رغم فقد «داعش» لصفحاته على مواقع التواصل الاجتماعي «تويتر» و«تليغرام» و«فيسبوك»، فإنه بات يراهن على استخدام تطبيقات برامج «اللايف تشات» التي تتميز بخصائص التراسل الفوري، والقدرة على الانتشار كالقنوات، وإرسال الملفات، والبث الصوتي والمرئي، بصورة أكثر أماناً.
في حين قال باحثون وخبراء إن تنظيم داعش يهدف من التطبيقات الجديدة إلى تجنيد موالين جُدد، وتوجيه عناصره، والتوسع بعد انهياره وسقوط معاقله في سوريا والعراق وكثير من الدول، قلل الخبير الإعلامي الدكتور محمود الصاوي، وكيل كلية الإعلام بجامعة الأزهر، من صحة فرضية توسع التنظيم الإرهابي عبر التطبيقات الجديد، قائلاً: سقطت أقنعة «داعش» المتشدد، وصار كثيرون على قناعة بأنه صنيعة لا تستهدف الخير للمسلمين، بل جلب لهم كل شر ووباء، مضيفاً لـ«الشرق الأوسط»: «لا أعتقد أن (داعش) يكتسب أرضاً أو عقلاً جديداً، لكنه يستغل أوضاع الخراب والدمار في كثير من دول العالم، التي هو أحد أهم أسبابها، ويحاول أن يستغل ذلك في كسب أنصار من المغرر بهم، لكن هذا لن يحدث مع يقظة الدول.
يشار إلى أن المكافحة الإلكترونية التي شنتها إدارات «فيسبوك» و«تويتر» و«يوتيوب»، إضافة إلى هجمات القرصنة الإلكترونية لمواقع «داعش» التي أدت إلى انخفاض استخدام التنظيم بشكل كبير لمواقع التواصل الاجتماعي، ساعدت بشكل فعال في ترنح وسائل تواصل التنظيم خلال الأشهر الماضية، خصوصاً عقب هزائمه في سوريا والعراق.
ذئاب منفردة
في دراسة حديثة، أشارت دار الافتاء المصرية إلى أن «التنظيمات المتطرفة توسعت في استخدام شبكات الإنترنت ومنصات التواصل الاجتماعي، باعتبارها ملاذاً آمناً لبث أفكارهم المتطرفة، ولتنفيذ مشروعها الآيديولوجي».
الدراسة التي جاءت بعنوان «استراتيجيات وآيديولوجيات الجماعات الإرهابية في تجنيد الشباب عبر الإنترنت»، والتي أعدها مرصد الفتاوى التكفيرية والآراء المتشددة، أكدت أن «شبكات ومواقع ومنصات التواصل الاجتماعي تمثل جامعة إلكترونية لإعداد وتجنيد (الذئاب المنفردة)، وأداة خصبة لنشر أفكارهم المتطرفة، حيث تقوم تلك التيارات بتصنيف مواقع التواصل وفق استخدامه المناسب».
وصنّفت دراسة الافتاء مواقع التواصل وفق استغلال «داعش»، حيث أكدت أن «فيسبوك» يساعد التنظيم في تجنيد «الذئاب المنفردة» بسهولة، عبر استدراج الشباب وتجنيدهم بطريقة غير مباشرة. أما «تويتر»، فيستخدم لنشر الأخبار الترويجية للأفكار المتطرفة، و«تليغرام» للمساهمة في نشر أدبيات التنظيم وكتاباته، وروابط تقاريره المصورة والمرئية، لترويج نجاحه المزيف في ساحات القتال، في حين يستغل التنظيم قنوات «اليوتيوب» لتمكين مشاركيه من تحميل الفيديوهات قبل الحذف، حيث إن نظام المراقبة الخاص بالموقع يتم بعد رفع الفيديوهات عليه.
منصة ترويج
قال عدد من الباحثين في مرصد الأزهر بالقاهرة إن الجبهة الإعلامية للتنظيم المتطرف، ونشاطه الدعائي عبر مختلف المنصات، كانت عاملاً في غاية الأهمية للترويج لفكره المتطرف منذ ظهور التنظيم، واستقطاب كثير من المقاتلين الأجانب، إذ لم يترك التنظيم وسيلة أو منصة يمكنه من خلالها الترويج لما يقوم به، أو محاولة ضم أتباع جدد، إلا استخدمها، لذلك فهو يحاول مرة أخرى العودة لهذه المنصات لتعويض الخسائر.
وأكد الباحثون لـ«الشرق الأوسط» أنه عقب إجبار سلطات الدول لمنصات التواصل على حذف المحتوى المتطرف، وحظر الحسابات التي تساعد في نشر هذا المحتوى، اتجه التنظيم إلى المنصات المشفرة مثل «تلغرام» لكي يضمن سلامة عناصره، الذين يواصلون نشر أفكارهم، لكنه تم حجب «تلغرام» أيضاً.
وعلقت «تويتر»، منذ يوليو (تموز) 2015 حتى يوليو 2016، ما لا يقل عن 360 ألف حساب. واستخدم «يوتيوب» تقنية «Jigsaw»، التي تعمل ضد التطرف والعنف والمضايقات عبر الإنترنت. فعندما يبحث أحد الأشخاص عن كلمات رئيسية معينة، يُوجه المستخدم لقائمة من مقاطع الفيديو التي تتضمن محتوى يعارض التطرف.
حظر المحتوى
وفي السياق ذاته، أكد مرصد الأزهر، في تقرير حديث له، أن جهوداً كثيرة بذلت في مجال حظر المحتوى المتطرف، والحسابات التي تنشر مثل هذه المحتوى، وقد أدى هذا بالفعل إلى تقليل حجم الوجود الإعلامي لجماعات التطرف على وسائل التواصل الاجتماعي والمنصات الإلكترونية، وساعد في هذا أيضاً إنهاء سيطرة التنظيم المتطرف على مساحات واسعة، وبالتالي تقليل موارده، واضطراره إلى وقف إصدار كثير من المجلات التي اعتاد على نشرها شهرياً، وبكثير من اللغات.
وقال مرصد الأزهر: «برزت كثير من التحديات نتيجة هذا النهج الإعلامي للتنظيم المتطرف، حيث إنه مع تلقيه الهزائم، توجه بإعلامه إلى وجهة جديدة، ركز فيها على أتباعه الأجانب الذين لم يتمكنوا من الانضمام إليه في سوريا والعراق، وتركز النهج الجديد على حث هذه العناصر البعيدة عن مركز التنظيم على القيام بعمليات في محيطهم، مستخدمين ما يتاح لهم من مواد، ومحدثين أكبر عدد ممكن من الخسائر، وهو ما يطلق عليه عمليات (الذئاب المنفردة)، فضلاً عن دعوته لعناصره حول العالم للقيام بتصوير العمليات التي يقومون بها لكي يتم نشرها، باعتبار أن من قام بذلك هو (داعش)، ويعد هذا تحدياً كبيراً للأجهزة الأمنية التي لا يمكن لها في كثير من الأحيان التيقن من كون القائم بالعملية الإرهابية من المنتمين لـ(داعش) أم لا».
استقطاب الشباب
وعن استراتيجية «داعش» على منصات التواصل، أكد مرصد الأزهر في تقريره أنها انشغلت بالترويج لأفكاره، وإقناع الناس بها، والدفاع عن سمعته، إضافة إلى خلق صورة ذات تأثير مزدوج، قادرة على الجذب والإرهاب في الوقت ذاته، والمستهدف الأول هم الشباب الذين يسعى التنظيم إلى استقطابهم وضمهم إلى صفوفه القتالية، بجانب جذب مزيد من الأتباع. أما المستهدف الثاني، فهم عامة الجمهور ممن يهدف التنظيم إلى إثارة شعور واسع النطاق بالخوف وانعدام الأمن لديهم، فهذا دون شك يصب في مصلحة الدواعش أيضاً.
وأكد الدكتور الصاوي أنه لا شك في أن وسائل التواصل الاجتماعي نتاج هذين العقدين الأخيرين، وتتزايد وتيرتها يوماً بعد يوم، وتستغلها الجماعات المتشددة بشكل كبير في نشر أفكارها وقناعاتها، وجلب الشباب إليها، لعلمهم بحالة الإدمان التي وصل إليها آلاف الشباب للإنترنت ومشتقاته، مضيفاً أن هذه الوسائل من النعم التي أنعم الله بها على البشرية، لكن هذه الجماعات بهذه المضامين المتشددة التي تشحن بها هذه الوسائل، وتملأ بها هذه التقنيات بكميات هائلة من الرسائل، تحدث بلبلة في العقول وتفتيتاً للصفوف وتشظياً في الأفكار والمفاهيم.
وقال المراقبون إن الدعاية الإعلامية لـ«داعش» على مواقع التواصل عملت على تحسين صورة التنظيم، وتبرير جرائمه الوحشية، وتصويره على أنه حامل لواء الخلافة المزعومة، لكن كل هذا انكشف نتيجة الخسائر التي مُني بها في سوريا والعراق.
بقايا «الإخوان»
من جهته، أوضح الدكتور محمود الصاوي أن مشكلة المعلومات التي يبثها التنظيم على مواقع التواصل الاجتماعي تستوجب فلترتها وتصفيتها وتنقيتها من الشوائب الكثيرة التي تختلط بها، وعمل تصحيح مستمر لهذه المفاهيم المغلوطة التي يقدمها ويضلل بها عقول الشباب، مشيداً بالتجربة الرائدة المميزة التي يقوم بها الأزهر، ومرصده العالمي، الذي يتتبع الأفكار الشاذة والمتطرفة والمنحرفة التي تقوم بها هذه الجماعات، لرصدها والتحذير منها، وتفنيد مزاعم هذه التنظيمات.
وفي غضون ذلك، أوضحت دراسة دار الافتاء المصرية أيضاً أن «داعش» يستهدف بممارساته الجديدة عبر مواقع التواصل الاجتماعي بقايا جماعة «الإخوان» المتشرذمة، باستغلال الأفكار التي أسس لها منظرو «الإخوان» كـ«الخلافة، والدولة، والحاكمية، والجاهلية»، من أجل إقناع عناصر وشباب الجماعة بالانضمام إليه، بهدف تحقيق ما فشلت فيه الجماعات التي أطلقت على أنفسها «الإسلام السياسي»، وهي الأفكار التي تستثير حماسة البعض، وتؤثر على الشباب الذي تجذبه حماسية شعارات براقة ظاهرها نصرة الإسلام والمسلمين، لكن في باطنها التدمير والخراب.
من جهته، قال الشيخ نبيل نعيم، القيادي السابق في تنظيم الجهاد المصري لـ«الشرق الأوسط»، إن «الإخوان هم أصل العنف في العالم، وجميع جماعات الإرهاب خرجت من رحمها». وتصنف السلطات المصرية «الإخوان» كجماعة إرهابية، وتشير المعلومات إلى تحول قطاع عريض من شباب الجماعة والتيار الإسلامي، عقب عزل محمد مرسي عن الحكم في 2013، إلى تبني العنف، وقد هاجر العشرات من «الإخوان» إلى سوريا في أثناء حكم مرسي، وانضموا إلى تنظيم «جبهة النصرة»، ثم انتقلوا إلى «داعش». وأكدت دراسة الافتاء أنه خلال الفترة الأخيرة، ازداد نشاط المؤسسات المناصرة لتنظيم داعش، بتزويد «الذئاب المنفردة» التابعة للتنظيم بكم هائل من الكتيبات والإرشادات التي تشرح كيفية صناعة العبوات الناسفة والمتفجرات، وكيفية صناعة الأسلحة والسموم والأحزمة الناسفة، لاستخدامها في العمليات الإرهابية، مما يشكل خطورة كبيرة على أمن واستقرار المنطقة.