الوجه الآخر للنزوح السوري: مبالغة في المقاربة وفرصة ضائعة للبنان

الأرقام تُظهر استفادة المجتمعات المحلية من وجودهم

TT

الوجه الآخر للنزوح السوري: مبالغة في المقاربة وفرصة ضائعة للبنان

تدخل الأزمة السورية، الشهر المقبل، عامها الثامن ويتضاعف معها السجال اللبناني - اللبناني حول اللاجئين الذين يقدّر عددهم بمليون و300 ألف شخص؛ نحو 900 ألف منهم مسجلون في مفوضية شؤون اللاجئين.
بعيداً عن السياسة وما خلفها من هواجس وخلافات أدت إلى عدم الاتفاق على تنظيم وجودهم، تأتي الأرقام لتظهر وقائع تعكس خطأ لبنانياً في التعامل مع هذه القضية، أدى إلى زيادة الأزمة التي يعاني منها المجتمع اللبناني أساساً منذ ما قبل وصول النازحين، وهو الأمر الذي كان قد أشار إليه رئيس الحكومة سعد الحريري أخيراً، بالقول: «إذا وضعنا كل مشكلاتنا على النازحين، فنحن نكون نضحك على أنفسنا»، وسأل: «لماذا لا نستخدم الطاقات والنازحين الموجودين عندنا لتنفيذ المشروعات الاستثمارية ونحن نعلم أنهم في النهاية سيعودون إلى بلدهم؟».
وجهة النظر هذه يؤكد عليها مدير الأبحاث في «معهد عصام فارس» الدكتور ناصر ياسين، معتبراً أن لبنان أضاع فرصة كان يمكن أن يستفيد منها منذ بدء توافد النازحين إليه لو نجح في وضع خطة للتعامل معها، معتبراً في الوقت عينه أن تحميل النازحين سبب العجز والانكماش الاقتصادي، والقول إنهم ساهموا في خسارة لبنان 20 مليار دولار، أمر مبالغ فيه كثيراً، خصوصاً أن المساعدات التي تصل إلى لبنان تحت عنوان الاستجابة لحاجيات اللاجئين والمجتمعات المضيفة تقدّر بمليار دولار سنوياً. ويشدّد ياسين على أن النزوح الأكبر بدأ يسجّل بين عامي 2013 و2014، وليس عام 2011 عند بدء الأزمة، حين كان الوضع الاقتصادي اللبناني قد بدأ يتراجع بدرجة كبيرة.
ويتّفق ياسين مع الباحث في «الدولية للمعلومات» محمد شمس الدين، على أن المجتمع اللبناني كان يعاني أساساً من أزمة اقتصادية واجتماعية، بحيث أدى النزوح السوري الذي ارتكز على مناطق مهمّشة، يعيش فيها القسم الأكبر من فقراء لبنان، إلى مضاعفة هذه الأزمة فيما يتعلّق بشكل خاص بالبنى التحتية. ويختصر ياسين هذا الواقع بالقول «عندما يعيش مليون فقير مع مليون فقير آخر عندها يمكننا أن نتوقع كيف سيكون وضعهم جميعاً». ويوضح لـ«الشرق الأوسط» أن «لا شكّ أن لبنان يتعرض لضغط كبير نتيجة أزمة النزوح، حيث إن 70 في المائة من السوريين الهاربين من الحرب إليه يعيشون تحت خط الفقر، وسكنوا في أكثر المناطق فقراً في لبنان، التي تستوعب نحو 67 في المائة من فقراء لبنان، وهي بشكل أساس في الشمال والبقاع ومناطق ريفية أخرى».
وينطلق من هذه الأرقام ليؤكد أنه من الطبيعي أن يؤدي هذا الأمر إلى ضغط مضاعف على البنى التحتية والكهرباء والماء والنفايات وغيرها، لكنه في الوقت عينه يضع في الميزان وقائع أخرى من شأنها أن تظهر الوجه الآخر للنزوح، وهي قدرة هؤلاء التشغيلية في قطاعات عدة، أهمها الزراعة والبناء، إضافة إلى بعض الصناعات في ظل منعهم من العمل في قطاعات أخرى تنفيذاً للقانون اللبناني، إضافة إلى مساهمتهم بشكل مباشر في تحريك قطاعات أخرى كالعقارات والاستهلاك المحلي والتعليم الرسمي، وبشكل غير مباشر عبر تأمين وظائف لآلاف الشباب اللبنانيين في الجمعيات والمنظمات التي باتت تعمل في لبنان نتيجة أزمة النزوح.
في المقابل، يتطرق شمس الدين إلى منافسة اليد العاملة السورية لليد العاملة اللبنانية، بعدما تجاوز عملهم قطاعات البناء والزراعة، وتوسّع إلى قطاعات أخرى كالسياحة والفنادق والنقل وغيرها، وذلك نتيجة تراجع قطاع البناء إلى أدنى مستوياته بعدما كان يشكّل قطاع العمل الأهم لـ700 ألف عامل سوري، كحد أقصى، قبل الأزمة عام 2011، موافقاً كذلك ياسين في أن وجود هؤلاء مع أسرهم ساهم في زيادة نسبة الإيجارات، لكنه يرى أن نتائجه الإيجابية لم تظهر بفعل الضغط الذي انعكس على الكهرباء والمياه والبنى التحتية وغيرها.
ووفق المعلومات التي يشير إليها ياسين، فإن 74 في المائة من النازحين يعملون في البناء والزراعة، وهي المجالات التي لطالما كان لبنان يعتمد فيها على العمال السوريين، فيما يلفت إلى تسجيل بعض المنافسة في الوقت الحالي في قطاع السياحة والفنادق.
ويلفت بالأرقام إلى أن زيادة العمال السوريين في لبنان أدت إلى ارتفاع الطلب على إيجارات المنازل، وبالتالي تحريك عجلة العقارات التي كانت تعاني من ركود كبير، ويندرج ضمنها أيضاً حتى استئجار الأراضي لتشييد الخيم، بحيث تقدّر المبالغ التي تدفع هنا بنحو 390 مليون دولار أميركي في العام، أي أكثر من مليون دولار يومياً من مدخول الإيجارات. وهنا يشير أيضاً إلى أن المساعدات التي تقدم إلى المجتمعات المضيفة ساهمت في أحيان كثيرة في استفادة عائلات منها لبناء أو إعادة تأهيل غرف لتقطنها عائلات سورية مقابل بدل إيجار، إضافة إلى تحسين في البنى التحتية والإنارة وغيرها ما من شأنها التعويض عن الضغط المتزايد على هذه المناطق.
الأمر نفسه ينسحب، حسب ياسين، على الاستهلاك المحلي، حيث يقدّر عدد المؤسسات التجارية اللبنانية التي تستفيد من برنامج الغذاء العالمي بـ600، وهي التي يتم التعاقد معها ليحصل اللاجئون على حاجياتهم اليومية من خلال القسائم التي يحصلون عليها. وتشير التقديرات إلى أن مشروع القسائم الغذائية الذي ينفذه برنامج الأغذية العالمي، ضخّ أكثر من 700 مليون دولار في الاقتصاد اللبناني.
وإذا كان السوريون ينافسون في بعض الأحيان اليد العاملة اللبنانية، فإن أزمتهم في لبنان ساهمت في تأمين وظائف وزيادة مدخول لأكثر من 22 ألف شخص، وذلك في قطاع التعليم كما في الجمعيات والمنظمات العالمية التي تعمل في لبنان، في وقت لا يزيد ما يؤمنه قطاع المصارف سنوياً عن 700 وظيفة. وهنا يوضح ياسين أن الجمعيات الإنسانية فتحت الباب لـ10 آلاف فرصة عمل، في حين أنه بات يعمل أكثر من 12 ألف أستاذ بالمدارس الرسمية في الدوام الإضافي بعد الظهر المخصص لتعليم اللاجئين. وحسب أرقام «الدولية للمعلومات»، يلفت شمس الدين إلى أن هناك 54 ألف طالب سوري مسجلون في المدارس الرسمية مقابل 264 ألف لبناني في المراحل ما قبل الثانوي.
أمام كل هذه الوقائع والأرقام التي يصرّ البعض في لبنان على رؤية الجانب السلبي منها فقط، يؤكد ياسين أنه كان يمكن أن تشكل فرصة بالنسبة للبنان لو وضع خطة لها، منذ اليوم الأول للأزمة السورية حين أتى رجال الأعمال السوريون ولم يلقوا ترحيباً، فاتجهوا إلى تركيا ومصر، حيث أنشأوا مؤسسات وأمنوا فرص عمل كبيرة. ورغم مرور هذه السنوات، يؤكد أن هناك بعض الحلول التي يمكن للبنان أن يستفيد منها كتوسيع الاقتصاد والاستثمار في القطاعات كالبنى التحتية، وهو ما كان قد تضمنه «مؤتمر سيدر»، ما من شأنه أن يخلق فرص عمل للنازحين في قطاعات كثيرة على المدى القصير، ويتجاوز المشكلة المتزايدة التي قد يواجهها بعض الشباب اللبناني من خلال منافسة السوريين لهم.



مصر تؤكد تمسكها باحترام سيادة الصومال ووحدة وسلامة أراضيه

الرئيس التركي رجب طيب إردوغان متوسطاً الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود ورئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد في أنقرة بعيد انتهاء المحادثات (رويترز)
الرئيس التركي رجب طيب إردوغان متوسطاً الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود ورئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد في أنقرة بعيد انتهاء المحادثات (رويترز)
TT

مصر تؤكد تمسكها باحترام سيادة الصومال ووحدة وسلامة أراضيه

الرئيس التركي رجب طيب إردوغان متوسطاً الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود ورئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد في أنقرة بعيد انتهاء المحادثات (رويترز)
الرئيس التركي رجب طيب إردوغان متوسطاً الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود ورئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد في أنقرة بعيد انتهاء المحادثات (رويترز)

قالت وزارة الخارجية المصرية، في بيان اليوم (الأحد)، إن الوزير بدر عبد العاطي تلقّى اتصالاً هاتفياً من نظيره الصومالي أحمد معلم فقي؛ لإطلاعه على نتائج القمة الثلاثية التي عُقدت مؤخراً في العاصمة التركية، أنقرة، بين الصومال وإثيوبيا وتركيا؛ لحل نزاع بين مقديشو وأديس أبابا.

ووفقاً لـ«رويترز»، جاء الاتصال، الذي جرى مساء أمس (السبت)، بعد أيام من إعلان مقديشو وإثيوبيا أنهما ستعملان معاً لحل نزاع حول خطة أديس أبابا لبناء ميناء في منطقة أرض الصومال الانفصالية، التي استقطبت قوى إقليمية وهدَّدت بزيادة زعزعة استقرار منطقة القرن الأفريقي.

وجاء في بيان وزارة الخارجية المصرية: «أكد السيد وزير خارجية الصومال على تمسُّك بلاده باحترام السيادة الصومالية ووحدة وسلامة أراضيها، وهو ما أمَّن عليه الوزير عبد العاطي مؤكداً على دعم مصر الكامل للحكومة الفيدرالية (الاتحادية) في الصومال الشقيق، وفي مكافحة الإرهاب وتحقيق الأمن والاستقرار».

وقال زعيما الصومال وإثيوبيا إنهما اتفقا على إيجاد ترتيبات تجارية للسماح لإثيوبيا، التي لا تطل على أي مسطح مائي، «بالوصول الموثوق والآمن والمستدام من وإلى البحر» بعد محادثات عُقدت يوم الأربعاء، بوساطة الرئيس التركي رجب طيب إردوغان.

وهذا الاجتماع هو الأول منذ يناير (كانون الثاني) عندما قالت إثيوبيا إنها ستؤجر ميناء في منطقة أرض الصومال الانفصالية بشمال الصومال مقابل الاعتراف باستقلال المنطقة.

ورفضت مقديشو الاتفاق، وهدَّدت بطرد القوات الإثيوبية المتمركزة في الصومال لمحاربة المتشددين الإسلاميين.

ويعارض الصومال الاعتراف الدولي بأرض الصومال ذاتية الحكم، والتي تتمتع بسلام واستقرار نسبيَّين منذ إعلانها الاستقلال في عام 1991.

وأدى الخلاف إلى تقارب بين الصومال ومصر، التي يوجد خلافٌ بينها وبين إثيوبيا منذ سنوات حول بناء أديس أبابا سداً مائيّاً ضخماً على نهر النيل، وإريتريا، وهي دولة أخرى من خصوم إثيوبيا القدامى.

وتتمتع تركيا بعلاقات وثيقة مع كل من إثيوبيا والصومال، حيث تُدرِّب قوات الأمن الصومالية، وتُقدِّم مساعدةً إنمائيةً مقابل موطئ قدم على طريق شحن عالمي رئيسي.

وأعلنت مصر وإريتريا والصومال، في بيان مشترك، في أكتوبر (تشرين الأول) أن رؤساء البلاد الثلاثة اتفقوا على تعزيز التعاون من أجل «تمكين الجيش الفيدرالي الصومالي الوطني من التصدي للإرهاب بصوره كافة، وحماية حدوده البرية والبحرية»، وذلك في خطوة من شأنها فيما يبدو زيادة عزلة إثيوبيا في المنطقة.

وذكر بيان وزارة الخارجية المصرية، اليوم (الأحد)، أن الاتصال بين الوزيرين تطرَّق أيضاً إلى متابعة نتائج القمة الثلاثية التي عُقدت في أسمرة في العاشر من أكتوبر.

وأضاف: «اتفق الوزيران على مواصلة التنسيق المشترك، والتحضير لعقد الاجتماع الوزاري الثلاثي بين وزراء خارجية مصر والصومال وإريتريا؛ تنفيذاً لتوجيهات القيادات السياسية في الدول الثلاث؛ لدعم التنسيق والتشاور بشأن القضايا الإقليمية ذات الاهتمام المشترك».

وفي سبتمبر (أيلول)، قال مسؤولون عسكريون واثنان من عمال المواني في الصومال إن سفينةً حربيةً مصريةً سلَّمت شحنةً كبيرةً ثانيةً من الأسلحة إلى مقديشو، تضمَّنت مدافع مضادة للطائرات، وأسلحة مدفعية، في خطوة من المرجح أن تفاقم التوتر بين البلدين من جانب، وإثيوبيا من جانب آخر.

وأرسلت القاهرة طائرات عدة محملة بالأسلحة إلى مقديشو بعد أن وقَّع البلدان اتفاقيةً أمنيةً مشتركةً في أغسطس (آب).

وقد يمثل الاتفاق الأمني مصدر إزعاج لأديس أبابا التي لديها آلاف الجنود في الصومال، يشاركون في مواجهة متشددين على صلة بتنظيم «القاعدة».