معرض فني في مصر يستلهم تاريخ دريّة شفيق

يُبرز محطات «بنت النيل» بأعمال تجريدية

أعمال المعرض تتسم بطابع تجريدي يحاكي الأماكن البارزة في حياة درية شفيق
أعمال المعرض تتسم بطابع تجريدي يحاكي الأماكن البارزة في حياة درية شفيق
TT

معرض فني في مصر يستلهم تاريخ دريّة شفيق

أعمال المعرض تتسم بطابع تجريدي يحاكي الأماكن البارزة في حياة درية شفيق
أعمال المعرض تتسم بطابع تجريدي يحاكي الأماكن البارزة في حياة درية شفيق

في أول معرض فني لها في مصر، اختارت الفنانة المصرية المقيمة في الولايات المتحدة شيرين جرجس، أن تجعل من رائدة العمل النسوي درية شفيق، بطلة لمعرضها الجديد الذي يستضيفه المركز الثقافي الجديد بالجامعة الأميركية بوسط القاهرة، وعنوانه «بنت النيل»، ويستمر حتى 28 فبراير (شباط) الجاري.
درية شفيق، هي واحدة من رواد حركة تحرير المرأة في مصر في النصف الأول من القرن العشرين، ويعود لها الفضل في حصول المرأة المصرية على حق الانتخاب والترشح الذي جاء في الدستور المصري عام 1956.
وقع اختيار جرجس على عنوان معرضها «بنت النيل» في إشارة إلى اسم حركة التحرر للمرأة المصرية التي أسستها درية شفيق في أواخر أربعينات القرن العشرين، وعُرف بـ«اتحاد بنت النيل»، وهو الاسم نفسه الذي اختارته لأول مجلة نسائية تهتم بتثقيف المرأة المصرية وأطلقت عليها مجلة «بنت النيل».
تقول شيرين جرجس لـ«الشرق الأوسط»: «غالباً ما يكون عملي مُستلهماً من التاريخ الضائع أو المُهمش، فعندما هاجرت إلى الولايات المتحدة عندما كنت في الرابعة عشرة من عمري كان لديّ القليل من المعرفة بتاريخ الحركة النسائية في مصر، وعندما بدأت في البحث عنها، وجدت أن هناك معلومات قليلة جداً عن درية شفيق وقد أثارت اهتمامي بعملها لتعزيز حق المرأة، فهي لم تعمل فقط على اكتساب حق المرأة في التصويت والتمثيل البرلماني، ولكنها أيضاً طوّرت برامج محو الأمية وقدمت المساعدة القانونية للنساء».
يضم المعرض 16 لوحة، بالإضافة إلى مواد أرشيفية من مكتبة الجامعة الأميركية حول الراحلة درية شفيق تم عرضها داخل قاعة المعرض.
لم تعتمد الفنانة المصرية على تسليط الضوء على شخصية درية شفيق عبر البورتريهات المباشرة، إنما انحازت إلى الخطوط التجريدية والتكوينات الهندسية والمعمارية التي ترمز إلى المواقف والأمكنة التي عاصرت خطوات درية شفيق عبر حياتها، فعلى سبيل المثال تجد في عمل رئيسي من لوحات المعرض إحدى اللوحات التي ترمز إلى بوابات مبنى البرلمان المصري، وقامت جرجس بتغطيتها جزئياً بالحبر الأزرق النيلي، الذي يعكس النيل، في إشارة إلى المسيرة الشهيرة التي قادتها شفيق إلى البرلمان في عام 1951، وشاركت فيها 1500 امرأة آنذاك، احتجاجاً على هيمنة الرجال على السياسة.
وحول جنوحها إلى ذلك الأسلوب الفني لتقديم فكرة معرضها تقول جرجس: «أستخدم التجريد لتوصيل الروايات التاريخية التي تم تهميشها، فاستخدمت المواقع التي ظهرت في حياة درية شفيق كزخارف معمارية في اللوحات، كالسياج حول حدائق الأزبكية على سبيل المثال، حيث ألقت أول خطاب نسوي لها في سن التاسعة عشرة».
وحول خصوصية إطلاقها معرضها الفني لأول مرة في مصر تقول الفنانة: «هذا يعني لي الكثير، يسعدني أن أعرض في بلدي بعد 20 عاماً من عملي في الفن، عبر معرض فني يكرم شخصية نسوية بارزة قامت بالكثير لتحسين حياة النساء اليوم». وتقول إنها بصدد إعداد مشروعات فنية أخرى تستلهم هدى شعراوي، ونجيب محفوظ، وإنها تخطط لمواصلة استكشاف الموضوعات التي تتعامل مع التاريخ.
ويعد معرض «بنت النيل» ومعرض «أن تسكن الأحلام» للفنانة هدى لطفي، هما بداية لسلسلة من المعارض الفنية والأنشطة الثقافية بمركز التحرير الثقافي، الذي تم تدشينه أخيراً بوسط القاهرة.
وُلدت شيرين جرجس في محافظة الأقصر (جنوبي مصر)، وتشغل حالياً منصب أستاذ مساعد في كلية الفنون الجميلة ونائب عميد الكلية بجامعة جنوب كاليفورنيا، وأقامت معارض فردية بمتحف «سكوتسديل للفن المعاصر» عام 2013، ومتحف «الحرف والفنون الشعبية» بلوس أنجليس عام 2018، كما قامت أيضاً بعرض أعمالها الفنية دولياً في دبي، والشارقة، ومدينة البندقية في إيطاليا بالإضافة إلى المعارض الدائمة في متحف مقاطعة لوس أنجليس للفنون، ومتحف أورانج كاونتي للفنون.



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».