فاز الفيلم الفرنسي - الإسرائيلي (مع مساهمة ألمانية) «مترادفات» بجائزة «الدب الذهبي» في ختام دورة مهرجان برلين أول من أمس. الفيلم من إخراج ناداف لابيد وإنتاج (التونسي الفرنسي) سعيد بن سعيد. اعتبرته لجنة التحكيم برئاسة جولييت بينوش، أفضل ما تمت مشاهدته في دورة لا يختلف كثيرون في أنها كانت أضعف الدورات بين غالبية السنوات الثمانية عشر التي تولاها دييتر كوزليك برئاسته.
ومع أن المساهمة التمويلية الإسرائيلية للفيلم محدودة، والتمويل الرئيسي ورد من شركتين فرنسيتين هما «Arte France Cinéma» و«SBS» (الأحرف الرامزة لسعيد بن سعيد)، إلا أن المهرجان رفع، إعلامياً، راية الفيلم كإنتاج إسرائيلي منفرد منذ أن قبل مشاركة الفيلم في المسابقة وحتى إعلان فوزه.
المواقع الإسرائيلية والغربية عموماً نقلت عن المهرجان وصف الفيلم بالإسرائيلي باستثناء قلة، من بينها موقع «Times of Israel» الذي منحه صفته المزدوجة كفيلم فرنسي - إسرائيلي.
في كل الأحوال سيسجل فوز «مترادفات» كأول «دب ذهبي» يناله فيلم إسرائيلي أو إسرائيلي - مشترك في تاريخ المهرجان. وهو الفيلم الإسرائيلي الثاني الذي ينال جائزة رئيسية في مهرجان برلين، إذ كان المخرج جوزف سيدار نال سنة 2007 «الدب الفضي» كأفضل مخرج عن فيلمه «بيوفورت» الذي تناول وضعاً حربياً على الحدود اللبنانية - الإسرائيلية اعتبر فيه أن الدولة الإسرائيلية لا تفعل ما هو مطلوب فعلاً لإنجاز انتصار عسكري.
تنميط
هذه المرة، وعلى المنصة، ذكر المخرج ناداف لابيد أنه يأمل ألا يواجه الفيلم بهجوم من دولته لأنه «ليس بالفيلم السياسي الراديكالي». لكن ناداف لم يكن ليقول ذلك لولا إدراكه أن «مترادفات» يحمل على إسرائيل ما لا يمكن اعتباره أقل من عداء شامل. في أحد المشاهد المهمة يقول، متحدثاً لصديق فرنسي يقف وإياه ليلاً على جسر فوق نهر السين، «هربت من إسرائيل لأنها دولة قاسية، منحطة، عدائية، ذات قلب لئيم، فضائحية، ذات روح شريرة»، ويتبع كل هذه النعوت بكثيرة أخرى قبل أن يقول له الشاب الذي يستمع له مستغرباً: «من المستحيل أن تكون كل تلك الصفات مجتمعة في بلد واحد».
لكن بطل لابيد، واسمه يوواف (يقوم به توم مرسييه الذي اكتشفه المخرج على بعض مسارح تل أبيب) واثق من موقفه. هارب من ماضيه. وهو يندفع في مهاجمة الدولة التي جاء منها إلى باريس رافضاً التحدث بالعبرية بعد اليوم. لكن حتى باريس لا تفلت من تعليقه إذ يصف جمالها بأنه زينة يفرضها نهر السين، ولو أنه اختار فرنسا لأنها بلد الفنانين والأدباء الكبار.
حقيقة أن الفيلم يعادي إسرائيل تتماشى وتلك التي يرسم فيها أنماطاً أخرى بالدرجة ذاتها من السخرية والنقد. الصديق الفرنسي الذي يستمع إلى كلامه قُصد به ألا يكون ذا شخصية واضحة. إنه مغيب عن المعرفة في أفضل الأحوال. وعندما يجد يوواف عملاً في السفارة الإسرائيلية في باريس، فإن أحد أعضاء السفارة يؤمن بأن أوروبا بأسرها مليئة بالمعادين للسامية.
يتساءل الناقد، حين يشاهد فيلماً مبنياً على كلمات مختارة وأسلوب عرض ساخر، عن موقع الفن فيه. الواقع أن الفيلم يعتمد التنميط والكليشيهات بصرف النظر عن مصدرها. لجنة التحكيم وجدته فيلماً يعالج وضعاً حرجاً بجرأة وتميز. وهذا هو وصف مقبول، لكن المباشرة الطاغية على سياق الفيلم تمنع الواحد لأكثر من موقف مؤيد أو معارض من زاوية موقعه الشخصي من هذا النقد الموجه.
الفيلم ينجح في جميعه وليس من مشهد لآخر بالضرورة. هناك مشاهد تترك استحساناً فورياً وأخرى لا تترك ما يوازي هذه القيمة، لكنها جميعاً تمر من دون تأثير مستديم. هو نوع مما يمكن اعتباره رسالة في زجاجة وصلت إلى الشاشة، لأن المحتوى، وبعض الزجاجة، مختلف.
يوواف ربما هرب من اليمين الإسرائيلي والدولة التي يعتقد أنها، كما يقول، «ستموت قبله»، لكن ثورته لا تهدأ بعد وصوله إلى فرنسا ما يجعل المشاهد غير واثق من منحاه. والتساؤل حول مدى صواب الشخصية لا بد أن يعترض تفكير المشاهد، فتصرفاته تنحو للعنف والانفعال، ولو أن في ذلك نقداً للشخصية ذاتها.
برود في الأوصال
اللجنة التي ترأستها جولييت بينوش منحت كذلك جائزة لجنة التحكيم الخاصة (الدب الفضي) إلى فيلم «بفضل الله» لفرنسوا أوزون، لكونه، كما جاء في التبرير، يؤدي دوراً كاشفاً لما وقع من أفعال جنسية وتأثيرها على ثلاث شخصيات رئيسية انبرت لتقدم وجهة نظرها.
وكان فيلم فرنسوا أوزون قدم حكاية ثلاثة رجال كان راعي الكنيسة الكاثوليكية اعتدى عليهم جنسياً حين كانوا صغاراً. الفيلم يضع ثلاثة ممثلين في تلك الأدوار، ويمزج بين الواقع والدراما من دون أن يعتمد على أي من الجانبين.
الصغار في سعيهم لإيقاف الأذى عنهم هو أيضاً موضوع الفيلم الفائز بجائزة فضية ثانية وهو «محطم النظام» لنورا فينغشتيد. في الوقت الذي ذهبت فيه جائزة أفضل إخراج للمخرجة أنجيلا شانيليك عن دورها في «كنت في البيت ولكن».
الاشتراك الصيني «وداعاً، يا ابني» فاز بجائزتين الأولى لأفضل ممثلة (يونغ ماي) والثانية لأفضل ممثل (وانغ جينغشون).
كل هذه الجوائز وسواها وردت في شيء من البرود. كان هناك موقف عاطفي أو اثنان في البداية. الأول حين الإعلان عن وفاة الممثل السويسري برونو غانز (مشهور بأدواره في الفترة الذهبية للمخرج الألماني فيم فندرز) والثانية حين كان لا بد من تقديم التقدير لرئيس المهرجان في وقفته الأخيرة. بعد ذلك كان كل شيء «بزنس آز يوجوال»، على الرغم من أن رئيسة لجنة التحكيم سمحت لنفسها بكلمات قليلة حول قرار الصين تغييب فيلم زانغ ييمو واعتراضه بعدما كان اختير ليشارك في المسابقة.
أكملت ثقة المدينة والدولة بمهرجانهما، وأكدت موقع المهرجان كأحد أهم ثلاثة مهرجانات سينمائية في العالم. هذا على الرغم من أن الرئيس مال، في أكثر من مناسبة، لمنح السينما الألمانية حضوراً على حساب سواها. يقول الناقد هلموت شولزك في هذا الصدد: «في عام 2009 تألفت المسابقة من 20 فيلماً بينها 16 إما ألمانياً أو ألمانياً مشتركاً».
لكن الماضي بنجاحاته وبعض إخفاقاته لم يصبغ على هذه الدورة - بالمقارنة - إلا القليل من الأثر. وبعض السبب يكمن خارج مجموعة الأفلام التي اختيرت للمسابقة، ومن بينها إخفاق «سوق الفيلم الأوروبي» في تنشيط وضع بليد خارج قدرتها على تغييره.
الجميع، بالتالي، يتوقع لا بداية مرحلة جديدة تماماً على يدي الرئيسين الجديدين مارييت ريزنبيك (وهي كانت رئيسة تنفيذية لمكتب الفيلم الألماني) وكارلو شاتريان، الرئيس السابق لمهرجان «لوكارنو».