السنغاليون ينتخبون رئيساً جديداً... وتوقعات بفوز ماكي سال في الدورة الأولى

الرئيس السنغالي لـ«الشرق الأوسط»: ما أنجزناه خلال 7 سنوات يستحق التزكية

الرئيس السنغالي المنتهية ولايته ماكي صال المرشح الرئاسي خلال ظهوره في الحملة الانتخابية (رويترز)
الرئيس السنغالي المنتهية ولايته ماكي صال المرشح الرئاسي خلال ظهوره في الحملة الانتخابية (رويترز)
TT

السنغاليون ينتخبون رئيساً جديداً... وتوقعات بفوز ماكي سال في الدورة الأولى

الرئيس السنغالي المنتهية ولايته ماكي صال المرشح الرئاسي خلال ظهوره في الحملة الانتخابية (رويترز)
الرئيس السنغالي المنتهية ولايته ماكي صال المرشح الرئاسي خلال ظهوره في الحملة الانتخابية (رويترز)

يتوجه السنغاليون غداً (الأحد)، إلى صناديق الاقتراع لانتخاب رئيس جديد من بين 5 متنافسين؛ ضمنهم الرئيس المنتهية ولايته ماكي سال، عن تحالف «بينو بوك ياكار»، الذي تقول توقعات إنه سيفوز بولاية ثانية في الدورة الأولى، نظراً لغياب منافسة قوية، وأيضاً كونه، حسب كثير من المراقبين «لم يعد في حاجة للحديث إلى الناخبين للإقناع لأن حصيلته مثيرة جداً للارتياح».
ويشارك نحو 6 ملايين في التصويت، وذلك حسب معطيات أعلن عنها وزير الداخلية والأمن العمومي السنغالي، إلي نغوي، الذي أعلن أيضاً أنه جرى تخصيص 746 مكتباً للناخبين السنغاليين المقيمين في 48 بلداً. وبلغت نسبة المشاركة في اقتراع 2012 الرئاسي 55 في المائة. وكانت الحملة الانتخابية الرئاسية قد انتهت منتصف الليلة الماضية، لتدخل البلاد اليوم (السبت) في حالة صمت انتخابي استعداداً للاقتراع.
وينافس 4 مرشحين الرئيس سال (56 عاماً)، الذي انتخب في 2012، ويريد مواصلة خطته لتحويل السنغال إلى دولة ناشئة.
ودانت المعارضة في وقت سابق إبطال ترشيحات كريم واد، نجل الرئيس السابق عبد الله واد ورئيس الحكومة في عهده (2000 - 2012)، ورئيس بلدية داكار المقال خليفة سال، المنشق عن الحزب الاشتراكي، اللذين صدرت بحقهما إدانات قضائية. ويأمل منافسو الرئيس سال في إحداث مفاجأة والحد من طموحاته. وعلى رأس هؤلاء رئيس الوزراء السابق إدريسا سيك، الذي يترشح للمرة الثالثة.
وقال الرئيس سال في تصريح مقتضب لـ«الشرق الأوسط» إن اقتراع يوم 24 فبراير (شباط)، «سيؤكد بلا شك للسنغاليين وللعالم أن العمل الذي أنجز خلال السنوات السبع الماضية يستحق التزكية». وزاد الرئيس سال: «لدينا برنامج متواصل لإقامة تنمية تدخل السنغال إلى نطاق البلدان الناهضة. نحن نعول على استمرار برنامج (السنغال الناهض)، الذي شكل قطيعة مع ماضي البلد».
وتشير معظم التوقعات إلى أن حظوظ الرئيس سال في الفوز تبقى كبيرة بسبب النمو الاقتصادي الذي حققه خلال ولايته الرئاسية الأولى، التي بدأت عام 2012، وهو الذي أطلق منذ وصوله إلى الحكم مخطط «السنغال الناهض» سنة 2014، من أجل تحفيز التنمية الاقتصادية، أهم ما ميز الولاية الأولى للرئيس سال. كما أن الشطر الثاني من هذا المخطط (2019 - 2023) الذي تم إطلاقه نهاية 2018، وعبأ التزامات بقيمة 14 مليار دولار، يعزز خيار الناخبين للاستمرارية.
في غضون ذلك، قال الشيخ امباكي سين، الكاتب الصحافي المستشار في التواصل والذكاء الاقتصادي، إن إعادة انتخاب سال هي «اختيار الحفاظ على دينامية الإقلاع»، مشيراً في مقال على موقع «فايننشيال أفريك» إلى أنه «منذ عقود، والسنغاليون يعتبون على مختلف القادة افتقادهم للرؤية. وإذا كان الله قد وهب للبلاد رجلاً متبصراً بانياً في شخص ماكي سال، فلماذا نغامر بعدم منحه ولاية ثانية للاستمرار في عمله الذي يعد محط إشادة حتى خارج الحدود؟».
وأعلن سال، الذي جاب جميع محافظات البلاد، أنه نجح خلال السنوات السبع الماضية في توفير قرابة نصف مليون فرصة عمل، وتعهد أنه سيعمل في السنوات الخمس المقبلة (جرى تقليص الولاية الرئاسية في استفتاء شعبي عام 2016، من 7 إلى 5 سنوات) على خلق مليون فرصة عمل، وهي وعود موجهة بالدرجة الأولى إلى الشباب الذي يشكل النسبة الأكبر من الناخبين في السنغال، وأغلبه متذمر من الأوضاع الاقتصادية الصعبة في البلاد.
ورغم ذلك، يواجه الرئيس سال منافسة من الوزير الأول (رئيس الوزراء الأسبق) إدريسا سيك (59 سنة)، مرشح حزب رومي المعارض، وتحالف «أيدي 2019»، الذي يتهم سال بأنه «أعاد السنغال إلى الوراء»، ويقول إن سياساته الاقتصادية «أغرقت البلاد في الديون الخارجية»، بيد أن المرشح سيك متورط في عمليات فساد خلال حكم الرئيس السابق عبد الله واد، ولا يحظى بثقة قطاعات واسعة من السنغاليين. وتمكن سيك، من نيل دعم العمدة السابق لدكار، خليفة صال، الذي يقضي حالياً عقوبة سجنية بتهمة اختلاس أموال عمومية، وتم استبعاده من سباق الرئاسة. ويعتبر المراقبون هذا الدعم بمثابة امتياز حقيقي للمرشح سيك، علماً أن تحالف خليفة صال (تاخاو سنغال) يتوفر على قاعدة انتخابية مهمة، لا سيما بالعاصمة دكار.
وفي المقابل، حسب المراقبين، فإن «دعوة خليفة صال إلى التصويت لتحالف (أيدي 2019) دون استشارة قاعدته، بعثت على الاستياء في صفوف الأنصار الشباب»، وهو ما سيخفف من تأثير هذا الدعم والتحالف. كما يبدو أن سيك سيتأثر سلباً بالتأويلات التي أعطاها لعدد من الآيات القرآنية وموقفه من النزاع الفلسطيني - الإسرائيلي، الأمر الذي سلط عليه انتقادات قوية قبل بضعة أشهر من عدد من مكونات المجتمع السنغالي، دون إغفال القضية التي يطلق عليها «أوراش تييس» التي تتبعه فيها اتهامات بتضخيم فواتير الأشغال بالمدينة عندما كان عمدة لها. أما المرشح الثالث ماديكي نيانغ (65 عاماً)، وهو وزير خارجية سابق في عهد الرئيس واد، فقد سبق أن ظهر اسمه أيضاً ضمن قائمة تشمل شخصيات متهمة بالفساد بيد أنه نجا من الإدانة.
والمرشح الرابع عيسى صال (63 عاماً)، المنتمي لحزب الوحدة والتجمع، وهو وزير سابق وأكاديمي قريب من حركة المسترشدين الدينية المنبثقة عن الطريقة التيجانية، قد قدم خلال الحملة الانتخابية خطاباً وصف بأنه «نخبوي»، وبالتالي فإن شعبيته تبقى محدودة، بينما تميز المرشح الخامس، وهو الشاب عصمان سونغو (44 عاماً)، من «تحالف باستيف»، بكونه يتبنى خطاباً يمينياً متطرفاً ومعادياً للأجانب. وسونغو، نائب في البرلمان، ومفتش سابق في مصلحة الضرائب.
تجدر الإشارة إلى أن لاعباً آخر ظهر بقوة في الساحة السياسية خلال الحملة الانتخابية، هو الرئيس السابق عبد الله واد، البالغ من العمر 93 عاماً، الذي عاد إلى السنغال أياماً قليلة قبيل موعد الاقتراع، ودعا السنغاليين إلى مقاطعة الانتخابات، وإحراق بطاقات الانتخاب، ومهاجمة مكاتب التصويت، رفضاً لما زعمه بـ«محاولة الرئيس صال تزوير الانتخابات»، على حد تعبيره.
وفي سابقة هي الأولى من نوعها، رفض الحزب الديمقراطي السنغالي (ليبرالي) الذي يرأسه واد، دخول الانتخابات الرئاسية بعد أن رفضت السلطات القضائية ترشح كريم واد، نجل الرئيس السابق المدان في قضايا فساد، والمقيم في دولة قطر. ويقول الحزب المعارض إن القضاء منحاز لأنه منع ترشح كريم واد وخليفة صال، وهما أبرز منافسين جديين للرئيس المنتهية ولايته. تجدر الإشارة أيضاً إلى أنها المرة الأولى منذ عام 1978، التي لم يقدم فيها الحزب الاشتراكي مرشحاً. ويرى المراقبون أن الليبراليين ممثلون بشكل جيد في الاقتراع بالرئيس صال والوزير الأول الأسبق سيك، والوزير الأسبق نيانغ، وجميعهم خرجوا من معطف الحزب الديمقراطي السنغالي.
ويرى مراقبون آخرون أن موقف واد الراديكالي يمكن أن يصب في صالح المرشح سيك الذي سيستفيد من مساندة بعض أطر الحزب الديمقراطي غير المتفقين مع دعوات واد.
وإذا كان هذا المعطى سيعود بنفع كبير على المرشح سيك، فإن ذلك لا يشكل مبعث قلق للرئيس صال الذي يبدو أنه يتجاوز بشكل كبير بقية المرشحين، حسب مراقبي الانتخابات الرئاسية.
ويتوقع أن تعلن النتائج الأولية عند إغلاق مراكز التصويت الأحد في المساء، لكنها لن تصبح رسمية قبل 25 أو 26 فبراير. وإذا تعذر الحسم في النتيجة في الدورة الأولى فلن تجري الدورة الثانية من الاقتراع على الأرجح قبل 24 مارس (آذار) المقبل، نظراً للمهل القانونية لإعلان النتائج والطعون المحتملة فيها، والحملة الانتخابية. وتعد السنغال نموذجاً ديمقراطياً ناجحاً في أفريقيا، فهي البلد الأفريقي الوحيد الذي لم يقع فيه انقلاب عسكري منذ استقلاله عن فرنسا عام 1960. وحكم البلاد حتى الآن 4 رؤساء هم ليوبولد سيدار سنغور (1960 - 1980)، وعبدو ضيوف (1980 - 2000)، وعبدولاي واد (2000 - 2012)، وماكي صال (منذ 2012).



صراع النفوذ بالقرن الأفريقي... «حرب باردة» تُنذر بصدام إقليمي

TT

صراع النفوذ بالقرن الأفريقي... «حرب باردة» تُنذر بصدام إقليمي

يشكل التأثير الكبير لمنطقة القرن الأفريقي في حركة التجارة الدولية عبر البحر الأحمر نقطة الجذب الأولى للقوى الدولية... وفي الصورة يظهر ميناء تاجورة على ساحل جيبوتي (رويترز)
يشكل التأثير الكبير لمنطقة القرن الأفريقي في حركة التجارة الدولية عبر البحر الأحمر نقطة الجذب الأولى للقوى الدولية... وفي الصورة يظهر ميناء تاجورة على ساحل جيبوتي (رويترز)

بسبب أهمية منطقة القرن الأفريقي الاستراتيجية، وحجم الثروات الكامنة فيها، وهشاشة أوضاعها الأمنية والسياسية والاقتصادية، تتزايد دوافع اللاعبين الدوليين والإقليميين للتمركز فيها، وهو الأمر الذي حوّلها ميداناً لـ«حرب باردة»، وصراع إرادات ينتظر شرارة مشتعلة لينفجر صداماً إقليمياً.

وإذا كانت القوى الكبرى، مثل أميركا والصين وروسيا، تتصدر الواجهة في سباق الوجود بالقرن الأفريقي، فإن ذلك لم يمنع قوى إقليمية مثل تركيا وإيران والهند من البحث عن مكان لها في المنطقة، ما دعا مسؤولين ومراقبين إلى التحذير من سيناريوهات تصعيدية عديدة بالمنطقة، كالتحول إلى «ميدان لحرب باردة» بين اللاعبين الدوليين.

ويُقصد بالقرن الأفريقي جغرافياً، الجزء الواقع غرب البحر الأحمر، وخليج عدن في شكل قرن، ويضم أربع دول، هي: الصومال وجيبوتي وإريتريا وإثيوبيا، ويتسع ليشمل دول الجوار: كينيا، أوغندا، تنزانيا، جنوب السودان، السودان، وكذلك اليمن، لارتباطها بهذه الدول.

صراع المواني

ويشكل التأثير الكبير لمنطقة القرن الأفريقي، في حركة التجارة الدولية عبر البحر الأحمر، نقطة الجذب الأولى للقوى الدولية للوجود بالمنطقة، لكونها معبراً رئيساً لنقل النفط من دول الخليج للأسواق العالمية. وتدلل على ذلك بيانات التجارة العالمية المارة عبر البحر الأحمر، حيث تسجل تلك التجارة نحو 12 في المائة من حركة تجارة العالم سنوياً، بواقع 30 في المائة من حركة حاويات الشحن العالمية، وبقيمة تتجاوز تريليون دولار. إلى جانب ما بين 7 إلى 10 في المائة من إمدادات النفط العالمية، وفق بيانات مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية (الأونكتاد) في يناير (كانون الثاني) 2024.

أحد المواني في جيبوتي (أ.ف.ب)

وتُضاعف المواني البحرية، وعددها 10 مواني، من الأهمية الاستراتيجية لمنطقة القرن الأفريقي، لتحتل مرتبة متقدمة في سياسات القوى الدولية والإقليمية الطامحة للعب دور بها، بالنظر إلى ما تمثله المنطقة من حلقة ربط بين مراكز تجارية وأسواق شرق ووسط أفريقيا ودول أوروبا وآسيا والشرق الأوسط، وفق الخبير العسكري المصري، اللواء سمير فرج. وعدّ اللواء فرج، في حديث لـ«الشرق الأوسط»، أن «التأثير المتزايد للمنطقة، على حركة التجارة العالمية، يدفع الدول الكبرى، للوجود لتأمين تجارتها ومصالحها».

وبينما يتركز التنافس على تلك المواني بين الولايات المتحدة والصين، إلا أنه لم يمنع قوى إقليمية من الظهور على خريطة التنافس الدولي، مثل تركيا، وإثيوبيا التي تبحث عن منفذ بحري لها.

وتتنوع محددات اللاعبين الدوليين للتنافس على مواني القرن الأفريقي، إذ تنطلق لتحقيق أهداف أمنية واستراتيجية بالنسبة للولايات المتحدة، بضمان وجودها عبر مجموعة من «التحالفات البحرية الأمنية»، بينما تستهدف الصين توسيع استثماراتها في المواني البحرية في إطار مبادرتها «الحزام والطريق»، حيث تستحوذ على إدارة وتشغيل ميناء جيبوتي المعروف بـ«ميناء دوراله»، كما افتتحت عام 2018 منطقة تجارة حرة بجيبوتي مساحتها تقدر بنحو 48 كيلومتراً مربعاً. فيما تسيطر تركيا على ميناء مقديشو في الصومال، وفقاً لاتفاقية مارس (آذار) 2023. وإقليمياً تسعى إثيوبيا لإيجاد منفذ بحري لها، مطلع هذا العام، باتفاق مع إقليم «أرض الصومال» الانفصالي، وسط رفض صومالي وعربي.

ناقلة نفط في البحر الأحمر (رويترز)

وتوفر حركة التجارة عبر الممر الملاحي للبحر الأحمر ميزة تنافسية، من حيث توفير الوقت والمسافة والتكلفة، حسب وزير الدولة بوزارة الخارجية السودانية الأسبق، السماني الوسيلة، الذي قال لـ«الشرق الأوسط» إن «الموقع الجغرافي لقناة السويس والبحر الأحمر يجعلها أقصر طريق للتجارة بين الشرق والغرب، بالمقارنة بطريق رأس الرجاء الصالح».

وتعتمد دول شرق أفريقيا في تجارتها على البحر الأحمر وقناة السويس، إذ يعبر القناة نحو 34 في المائة من تجارة السودان، ونحو 31 في المائة من تجارة جيبوتي، و15 في المائة من تجارة كينيا، و10 في المائة لتنزانيا، وفقاً لتقرير «الأونكتاد»، في فبراير (شباط) 2024.

تنافس على الثروات

إلى جانب ذلك، تشكل ثروات القرن الأفريقي هدفاً آخر للتنافس الدولي. يدلل على ذلك وزير الإعلام الصومالي الأسبق، زكريا محمود، في حديثه لـ«الشرق الأوسط»، بتدخلات أطراف دولية للاستفادة من الاحتياطي النفطي بالصومال الذي يبلغ 30 مليار برميل، وفقاً للحكومة الصومالية، وثرواته الحيوانية الكبيرة التي تُقدّر بنحو 56 مليون رأس ماشية، حسب منظمة «الفاو».

ووقعت تركيا والصومال، في يوليو (تموز) الماضي، اتفاقية للتنقيب عن النفط والغاز في 3 مناطق قبالة السواحل الصومالية. وأرسلت أنقرة على أثر ذلك، في شهر أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، سفينة الأبحاث السيزمية التركية «عروج ريس» إلى ميناء مقديشو، لإجراء مسح للغاز والنفط، في مهمة تستمر 7 أشهر.

وحسب تصريح أستاذ العلاقات الدولية بجامعة ديغون الفرنسية، عبد الرحمن مكاوي، لـ«الشرق الأوسط»، فإن المنطقة "تحظى بكميات كبيرة، من الليثيوم والذهب، والغاز، وغيرها من المعادن التي تحتاج إليها الدول الكبرى.

عسكرة البحر الأحمر

وبدافع مواجهة تهديدات حركة الملاحة، يتزايد الحشد العسكري الدولي بالمنطقة، فجيبوتي، رغم صغر مساحتها (23200 كيلومتر)، تستضيف 6 قواعد عسكرية لدول (الولايات المتحدة، وفرنسا، والصين، واليابان، وإسبانيا، وإيطاليا).

وباعتقاد الكاتب الصحافي الإثيوبي أنور إبراهيم، فإن «أطماع القوى الدولية في السيطرة على الممر المائي، وراء تزايد الوجود العسكري الأجنبي على الساحل الغربي للبحر الأحمر»، وقال لـ«الشرق الأوسط»: «تزايد العسكرة مخطط للاستعمار الحديث، ودليل على أن الصراع الدولي القادم سيكون بالإقليم».

وتشكل حالة الهشاشة، ومستويات الفقر، دوافع أساسية، لتأجير دول القرن الأفريقي مساحات من أراضيها، لإقامة قواعد عسكرية أجنبية بها، كما الوضع في جيبوتي وإريتريا والصومال. وفق مكاوي.

وتعتمد جيبوتي على الرسوم السنوية لتأجير أراضي القواعد العسكرية الأجنبية، بوصف ذلك جزءاً مهماً في دخلها القومي السنوي، حيث بلغت إيرادات تلك الرسوم عام 2020، نحو 129 مليون دولار أميركي، بواقع 18 في المائة من دخل البلاد، حسب معهد أبحاث «جايكا» التابع للوكالة اليابانية للتعاون الدولي.

وأتاحت إريتريا، وجوداً عسكرياً لإسرائيل، بقاعدة في جزر «دهلك» (قرب مدينة مصوع الساحلية)، منذ تسعينات القرن الماضي، كما تستضيف قاعدة بحرية إيرانية، بالقرب من ميناء «عصب»، وفي الصومال افتتحت تركيا، قاعدة عسكرية (مخصصة للتدريب) على ساحل المحيط الهندي، في 2017.

لاعبون متنوعون

ودخلت الهند على الخط، حين نشرت البحرية الهندية للمرة الأولى مطلع العام الحالي، أسطولاً ضخماً يضمّ 12 سفينة حربية في خليج عدن وبحر العرب، بدعوى التصدي لعمليات القرصنة أمام السواحل الصومالية.

ومع ذلك، لا تتوقف محاولات الوجود العسكري، من لاعبين دوليين آخرين بالمنطقة، خاصة مع التحركات الروسية، لإقامة قواعد لها على السواحل الإريترية والسودانية، وفقاً لرئيس اتحاد الكتاب الإريتريين بالمهجر، محجوب حامد آدم، الذي قال لـ«الشرق الأوسط» إن «الحشد العسكري الدولي، يعكس رغبة تلك الدول في فرض وصايتها على المنطقة».

الفريق البرهان لدى لقائه الوفد الروسي برئاسة بوغدانوف في بورتسودان (أرشيفية - سونا)

وتسعى روسيا للحصول على موطئ قدم هي الأخرى على ساحل البحر الأحمر، حيث أبرمت اتفاقاً مع السودان عام 2017 لإنشاء قاعدة بحرية. وفي يونيو (حزيران) الماضي، أعلن عضو مجلس السيادة السوداني، ياسر العطا، أن «موسكو طلبت إقامة محطة تزويد بالوقود على السواحل السودانية». وبموازاة ذلك، كانت موسكو أبرمت اتفاقاً مع إريتريا في يناير 2023، لاستغلال ميناء «مصوع».

وفي رأي وزير الدولة بوزارة الخارجية السودانية الأسبق، فإن موسكو «لن تسمح للقوى الغربية بتمديد نفوذها وحدها في الإقليم».

غير أن الحضور العسكري الأكبر في المنطقة، يأتي من نصيب أميركا، وفق المستشار العسكري السابق للخارجية الأميركية، عباس دهوك، الذي أشار لـ«الشرق الأوسط»، إلى أن «واشنطن تكثف من وجودها العسكري، للرد على هجمات الحوثيين على السفن الإسرائيلية، ومواجهة مخاطر القرصنة».

حرب باردة جديدة

نوّعت واشنطن من صيغ تحالفاتها الأمنية مع حلفائها، بدافع التصدي لتهديدات الملاحة في البحر الأحمر وخليج عدن. ودشّنت في سبيل ذلك، تحالف «سانتينال» البحري عام 2019. وفي 2022، شكلت «قوة المهام المشتركة 153» التي تضم 39 دولة. وفي نوفمبر 2023، أعلنت عن تحالف جديد باسم «حارس الازدهار» يضم 10 دول، للتصدي لهجمات الحوثيين وعرقلتهم للملاحة الدولية.

في المقابل، تُوسّع الصين نشاطها الاقتصادي بالمنطقة، وتسعى لإحكام قبضتها بالقروض المتزايدة لدول القرن الأفريقي، ما يثير قلق القوى الغربية، حسب المحلل السياسي الأميركي ماك شرقاوي، الذي حذّر في حديث لـ«الشرق الأوسط» من «فرض الوصاية الصينية على دول المنطقة، بسبب تراكم الديون».

وباعتقاد شرقاوي، فإن تحركات القوى الكبرى «تجعل من القرن الأفريقي ميداناً جديداً لحرب باردة بينها»، وحذّر من «تفاقم المواجهة، حال تعارض المصالح الصينية والروسية، مع تحركات القوى الغربية».

سيناريو «الحرب الباردة» بين أميركا والصين وروسيا لا يستبعده دهوك، الذي عدّ صراع النفوذ بين تلك الدول «يزيد من توترات المنطقة، وربما يصل إلى حدّ الصدام».

نزاعات وتحالفات

وتُشكّل توترات ونزاعات القرن الأفريقي، باباً خلفياً لتدخلات لاعبين خارجيين. فقد دفع توقيع إثيوبيا مُذكّرة تفاهم مع إقليم «أرض الصومال» الانفصالي للحصول على ميناء بحري، مقديشو لتعزيز تعاونها العسكري مع حلفاء إقليميين مثل مصر وتركيا.

ووقّع الصومال في 21 فبراير (شباط) الماضي اتفاقية تعاون دفاعي واقتصادي مع تركيا، إلى جانب «مذكرة تفاهم» مع الولايات المتحدة لبناء ما يصل إلى خمس قواعد عسكرية لأحد ألوية الجيش. وتفاقم التوتر، مع توقيع الصومال ومصر، بروتوكول تعاون عسكري، في أغسطس (آب) الماضي، أرسلت بموجبه القاهرة شحنتي أسلحة لدعم مقديشو، وأعلنت عزمها على إرسال قوات عسكرية بداية العام المقبل كجزء من بعثة حفظ السلام الجديدة الأفريقية، في خطوات أغضبت إثيوبيا، التي اتهمت الصومال بـ«التواطؤ مع جهات خارجية لزعزعة الاستقرار بالمنطقة».

قمة ثلاثية بين رؤساء مصر والصومال وإريتريا في العاصمة أسمرة (أرشيفية - الرئاسة المصرية)

ويُعوّل الصومال على مصر وتركيا لدعم قدرات جيشه في مواجهة التحركات الإثيوبية، وفق وزير الإعلام الصومالي الأسبق، عادّاً «الصدام بين مقديشو وأديس أبابا قادماً، وعلى نطاق إقليمي واسع». وقال إن الخطر في التحركات الإثيوبية «سعيها لاجتزاء جزء من أرض الصومال بالمخالفة للقانون الدولي».

غير أن الاتفاق الإثيوبي مع إقليم أرض الصومال، يأتي بمباركة دول غربية، حسب الكاتب الصحافي الإثيوبي. ودلّل على ذلك بتعهد الولايات المتحدة وفرنسا، بعد توقيع اتفاق سلام بين إثيوبيا وإريتريا في 2018، «بتطوير القوات البحرية الإثيوبية رغم عدم امتلاكها منفذاً بحرياً».

لقاء بين الرئيس التركي رجب طيب إردوغان ونظيره الصومالي في أنطاليا (جنوب تركيا) مارس الماضي (أرشيفية - الرئاسة التركية)

وتتمسك الحكومة الإثيوبية باتفاقها مع «أرض الصومال» للحصول على ميناء بحري. وأكّد رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد، نهاية أكتوبر الماضي، أن «بلاده تسعى للوصول السلمي للبحر الأحمر، ولا تحتاج إلى القوة أو الحرب. وإذا لم ننجح، فسيفعل ذلك أطفالنا».

وأفرزت التحركات الإثيوبية تحالفات إقليمية جديدة، منها آلية التعاون الثلاثي بين مصر وإريتريا والصومال، ما ينذر بمواجهة مع أديس أبابا، وفق رئيس اتحاد الكتاب الإريتريين بالمهجر.

صراع مائي

ولا يمكن فصل التحركات المصرية لدعم الصومال عن مصالحها المائية، في ضوء النزاع القائم بين القاهرة وأديس أبابا حول «سد النهضة»، وفق تقدير أستاذ العلاقات الدولية بجامعة ديغون الفرنسية، الذي يرى أن «المياه ستشكل السبب الأساسي في الصراع الدولي والإقليمي القادم بالمنطقة».

صورة حديثة لسد النهضة (حساب رئيس وزراء إثيوبيا على «إكس»)

غير أن اللواء فرج عدّ التعاون العسكري المصري - الصومالي «ليس مُوجّهاً ضد أحد، ويستهدف دعم قدرات مقديشو لمواجهة الإرهاب وتأمين الملاحة بمضيق باب المندب»، واستبعد وصول التوترات لمرحلة «الصراع العسكري».

ووفق بحث لمركز دراسات الحرب الأميركي، في سبتمبر (أيلول) 2024، فإن «لجوء الصومال لمصر وتركيا للمساعدة في التصدي للتحركات الإثيوبية، استفادت منه القاهرة وأنقرة، لتعزيز مصالحهما بالقرن الأفريقي». وقال إن «مشاركة الدولتين ستؤدي لزيادة خطر نشوب صراع إقليمي أوسع».

«استعمار جديد»

لا يختلف الأمر في حالة الحرب الداخلية بالسودان بين الجيش السوداني وقوات «الدعم السريع». ذلك أن الاتصالات أظهرت تقارب الحكومة السودانية مع قوى كروسيا والصين ودول إقليمية مثل إيران، في مواجهة محور دولي مقابل، يقول قادة الجيش السوداني إنه داعم للطرف الآخر بالحرب (قوات الدعم السريع).

ويسعى السودان لوضع حد للتدخلات الخارجية من بعض الجهات التي تسعى للسيطرة عليه، وفق رئيس مجلس السيادة السوداني، عبد الفتاح البرهان، لوفد مجلس السلم والأمن الأفريقي في أكتوبر الماضي، عاداً تلك التدخلات «استعماراً جديداً لبلاده».

عناصر من «حركة الشباب» الصومالية الإرهابية (أ.ب)

وقد يدفع صراع النفوذ الدولي بالقرن الأفريقي إلى تمدد التنظيمات الإرهابية، أو ظهور «حروب بالوكالة» من تنظيمات مُسلّحة تحقيقاً لمصالح قوى دولية، وفق الكاتب إبراهيم، الذي دلّل بـ«بوادر التعاون بين حركة الشباب الصومالية، مع الحوثيين، ما قد يفرز تنظيمات مسلحة أكثر تشدداً بدعم خارجي، ويحول الوضع في المنطقة إلى (أفغانستان جديدة)».

ويرجح السماني الوسيلة هذا السيناريو في السودان، محذراً من «استغلال حركات مسلحة وتنظيمات أصولية وثورية، حالة الهشاشة الأمنية والسياسية، بالانتشار والتموضع على السواحل السودانية بالبحر الأحمر، التي تمتد لنحو 750 كيلومتراً».

وفي وقت استبعد فيه كل من فرج وشرقاوي انتشار التنظيمات الإرهابية في ظل وجود قواعد عسكرية أجنبية، فإن المستشار السابق للخارجية الأميركية عدّ أن «عدم استقرار منطقة البحر الأحمر، قد يؤدي لتمكين وانتشار التنظيمات الإرهابية بالمنطقة»، وطالب بضرورة «معالجة الأسباب الجذرية للتطرف، ودعم جهود الاستقرار الإقليمي».