في محاولة لتنظيم السوق العقارية المصرية، يعكف مجلس النواب والحكومة المصرية على دراسة مجموعة من القوانين، التي تطمح إلى القضاء على العشوائيات ومخالفات البناء، وتنظيم العلاقة بين المالك والمستأجر، إضافة إلى تنظيم بيئة عمل المطورين العقاريين، لتفادي حدوث أزمات في السوق العقارية، أو انفجار ما تسمى «الفقاعة أو البالونة العقارية»، ومع بدء إصدار ترسانة التشريعات القانونية، بدأ التساؤل حول آلية التطبيق والتنفيذ، خصوصاً مع كثرة المشكلات والعقبات التي ربما تقف حائلاً دون تنفيذ القوانين الجديدة.
النائب عبد المنعم العليمي، عضو لجنة إسكان البرلمان، قال لـ«الشرق الأوسط»، إن «المجلس يعكف على دراسة وإقرار مجموعة كبيرة من القوانين لتنظيم السوق العقارية، من بينها قانون الإيجارات القديمة الذي ينظم العلاقة بين المالك والمستأجر، ويعالج مشكلة قديمة يعاني منها عدد كبير من المواطنين، نظراً إلى عدم تغيير القانون منذ عام 1977».
ووافق مجلس النواب أخيراً على قانون التصالح في مخالفات البناء، الذي ينص على قواعد التصالح في مخالفات البناء القائمة حالياً، وبموجب القانون تُفرض على المواطن غرامة بحد أدنى 50 جنيهاً، وحد أقصى 2000 جنيه للمتر، وتتولى لجنة تشكَّل خصيصاً لهذا الغرض في كل محافظة، تحديد قيمة التصالح، وفقاً لكل مخالفة، ويمكن أن يدفع المواطن غرامة التصالح على عدة دفعات، وفقاً لما ستحدده اللائحة التنفيذية التي يجري إعدادها حالياً.
وأكد النائب علاء والي، رئيس لجنة الإسكان بمجلس النواب، في بيان صحافي، أن «قانون التصالح في مخالفات البناء، لا يفرض عقوبات حبس ولا حجز ولا تشريد على المواطنين، وهدفه الأول هو تقنين أوضاع المواطنين، في مخالفات البناء التي نشأت بطريقة غير مشروعة والتصالح فيها مع مراعاة البعد الاجتماعي»، مشيراً إلى أن «القانون يحافظ على الثروة العقارية، ويحل مشكلة متراكمة منذ سنوات، ويعاني منها ملايين المواطنين، كما يسمح للدولة بالاستفادة من الأراضي والمباني المقامة بالمخالفة لأحكام قانون البناء رقم (119) لسنة 2008، إضافة إلى توفير موارد مالية للدولة، يمكن من خلالها معالجة مشكلات البنية التحتية الناجمة عن هذه المخالفات».
في المقابل قال العليمي إن «هناك مشكلات تتعلق بتطبيق قانون التصالح في مخالفات البناء، حيث يتعامل القانون مع المباني الموجودة في الحيز العمراني بموجب التصوير الجوي في تاريخ 22 يوليو (تموز) من عام 2017، وهناك الكثير من المباني والمخالفات في أعقاب هذا التاريخ، لا نعلم كيف سيتم التعامل معها، خصوصاً أنه لا يجوز للدولة هدم هذه المباني، وتشريد سكانها».
مشكلة أخرى تواجه تطبيق قانون التصالح على حد قول العليمي، وهي «تحديد أملاك الدولة»، موضحاً أن «محكمة النقض تفرض على الدولة تقديم مستندات ملكيتها للأرض مثلها مثل أي مالك آخر، وتحتكم الدولة إلى الأملاك التي تم حصرها بالخرائط المساحية عام 1986، لكن على أرض الواقع هناك حقوق ملكية الآن لواضعي اليد على بعض هذه الأراضي، مما يؤدي إلى نزاعات قضائية ستعيق تطبيق قانون التصالح أو إزالة هذه التعديات»، مطالباً بـ«إصدار قرارات إدارية ووزارية لمعالجة هذه المشكلات قبل البدء في تنفيذ القانون على الأرض حتى لا نفاجأ بمشكلات ومعوقات تمنع تطبيقه»، وقال: «إصدار القانون بالشكل الحالي لن يحل الوضع على الأرض، فالعبرة بالتنفيذ».
وهو ما أكده الخبير الاقتصادي والعقاري الدكتور وائل النحاس لـ«الشرق الأوسط»، وقال إن «كل قانون من القوانين الجديدة يقر فترة انتقالية للتنفيذ مدتها 5 سنوات، كأن مجلس النواب يصنع قنبلة موقوتة للإدارات المقبلة»، موضحاً أن «هناك 25 مليون مخالفة بناء، أي أن الدولة مطالبة بالتصالح في 5 ملايين مخالفة سنوياً، على مدار 5 سنوات، وهو أمر شبه مستحيل، إضافة إلى أن كثيراً من المواطنين ملاك الوحدات السكنية المخالفة، ربما لا يملكون دفع قيمة مبلغ التصالح، مما يزيد من صعوبة تنفيذ القانون».
لكن المهندس إسماعيل نصر الدين، عضو لجنة إسكان النواب، أكد لـ«الشرق الأوسط» أن «قانون التصالح أصبح ضرورة منطقية لواقع قائم، وهو وضع شائك ومتعب، لم يكن أمامنا إلا خياران: أن نتركه كما هو، أو نصلحه، ونوفر لخزينة الدولة موارد جديدة، ولذلك تم إصدار القانون ووضع ضوابط لتقنين المخالفات، وفقاً لشروط حددها القانون بألا تضر المخالفة بسلامة العقار، أو لا تتجاوز قيود الارتفاعات، والبناء على الأراضي الزراعية»، مشيراً إلى أن «القانون حدد غرامة على سعر المتر تتناسب مع كل موقع، وكل محافظة».
وقال نصر الدين إن «القانون يتعامل مع المباني التي بُنيت على أراضٍ زراعية، وحدد تلك المباني بما تم إنشاؤه قبل يوليو 2017، وذلك لأنه لو تم هدم هذه المباني فلن يكون ممكناً الزراعة على الأرض»، موضحاً أن القانون «حدد هذه المخالفات بأنها الأراضي التي لا يمكن زراعتها مجدداً».
وأضاف: «تعاملنا مع الوضع بحلول منطقية، وهذا قانون مؤقت مدته 6 أشهر، يتقدم فيها المواطنون لتقنين أوضاعهم، وبعدها تتخذ الدولة الإجراءات اللازمة»، موضحاً أن «هناك نحو 25 مليون مخالفة، ولو فرضنا أن قيمة التصالح ستصل في المتوسط إلى 25 ألف جنيه، فهذا يعني 250 مليار جنيه مصري سيدخلون خزينة الدولة، وهو مبلغ يمكن استخدامه في تطوير البنية التحتية للمدن، ودعم صندوق الإسكان الاجتماعي».
ويحظر القانون في مادته الأولى التصالح على الأعمال التي تخل بالسلامة الإنشائية للبناء، والتعدي على خطوط التنظيم المعتمدة وحقوق الارتفاق المقررة قانوناً، والمخالفات الخاصة بالمباني والمنشآت ذات الطراز المعماري المتميز، وتجـاوز قيـود الارتفاع المقررة من سلطة الطيران المدني، أو تجاوز متطلبات شؤون الدفاع عن الدولة، والبناء على الأراضي المملوكة للدولة، والبناء على الأراضي الخاضعة لقانون حماية الآثار وحماية نهر النيل، وتغيير الاستخدام للمناطق التي صدرت لها مخططات تفصيلية معتمدة من الجهة الإدارية، والبناء خارج الأحوزة العمرانية المعتمدة، باستثناء المشروعات الحكومية والخدمية، والكتل السكنية المتاخمة للأحوزة العمرانية للقرى والمدن، وهي المباني المكتملة والمتمتعة بالمرافق والمأهولة بالسكان والمقامة على مساحات فقدت مقومات الزراعة، طبقاً للتصوير الجوي في 22 يوليو 2017.
من جهة أخرى عقد الدكتور مصطفى مدبولي، رئيس مجلس الوزراء، اجتماعاً، الأسبوع الماضي، لمناقشة مقترح مشروع قانون تنظيم نشاط التطوير العقاري. وطالب مدبولي، في بيان صحافي عقب الاجتماع، بـ«الانتهاء من إعداد مشروع قانون تنظيم نشاط التطوير العقاري، خلال شهرين، تنفيذاً لتكليفات الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، بإعداد قانون للمطورين العقاريين وإنشاء اتحاد لهم على غرار اتحاد مقاولي التشييد والبناء»، مشيراً إلى أن «قطاع التشييد والبناء والاستثمار العقاري من أهم القطاعات الاقتصادية التي تسهم في الناتج المحلي»، ومؤكداً أن «مصر بعيدة تماماً عن الفقاعة العقارية».
وأوضحت مي عبد الحميد، الرئيس التنفيذي لصندوق الإسكان الاجتماعي ودعم التمويل العقاري، خلال الاجتماع، أن «قانون تنظيم النشاط العقاري يستهدف تنظيم أعمال التطوير العقاري، ووضع الضوابط الخاصة بممارسة المهنة، وتشجيع الاستثمار في هذا المجال، وتفعيل دور القطاع الخاص، وجذب الاستثمارات العربية والأجنبية للمشاركة في التطوير العقاري، وحماية مُشتري الوحدات العقارية وتنظيم عملية التصرف فيها»، مشيرة إلى أن «مشروع القانون ينص على إنشاء اتحاد عام لشركات التطوير العقاري، وفرض عقوبات على من يزاول نشاط التطوير العقاري دون الحصول على ترخيص».
وأكد النحاس أن «وضع قانون لتنظيم النشاط العقاري أصبح ضرورة ملحة في السوق المصرية التي تحولت إلى نوع من المضاربة العقارية، أكثر من كونها سوقاً للتطوير العقاري، فالمواطن أو المستثمر يدفع 30% من قيمة العقار، وينتظر أن يبيعه بعد أن يزيد سعره، في ظل الارتفاعات المستمرة لأسعار العقارات»، محذراً من أن «استمرار الوضع بالشكل الحالي سيؤدي إلى أزمة عقارية أو بالونة عقارية، ربما بدأت ملامحها تظهر في شكل حالة من الركود تشهدها السوق العقارية المصرية حالياً».
وقال نصر الدين إن «السوق العقارية هي إحدى قاطرات النمو ورفع المستوى الاقتصادي والتجارة البينية في الدول، وفي مصر تشكل الاستثمارات في السوق العقارية ثُلث حجم الاستثمارات بشكل عام، لذلك لا بد من تنظيم هذه السوق، وتحديد شروط ومقومات المطور العقاري بهدف حماية حقوق المواطنين، وحتى لا يقع المواطن فريسة للنصب، وليكون المطور العقاري خاضعاً لرقابة الدولة».
وفي سياق متصل، بدأ مجلس النواب مناقشة مشروع قانون البناء الموحد، بهدف تعديل القانون المعمول به حالياً، رقم 119 لسنة 2008، وقال خالد عبد العزيز فهمي، عضو لجنة الإسكان بمجلس النواب، في تصريحات صحافية، إن «المجلس سيصدر قانون البناء الموحد عقب البدء في تطبيق قانون التصالح في مخالفات البناء، حتى لا تحدث فجوة قانونية، في حال صدور القانون الذي يحكم عملية البناء ويضع قواعد لها، قبل التصالح في المخالفات الحالية»، مشيراً إلى أن «قانون البناء الموحد سينص على عقوبات مشددة تصل إلى السجن لمخالفات البناء».
وقال نصر الدين إن «قانون البناء الموحد كان ينبغي أن ينتهي في نفس الوقت مع قانون التصالح في مخالفات البناء، لأن القانون الأول ينظم إصدار تراخيص البناء، والأحوزة العمرانية، وهو مرتبط بالقانون الثاني»، معرباً عن «اعتقاده بإمكانية الانتهاء من قانون البناء الموحد خلال فترة إعداد اللائحة التنفيذية لقانون التصالح في مخالفات البناء، حتى يتم تنفيذ القانونين معاً».
جدل حول التشريعات الجديدة لتنظيم السوق العقارية المصرية
تساؤلات حول آلية التنفيذ... ودعوة لمواجهة المضاربة
جدل حول التشريعات الجديدة لتنظيم السوق العقارية المصرية
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة