أطفال الشوارع في مصر.. قصص مؤلمة ومبادرة للقضاء على الظاهرة

يقدرون بمليوني طفل ويستغلهم البعض في المظاهرات

تفاقمت ظاهرة أطفال الشوارع وزاد عددهم بشكل أصبح يهدد أمن المجتمع وسلامته ({الشرق الأوسط})
تفاقمت ظاهرة أطفال الشوارع وزاد عددهم بشكل أصبح يهدد أمن المجتمع وسلامته ({الشرق الأوسط})
TT

أطفال الشوارع في مصر.. قصص مؤلمة ومبادرة للقضاء على الظاهرة

تفاقمت ظاهرة أطفال الشوارع وزاد عددهم بشكل أصبح يهدد أمن المجتمع وسلامته ({الشرق الأوسط})
تفاقمت ظاهرة أطفال الشوارع وزاد عددهم بشكل أصبح يهدد أمن المجتمع وسلامته ({الشرق الأوسط})

حكايات وقصص مؤلمة يرويها أطفال الشوارع في مصر، بعد أن أصبحت الأرصفة، والحدائق العامة، وسقوف الكباري وأنفاق المشاة مأوى لهم، يتسترون بها بلا سلاح أو بارقة أمل سوى المزيد من التشرد والجوع.
وفي الوقت الذي تقف الحكومة عاجزة عن احتوائهم، وإيجاد حلول إنسانية لهم، تفاقمت الظاهرة، واتسعت أعدادها بشكل أصبح يهدد أمن المجتمع وسلامته، الأمر الذي أقلق المؤسسة العسكرية، فطلبت من المسؤولين إحصاء دقيقا لأطفال الشوارع، حتى تعمل على تعليمهم ودمجهم في المجتمع.
«الشرق الأوسط» عاشت - في هذا التحقيق - جانبا من مآسي هؤلاء الأطفال، اقتربت منهم واستمعت لهم وتعاطفت مع أحلامهم الضائعة.. على رصيف هذه الحكايات تقول هند (14 عاما): «هربت من منزل أبي بعد أن طلق والدتي وتزوجت هي من رجل آخر، كان يضربني ويعتدي علي بشكل مبالغ فيه، فاضطررت إلى ترك المنزل والبحث عن أي عمل حتى عملت كخادمة في أحد البيوت ولكن لم أستمر طويلا، فعدت إلى الشارع مرة أخرى، لكن دون عمل، وأقضي يومي في التنقل بين إشارات المرور في الشوارع على أمل جمع بعض النقود تساعدني على الحياة».
ويقول سيد رمضان (16 عاما): «توفي والدي منذ نحو عام، ولم تستطع أمي تدبير نفقاتنا أنا وأخوتي الخمسة، فتركت المنزل لأبحث عن عمل، وأعمل حاليا كصبي ميكانيكي في إحدى الورش، أتقاضى 200 جنيه شهريا، لكن لا يوجد مأوى لي سوى أرصفة الشوارع والحدائق العامة».
ويزدادا المشهد سوادا في رواية سماح (17 عاما)، تقول: «نشأت في أسرة مفككة كان أبي يضرب أمي كثيرا ودون سبب، وبعد أن توفت أمي أثناء ولادتها لأخي الصغير، قررت الهروب من أبي، وتعرفت على مجموعة من الفتيات أخذوني إلى عالم الدعارة والمخدرات، إلى أن اكتشفت أني حامل سفاحا، وعند ولادتي للطفل قررت تركه في الشارع، حتى يعطف عليه أحدهم ولا أدري عنه شيئا حتى الآن».
هذه القصص وغيرها تتناسل بوجع فوق شوارع وأرصفة العاصمة المصرية، حيث يصادفك هؤلاء الأطفال، بملابسهم البالية، وأوجههم المكدودة من الفقر والمرض، يتسولون أو يبيعون أشياء بسيطة كالمناديل الورقية من أجل سد رمق الجوع.
وتشير إحصائيات منظمة اليونيسيف إلى ارتفاع عدد أطفال الشوارع في مصر لما يقرب من مليوني طفل! نسبة منهم تقترب من 60 في المائة يتسمون بالعدوانية، وعدم الانتماء للمجتمع مما يجعلهم شوكة تنخر في نسيج الوطن، كما تقول الدكتورة منى حسين أستاذ الطب النفسي والاجتماع، مؤكدة لـ«الشرق الأوسط»: «أن ظاهرة أطفال الشوارع ليست بجديدة على المجتمع المصري، فهناك عوامل عدة أدت إلى تفشي الظاهرة خلال العشر السنوات الأخيرة، مثل الأمية والفقر والبطالة وانتشار الجهل وعمالة الأطفال في سن مبكرة، مما يؤدي إلى انفصالهم تماما عن المجتمع، وعدم شعورهم بالانتماء، وهذا خطير جدا، مما يسهل استغلالهم من قبل جهات معينة بشتى الطرق السلبية، كان آخرها الاستغلال السياسي في المظاهرات واستخدامهم كوقود ودروع بشرية في مظاهرات (الإخوان) مقابل بضعة جنيهات هم في أشد الحاجة إليها».
ويعاني أطفال الشوارع في مصر من تفشي الأمراض فيما بينهم والتي تظهر متجلية في وجوههم الشاحبة وأجسادهم النحيلة، حيث تشير إحصائيات المنظمات الحقوقية التابعة للأمم المتحدة إلى إصابة 25 في المائة منهم بفيروس نقص المناعة المكتسبة (الإيدز)، بالإضافة إلى الكثير من الأمراض الأخرى التي يستعصي علاجها في بعض الأحيان خاصة عندما ترفض الكثير من المستشفيات استقبالهم لعدم وجود ضامن أو بطاقة هوية، بالإضافة لعدم توافر مصاريف العلاج مما يؤدي إلى تفشي الكثير من الأمراض التي تجعلهم يتنفسون الألم على اختلاف ألوانه، وهذا يضيف مأساة جديدة إلى المآسي التي يعانون منها، كما يقول أمير سالم رئيس الجمعية الوطنية لحقوق الإنسان.
ويؤكد سالم أن: المجتمع ككل يعد رافضا لهؤلاء الأطفال، فلا عجب عندما ترفضهم المستشفيات وتتركهم يموتون مرضا.
ويضيف في حديثه لـ«الشرق الأوسط»: «مشكلة أطفال الشوارع في مصر تعد وصمة عار في جبين الدولة المصرية المسؤولة عن توفير المأوى والمسكن والتعليم لهؤلاء الأطفال، كما أن الدولة يجب أن تضع خطة قومية تشارك فيها القوات المسلحة لفتح مدارس داخلية تضم هؤلاء الأطفال وتوفر لهم التعليم الجيد بجانب الاحتياجات الأساسية وأيضا تعليمهم مهنة يعيشون منها فيما بعد». وهو ما أيده أمير هلال، مدير المنظمة المصرية لحقوق الطفل الرأي السابق مضيفا: «على الدولة أن تتكفل بكافة حقوق الطفل الأساسية من علاج ومأوى ومسكن فهم على حد قوله لا يقلون أهمية عن كبار رجال الدولة الذين يتم علاجهم علي حسابها».
ويرى متابعون للظاهرة أن مبادرة الجيش المصري بقيادة وزير الدفاع الفريق أول عبد الفتاح السيسي بحصر جميع أطفال الشوارع تمهيدا لإلحاقهم بالمعاهد الفنية للقوات المسلحة، ستشكل خطوة أساسية في القضاء على هذه الظاهرة كما عدها الكثير من المثقفين والسياسيين بمصر نافذة مهمة في بناء مصر الجديدة وسد الطريق أمام استغلالهم بشكل سيئ.
ويرى الكاتب الصحافي يحيي قلاش عضو مجلس نقابة الصحافيين المصريين السابق أن هذه المبادرة تعد حلا جذريا للقضية برمتها عن طريق تعليم الأطفال مهنة أو حرفة ليصبحوا أعضاء فاعلين ومنتجين ويشعرون بالانتماء للمجتمع من جديد.
يضيف قلاش «هذا الحل من الناحية الإنسانية يستحق التقدير»، لافتا إلى أن هناك دولا في أميركا اللاتينية واجهت الظاهرة بالقضاء تماما على الأطفال ومعاملتهم ككلاب ضالة، في حين أنهم طاقة بشرية يمكن استغلالها بشكل إيجابي يحقق الرخاء لهم وللمجتمع.
ولا يقتصر استغلال أطفال الشوارع في مصر على السياسة فقط، بل أيضا يتم استغلالهم جنسيا، ويعد هذا الاستغلال الجنسي أبشع وأبرز صور الاستغلال والمآسي التي يتعرضون لها، وذلك وفقا لتقرير أصدرته الأمم المتحدة في مسح أجراه على أطفال الشوارع في القاهرة والإسكندرية، مؤكدا أن نحو 66 في المائة من الأطفال الذين شملهم الاستطلاع يتناولون بانتظام عقاقير خطرة، وأن 80 في المائة منهم معرضون لخطر العنف البدني من جانب مستخدميهم وأقرانهم، و70 في المائة منهم تسربوا من المدارس، و30 في المائة لم يلتحقوا بالمدرسة من الأساس.. وأهاب التقرير بضرورة حل هذه المشكلة، وبسرعة قبل أن تصبح وباء يصعب القضاء عليه.



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».