«مدن تقنية» تزدهر في أميركا... وتفرز مخاوف من خرق الخصوصية

شركات تضع مشاريع متقدمة وتحصل على بيانات السكان

TT

«مدن تقنية» تزدهر في أميركا... وتفرز مخاوف من خرق الخصوصية

طوّر خبراء في مدينة كنساس الأميركية خوارزمية تتوقع مكان بروز الحفر على الطرقات، وتبعاً لأوامرها تتحرّك فرق الصيانة لتجديد أسطح الشوارع قبل ظهور التشققات؛ بينما يعمل جهاز استشعار يوضع في الشارع الرئيسي لتنبيه الشرطة عندما يركن سائق سيارته لمدّة طويلة، وعندها تصدر بحقه مخالفة مرورية.
في الأشهر الأخيرة، تحولت مدينة كنساس إلى وجهة غير متوقعة لشركات التقنية التي تبحث عن أماكن لاختبار أفكارها. والهدف: أن تتحوّل المدينة إلى ما يعرف بالمختبر الحيّ.

- مدن تقنية
تبنّت مئات المدن، الكبيرة والصغيرة، أو بدأت بالتخطيط، لتطبيق مشاريع المدن الذكية. ولكنّ المخاطر كبيرة، إذ يقول الخبراء إنّ المدن تفتقر غالباً إلى خبرة فهم الخصوصية والأمن وتكاليف هذه الترتيبات. يعترف بعض حكام المدن بأنهم يحتاجون إلى إتقان المسؤوليات التي تترافق مع جمع مليارات البيانات من السكان.
زادت هذه المخاوف مع تحضير مدينة كنساس لتوسيع تجربتها التقنية من وسط المدينة إلى الأحياء الفقيرة في الجهة الشرقية منها. وسيؤدي هذا التوسّع إلى تزويد المنازل بالاتصال اللا سلكي المجاني وعشرات كاميرات المراقبة وأنظمة لرصد إطلاق الرصاص. ولكن يشعر بعض السكان بالقلق المسبق من إمكانية تسليم زمام السيطرة على المدينة للشركات الخاصة وتعريض السكان لعواقب لا يفهمونها بشكل كامل.
في مدينة سياتل، بدأ المسؤولون هذا العام بتفكيك شبكة كاميرات مراقبة وأجهزة لا سلكية اعتبرتها الشرطة ضرورية لمحاربة الجريمة، ولكنّها أثارت الكثير من الشكاوى حول قدرة الشبكة على تعقّب الهواتف الخلوية. كما تمّ طرد عدد من المسؤولين في مدينة تورونتو الكندية الشهر الفائت لأنهم حاولوا الاستعجال في تنفيذ مشروع تقني كبير تقدّمت به شركة تابعة لـ«غوغل».
وفي مدينة أتلانتا، يتسبب المجرمون التقنيون المهرة في مشكلات كبيرة، حيث اخترق القراصنة شبكة «سيتي هول» هذا العام وطلبوا فدية لفكّ ترميزها.
ويقول داعمو فكرة «المدن الذكية» إن الفائدة كبيرة وإنّ بعض المدن قد تعزز قدرتها لإنقاذ حياة الناس. وتتضمّن الخطط التي لا تزال قيد التطوير بعض برامج الواقع المعزز التي من شأنها أن تساعد الإطفائيين في العثور على الأشخاص العالقين في المباني المحترقة، وتوظيف الروبوتات لجمع عينات الصرف الصحي لرصد استخدام الأفيون وتوجيه الخدمات المدنية إلى الأحياء التي تحتاج إليها.

- مخاطر واضحة
ولكنّ المخاطر واضحة أيضاً، فقد قال لي تيين، المحامي في منظمة «إلكترونيك فرونتيير فاونديشن» غير الربحية التي يركز عملها على حماية الحقوق الرقمية: «المدن لا تملك المعرفة الكافية حول البيانات أو الخصوصية أو الأمن. تحمل الحكومات المحلية العبء الأكبر في الكثير من الواجبات، وفي حالات كثيرة تكون هذه الحكومات أشدّ غباءً أو كسلاً من أن تتحدث مع الأشخاص الذين يملكون المعرفة».
هذا الأمر ترك العاصمة واشنطن وعشرات المدن الأخرى في مرحلة اختبار السيارات الذاتية القيادة بينما تسعى مدينة أورلاندو إلى الاستفادة من طاقة الشمس لتزويد سياراتها الكهربائية بالطاقة الكهربائية. وتملك مدينة سان فرانسيسكو نظاماً يتعقب ازدحام الدراجات الهوائية، بينما تستخدم بالم بيتش بيانات ركوب الدراجة لتقرر أين ترسل عمّال كنس الشوارع، وتراقب منطقة بويز في أيداهو مكبات القمامة بواسطة طائرات الدرون. وأخيراً، تسعى مدينة أرلينغتون في تكساس إلى بناء نظام ترانزيت بناءً على البيانات التي تتلقاها من تطبيقات مشاركة وسائل النقل.

- أذكى مدينة
بدورها، تحاول مدينة كنساس تحديد مكانة لنفسها كأكثر مدينة متقدّمة في مجال التطور التقني. فقد روّجت لاستخدامها للتكنولوجيا بدعاية قوية، مدّعية أنّها «المدينة الأذكى» في البلاد. كما استضافت مؤتمرات دولية وقدّمت النصائح لمدن أخرى، وأصبح ابنها بوب بينيت، عملاق التقنية، الوجه العام لتحركها كمدينة ذكية.
وقال بينيت: «المدن التي تفشل في تقبل التكنولوجيا اليوم، وفي تقبل المقاربات المدعومة بالبيانات، ستبقى في حزام الصدأ بعد 20 عاماً من اليوم».
ينبع الكثير من تقدّم مدينة كنساس التقني من اختيارها عام 2011 كأول عاصمة إقليمية تحصل على «غوغل فايبر»، وهي خدمة إنترنت وتلفزة فائقة السرعة، وبدء تعاونها مع شركة «سيسكو سيستمز» (أنظمة سيسكو) عملاق التقنية في عام 2017.
في ذلك الوقت، كانت مدينة كنساس تحفر خندقاً أسفل الشارع الرئيسي «مين ستريت» لبناء خطّ سكة ترامواي. عندها، اقترحت شركة «سيسكو» على المسؤولين تمديد كابل للألياف الضوئية وأجهزة استشعار إلكترونية لمراقبة زحمة السير على اعتبار أن حفرة ستُحفر في الشارع بجميع الأحوال.
وحاججت «سيسكو» بأن أجهزة الاستشعار ستساعد شبكة «سيتي هول» في فهم سلوك المدينة بطريقة غير بارزة وبكلفة منخفضة نسبياً. كما بنت المدينة 25 كشكاً على طول خط ترامواي (3.5 كلم) لتأمين معلومات للسياح، ومددت شبكة واي - فاي عامة، كما ركّبت كاميرات مراقبة وأضواء ليد للشوارع مجهّزة بكاميرات أيضاً.
اقترضت المدينة جزءاً كبيراً من كلفة هذا المشروع التي بلغت 3.7 مليون دولار. وساهمت شركة «سبرينت» التي تدير شبكة الواي - فاي، بنحو 7 ملايين دولار، في حين بلغ استثمار «سيسكو» 5 مليارات دولار.
يراقب دهليز أسفل وسط المدينة اليوم كلّ ما يحصل على الطرقات التي تمتدّ فوقه على مستوى السيارات والمشاة ومساحات الركن، أمّا النظام اللا سلكي، فقد استخدمه نحو 2.7 مليون شخص.
ولكنّ بعض النتائج كانت متواضعة. فعلى الرغم من أن أجهزة الاستشعار متصلة بإشارات السير، فإنّ السائقين وفّروا ما يقارب 37 ثانية فقط من وقت سيرهم، حسب بيانات المدينة.
ومن المنتظر أيضاً أن يساهم جهاز لتوقع مواقع الجريمة مزود بخوارزمية تأخذ بعين الاعتبار كلّ العوامل من الاتصالات الواردة لقسم الطوارئ إلى أنماط الأحوال الجوية، في تراجع الاعتداءات في القسم الترفيهي من المدينة.
وتجمع شركة «سبرينت» البيانات من المستخدمين الذين يسجلون دخولهم في الشبكات اللا سلكية، وتضمّ هذه البيانات رموز البريد ونتائج البحث عبر شبكة الإنترنت والموقع. وكشف مسؤولو المدينة وخبراء البيانات أن بعض المعلومات كأرقام الهاتف وغيرها من البيانات التي قد تسهم في تعريف الهوية، تتوفر حتى إن لم يسجّل المستخدم دخوله في الشبكات اللا سلكية.
وبينما ترفض «سبرينت» مناقشة مسألة البيانات التي تجمعها وكيفية استخدامها، فإنها تقول إن عملها ضروري في مدن ككنساس، حيث يريد الناس الحصول على أحدث التقنيات.


مقالات ذات صلة

بودكاست من «غوغل» يُقدمه اثنان من روبوتات الدردشة فقط!

تكنولوجيا يعد «Daily Listen» من «غوغل» نموذجاً مثيراً لكيفية تطور الوسائط الشخصية في السنوات القادمة (أدوبي)

بودكاست من «غوغل» يُقدمه اثنان من روبوتات الدردشة فقط!

روبوتا الدردشة يناقشان مواضيع تتماشى تماماً مع اهتماماتك الخاصة بناءً على تاريخ بحثك ونشاطك.

نسيم رمضان (لندن)
خاص تتوافق مبادرات «آي بي إم» في مجال الذكاء الاصطناعي مع «رؤية 2030» مما يضع المنطقة في موقع رائد في مجال الابتكار (أدوبي)

خاص مدير عام «آي بي إم» لـ«الشرق الأوسط»: الذكاء الاصطناعي قادر على جني 4 تريليونات دولار سنوياً

يعدّ سعد توما مدير عام «آي بي إم» في الشرق الأوسط وأفريقيا خلال لقاء مع «الشرق الأوسط»، أن الذكاء الاصطناعي «ليس مجرد أداة أخرى، بل ورشة عمل بأكملها».

نسيم رمضان (لندن)
تكنولوجيا يستمر معرض «CES 2025» حتى التاسع من شهر يناير بمشاركة عشرات الآلاف من عشاق التكنولوجيا والشركات التقنية في مدينة لاس فيغاس (CES)

معرض «CES» يكشف أحدث صيحات التقنيات الاستهلاكية لـ2025

إليكم بعض أبرز الابتكارات التي تكشف عنها كبريات شركات التكنولوجيا خلال أيام المعرض الأربعة في مدينة لاس فيغاس.

نسيم رمضان (لندن)
خاص توفر السيارة أحدث التقنيات بما في ذلك نظام صوتي قوي وميزات مساعدة السائق المتقدمة والتكامل السلس مع الهواتف الذكية (كاديلاك)

خاص تعرف على التقنيات التي تطرحها «كاديلاك» في «إسكاليد 2025»

«الشرق الأوسط» تـتحدث إلى سارة سميث مديرة هندسة البرامج في «كاديلاك».

نسيم رمضان (لندن)
تكنولوجيا تعد تطبيقات اللياقة البدنية أداة قوية لتتبع التقدم مع ضمان بقاء بياناتك آمنة (أدوبي)

كيف تحمي خصوصيتك أثناء استخدام تطبيقات اللياقة البدنية في 2025؟

إليك بعض النصائح لاستخدام تطبيقات اللياقة البدنية بأمان في العصر الرقمي.

نسيم رمضان (لندن)

ملصق لتصنيف مستوى أمان الأجهزة المتصلة بالإنترنت... في أميركا

يؤدي ارتفاع استخدام أجهزة إنترنت الأشياء (IoT) إلى ظهور ثغرات جديدة يمكن لمجرمي الإنترنت استغلالها (شاترستوك)
يؤدي ارتفاع استخدام أجهزة إنترنت الأشياء (IoT) إلى ظهور ثغرات جديدة يمكن لمجرمي الإنترنت استغلالها (شاترستوك)
TT

ملصق لتصنيف مستوى أمان الأجهزة المتصلة بالإنترنت... في أميركا

يؤدي ارتفاع استخدام أجهزة إنترنت الأشياء (IoT) إلى ظهور ثغرات جديدة يمكن لمجرمي الإنترنت استغلالها (شاترستوك)
يؤدي ارتفاع استخدام أجهزة إنترنت الأشياء (IoT) إلى ظهور ثغرات جديدة يمكن لمجرمي الإنترنت استغلالها (شاترستوك)

كشف البيت الأبيض، اليوم الثلاثاء، عن ملصق جديد لتصنيف معايير السلامة الإلكترونية للأجهزة المتصلة بالإنترنت مثل منظمات الحرارة الذكية وأجهزة مراقبة الأطفال والأضواء التي يمكن التحكم فيها عن طريق تطبيق وغيرها.

شعار (سايبر ترست مارك) أو علامة الثقة الإلكترونية يهدف إلى منح المستهلكين الأميركيين طريقة سريعة وسهلة لتقييم أمان منتج ذكي معين، تماما مثل ملصقات وزارة الزراعة الأميركية على الطعام أو تصنيفات (إنرجي ستار) أو نجمة الطاقة على الأجهزة التي توفر معلومات عن مدى استهلاكها للطاقة. وعلى الشركات التي تسعى للحصول على الملصق لمنتجاتها تلبية معايير الأمن الإلكتروني التي حددها المعهد الوطني الأميركي للمعايير والتكنولوجيا من خلال اختبار الامتثال من قبل مختبرات معتمدة.

ويتزايد عدد الأجهزة المتصلة بالإنترنت المستخدمة في الحياة اليومية، من أبواب المرآئب وأجهزة تتبع اللياقة البدنية وكاميرات المراقبة والمساعد الصوتي إلى الأفران وصناديق القمامة، ما يوفر للمستخدمين مزيدا من الراحة ولكن ينطوي على مخاطر جديدة.

وقالت آن نيوبرغر نائبة مستشار الأمن القومي الأميركي لشؤون الأمن الإلكتروني للصحفيين في مكالمة هاتفية «كل واحد من هذه الأجهزة يمثل بابا رقميا يحفز المهاجمين الإلكترونيين على الدخول». وملصق علامة الثقة الإلكترونية طوعي. لكن

نيوبرغر قالت إنها تأمل أن «يبدأ المستهلكون في طلب العلامة ويقولون، لا أريد توصيل جهاز آخر في منزلي، مثل كاميرا أو جهاز مراقبة أطفال، يعرض خصوصيتي للخطر».

وأضافت أن الحكومة تخطط للبدء بالأجهزة الاستهلاكية مثل الكاميرات قبل الانتقال إلى أجهزة التوجيه المنزلية والمكتبية والعدادات الذكية. وتوقعت طرح المنتجات التي تحمل العلامة في الأسواق هذا العام. كما يخطط البيت الأبيض لإصدار أمر تنفيذي في الأيام الأخيرة من إدارة الرئيس جو بايدن من شأنه أن يقيد الحكومة الأميركية بشراء منتجات تحمل علامة (سايبر ترست مارك) بدءا من عام 2027. وقالت نيوبرغر إن البرنامج يحظى بدعم من الحزبين، الديمقراطي والجمهوري.