قالت نقابة عمال «قصب السكر» في إيران أمس، إن القضاء الإيراني أمر باحتجاز والدة الناشط العمالي إسماعيل بخشي المعتقل منذ شهرين على خلفية احتجاجات عمالية في جنوب غربي البلاد.
ونقلت وسائل إعلام إيرانية عن النقابة أن المدعي العام بمدينة سوس شمال الأحواز أمر أمس باحتجاز والدة العامل لدى توجه أفراد أسرته إلى مقر المحكمة للمطالبة بإطلاق سراحه.
وأشارت التقارير إلى تدهور الحالة الصحة لوالدة بخشي الذي أثار اعتقاله ردوداً واسعة في الشارع الإيراني.
وكان العامل كشف عن تعرضه للتعذيب وتحدى وزير الاستخبارات محمود علوي للظهور في مناظرة تلفزيونية بشأن تعذيبه قبل أن تعيد السلطات اعتقاله.
وفي أوائل يناير (كانون الثاني) الماضي، نشر بخشي رسالة على «إنستغرام» قال فيها إنه تعرض للتعذيب في السجن، واجتذب بذلك تأييد عشرات الآلاف من الإيرانيين على الإنترنت، بحسب ما ذكر تقرير لوكالة «رويترز» أمس.
كما تحدى بخشي، الذي يقول إنه ما زال يتألم، وزير المخابرات وهو من رجال الدين، أن يشارك في نقاش عام عن المبرر الديني للتعذيب. وفي أواخر الشهر الماضي، أعادت السلطات اعتقاله.
كذلك أعيد اعتقال زبيدة قليان الصحافية التي تغطي القضايا العمالية في منطقة الأحواز في اليوم نفسه، بعد أن قالت على وسائل التواصل الاجتماعي إنها تعرضت لإساءات في السجن.
ودفعت ادعاءات بخشي بما تعرض له من تعذيب والضجة التي أعقبتها على وسائل التواصل الاجتماعي الرئيس الإيراني حسن روحاني إلى الدعوة لإجراء تحقيق، والتقى وزير المخابرات فيما بعد مع لجنة برلمانية لبحث المسألة فيما يعد مثالاً نادراً على دفع كبار المسؤولين للتحرك بفعل استياء شعبي على الإنترنت.
وقال مستخدم باسم «آتش» (النار) على «تويتر» بالفارسية في 11 فبراير (شباط): «يجب أن تظل كل جملة ووصف للتعذيب من فم زبيدة قليان وإسماعيل بخشي في الذاكرة وألا يطويها النسيان، لأنهما الآن وحدهما مع الجلادين تحت ضغط وبلا حول ولا قوة. دعونا لا ننسى».
وقال هادي غائمي المدير التنفيذي لمركز حقوق الإنسان في إيران الذي يتخذ من نيويورك مقراً: «عندما يتناقله الألوف على وسائل التواصل الاجتماعي يرتفع الضغط من أجل المحاسبة. ولن يسكته التحقيق الزائف. من المؤكد أن وسائل التواصل الاجتماعي تتحول إلى ساحة عامة كبرى رئيسية في إيران».
وقال المدعي العام لطهران عباس جعفري دولت أبادي الشهر الماضي دون ذكر اسم بخشي، إن إطلاق ادعاءات بالتعذيب على الإنترنت يعد جريمة.
وتأتي تعليقاته في أعقاب ضغوط متنامية من جانب مسؤولين لإغلاق «إنستغرام» الذي يبلغ عدد مستخدميه نحو 24 مليوناً في إيران. وفي العام الماضي، أغلقت إيران تطبيق «تلغرام» للتراسل الذي بلغ عدد مستخدميه نحو 40 مليوناً، وذلك استناداً لدواعٍ أمنية.
ونقلت وكالة أنباء الطلبة الإيرانية عن دولت أبادي قوله: «اليوم ترون في الفضاء السيبراني أن الوضع في البلد يمكن أن يتداعى بنشر فيلم أو كذبة أو شائعة». وأضاف: «شهدتم في الأيام الأخيرة أنهم نشروا شائعة وأعلنوا اغتصاباً أو زعموا انتحاراً، بل إنكم شهدتم أخيراً مزاعم عن حدوث تعذيب وكل القوى في البلد تستدرج إليه. اليوم تحول الفضاء السيبراني إلى منصة عريضة جداً لارتكاب الجرائم».
* السكان العرب
يمثل القبض على بخشي وقليان جزءاً من حملة تضييق في الأحواز، حيث الأغلبية العربية. واعتقلت السلطات في الأسابيع الأخيرة مئات الناشطين المطالبين بحقوق للعمال والأقليات، وهما من أكثر القضايا إثارة للخلاف في إيران.
ويقول العرب في جنوب غربي إيران منذ فترة طويلة إنهم يواجهون تمييزاً من الحكومة المركزية. ومن حين لآخر يتحول الشعور بالإحباط إلى العنف. ففي 2005 وقعت في المدينة تفجيرات حملت الحكومة مسؤوليتها لجماعات عربية مناوئة للنظام الإيراني.
ونقلت «رويترز» عن منصورة ميلز الباحثة في الشأن الإيراني بمنظمة العفو الدولية قولها إن «الوضع العام فيما يتعلق بحقوق الإنسان في إيران بدأ يصل إلى نقطة الأزمة. فهذه الموجة من اعتقالات الأحوازيين العرب جزء واحد من حملة تشنها السلطات الإيرانية منذ عام لسحق المعارضة بالكامل».
كان اثنان من أشقاء عباس ظاهري بين كثيرين اعتقلوا في اليوم الذي وقع فيه هجوم الأحواز على عرض عسكري في سبتمبر (أيلول) الماضي. وقال ظاهري إن شقيقيه اتهما بتصوير مقاطع بالفيديو على هاتفيهما قرب موقع الهجوم، وإنهما الآن في السجن في حالة صحية سيئة.
وقال ظاهري (18 عاماً) لـ«رويترز» من الأحواز: «هما يتعرضان لضغوط للاعتراف بوجود صلات تربطهما بمن نفذوا الهجوم».
وفي الأسابيع الأخيرة صدرت أحكام بالإعدام على عدد من الناشطين في الأحواز في قضايا أمنية، وذلك وفقاً لما قالته أسرهم وجماعات حقوقية.
وقالت أمل مرمازي في مقابلة من لندن إن شقيقها عبد الله الناشط في المطالبة بحقوق العرب ألقي القبض عليه في الخريف الماضي باتهامات أمنية بعد هجوم الأحواز. ولم يسمح له برؤية محاميه أو الاتصال بأسرته على مدى شهور. وفي الشهر الماضي حكم عليه بالإعدام. وأضافت أن شقيقهما حاتم الناشط أيضاً في المطالبة بحقوق العرب قتل في السجن بعد القبض عليه في الصيف الماضي. وتقول: «أسرتي ليس لديها أمل في رؤيته مرة أخرى. فهي تعتقد أنه مات».
* حقوق الإنسان تتدهور في إيران
قامت منظمة العفو الدولية بتوثيق القبض في العام الماضي على أكثر من 7 آلاف «من المحتجين والطلبة والصحافيين والناشطين البيئيين والعمال والمدافعين عن حقوق الإنسان، بما في ذلك محامون وناشطون في مجال حقوق المرأة وناشطون في مجال حقوق الأقليات ونقابيون».
كان بخشي وقليان قد اعتقلا في البداية في نوفمبر (تشرين الثاني) بعد حضور تجمع للعمال من مصنع هفت تبه لقصب السكر، حيث كانوا يطالبون بأجور لم تصرف لهم.
وفي الوقت نفسه، كان مئات العمال من مصنع للصلب في الأحواز يحتجون للمطالبة بأجور تأخر صرفها.
وقال محللون وناشطون إن السلطات كانت تخشى أن تتشابك الاحتجاجات العمالية مع مظالم نشطاء حقوق القوميات وتؤدي إلى مزيد من الاضطرابات.
وانطلق ناشطون عماليون في مناطق أخرى من البلاد لتأييد العمال المحتجين في الأحواز عبر الإنترنت.
واتجه بخشي وقليان إلى وسائل التواصل الاجتماعي بعد إطلاق سراحهما في ديسمبر (كانون الأول) لوصف تفاصيل ما لحق بهما من إساءات قالا إنهما واجهاها أثناء الحبس. وكتب بخشي في 4 يناير على «إنستغرام» يقول إن أفراداً من أجهزة الأمن ضربوه حتى شارف على الموت.
وكتب يقول: «اليوم بعد مرور ما يقرب من شهرين من ذلك اليوم العسير، ما زلت أشعر بالألم في ضلوعي المكسورة والكليتين والأذن اليسرى والخصيتين». وتناقل الألوف هذه الرسالة على وسائل التواصل.
وبعد دعوة روحاني لإجراء تحقيق، اجتمعت لجنة الأمن الوطني والسياسة الخارجية بالبرلمان بوزير المخابرات محمود علوي في 8 يناير. ونقلت وكالة «تسنيم» للأنباء عن علي نجفي خوشرودي المتحدث باسم اللجنة البرلمانية قوله إن علوي نفى تعرض بخشي للتعذيب.
ولم تعلن الحكومة عن تحقيقات أخرى في اتهامات بخشي، فيما قال محللون إنه مؤشر على أن الاجتماع كان رمزياً إلى حد بعيد.
وبث التلفزيون الإيراني تقريراً في 19 يناير اعترف فيه بخشي وقليان بوجود صلات تربطهما بأفراد وجماعات خارج البلاد تخطط للإطاحة بالنظام. وتقول جماعات حقوقية إن هذين الاعترافين زائفان لأنهما سجلا تحت ضغط. وأعيد اعتقال بخشي وقليان في اليوم التالي.
ويبين القبض عليهما عجز روحاني عن تحجيم وزارة المخابرات التي يعد صاحب القول الفصل فيها المرشد الإيراني علي خامنئي.
ويقول المحللون إن دور الوزارة في الاعتقالات التي تمت في الأحواز وغيرها أثر على سمعة روحاني كرئيس براغماتي.
وقال غائمي: «الناس لن تنظر لروحاني بديلاً للعناصر الأكثر تشدداً، مثل الحرس الثوري أو من يسيطرون على القضاء. وهذا سيضع روحاني وإدارته بحق في مصاف المتشددين الذين حاول بشدة أن يميز نفسه عنهم».