان الطفل، ويدفع مقابلا ماديا للأم البديلة التي قامت بتأجير رحمها.
وتضيق السلطات التايلاندية الخناق على الأطباء والعيادات التي تجري عمليات تأجير الأرحام التي تحظى بشعبية لدى الأجانب، ومن بينهم الأستراليون، وهي الآن تتحرك نحو فرض حظر على عمليات تأجير الأرحام التجارية.



100 عامٍ من عاصي الرحباني

عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
TT

100 عامٍ من عاصي الرحباني

عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)

في الرابع من شهر الخِصب وبراعم اللوز والورد، وُلد عاصي الرحباني. كانت البلادُ فكرةً فَتيّة لم تبلغ بعد عامها الثالث. وكانت أنطلياس، مسقط الرأس، قريةً لبنانيةً ساحليّة تتعطّر بزهر الليمون، وتَطربُ لارتطام الموج بصخور شاطئها.
لو قُدّر له أن يبلغ عامه المائة اليوم، لأَبصر عاصي التحوّلات التي أصابت البلاد وقُراها. تلاشت الأحلام، لكنّ «الرحباني الكبير» ثابتٌ كحقيقةٍ مُطلَقة وعَصي على الغياب؛ مقيمٌ في الأمس، متجذّر في الحاضر وممتدّةٌ جذوره إلى كل الآتي من الزمان.


عاصي الرحباني خلال جلسة تمرين ويبدو شقيقه الياس على البيانو (أرشيف Rahbani Productions)

«مهما قلنا عن عاصي قليل، ومهما فعلت الدولة لتكريمه قليل، وهذا يشمل كذلك منصور وفيروز»، يقول المؤلّف والمنتج الموسيقي أسامة الرحباني لـ«الشرق الأوسط» بمناسبة مئويّة عمّه. أما الصحافي والباحث محمود الزيباوي، الذي تعمّق كثيراً في إرث الرحابنة، فيرى أن التكريم الحقيقي يكون بتأليف لجنة تصنّف ما لم يُنشر من لوحاته الغنائية الموجودة في إذاعتَي دمشق ولبنان، وتعمل على نشره.
يقرّ أسامة الرحباني بتقصير العائلة تجاه «الريبرتوار الرحباني الضخم الذي يحتاج إلى تضافر جهود من أجل جَمعه»، متأسفاً على «الأعمال الكثيرة التي راحت في إذاعة الشرق الأدنى». غير أنّ ما انتشر من أغانٍ ومسرحيات وأفلام، على مدى أربعة عقود من عمل الثلاثي الرحباني عاصي ومنصور وفيروز، أصبح ذخيرةً للقرون المقبلة، وليس للقرن الرحباني الأول فحسب.

«فوتي احفظي، قومي سجّلي»
«كان بركاناً يغلي بالعمل... يكتب بسرعة ولا يتوقف عند هاجس صناعة ما هو أجمل، بل يترك السرد يمشي كي لا ينقطع الدفق»، هكذا يتذكّر أسامة عمّه عاصي. وفي بال الزيباوي كذلك، «عاصي هو تجسيدٌ للشغف وللإنسان المهووس بعمله». لم يكن مستغرباً أن يرنّ الهاتف عند أحد أصدقائه الساعة الثالثة فجراً، ليخرج صوت عاصي من السمّاعة قارئاً له ما كتب أو آخذاً رأيه في لحنٍ أنهاه للتوّ.
ووفق ما سمعه الزيباوي، فإن «بعض تمارين السيدة فيروز وتسجيلاتها كان من الممكن أن يمتدّ لـ40 ساعة متواصلة. يعيد التسجيل إذا لم يعجبه تفصيل، وهذا كان يرهقها»، رغم أنه الزوج وأب الأولاد الأربعة، إلا أن «عاصي بقي الأستاذ الذي تزوّج تلميذته»، على حدّ وصف الزيباوي. ومن أكثر الجمل التي تتذكّرها التلميذة عن أستاذها: «فوتي احفظي، قومي سَجّلي». أضنى الأمر فيروز وغالباً ما اعترفت به في الحوارات معها قبل أن تُطلقَ تنهيدةً صامتة: «كان ديكتاتوراً ومتطلّباً وقاسياً ومش سهل الرِضا أبداً... كان صعب كتير بالفن. لمّا يقرر شي يمشي فيه، ما يهمّه مواقفي».


عاصي وفيروز (تويتر)
نعم، كان عاصي الرحباني ديكتاتوراً في الفن وفق كل مَن عاصروه وعملوا معه. «كل العباقرة ديكتاتوريين، وهذا ضروري في الفن»، يقول أسامة الرحباني. ثم إن تلك القسوة لم تأتِ من عدم، فعاصي ومنصور ابنا الوَعر والحرمان.
أثقلت كتفَي عاصي منذ الصغر همومٌ أكبر من سنّه، فتحمّلَ وأخوه مسؤولية العائلة بعد وفاة الوالد. كان السند المعنوي والمادّي لأهل بيته. كمعطفٍ ردّ البردَ عنهم، كما في تلك الليلة العاصفة التي استقل فيها دراجة هوائية وقادها تحت حبال المطر من أنطلياس إلى الدورة، بحثاً عن منصور الذي تأخّر بالعودة من الوظيفة في بيروت. يروي أسامة الرحباني أنها «كانت لحظة مؤثرة جداً بين الأخوين، أبصرا خلالها وضعهما المادي المُذري... لم ينسيا ذلك المشهد أبداً، ومن مواقفَ كتلك استمدّا قوّتهما».
وكما في الصِبا كذلك في الطفولة، عندما كانت تمطر فتدخل المياه إلى المدرسة، كان يظنّ منصور أن الطوفان المذكور في الكتاب المقدّس قد بدأ. يُصاب بالهلَع ويصرخ مطالباً المدرّسين بالذهاب إلى أخيه، فيلاقيه عاصي ويحتضنه مهدّئاً من رَوعه.

«سهرة حبّ»... بالدَين
تعاقبت مواسم العزّ على سنوات عاصي الرحباني. فبعد بدايةٍ متعثّرة وحربٍ شرسة ضد أسلوبه الموسيقي الثائر على القديم، سلك دروب المجد. متسلّحاً بخياله المطرّز بحكايا جدّته غيتا و«عنتريّات» الوالد حنّا عاصي، اخترع قصصاً خفتت بفعلِ سحرِها الأصواتُ المُعترضة. أما لحناً، فابتدعَ نغمات غير مطابقة للنظريات السائدة، و«أوجد تركيبة جديدة لتوزيع الموسيقى العربية»، على ما يشرح أسامة الرحباني.


صورة تجمع عاصي ومنصور الرحباني وفيروز بالموسيقار محمد عبد الوهاب وفريد الأطرش، بحضور بديعة مصابني وفيلمون وهبي ونجيب حنكش (أرشيف Rahbani Productions)
كان عاصي مستعداً للخسارة المادية من أجل الربح الفني. يحكي محمود الزيباوي أنه، ولشدّة مثاليته، «سجّل مسرحية (سهرة حب) مرتَين ولم تعجبه النتيجة، فاقترض مبلغاً من المال ليسجّلها مرة ثالثة». ويضيف أن «أساطير كثيرة نُسجت حول الرحابنة، لكن الأسطورة الحقيقية الوحيدة هي جمال عملهم».
ما كانت لتكتمل أسطورة عاصي، لولا صوت تلك الصبية التي دخلت قفصَه الذهبي نهاد حدّاد، وطارت منه «فيروز».
«أدهشته»، يؤكّد الزيباوي؛ ويستطرد: «لكنّ أحداً منهما لم يعرف كيف يميّز بين نهاد حداد وفيروز»... «هي طبعاً المُلهِمة»، يقول أسامة الرحباني؛ «لمح فيها الشخصية التي لطالما أراد رسمَها، ورأى امرأةً تتجاوب مع تلك الشخصية»، ويضيف أن «عاصي دفع بصوت فيروز إلى الأعلى، فهو في الفن كان عنيفاً ويؤمن بالعصَب. كان يكره الارتخاء الموسيقي ويربط النجاح بالطبع الفني القوي، وهذا موجود عند فيروز».


زفاف عاصي الرحباني ونهاد حداد (فيروز) عام 1955 (تويتر)

دماغٌ بحجم وطن
من عزّ المجد، سرقت جلطة دماغيّة عاصي الرحباني عام 1972. «أكثر ما يثير الحزن أن عاصي مرض وهو في ذروة عطائه وإبداعه، وقد زادت الحرب اللبنانية من مرضه وصعّبت العمل كثيراً»، وفق الزيباوي. لم يكن القلق من الغد الغامض غريباً عليه. فهو ومنذ أودى انفجارٌ في إحدى الكسّارات بحياة زوج خالته يوسف الزيناتي، الذي كان يعتبره صياداً خارقاً واستوحى منه شخصيات لمسرحه، سكنته الأسئلة الحائرة حول الموت وما بعدَه.
الدماغ الذي وصفه الطبيب الفرنسي المعالج بأنه من أكبر ما رأى، عاد ليضيء كقمرٍ ليالي الحصّادين والعاشقين والوطن المشلّع. نهض عاصي ورجع إلى البزُق الذي ورثه عن والده، وإلى نُبله وكرمه الذي يسرد أسامة الرحباني عنهما الكثير.
بعد المرض، لانت قسوة عاصي في العمل وتَضاعفَ كرَمُه المعهود. يقول أسامة الرحباني إن «أقصى لحظات فرحه كانت لحظة العطاء». أعطى من ماله ومن فِكرِه، وعُرف بيدِه الموضوعة دائماً في جيبِه استعداداً لتوزيع النقود على المحتاجين في الشارع. أما داخل البيت، فتجسّد الكرَم عاداتٍ لطيفة وطريفة، كأن يشتري 20 كنزة متشابهة ويوزّعها على رجال العائلة وشبّانها.
خلال سنواته الأخيرة ومع احتدام الحرب، زاد قلق عاصي الرحباني على أفراد العائلة. ما كان يوفّر مزحة أو حكاية ليهدّئ بها خوف الأطفال، كما في ذلك اليوم من صيف 1975 الذي استُهدفت فيه بلدة بكفيا، مصيَف العائلة. يذكر أسامة الرحباني كيف دخل عاصي إلى الغرفة التي تجمّع فيها أولاد العائلة مرتعدين، فبدأ يقلّد الممثلين الأميركيين وهم يُطلقون النار في الأفلام الإيطالية، ليُنسيَهم ما في الخارج من أزيز رصاص حقيقي. وسط الدمار، بنى لهم وطناً من خيالٍ جميل، تماماً كما فعل وما زال يفعل في عامِه المائة، مع اللبنانيين.


عاصي الرحباني (غيتي)