تنتعش تجارة الملابس المستعملة (البالة) بشكل لافت في القاهرة والمدن الكبرى الأخرى حاليا، لا سيما في المناطق المشهورة بالتخصص في بيعها مثل منطقة «وكالة البلح» بوسط القاهرة، أو «سوق بورسعيد» (شمال شرقي القاهرة)، لكن تم التوسع في بيعها بمناطق جديدة وأحياء متوسطة بالقاهرة والجيزة، ولجأ تجار مؤخرا إلى تأجير أو شراء محال فاخرة بشوارع رئيسية لعرض بضاعتهم المستعملة والمستوردة من الخارج، بطريقة حديثة بعد إعادة فرزها وتنظيفها وعرضها مثل الحديثة تماما.
وفسّر خبراء انتشار تلك الظاهرة في الآونة الأخيرة بمصر بحالة التضخم التي تعاني منها الفئة الفقيرة والمتوسطة بعد قرار «تعويم» الجنيه المصري أمام العملات الأجنبية في شهر نوفمبر (تشرين الثاني) 2016، بالإضافة إلى رغبة تجار الملابس المستعملة المستوردة من الخارج في تحقيق أرباح عبر التوسع في افتتاح محلات جديدة بمناطق كان يندر فيها بيع تلك الأنواع من الملابس.
من جهته، قال الخبير الاقتصادي المصري، عمر الشنيطي لـ«الشرق الأوسط»، إن «ارتفاع التضخم في مصر، لعب دورا كبيرا خلال العامين الماضيين في لجوء المواطنين للبحث عن بدائل متنوعة لسد احتياجاتهم الأساسية بعد ارتفاع أسعار معظم السلع نحو 50 في المائة تقريبا، وثبات الرواتب والأجور».
وأوضح أن «التضخم بمعناه المبسط يعني أن شخصا يتقاضى راتبا معينا كل شهر كان ينفقه على شراء سلع ومتطلبات بشكل دوري، لكن أسعار هذه المستلزمات ارتفعت إلى الضعف مثلا، وبالتالي كان على هذا المواطن البحث عن بدائل ليستطيع مواءمة الظروف الجديدة وارتفاع الأسعار، بشراء سلع رخيصة تناسب دخله المحدود، والملابس المستعملة تأتي ضمن تلك البدائل التي تناسب ذوقه وقدرته المالية».
وأوضح تجار ملابس مستعملة في مصر، أن مصدر بضاعتهم يأتي من دول أوروبية وآسيوية وخليجية، وتكون أسعار البالات المستوردة من أوروبا الأعلى سعرا، وتباع بالكيلو قبل أن يقوموا بفرزها وبيعها بالقطعة.
وفي شهر يناير (كانون الثاني) الماضي، قال الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء المصري، إن معدل التضخم السنوي العام، انخفض إلى 11.1 في المائة في ديسمبر (كانون الأول) 2018 مقابل 22.3 في المائة خلال الشهر المماثل من عام 2017. وهو أمر فسره محسن عادل، المدير التنفيذي للهيئة العامة للاستثمار، بأن «مصر استطاعت معالجة التضخم عن طريق زيادة حجم المعروض في السوق، حيث قامت بمشروعات مهمة مثل مشروع الصوب الزراعية وتخزين القمح، وتثبيت الأسعار».
وتبدأ أسعار ملابس البالة من 15 جنيها لملابس الأطفال وحتى 600 جنيه للملابس الشتوية، ويعرف المشتري الملابس المستعملة والمستوردة، بسهولة لأنها تكون قطعا فردية وغير مكررة. وقال محمد إبراهيم، تاجر ملابس مستعملة لـ«الشرق الأوسط»: «الزبون يبحث طوال الوقت عن القطعة الجيدة التي تحاكي القطع الجديدة، وبالتالي فإنه لا يشتري أي قطعة لا تعجبه؛ ما يضطرني إلى تخفيض سعرها، رغم دفع إيجار ورواتب عاملين شهريا». وأضاف: «يبلغ متوسط سعر البنطلون الجينز نحو 100 جنيه، والقميص 80 جنيها».
ورصدت «الشرق الأوسط» زيادة انتشار محال بيع الملابس المستعملة بشارعي «الملك فيصل» و«العشرين» بالجيزة، وهما شارعان يكتظان بمئات المحال التجارية.
ويقول أحمد مازن، صاحب محل بيع ملابس أطفال بشارع «العشرين» لـ«الشرق الأوسط»: «محال الملابس المستعملة زادت بنسبة 4 أضعاف خلال العامين الماضيين بالمنطقة، وأسعارها تنافس الملابس الجديدة، في ظل حالة الركود التي تعاني منها الأسواق حاليا». وأوضح أنه تم افتتاح 25 محلا تجاريا لبيع ملابس البالة في المربع الذي يعمل فيه فقط في الشهور الأخيرة، ويجري الاستعداد حاليا لفتح 4 أخرى، رغم أن عددها كان لا يزيد على 4 محال فقط قبل 4 سنوات من الآن.
وأرجع مازن رواج بيع الملابس المستعملة في الآونة الأخيرة بالمنطقة إلى «ميزة السعر المنخفض الذي تباع به الملابس المستعملة مقارنة بسعرها وهي جديدة، إذ تقل للثلثين أو النصف، ويفضل كثير من المواطنين شراء ملابس ذات جودة ولها اسم تجاري معروف (براند) بسعر مناسب».
وأضاف: «رغم ارتفاع أسعار الملابس المستعملة بسبب ارتفاع سعر الدولار، فإنها تشهد إقبالا جيدا حاليا، فسعر البنطلون الحديث الذي تنتجه إحدى الشركات العالمية مثلا يصل إلى 2000 جنيه في مصر، لكن يباع في محلات البالة بنحو 400 جنيه مثلا (الدولار الأميركي يعادل 17.6 جنيه مصري).
ولفت مازن إلى أن «أصحاب محلات البالة يقومون بشراء تلك الملابس بالجملة وبالكيلو، قبل أن يقوموا بإعادة فرزها وتنقيتها وتنظيفها وكيها مرة أخرى، وعرضها بشكل أنيق في المحال كأنها جديدة تماما، وتباع كل قطعة منها على حدة بسعر مختلف حسب خامة القطعة وجودتها».
وكشف تقرير صادر من الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء في مصر، أن حجم الواردات من الملابس المستعملة بلغت نحو 5 ملايين و996 ألف دولار، خلال الفترة من شهري يناير وأغسطس (آب) في عام 2017.
بدوره، قال عبد الله الشوربجي، صاحب محل بيع ملابس مستعملة بالجيزة، لـ«الشرق الأوسط»: «رغم ارتفاع أسعار إيجار المحلات في منطقة فيصل فإن ثمة قطاعا كبيرا من تجار الملابس المستعملة يحاولون البحث عن منافذ جديدة لبيع منتجاتهم، ويتراوح إيجار المحلات في الجيزة بين 8 آلاف جنيه و70 ألف جنيه شهريا». وأضاف أن التجار «يتخصصون في بيع أنواع الملابس المستعملة، فبعضنا يتخصص في بيع ملابس الرجال، وآخرون يبيعون ملابس الرجال والأطفال، بالإضافة إلى بيع الأحذية المستوردة المستعملة في محلات أخرى».
التضخم ينعش سوق «البالة» في مصر
تُجار يتوسعون في بيع الملابس المستعملة بمحال فاخرة
التضخم ينعش سوق «البالة» في مصر
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة