السياسي الشاب نجيب أبو كيلة هجر اليسار إلى اليمين الشعبوي المتشدد

رئيس السالفادور الجديد دليل على حضور أكبر جالية فلسطينية في أميركا اللاتينية

صعود المتحدّرين من أصول فلسطينية إلى صدارة المشهد السياسي السالفادوري ليس بجديد أو مستغرب
صعود المتحدّرين من أصول فلسطينية إلى صدارة المشهد السياسي السالفادوري ليس بجديد أو مستغرب
TT

السياسي الشاب نجيب أبو كيلة هجر اليسار إلى اليمين الشعبوي المتشدد

صعود المتحدّرين من أصول فلسطينية إلى صدارة المشهد السياسي السالفادوري ليس بجديد أو مستغرب
صعود المتحدّرين من أصول فلسطينية إلى صدارة المشهد السياسي السالفادوري ليس بجديد أو مستغرب

في الثالث من هذا الشهر، شكّل الفوز الساحق الذي حققه نجيب بوكيلي في انتخابات السالفادور الرئاسية منعطفاً حاسماً في التاريخ الحديث لهذا البلد الذي عصفت به حرب أهلية دامية طالت عشرين سنة، قبل أن يبدأ مسيرته السلمية والديمقراطية مطلع تسعينيات القرن الماضي.
والحقيقة أنه لم يسبق أن فاز مرشّح لمنصب الرئاسة في السالفادور من الدورة الأولى للانتخابات، ومن خارج المؤسسة العسكرية والمنظومة الحزبية التي تعاقبت على الحكم منذ ثلاثة عقود في واحد من أكثر البلدان عنفاً في أميركا الوسطى والعالم.

ما إن أعلنت النتائج النهائية للانتخابات الرئاسية في جمهورية السالفادور، في أميركا الوسطى، حتى ظهر المرشح الفائز نجيب أبو كيلة وحيداً أمام مؤيديه... وقبل أن يخاطبهم تناول هاتفه الجوّال والتقط صورة ذاتية (سيلفي) مع الجماهير المحتشدة للاحتفال بفوزه.
تلك كانت العلامة الفارقة بين الأوصاف الكثيرة التي يتميّز بها هذا الرئيس الشاب (37 سنة) الذي خاض معركته الانتخابية شبه منفرد، تحت شعار القضاء على الفساد والعنف، وضد المنظومة السياسية التي سيطرت على البلاد منذ نهاية الحرب الأهلية.
أبو كيلة كان يعتمد كليّاً على وسائل التواصل الاجتماعي لنشر أفكاره وبرنامجه السياسي... والغالبية الساحقة من مؤيديه لا تتجاوز أعمارهم الثلاثين سنة. كذلك كان يفتقر إلى الدعم البرلماني ولا ينطلق من قاعدة حزبية... بل، ويتحدّر من أصول فلسطينية ومسلمة.

- خلفية شخصية
وُلد نجيب أبو كيلة في كنف عائلة متحدرة من أصول فلسطينية هاجرت إلى السالفادور في مطالع القرن الماضي، أما والده آرماندو أبو كيلة قطان (أو قحطان) فيتحدّر من مدينة القدس لجهة الجَدّ ومن مدينة بيت لحم لجهة الجدة، وأمه سالفادوريّة. ولقد اعتنق آرماندو الإسلام في سن مبكرة وكان نشطاً بين أفراد الجالية الفلسطينية التي تشكّل نسبة 2 في المائة من مجموع سكان السالفادور، وأصاب نجاحاً وافراً في التجارة والأعمال، وأنجب 11 ولداً، منهم نجيب الذي كان يدير شركة للإعلانات قبل أن يتفرّغ للنشاط السياسي مدعوماً من والده. وما يُذكر عن الوالد أرماندو أنه كان صديقاً مقرّباً من إحدى أبرز الشخصيات اليسارية في المشهد السياسي السالفادوري ومؤسس «جبهة فارابوندو مارتي للتحرير الوطني» والمرشح الرئاسي السابق شفيق حنظل، المتحدّر هو أيضاً من أصول فلسطينية.
صعود المتحدّرين من أصول فلسطينية إلى صدارة المشهد السياسي السالفادوري ليس بجديد أو مستغرب في هذا البلد الذي يضمّ ثاني أكبر جالية فلسطينية في أميركا اللاتينية بعد تشيلي. ذلك أنه في عام 2004 فاز بانتخابات رئاسة الجمهورية إلياس أنطونيو سقّا، مرشح اليمين، الذي هو أيضاً هاجرت عائلته من بيت لحم في بدايات القرن الماضي. وكان منافس سقّا في تلك الانتخابات الأمين العام للحزب الشيوعي ومؤسس «جبهة فارابوندو مارتي» شفيق حنظل، المولود في السالفادور من عائلة هاجرت هي أيضاً من مسقط رأس المسيح عيسى بن مريم.
«فتحنا صفحة جديدة في تاريخ البلاد، وجمعنا أصواتاً تفوق ما حصل عليه منافسونا»... هذه كانت العبارات الأولى التي تفوّه بها الرئيس الجديد الذي يحلو له أن يعرّف عن نفسه بأنه «ضد النظام السائد»، مدركاً أن اهتراء هذا النظام وما تولّد بسببه من استياء ونقمة بين المواطنين عموماً، والشباب بشكل خاص، هو ما أوصله إلى الرئاسة في انتخابات لم يشارك فيها نصف السالفادوريين.

- البداية... من مواقع اليسار
بدأ نجيب أبو كيلة مسيرته السياسية داخل صفوف «جبهة فارابوندو مارتي للتحرير الوطني» اليسارية عندما تولّى رئاسة بلدية كوسكاتلان الجديدة في مارس (آذار) من عام 2011، ونجح في تنفيذ عدد من المشروعات الإنمائية التي لفتت إليه الأنظار، فرشّحته «الجبهة» لرئاسة بلدية العاصمة سان سالفادور التي فاز بانتخاباتها في عام 2015، وتميّزت إدارته بنهضة غير مسبوقة في المدينة، وبخاصة في وسطها التاريخي الذي أعيد ترميمه، وأصبح مقصداً سياحياً وتجارياً من الدرجة الأولى بعدما كان مرتعاً للعصابات الإجرامية التي تزرع الرعب منذ سنوات في أنحاء البلاد. ويتوقع أن يكون ملف مواجهة هذه العصابات في طليعة الملفّات الصعبة التي سيتوجب على الرئيس الجديد التعامل معها.
يقول المقرّبون من نجيب أبو كيلة إن والده كان الشخصية الأكثر تأثيراً في حياته ومساره السياسي، وإن العلاقة بينهما كانت حاسمة في الخيارات السياسية التي أقدم عليها. وبعدما اعتنق آرماندو الإسلام وهو في مطلع العقد الثالث من عمره، أصبح إمام العاصمة التي بنى فيها أوّل مسجد تبعته مساجد أخرى في السالفادور وعدد من دول أميركا الوسطى والجنوبية.
ولم يكن نجيب قد أكمل الثامنة عشرة عندما تولّى إدارة إحدى الشركات العائلية لتوزيع الدراجات النارية اليابانية «ياماها» في عام 1999، ومن ثم، أسس شركته الخاصة في ميدان الإعلان، بينما كان يتابع دروسه الجامعية في العلوم القضائية، بيد أنه تخلّى عن دراسته لينصرف إلى أعماله التجارية قبل أن ينتقل إلى المعترك السياسي.
كان للوالد آرماندو الدور الأساس في انضمام ابنه الشاب نجيب إلى «جبهة فارابوندو مارتي» اليسارية المؤيدة للقضية الفلسطينية. ولكن، بعدما تولّى نجيب رئاسة بلدية العاصمة بدأت الخلافات تظهر بينه وبين قادة «الجبهة»، بينما كانت النجاحات السريعة التي حققها تغذّي طموحه نحو مناصب وأهداف أعلى. وفي العاشر من أكتوبر (تشرين الأول) 2017 قررت قيادة «الجبهة» طرده عملاً بتوصية من المحكمة الأخلاقية التابعة لمعهدها السياسي، وذلك في أعقاب اتهامه باعتداءات شفوية وجسدية على إحدى أعضاء المجلس البلدي. لكن أوساط نجيب تؤكد أنه هو الذي بادر إلى تقديم استقالته من «الجبهة» بعدما رفضت قيادتها التجاوب مع طلبه الترشّح لرئاسة الجمهورية.

- حركته الجديدة
بعد أسبوعين من انفصال أبو كيلة عن «الجبهة» اليسارية، أعلن السياسي الشاب الطموح عبر صفحته على موقع «فيسبوك» ترشّحه لمنصب رئيس الجمهورية عن حركة «الأفكار الجديدة» التي تنوي أن تتحوّل إلى حزب سياسي. وخلال أقلّ من عشرة أيام على إطلاق أبو كيلة حملة لحشد التأييد لحركته الجديدة، تمكّن من جمع أكثر من 250 ألف توقيع وطلب تسجيل الحركة حزباً سياسياً.
مع هذا واجه السياسي الشاب وحركته الوليدة مقاومة شديدة من المؤسسات الرسمية مثل المحكمة الانتخابية ومحكمة العدل العليا وديوان المحاسبة والنيابة العامة، فأطلق حملة احتجاجية وهدّد بإحالة القضية إلى المحاكم الدولية إلى أن وافقت المحكمة الانتخابية على تسجيل حركته حزباً سياسياً في أغسطس (آب) الماضي.
بعد ذلك، خلال حملته الانتخابية، رفض نجيب أبو كيلة المشاركة في المناظرات السياسية مع منافسيه، وركّز انتقاداته بشكل خاص ضد قيادات حزبه (الجبهة) السابق التي اتهمها بالفساد والتعاطف مع «طغاة أميركا اللاتينية» في فنزويلا ونيكاراغوا وهندوراس. كذلك انتقد قرار قطع العلاقات مع تايوان تمهيداً لإقامتها مع الصين الشعبية في العام الماضي، ودعا إلى إنشاء محكمة دولية للنظر في الفساد داخل الإدارات العامة.
المعتقد الديني للرئيس الجديد كان حاضراً بقوة في الحملة الانتخابية، إذ حاول خصومه مهاجمته لكونه من أب مسلم وأم مسيحية، خصوصاً بعد تسريب مجموعة من الصور، ونشرها على وسائل التواصل الاجتماعي، تظهره وهو يصلّي في أحد مساجد العاصمة المكسيكية مكسيكو سيتي. وردّ أبو كيلة بالإعلان أن أسرته كاثوليكية مع أن والده وآخرين من عائلته يدينون بالإسلام، كما قال إنه «لا يؤمن بالطقوس ولا بالأديان»... لكنه يؤمن بالسيّد المسيح، ويرفض زواج المثليين والإجهاض إلا في الحالات التي تتعرّض صحّة الأم للخطر.

- شرخ في الجالية الفلسطينية
على صعيد آخر، تجدر الإشارة إلى أن المنحى الذي اتخذه المسار السياسي لنجيب أبو كيلة خلال السنوات الثلاث المنصرمة أحدث شرخاً في أوساط الجالية الفلسطينية التي انقسمت بين مؤيد له ورافض بشدة لمواقفه الشعبوية اليمينية التي تتناقض كليّاً مع الخط اليساري الذي سارت عليه العائلة منذ عقود. ويخشى منتقدوه أن يكون وصوله إلى الرئاسة والمواقف الأخيرة التي صدرت عنه ثمرة صفقة تنذر بقرارات وخطوات أكثر خطورة بعدما يتسلّم مهامه رسمياً في يونيو (حزيران) المقبل. وهنا يشار إلى أنه في العام الماضي، بعدما أعلن ترشيحه للرئاسة، قام نجيب بزيارة إلى إسرائيل تلبية لدعوة من فرع أميركا اللاتينية للمؤتمر اليهودي العالمي. وهناك التقى بمسؤولين إسرائيليين ووقف يصلّي أمام حائط البراق (المبكى)، كما زار متحف المحرقة النازية (الهولوكوست) في القدس الشرقية. وبطبيعة الحال، أثارت تلك الزيارة، وما رافقها من مواقف وتصريحات، عميق الاستياء في أوساط الجالية الفلسطينية التي ذكّر بعض وجهائها بأنه حتى إلياس أنطونيو سقّا، الرئيس الأسبق المتحدر من أصول فلسطينية - الذي كان ينتمي إلى اليمين المتطرف - لم يقدم على خطوة مماثلة. وبالتالي، يخشى كثيرون من أبناء الجالية الفلسطينية أن يذهب أبو كيلة أبعد... فيوافق على اتخاذ قرار بنقل السفارة السالفادورية من تل أبيب إلى القدس الشرقية أسوة بالبرازيل والباراغواي.
أيضاً كان لافتاً أن من بين أوّل المهنئين بفوز أبو كيلة رئيس المؤتمر اليهودي العالمي ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو. كذلك تلّقى الرئيس السالفادوري الجديد اتصالاً من مستشار الأمن القومي في الولايات المتحدة جون بولتون، بحثا خلاله في مستقبل العلاقات الثنائية وموقف السالفادور من الأزمة الفنزويلية والعلاقات مع بكين. وجاء في تغريدة لبولتون «اتصّلت اليوم بالرئيس نجيب أبو كيلة وهنّأته بالنصر التاريخي الذي حققه، وأعربت له عن دعم الولايات المتحدة. كما ناقشنا سبل تعزيز أواصر الصداقة بين البلدين، وكيفية التعاون من أجل إعادة الديمقراطية إلى فنزويلا والتصدّي للممارسات الجائحة للصين في شبه القارة». وفي معرض تأكيده على المحادثة مع بولتون، قال نجيب أبو كيلة «لن تجد الولايات المتحدة حليفاً لها فحسب في السالفادور، بل صديقاً يطمح إلى توطيد أواصر العلاقة بين الطرفين. بعون الله سنتمكّن من خدمة شعبينا».

- آمال كبيرة واصطفاف يميني
كثيرة هي الآمال التي يعقدها السالفادوريون على الرئيس الشعبوي الشاب للخروج من دوّامة العنف والإجرام والفساد والتخلّف الاقتصادي التي تتخبطّ فيه البلاد. وهم يأملون منه تنفيذ الوعود البرّاقة التي أطلقها في حملته الانتخابية، ومنها: مرفأ جديد ومطار دولي وقطار سريع وشبكة مواصلات برّية. لكن أبو كيلة يعرف جيداً أن أيّاً من هذه المشروعات الكبرى لن يكتب لها التنفيذ من دون ضمان مساعدات خارجية كبيرة. ثم إن مواجهة العصابات والمنظمات الإجرامية، التي تسيطر على مناطق كثيرة في البلاد سيطرة شبه كاملة، تستلزم دعماً وخبرات واسعة أعلنت تل أبيب استعدادها لتقديمها بالتعاون مع واشنطن. وعلى صعيد الاصطفاف السياسي الإقليمي، يتوقع أن تكون البشائر الأولى للانعطاف السياسي مع وصول أبو كيلة إلى رئاسة السالفادور انضمامه إلى تحالف قادة اليمين المتشدد في أميركا اللاتينية، والاعتراف بشرعية الرئيس الفنزويلي بالوكالة خوان غوايدو، والتخلّي عن الرئيس اليساري نيكولاس مادورو، بجانب تضييق الخناق حول رئيس نيكاراغوا الذي وصفه أبو كيلة بأنه «أبشع من الديكتاتور السابق أناستازيو سوموزا»، إلا أن انطلاقة ولاية الرئيس الجديد تواجه عجزاً في الكوادر السياسية والفنية، كما هي الحال مع كل الحركات الشعبوية التي وصلت إلى الحكم على صهوة معارضة النظام السائد ووسائل التواصل الاجتماعي، فضلاً عن الدعم البرلماني الضئيل الذي يعتمد عليه لتنفيذ وعوده الإصلاحية والإنمائية.


مقالات ذات صلة

هواجس متفاوتة لدول «حوض المحيطين الهندي والهادئ» إزاء عودة ترمب

حصاد الأسبوع من لقاء الزعيمين الصيني شي جينبينغ والهندي ناريندرا مودي في مدينة قازان الروسية اخيراً (رويترز)

هواجس متفاوتة لدول «حوض المحيطين الهندي والهادئ» إزاء عودة ترمب

يأتي فوز دونالد ترمب في انتخابات الرئاسة الأميركية وعودته الوشيكة إلى البيت الأبيض يوم يناير (كانون الثاني) 2025 نقطة تحوّل مهمة وسط اضطرابات غير عادية في

براكريتي غوبتا (نيودلهي)
حصاد الأسبوع دوما بوكو

دوما بوكو... رئيس بوتسوانا «العنيد» يواجه تحديات «البطالة والتمرد»

لا يختلف متابعو ملفات انتقال السلطة في أفريقيا، على أن العناد مفتاح سحري لشخصية المحامي والحقوقي اليساري دوما بوكو (54 سنة)، الذي أصبح رئيساً لبوتسوانا،

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
حصاد الأسبوع بوتسوانا... «ماسة أفريقيا» الباحثة عن استعادة بريقها

بوتسوانا... «ماسة أفريقيا» الباحثة عن استعادة بريقها

خطفت بوتسوانا (بتشوانالاند سابقاً) أنظار العالم منذ أشهر باكتشاف ثاني أكبر ماسة في العالم، بيد أن أنظار المراقبين تخاطفت الإعجاب مبكراً بتلك الدولة الأفريقية

«الشرق الأوسط» ( القاهرة)
حصاد الأسبوع الرئيس التونسي قيس سعيّد (رويترز)

الإعتبارات العسكرية والأمنية تتصدر المشهد في تونس

ضاعف الرئيس التونسي قيس سعيّد فور أداء اليمين بمناسبة انتخابه لعهدة ثانية، الاهتمام بالملفات الأمنية والعسكرية الداخلية والخارجية والتحذير من «المخاطر

كمال بن يونس (تونس)
حصاد الأسبوع جنود فرنسيون  في مالي (سلاح الجو الأميركي)

إضاءة على تراجع تأثير سياسة فرنسا الخارجية

بعد عقود من الحضور القوي للدبلوماسية الفرنسية في العالم، ورؤية استراتيجية وُصفت «بالتميز» و«الانفرادية»، بدأ الحديث عن تراجع في النفوذ

أنيسة مخالدي (باريس)

ما دلالة تصنيف باراغواي «الإخوان» تنظيماً «إرهابياً»؟

محاكمة عناصر من «الإخوان» في القاهرة يوليو 2018 (أ.ف.ب)
محاكمة عناصر من «الإخوان» في القاهرة يوليو 2018 (أ.ف.ب)
TT

ما دلالة تصنيف باراغواي «الإخوان» تنظيماً «إرهابياً»؟

محاكمة عناصر من «الإخوان» في القاهرة يوليو 2018 (أ.ف.ب)
محاكمة عناصر من «الإخوان» في القاهرة يوليو 2018 (أ.ف.ب)

دفع تصنيف باراغواي «الإخوان» تنظيماً «إرهابياً» إلى تساؤلات حول تأثير القرار على مستقبل التنظيم وعناصره. يأتي هذا في ظل تصاعد الصراع بين «قيادات (الإخوان) في الخارج» حول قيادة التنظيم. وقال باحثون في الحركات المتطرفة والإرهاب إن «قرار باراغواي أشار إلى ارتباط (الإخوان) بـ(تنظيمات الإرهاب)، وقد يدفع القرار دولاً أخرى إلى أن تتخذ قرارات مماثلة ضد التنظيم».
ووافقت اللجنة الدائمة بكونغرس باراغواي على «اعتبار (الإخوان) (تنظيماً إرهابياً) يهدد الأمن والاستقرار الدوليين، ويشكل انتهاكاً خطيراً لمقاصد ومبادئ الأمم المتحدة». جاء ذلك في مشروع قرار تقدمت به ليليان سامانيغو، رئيسة لجنة الشؤون الخارجية بالكونغرس المكوّن من 45 عضواً. وقال البرلمان في بيان نشره عبر موقعه الإلكتروني (مساء الخميس) إن «تنظيم (الإخوان) الذي تأسس في مصر عام 1928، يقدم المساعدة الآيديولوجية لمن يستخدم (العنف) ويهدد الاستقرار والأمن في كل من الشرق والغرب». وأضاف البيان أن «باراغواي ترفض رفضاً قاطعاً جميع الأعمال والأساليب والممارسات (الإرهابية)».
ووفق تقارير محلية في باراغواي، فإن باراغواي رأت في وقت سابق أن «(حزب الله)، و(القاعدة)، و(داعش) وغيرها، منظمات (إرهابية)، في إطار مشاركتها في الحرب على (الإرهاب)». وقالت التقارير إن «تصنيف (الإخوان) من شأنه أن يحدّ من قدرة هذه الجماعات على التخطيط لهجمات (إرهابية) وزعزعة استقرار الدول». كما تحدثت التقارير عن دول أخرى أقرت خطوات مماثلة ضد «الإخوان» من بينها، روسيا، والمملكة العربية السعودية، ومصر، والإمارات، والبحرين.
وتصنف دول عربية عدة «الإخوان» تنظيماً «إرهابياً». وعدّت هيئة كبار العلماء في المملكة العربية السعودية التنظيم «جماعة إرهابية منحرفة» لا تمثل منهج الإسلام. وذكرت الهيئة في بيان لها، نوفمبر (تشرين الثاني) عام 2020، أن «(الإخوان) جماعة إرهابية لا تمثل منهج الإسلام وإنما تتبع أهدافها الحزبية المخالفة لهدي ديننا الحنيف، وتتستر بالدين وتمارس ما يخالفه من الفُرقة، وإثارة الفتنة، والعنف، والإرهاب». وحذّرت حينها من «الانتماء إلى (الإخوان) أو التعاطف مع التنظيم».
كذلك أكد مجلس الإمارات للإفتاء الشرعي أن كل مجموعة أو تنظيم يسعى للفتنة أو يمارس العنف أو يحرّض عليه، هو تنظيم إرهابي مهما كان اسمه أو دعوته، معتبراً «(الإخوان) تنظيماً (إرهابياً)».
وتحظر الحكومة المصرية «الإخوان» منذ عام 2014، وقد عدّته «تنظيماً إرهابياً». ويخضع مئات من قادة وأنصار التنظيم حالياً، وعلى رأسهم المرشد العام محمد بديع، لمحاكمات في قضايا يتعلق معظمها بـ«التحريض على العنف»، صدرت في بعضها أحكام بالإعدام، والسجن «المشدد والمؤبد».
وحسب الباحث المصري المتخصص في شؤون الحركات المتطرفة والإرهاب الدولي، منير أديب، فإن «تصنيف باراغواي (الإخوان) يؤكد الاتهامات التي توجَّه إلى التنظيم، بأن تنظيمات العنف خرجت من رحم (الإخوان)، أو أنها نهلت من أفكار التنظيم»، لافتاً إلى أن «قرار باراغواي أشار إلى أن (الإخوان) وفّر الحماية لتنظيمات التطرف التي نشأت في الشرق والغرب». وأضاف لـ«الشرق الأوسط» أن «قرار بعض الدول العربية في وقت سابق حظر (الإخوان) يعود إلى أمرين؛ الأول أن التنظيم مارس العنف، والآخر أن التنظيم وفّر الحماية لجماعات الإرهاب».
وفي وقت سابق أكدت وزارة الأوقاف المصرية «حُرمة الانضمام لـ(الإخوان)»، مشيرةً إلى أن التنظيم يمثل «الخطر الأكبر على الأمن القومي العربي». وفي فبراير (شباط) 2022 قالت دار الإفتاء المصرية إن «جميع الجماعات الإرهابية خرجت من عباءة (الإخوان)». وفي مايو (أيار) الماضي، قام مفتي مصر شوقي علام، بتوزيع تقرير «موثق» باللغة الإنجليزية على أعضاء البرلمان البريطاني يكشف منهج «الإخوان» منذ نشأة التنظيم وارتباطه بـ«التنظيمات الإرهابية». وقدم التقرير كثيراً من الأدلة على علاقة «الإخوان» بـ«داعش» و«القاعدة»، وانضمام عدد كبير من أعضاء «الإخوان» لصفوف «داعش» عقب عزل محمد مرسي عن السلطة في مصر عام 2013، كما لفت إلى أذرع «الإخوان» من الحركات المسلحة مثل «لواء الثورة» و«حسم».
وحول تأثير قرار تصنيف باراغواي «الإخوان» على «قيادات التنظيم في الخارج»، أكد الباحث المصري المتخصص في شؤون الحركات المتطرفة والإرهاب الدولي، أن «قرار باراغواي سوف يؤثر بالقطع على عناصر التنظيم في الخارج، لأن التنظيم يزعم أنه ينتشر في دول كثيرة حول العالم، ومثل هذا القرار يؤثر على عناصر (الإخوان) الموجودة في باراغواي وفي الدول المجاورة لها، كما أن القرار قد يدفع دولاً أخرى إلى اتخاذ قرار مماثل ضد (الإخوان)».
يأتي قرار باراغواي في وقت يتواصل الصراع بين «قيادات الإخوان في الخارج» حول منصب القائم بأعمال مرشد التنظيم. ويرى مراقبون أن «محاولات الصلح بين جبهتي (لندن) و(إسطنبول) لحسم الخلافات لم تنجح لعدم وجود توافق حول ملامح مستقبل التنظيم». والصراع بين جبهتي «لندن» و«إسطنبول» على منصب القائم بأعمال المرشد، سبقته خلافات كثيرة خلال الأشهر الماضية، عقب قيام إبراهيم منير، القائم بأعمال مرشد «الإخوان» السابق، بحلّ المكتب الإداري لشؤون التنظيم في تركيا، وقيامه بتشكيل «هيئة عليا» بديلة عن «مكتب إرشاد الإخوان». وتبع ذلك تشكيل «جبهة لندن»، «مجلس شورى» جديداً، وإعفاء أعضاء «مجلس شورى إسطنبول» الستة، ومحمود حسين (الذي يقود «جبهة إسطنبول»)، من مناصبهم.