«الشرق الأوسط» في مهرجان برلين السينمائي (7): متنافسو مهرجان برلين يرقصون مع «الدببة» الليلة

ختام لدورة غير لامعة ونهاية مرحلة

شارلوت رامبلينغ محتفية بجائزتها مع مدير مهرجان برلين دييتر كازليك والمخرجة الإيطالية ليليانا كافاني (أ.ف.ب)
شارلوت رامبلينغ محتفية بجائزتها مع مدير مهرجان برلين دييتر كازليك والمخرجة الإيطالية ليليانا كافاني (أ.ف.ب)
TT

«الشرق الأوسط» في مهرجان برلين السينمائي (7): متنافسو مهرجان برلين يرقصون مع «الدببة» الليلة

شارلوت رامبلينغ محتفية بجائزتها مع مدير مهرجان برلين دييتر كازليك والمخرجة الإيطالية ليليانا كافاني (أ.ف.ب)
شارلوت رامبلينغ محتفية بجائزتها مع مدير مهرجان برلين دييتر كازليك والمخرجة الإيطالية ليليانا كافاني (أ.ف.ب)

مساء اليوم، السادس عشر من هذا الشهر، يشهد العرض الأخير لمهرجان برلين السينمائي… عرض لرجال ونساء يصعدون المنصة ويرقصون مع «الدببة»، وهي الجوائز التي سيتم توزيعها على الرابحين.
لم تكن دورة فذّة بين دورات «برلين»، لكنها لم تكن كذلك من تلك التي كسرت ظهر المهرجان بأسره. حضوره ما زال قوياً… فقط لم تلمع دورته هذه كما لمعت دوراته السابقة وتلألأت.
من حسنات مهرجان برلين الخفية، أنه كثيراً ما يوفر لنقاد السينما فرصة الاشتراك في لجان تحكيمه: الناقد البريطاني ورئيس تحرير مجلة «سايت آند ساود» (إحدى المجلات السينمائية القليلة الباقية باللغة الإنجليزية)، نك جيمس كان عضو لجنة التحكيم الدولية سنة 2016، تلك التي ترأستها ميريل ستريب ومنحت دبها الذهبي آنذاك للفيلم التسجيلي الإيطالي «نار في البحر».
وفي العام التالي تربعت الناقدة المكسيكية دنييلا مايكل بين أعضاء لجنة التحكيم الرسمية للفيلم التسجيلي، وهذه اللجنة منحت جائزتها الأولى لفيلم «اصطياد أشباح» للفلسطيني رعد أنضوني.
في العام الماضي انضمت الأميركية ستيفاني زاكارك للجنة الرئيسية (تحت إدارة المخرج الألماني توم تيكوَر) وهي ناقدة مجلة «تايم».
أما هذا العام شغل المنصب ناقد صحيفة «ذا لوس أنجيليس تايمز» جوستين تشانغ الذي كان ناقداً لمجلة «فارايتي» لبضع سنوات لمع فيها قبل التحوّل إلى تلك الصحيفة ذائعة الانتشار. هو تحت إدارة الرئيس الممثلة الفرنسية جولييت بينوش، الغنية عن التعريف، في مقابل باقي فريقها مثل تشانغ والممثلة الألمانية ساندرا هولر والمخرج التشيلي تشيليان ليليو والمنشط ومسؤول «متحف مودرن آرت» في نيويورك راجندرا روي. والعضو السادس هو الممثلة البريطانية ترودي ستايلر التي انقلبت منتجة أيضاً في عام 1990.
ما يحسب هنا أن النقاد والمخرجين لا يتفقون كثيراً على اختياراتهم. لكن الخلاف المتوقع (ولو نظرياً) بين تشانغ وليليو (إن وقع) سيواجهه خلاف محتمل على رقعة أخرى. فالممثلة ساندرا هولر قد تؤيد جولييت بينوش في قراراتها وقد تخرج عنها. وراجندرا روي قد يتفق مع مواطنه تشانغ أو قد يعارضه.
في كل الأحوال، وفي نهاية دورة حفلت بأفلام مقبولة ومتوسطة (وبعض الضحل) النتيجة ستكون نوعاً من الاختيارات التي ترقص على حبال واهنة.
وهي أيضاً ستكون نهاية مرحلة امتدت 18 سنة تحت رئاسة دييتر كوزليك، التي نهضت بالمهرجان ومنحته مكانته أكثر مما فعل بعض من سبقه في هذا المنصب.
وهو ظهر في هذه الدورة على المنصة، في أكثر من مناسبة، كعادته في كل عام، وإحدى أهم المناسبات كانت منح الممثلة شارلوت رامبلينغ جائزة المهرجان التكريمية الخاصة. هناك وقفت الممثلة التي لها باع يمتد من أواخر الستينيات، التي مثلت في أفلام عبر القارات. ورفعت «دبها» المذهب وسط تصفيق وتحية ألوف الحاضرين.

في شبر من الماء
خلف انسحاب فيلم زانغ ييمو «ثانية واحدة» فراغاً ملموساً. ليس فقط أن عدد الأفلام المتسابقة قد قل عما كان عليه (وكان قليلاً في الأساس) بل ترك رواد أمس الجمعة، مثل سراب نحل فقد خليته.
والفيلمان الصينيان الآخران في المسابقة «أوندوغ» و«وداعاً، ولدي» شهدا انقساماً بين النقاد يوحي بتكراره بين لجنة التحكيم.
«أوندوغ»، كما مرّ معنا، دراما توظف سهوب مانغوليا لما تطرحه من أحداث وهي شحيحة كالمكان التي تقع تلك الأحداث فوقه: جثة امرأة عارية في وسط اللامكان. شرطي توكل إليه حراسة المكان ليوم وليلة. امرأة وحيدة تتقرب منه. ثم يعود البوليس مع سيارة الجهاز الطبي للإشراف على نقل الجثة.
الفيلم الصيني الآخر: «وداعاً، ابني» تقع أحداثه في الصين ذاتها ومخرجه هو وانغ سياوشياو الذي يتم تعريفه بأنه في حين توجه معظم المخرجين الصينيين من جيله لتحقيق أفلام تدر أرباحاً، حافظ سياوشياو على جدية أفلامه وطروحاتها التي ترصد متغيرات المجتمع الصيني.
في «وداعاً، ولدي» يطرح سياوشياو حكاية زوجين عانا الكثير في حياتهما المشتركة. في البدء جاء موت ابنهما الصبي زينغزنغ بداية لسلسلة من العذابات النفسية والعاطفية. يفتح الفيلم بمشهد صبي يرقب أولاداً آخرين يلعبون في ماء البحر عند الساحل. إنه هاوهاو الذي يستدير صوب زينغزنغ ويحثه على النزول إلى البحر. زينغزنغ يتمنع لأنه لا يجيد السباحة. يرد عليه صديقه بأن الساحل ليس عميقاً. وما نراه هو كذلك بالفعل. مستوى الماء بالكاد يرتفع عن الكاحل. «سأحميك» يقول هاوهاو لزينغزنغ.
سيعود المخرج إلى الحادثة أكثر من مرّة (من دون تفسير كيف يمكن لصبي أن يغرق في شبر من الماء، خصوصاً أن أحد المشاهد يرينا نقله من تلك البقعة غير العميقة) فالمصاب، بالنسبة للعائلة الصغيرة، جسيم. لذلك يتبنى الزوجان صبياً سمّياه أيضاً زينغزنغ علّه يملأ الفراغ العاطفي ويحل مكان الفقيد. لكن هذا الصبي يخيب الآمال. يحتفظ بسلوكه المعادي ويغيب (وقبل نهاية الفيلم بنصف ساعة أو نحوها يعود ليغيب بعد ذلك تماماً).
موت الابن سيظلل الفيلم كون أثره على الأبوين سيمتد لعقود متوالية. لكن المعاناة لها جانب آخر سياسي. فالأحداث تبدأ في موقع ما من فترة «الثورة الثقافية» وتنتقل لما بعد تلك الفترة مع صدور قرار إلزامي يجبر العائلات على تحديد الإنجاب بولد واحد. هنا يصبح لزاماً على الزوجة القبول بعملية إجهاض لئلا تنتهي هي أو زوجها أو كلاهما إلى السجن. والكثير من المشاهد تدور في تلك الفترة لكنها تتقاطع دوماً ومشاهد استرجاعية من الفترة السابقة. فالفيلم ليس سرداً يتبع الفترات الزمنية على نحو متوال وطبيعي، بل ينتقل من فترة لأخرى، حسب ما ارتأى المخرج حتى ولو أدى ذلك لتفكيك بعض أوصاله درامياً.
«وداعاً، ولدي» دراما عائلية مليئة بالألم الداخلي والإحباطات العاطفية التي لا تتبدى إلا لمن لا يعمل لصالح السُلطة الشيوعية. بعد ذلك يدخل الفيلم بداية الفترة الحالية حيث تحولت الصين إلى نظام رأسمالي (ولو أن الحزب الشيوعي ما زال يحكم). في طيات كل ذلك، يصيب الثراء عائلات لكنه لا يصيب أخرى مثل العائلة التي تابعنا معاناتها طوال الوقت. الفيلم لا يتعرض فقط لمعاناة العائلة، بل يصدرها لمشاهديه الذين، في أحسن الأحوال، عليهم مشاهدة عمل عادي المواصفات فناً.
تصوير كيم - هيون - سيوك شاحب في معظم مشاهده، خصوصاً الخارجية، حيث طبيعة المكان لا تغري باعتماد مصادر الضوء الطبيعية.
السيناريو (من أ. ماي) مليء بالمنغصات. هذا فيلم ميلودرامي يعكس مشاعر الألم والذنب والحزن طوال مدة عرضه. على ذلك، هناك جهد واضح من المخرج لإنجاز عمل شبه ملحمي وبالتأكيد واقعي اللون والمعالجة والنبرة. في كل ذلك يمنحنا الفيلم الكثير من أسباب متابعته، لكن ساعاته الثلاث مليئة بالانتقالات ما بين الأمس البعيد والأمس القريب والحاضر ما يترك المرء بارداً حيال الواقع المعروض.

«الأوسكار» في وسط برلين
هناك رتابة في هذين اليومين الأخيرين من الدورة التاسعة والستين، لا ينقذ المتابع منها سوى ما يرد من هوليوود حول السجال القائم بين أكاديمية العلوم والفنون السينمائية والوسط السينمائي عموماً.
فقبل أيام قليلة من قيام الأكاديمية بتوزيع جوائز «الأوسكار» في دورته الحادية والتسعين يوم الأحد المقبل (الرابع والعشرين من الشهر) ارتكبت الإدارة ما بدا خطأ كبيراً في حساباتها: لقد قررت توزيع جوائز أربع مسابقات بعيداً عن أنظار المشاهدين، أي خلال قيام المحطات التلفزيونية ببث دعاياتها بين الفقرات. هذا يعني أن جمهور الحفل سيتابع البرنامج كاملاً، لكن الملايين خارج قاعة الاحتفال ستحرم منها. كذلك سيُحرم الفائزون من قطف الثمار الإعلامي الواسع أسوة بزملائهم.
المسابقات المتوارية هي التصوير والمونتاج ومسابقة الأفلام الحية القصيرة ومسابقة الماكياج وتصميم الشعر.
السبب الوحيد لذلك هي محاولة الأكاديمية الالتزام بثلاث ساعات من البث، وبالتالي جعل الحفل يتحرك أسرع. ما فات أصحاب القرار حقيقة أنه من الأفضل لو تم حذف بعض الفقرات الاستعراضية التي تأخذ من الوقت أكثر مما تأخذه عملية توزيع هذه «الأوسكارات» على الفائزين.
في كل الأحوال، وُجِه القرار برفض عدد كبير من السينمائيين الأميركيين من بينهم ألفونسو كوارون وسبايك لي وجورج كلوني وبراد بيت ومارتن سكورسيزي وكونتين تارنتينو، التبرير المساق وراء هذا القرار. وأمس (الجمعة) قدمت «جمعية المخرجين الأميركية» احتجاجها الرسمي على هذا القرار واصفة إياه بأنه «مهين»، وأن مجرد تغييب فقرات تخص المسابقات الأربعة المعلن عنها يعكس اعتبار أن هذه المسابقات والرابحين فيها «أقل شأناً من باقي الرابحين».
لم يصدر تعليق من مهرجان برلين حول هذا الموضوع كونه يخص المؤسسات الأميركية وسينمائييها. لكن المهرجان كان سبق له وأن عكس تبريراً غير مقبول بدوره عندما قال إنه «فوجئ» بموعد تقديم أكاديمية الفنون والعلوم السينمائية موعد حفلتها إلى الرابع والعشرين من الشهر. وهذا لا يمكن أن يكون صحيحاً كون الإعلان عن موعد حفل «الأوسكار» تم قبل أشهر بعيدة.


مقالات ذات صلة

مناطيد الهواء الساخن تُزيِّن سماء النيبال

يوميات الشرق لوحة ألوان زاهية (أ.ف.ب)

مناطيد الهواء الساخن تُزيِّن سماء النيبال

أطلقت بوخارا أول مهرجان لمناطيد الهواء الساخن يُقام في النيبال، إذ تحوّلت سماء المدينة لوحةً من الألوان الزاهية ضمن مشهد شكّلت ثلوج قمم «هملايا» خلفيته.

«الشرق الأوسط» (بوخارا (النيبال))
يوميات الشرق حوار ثقافي سعودي عراقي في المجال الموسيقي (وزارة الثقافة)

«بين ثقافتين» التقاء الثقافتين السعودية والعراقية في الرياض

يقدم مهرجان «بين ثقافتين» الذي أطلقته وزارة الثقافة في مدينة الرياض، رحلة ثريّة تمزج بين التجارب الحسيّة، والبصريّة.

عمر البدوي (الرياض)
يوميات الشرق لقطة من فيلم «شرق 12» (الشركة المنتجة)

الفيلم المصري «شرق 12» يفتتح «أسبوع النقاد» في «مهرجان برلين»

عُرض «شرق 12» في السعودية والبرازيل وأستراليا والهند وشاهده جمهور واسع، ما تراه هالة القوصي غاية السينما، كونها تملك هذه القدرة لتسافر وتتفاعل مع مختلف الثقافات

انتصار دردير (القاهرة )
يوميات الشرق المخرج شريف البنداري يتسلم جائزة «التانيت الفضي» لأفضل فيلم قصير (إدارة المهرجان)

السينما المصرية تقتنص 3 جوائز في «أيام قرطاج»

فازت السينما المصرية بـ3 جوائز في ختام الدورة الـ35 لـ«أيام قرطاج السينمائية» التي أقيمت مساء السبت على مسرح الأوبرا بمدينة الثقافة بتونس.

انتصار دردير (القاهرة )
يوميات الشرق إيمان العاصي خلال تكريمها بمهرجان «THE BEST» (حساب المهرجان بـ«فيسبوك»)

مصر: مهرجانات خاصة للتكريمات الفنية والإعلامية تنتعش مع نهاية العام

شهدت مصر خلال الأيام الماضية انتعاشة لافتة في تنظيم المهرجانات الخاصة المعنية بالتكريمات الفنية والإعلامية، أهمها «The Best»، و«آمال العمدة ومفيد فوزي».

داليا ماهر (القاهرة )

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».